حان وقت ضرب المربوط.. فالانتخابات علي الأبواب.. برلمانية ورئاسية.. والبلد كله راكبه عفريت.. قل عفاريت.. والسلطة أصبحت لا تطيق النقد أو حتي سماع الشكوي.. وحكاية الديمقراطية الشكلية وحرية الإعلام أثبت النظام عند الجد أنها هزار.. ففي الوقت الذي لم يطق فيه أهل الحكم تصنع الديمقراطية وترك أربعمائة متظاهر أمام قصر عابدين رغم أن جحافل الأمن المركزي كانت تغطي المكان بطريقة جعلت أمام كل متظاهر مائة عسكري، في هذا التوقيت قررت السلطة إتمام سيطرتها علي كل منافذ التهوية الإعلامية أمام الناس.. فكانت البداية بإغلاق قنوات أوربت حتي لا يسمعوا صوت عمرو أديب وبرنامجه الجماهيري «القاهرة اليوم».. الرسالة المفروض أنها وصلت للجميع في وسائل الإعلام مفادها أن الجناح المسيطر في السلطة وداخل الحزب مش عايز يسمع صوت ولم يكتف بذلك فضغط علي قناة «أون تي في» لإلغاء تعاقدها مع إبراهيم عيسي وبرنامجه «بلدنا بالمصري».. فخلال أسبوع واحد تم وقف برنامجين جماهيريين. لم تشأ السلطة أن تتعب نفسها وتجهد ذهنها حتي يخرج لنا سيناريو المنع حاملا قدرًا من الحبكة أو حتي الإثارة، فلا تزال السلطة مقتنعة بأنها تتعامل مع شعب يمكن الضحك عليه بشوية كلام. نعرف أن (بعض) برامج التوك شو الليلية باتت ومنذ فترة طويلة تشكل صداعًا لدي رجال السلطة ورموزها داخل الحزب الوطني، لكن لايتم التعامل معها بالمنع. بدأ السيناريو الرديء في الأسبوع الماضي عندما أخرج النظام أول مشاهد سيناريو فيلم (قمع الإعلام الفضائي) عندما أغلقت إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي استديو أوربت ومنع برنامج القاهرة اليوم، وساق النظام علي لسان مسئولي المدينة حجة متهافتة مفادها أن مسئولي قنوات أوربت لم يسددوا المتأخرات المستحقة عليهم، والرد البسيط لأي طفل والذي ينفي هذه الحكاية من جذورها ويتلخص في سؤال لمسئولي المدينة: هل إذا سددت قناة أوربت متأخراتها سيتم إعادة بث القنوات..؟ طبعا لن يحدث. الحكاية الثانية خاصة بقناة «أون تي في» والمملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس حيث يقدم الزميل إبراهيم عيسي برنامج توك شو ليليًا، وقد أصدرت القناة بيانًا أعلنت فيه عدم استمرار عيسي في تقديم البرنامج بسبب اعتذاره للقناة لرغبته في التفرغ لجريدة الدستور في الفترة الحالية. بالطبع القصة لا فيها دستور ولا تفرغ ولا حاجة.. بل هي رغبة النظام في قصقصة ريش نوعية بعينها من مقدمي برامج التوك شو وليس كلهم فغالبيتهم من النوعية التي يمكن التفاهم معها. لم يجتهد النظام في إخراج الفيلم عبر سيناريو جيد الصنع والحبكة بل لاتزال يد البطش هي الغالبة، رغم أن برامج التوك شو الليلية لم تعد تحظي بنفس نسب المشاهدة العالية التي كانت في بدايتها، ورغم أن الحزب الوطني وأمانة السياسات والحكومة والمسئولين أصبح لهم برنامجهم الرسمي في تليفزيون الدولة، إضافة إلي جهازها الإعلامي الرسمي.. لكن ساعة الجد قررت السلطة التضييق علي الإعلام الخاص، خاصة أنه من المتوقع أن يسبب صداعا في الرأس بسبب انتخابات مجلس الشعب التي ستجري بعد أسابيع.. ومطلوب طبخ المسألة وتظبيطها ومش معقولة ستكون مفتوحة أمام كاميرات برامج التوك شو. نعرف أن انتخابات الرئاسة ستحل بعد شهور ويريد النظام أن يُغيِّب عنها الإعلام الخاص الذي كان له دور كبير في فضح ممارسات التزوير في الانتخابات التشريعية السابقة. المعني أن الدولة ومجموعة البطش بها المعادية للحريات هي التي تدير الآن، وكلما ازدادت مساحة الخوف والقلق لدي النظام زاد من أسلوبه القمعي لذا لا يفكر في طريقة جيدة لإخراج السيناريو. رسالة نهي الزيني الشهيرة بفضح تزوير انتخابات دمنهور لن تتكرر، ووقفة القضاة بأوشحتهم لن تتكرر، ومظاهرات الحركات الاحتجاجية علي سلالم نقابة الصحفيين لن تتكرر، وبرامج أديب وعيسي يجب ألا تري النور.. هكذا يفكر الجناح المعادي للحريات في السلطة.. لكن ليس كل ماستتمناه السلطة ستدركه.