جاء صوته عبر الهاتف غاضبا وصارخا ورافضا لما حدث من القس الأمريكي الذي مزق القرآن الكريم أمام عدسات الإعلام ولقد حاولت كثيرا أن أهدأ من روعه وأؤكد له أن ما حدث من هذا القس ليس دليلا علي موقف المسيحيين من الدين الإسلامي ولكنه موقف رجل أحمق فقال لي إنه ليس قسًا إنه لص يسرق أحلامنا وعلاقتنا الطيبة بالمسلمين.... هذا الصوت ليس صوت رجل مسلم ولكنه صوت صديق مسيحي مصري له باع طويل في العمل العام ولم يتركني إلا بعد أن أخذ مني وعدا بأن أنشر له ما قاله بالجريدة المحلية التي أتشرف بإصدارها في محافظة المنوفية وكان هذا الرجل هو الأستاذ عياد جرجس . مشهد آخر... حزن ودموع في عيون أهلي في أوائل السبعينيات وهم يودعون جارًا مسيحيًا كان منتقلا إلي الإسكندرية لا يمكن أن أنسي هذه الدموع ولا هذا الحزن الذي انتاب أهلي في هذه اللحظات ولا يمكن أن أنسي الرجل وهو يهدئ من روعهم ويؤكد لهم أن اللقاء قريب في الإسكندرية عندما يأتون للمصيف وفعلا عندما كان يذهب الأهل للإسكندرية كان من أهم محطاتهم الترويحية هو الذهاب لجارنا القديم المسيحي في الإسكندرية للسمر وتذكر الأيام الجميلة بمدينتنا بالمنوفية.. . أنه مملوك فلتاءوس سوريال مشهد آخر.. .صديق مسيحي كان من صغره يمثل لنا مصدرا للشهامة والرجولة فهو ابن أحد كبار تجار المدينة ويملك في جيبه الكثير من المال الذي لا نملكه ولا نحلم في طفولتنا أن نراه ومع ذلك كان دائم السخاء مع أصدقائه المسلمين في العزومات كان ذلك وهو طفل وظل كذلك وهو رجل من أهم التجار بالمدينة وعندما يقع أحد من أصدقائه المسلمين في ورطات مالية كان صديقنا المسيحي هو الملجأ لحل المشكلة بحب واحترام لا يمكن إنكاره لذلك ظلت العلاقة بينه والمسلمين مثالا نادرا للتوحد والرجولة إنه يونان عزيز. مشهد آخر.. . صديق مسيحي كان وما زال مثالا نادرا لخفة الدم التي لا يمكن لأحد أن يتعامل معه إلا ويلاحظها، ظل لسنوات طوال بيننا مصدرا للسخرية الإنسانية العالية من مجموعة أصدقائه جميعا لم أر يوما إحساسًا ساور أحدًا من الأصدقاء أنه مسيحي ولا يمكن أن يسخر مننا بما يقوله الآن وكلنا كنا نذهب إليه في محل الذهب الذي يملكه حتي نستمتع بقفشاته وسخرياته منا ومنه فهو أيضا كان أقدر شخص علي السخرية من نفسه إنه.. رأفت نجيب. تذكرت كل تلك المشاهد وأنا أتابع المعركة التي حدثت أخيرا بعد تصريحات الدكتور سليم العوا علي شاشة الجزيرة عن تكدس الأسلحة بواسطة المسيحيين في مصر داخل الكنائس وردود أفعال رجال الكنيسة علي ذلك وأيضا تصريحات القس بيشوي بأن المصريين يعيشون في مصر ضيوفا علي المسيحيين. بالنسبة للتصريح الأول فأنا شخصيا لم أستمع إليه ولم أقرأه وأنا أيضا صعب أن أصدقه بل إنني صدقت نفي الدكتور العوا لأنني أعلم جيدا من خلال متابعتي لهذا الرجل أنه لا يمكن أن تصدر منه مثل هذه التصريحات ومع أن الرجل هويته الإسلامية واضحة وجلية في تاريخه كله لكن تاريخ العوا يؤكد أنه رجل مناضل موضوعي دقيق في كلامه يمتلك ثقافة واسعة يعشق بلده بكل ما فيها من مسلمين ومسيحيين لذلك صعب أن تخرج تلك التصريحات من هذا الرجل المحترم أما تصريحات القس فإنني بحق لا أستطيع أن أرد عليها وسأستعمل رد بعض السياسيين علي بعض التصريحات بأنه.. لا تعليق. إنني أري أننا نمتلك في مصر الكثير من المشاكل الموجودة بين المسلمين والمسيحيين وأعلمها وأراها ولكني لا يمكن أن أنكر أن تلك المشاكل بعضها كبير والبعض الآخر صغير لكن الحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها أحد إننا امتلكنا في مصر عبر تاريخنا الطويل علاقة من نوع مختلف وهي علاقة المسلمين بالمسيحيين علاقة في أكثر الأوقات يملؤها الحب والود ويمكن أن تقول أنها علاقة طيبة.. . تجدها بين البسطاء سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين. إننا نمتلك تراثا قويا لعلاقة طيبة تجمع بين الاثنين ومن يريد أن يشعل فتيل النار في تلك العلاقة فلابد أن يعلم أن النار ستحرق الجميع ليس مسلمين فقط ولا مسيحيين فقط بل كلنا سنحترق لأن علاقة الإنسان بالدين تحتاج الموضوعية والعقل والبعد عن التسخين.