الناس في بلادي والشباب علي وجه الخصوص: ابنتي وابنتك، ابني وابنك، حبّات عيوننا، يتوحّدون بين الحين والآخرعلي حالة لم تعد تطيق صبرا علي أحوال مجتمعهم . يحيطهم تباطؤ حكوماتهم في التحرّك علي طريق حلّ المشاكل الأساسية للحياة و ضدّ الظلم الاجتماعي . وذلك في بيئة محلية من التزايد السكّاني الهائل ، وتسييس الدين مع دروشة المجتمع، وأحوال التنمية وعلاقتها بالانتاج والبطالة وكلّ ما تقوم به الراسمالية العشوائية. والإخلاص لأبنائنا وبناتنا يلزمنا المسؤولية إزاء التحرّكات العديدة للمواجهات التي تكاثرت في الأعوام القليلة الماضية، من إضراب عمّال المحلّة إلي نزول شباب 6 إبريل الأخير في ميدان التحرير. هذه التحرّكات تتعقّد وهي تواجه صعوبة الوصول إلي الجماهير ، وقد تخطيء وتصبح غيرقادرة علي تأكيد طابعها السلمي غير المضمون . والسياسي من التحرّكات منعزل عن ذلك المتعلّق برفع الأجور والشكوي من غلاء الأسعار، وسوء الخدمات وحالة البؤس في المناطق العشوائية .. نعترف بأنّ الحكومات المتعاقبة لم تستطع أن تواكب بشكل ملموس النداءات الجماهيرية، وفي الوقت نفسه لايمكننا ألاّ نرتعب من شرارة ضمن الشرارات العديدة التي تتطاير في البلاد نتيجة للأزمات السياسية والاقتصادية والثقافية وإثارة الفتنة الطائفية. الإصلاح السياسي وطالما يبدو صحيحا أن مجتمعنا قد اختار التركيز علي ضرورة الإصلاح السياسي تعلو وتيرة المناداة به مع كلّ انتخابات برلمانية ورئاسية، فإن ذلك يستتبع أنّ المهمّة الأكثر إلحاحا تصبح الحصول علي إطار للمفاهيم يمكن للتغيير الديمقراطي من خلاله أن يكون له غايات انسانية ذات معني. ويقع هذا علي عاتق الثقافة الاجتماعية والسياسيةّ التي يجب أن يتحلّي بها كل سياسي وصحفي وإعلامي. ومالم نعط انتباها لذلك فستبقي محاولاتنا للتغيير الديمقراطي دون اتّجاه،حبلي بالامكانيات المتاحة أمام قدرة إنجاز متخبّطة وخاضعة لشهوة الإعلان عن وجود بعض العناوين والأشخاص .. وقد تصبح مدمّرة ، وظهر بالفعل انفعال تحت قبّة البرلمان تهوّربالمطالبة بإطلاق الرصاص علي المتظاهرين القلائل جدّا! وقد قيل مرارا إنّ حالات التوحّد التي تتمّ بين الحين والآخر بين قطاعات من الشباب والناشطين السياسيين الجدد «كفاية، 6إبريل، وحركات كثيرة تمتدّ إلي أطفال من أجل التغيير، ولاءات تصرخ بالعواطف فلا تتيح لمن ينادي أولغيرهم فرص التفكيرالعقلاني، ودعوات من هيكل إلي الجمل، ثمّ المتغير الحالي بدخول الدكتور البرادعي ..» كلّ هذا التراكم يعكس مثالية شديدة بقدر ماتؤكّد الرغبة في التغيير بقدر ما تشهد علي التخبّط في الوصول إليه. والراقدون علي الرصيف أمام البرلمان، لم يبدوا اهتماما بماجري في ميدان التحرير، بل ضاقوا به ، وربّما استشعروا فيه خطرا علي مطالباتهم الفئوية،وربّما لاتعنيهم الانتخابات المقبلة أو يستوعبوا أثرا لنتائجها علي ماراحوا يشكون منه وربّما لم يتح لهم بعد أن يعرفوا عن البرادعي ولجنة التغيير التي شكّلها. أكثر التفسيرات وضوحا هوأنّ مايهمّ المصريين هو شأنهم المعيشي، وعموما فكل من الحراك من أجل المطالب الاقتصادية أو الديمقراطية يفتقر إلي حضور جماهيري مؤثّر ويعاني من سلبية شعب محبط . وكلاهما يجري في انفصال عن الآخر، والجهد الإرادي القومي ولو حتّي للاستماع فضلا عن تحقيق المطالب غير جاهز أو يبدو ناقصا . ولن يكون في مقدورنا وضع هذه الأشياء الضرورية والمتناقضة ، في خدمة غد أفضل أو حماية السلام الاجتماعي، مالم يتصدّ التنوير لإضاءة الصعوبات والتعقيدات سواء علي الصعيد النظري أوالسياسي . ومع تراكم الأحداث يخلق الإحباط المتكرّر الاغتراب الحاد، كما يخلق الجمع بين مايجب أن تكون عليه الحالة والشكّ في وجود مخرج، الظروف الملائمة للدعوات التي تتكاثر أمام أعيننا وتقوم علي الانفعال وعلي الرغبة في الوصول إلي صيغة ثنائية بسيطة ! لاتملك الثقافة السياسية والاجتماعية أن تكون بمنأي عن مسئولية والتزام رفع الوصاية عن الشباب الذي نشحنه صباح مساء بالمثالية والشك ، فيعجز عن تقييم القضايا السياسية والاجتماعية الجاثمة تحت السطح المصمت للنظام والمجتمع، أو الكامنة تحت وطأة الحدث الطاريء..وإن كان اصطدام قطارين، أو خناقة أمام مخبز علي رغيف العيش، أو سقوط صخرة الدويقة علي الغلابة من سكّان المقطّم. خيبة أمل في الديمقراطية ظلّت مواجهة الحركات الإرهابية التي أطلقهاالتطرّف الإسلامي ولاتزال ،من بين القضايا الكبري التي عطّلت وحفّزت خيبة الأمل في الديمقراطية الليبرالية وقدرتها علي الحسم وعلي مواجهة مشاكلها القديمة والجديدة. ولأكثر من ثلاثين عاما صار الشكل الرئيسي للمعارضة أو النشاط الجماهيري عموما في مصر في يد الممارسة الاسلامية السياسية التي استلبت الحضور الجماهيري المؤثر والمساند للنضال الديمقراطي. ونشط الإسلاميون من كلّ لون يوفّرون تبريرا مريحا يفسّر إخفاقنا في التوصّل إلي التعقيدات الفكرية لعصرنا ويديرون ظهورنا للمهمّة الصعبة البطيئة التي لامفرّ منها لإعادة تجديد الدولة المدنية القادرة علي التغيير الاجتماعي منقضّين علي عقولنا ومشاعرنا ب" الإسلام هو الحلّ " ! ويشيع الاعتقاد حتّي لحظتنا هذه بأن الناس تقضي وقتها كله بعد التفرّج علي ماتشات الكرة والمسلسلات،في البحث عن لقمة العيش أو الاستماع إلي ما ينتظرها بعد الموت ! ولاوقت يبقي لديها للقضايا الكلية بما فيها قضية الديمقراطية! يدخل علي توضيح الأمور تعقيد خطير،يقوم علي تنويرنا صحف وقنوات الإثارة، يقال لها مستقلّة ، يجلس في صالات التحرير واستديوهات يملكها الرأسماليون محرّرون ومقدّموا برامج، اكتشفوا حلاوة اللعب في الحدائق الخلفية لأمور ديننا ودنيانا! ليحصل بعضهم علي دخول مادّية باهظة تسرّبت أنباؤها مؤخّرا ،ثمنا لإفلاسهم عندما يتعلّق الأمر بالمهمّة الصعبة الخاصّة بالخلق الإعلامي من الواقع الإنساني كما هو ، بدلامن استخدامه للتنفيس عن انفعالات الناس ، أوشعورا بالإنجاز لدي المعجبين واستحقاق تدفّق الإعلانات تملأ الفواصل والصفحات ! يأتي بعد ذلك أنّ النشطاء الجدد،الذين لايألون جهدا عن توجيه الاتّهامات لمنتقديهم، بالتخاذل أو العمالة للسلطة، يفشلون في أن يأخذوا في الاعتبار،غياب وانقطاع التراث النضالي والخبرة العملية والسياسية لسنين طويلة - مايزيد عن نصف قرن من الحكم الشمولي ، وغياب مؤسّسات المجتمع اليموقراطي وبالذات الأحزاب السياسية . يترفّعون عن التواضع بالاعتراف بأنّهم حديثوا عهد وعمل بقضايا التغيير السلمي كما هي رأسماليتنا التي تفتتح لهم القنوات والصحف ، ليلعبوا علي إحباط الشباب ومثاليته! نتوزّع بين طريقتهم لإيقاظ حماسنا، وقد تفرّغوا تماما لاتّهام ولوم النظام العام بالوقوف أمام حركة الناس ورغبتهم في المشاركة وفي إحداث التغيير السلمي، وبين من يري وهم كثيرون أن هذا النظام إن لم يكن يعمل بكفاءة نسبية، فالمطلوب زيادة كفاءته أو إصلاحه .لا ننكر الأخطاء والثغرات وأوجه القصور في أكثر من مجال وقطاع،مع الاحتفاظ بحقّ الناس وحرّيتهم بالحكم وفي حرّية علي الأمور، ليس كلّ شيء سوادا وليس كلّه بياضا.نتمتّع ولو بحقّنا في التفاؤل المشروع ونمارس واجبنا في النقد الإيجابي . والعجيب أنّ الحذر ممسك برقاب المخلصين من كلّ لون وكلّ من يسرّ إليك القول، تجد له حسابا يضمره حول هزّة قد لانتحمّلها،كماتجد لديه حيرة بشكل أو آخر حول جماعة الإخوان ! يبدو الحراك المصري الذي يقوده النشطاء الجدد في الميزان !إنّه إلي حدّ كبير ظاهرة انتقالية، وعلامة علي التوتّرات التي تصاحب التفاعل المتبادل لقوم يصرّون علي التغير والتحوّل، وفي كلّ الاحتمالات سيستمرّ ظهور "فوق الثوريين ".. فمتي أخذوا علي عاتقهم الرسالة العظيمة، يتصوّرون أنّهم قادرون علي تدمير الاستبداد والفساد بضربة واحدة، عليهم ألاّ يعتمدوا علي الحظّ والصدفة كأشياء متوقّعة.يعطون جهدهم الأسمي في البحث عن "مفجّر" قد يتطاير شرره لأبعد من إيقاظ الناس !وتتحوّل جهودنا العظيمة إلي أسئلة صعبة في ذمّة التاريخ: من الذي حرق القاهرة ؟ وهل انتفاضة 18،19 يناير عنف قهر أم عنف حرامية؟