الفساد الإداري في مصر بلغ مرحلة لم يبلغها حتي فساد الإداريات، وصار من أصعب الأمور أن تشكو موظفاً أو مسئولاً، مهما ضؤل شأنه؛ لأن الفساد ينتشر انتشار النار في الهشيم، وعندما تتقدًَّم إلي جهة ما بالشكوي، يرفض الموظف المسئول تسلمها منك ( علي عكس ما كان يحدث في الأنظمة السابقة )، إلا إذا وافق رئيسه علي تسلمها، وهذا تضييع لحقوقك، ويتعاظم فسادهم، ولا تجد وسيلة لتشكو فسادهم، أو حتي لتبلغ المسئولين بهذا، مادام الحرامي هو الذي يقرِّر ما إذا كنت تبلغ عنه أو لا. وفي كل المصالح والهيئات، صار الفساد هو القاعدة، وعدم الفساد هو الاستثناء، الذي لا يستمر طويلاً؛ نظراً لأن الفساد معد، وقادر علي جذب غير الفاسدين، الذين يجدون أنفسهم إما معزولين عن الباقين، أو متورطين في جرائم لم يرتكبوها؛ لتآزر الفاسدين ضدهم. ومن الطبيعي أن يرفض الفاسدون وجود الشرفاء بينهم؛ لأن الشريف سيفضح الفساد ولن يقبل به، لذا فليس أمامه في وجودهم سوي حلين: إما أن ينضم إلي بوتقة الفساد، أو يترك له المكان ويرحل، فإن لم يفعل هذا وذاك، «فعليه العوض ومنه العوض»، وربما يجد نفسه مفصولاً في أفضل الأحوال، أو مسجونا في أسوئها. وهناك جهات كبري، تحوًَّلت بأكملها إلي منظومة فساد هائلة، يصعب علي أي كائن مواجهتها، إلا بقرارات سيادية حاسمة، ولعل أبسط صور الفساد أن كل من يتم تعيينه في تلك الجهات، هو من أبناء، أو أشقاء، أو أقارب، أو حتي جيران وأصحاب وأحباب المسئولين فيها، حتي إن نسبة التعيين بالكفاءة قد بلغت الصفر في ظل النظام الحالي، الذي يرهقنا طوال الوقت بالحديث عن الحرية والعدالة. ولو أن هناك حرية، لما جرؤ المسئولون علي التوغل في الفساد هكذا حتي النخاع؛ لأنه ستكون هناك بالتالي صحافة حقيقية حرة، وستلغي الصحافة الحكومية البوقية، التي تتصور أن مهمتها الوحيدة هي تحسين صورة كل مصيبة تقوم بها الحكومة، أو يقوم بها النظام. لو أن هناك حرية، لانصلح الجهاز الإداري، وخرج منه الفاسدون، وانتصر فيه الشرفاء، و... للحديث ختام.