رئيس الوزراء يهنئ الشعب المصرى بعيد الأضحى المبارك    وزيرة الهجرة: تفوق الطلبة المصريين في الكويت هو امتداد حقيقي لنجاحات أبناء مصر بمختلف دول العالم    خريطة ساحات صلاة عيد الأضحى في القاهرة والجيزة | فيديو    تنفيذ 4 حالات إزالة فورية لتعد بالبناء المخالف فى الإسماعيلية (صور)    وانكشف الإدعاء على الرئيس مرسي .. "السيسي" يمنح الإمارات حق امتياز قناة السويس ل 30 عاما    هذا نص مقاله .. ديفيد هيرست : "بلينكن" يجر "بايدن "إلى أعماق المستنقع الإسرائيلي بهذه الخطوات ؟    الأكبر خلال الأسابيع الماضية، تظاهرات حاشدة في تل أبيب للمطالبة بإسقاط الحكومة    يورو 2024.. ساوثجيت: عبور دور المجموعات أولوية إنجلترا    مصطفى محمد يخضع لفحص طبي بمعرفة طبيب المنتخب الأولمبي    هاري كين: منتخب إنجلترا يتواجد في ألمانيا للتتويج ب يورو 2024    رياضة الغربية: ساحات مراكز الشباب تستعد لإقامة صلاة عيد الأضحى    يورو 2024 – هاري كين: نحن هنا للفوز باللقب في النهاية    إقبال على شارع المعز في ليلة عيد الأضحى المبارك 2024 (صور)    "بلدي التانية".. عمرو دياب يصل لبيروت    أخبار الفن: المشاهير يؤدون مناسك الحج.. الهضبة يحيي حفل بالأبيض فى لبنان.. وتفاصيل البوكس أوفيس لأفلام عيد الأضحى الأربعة بدور العرض    الشرطة الإسرائيلية تعتقل 5 من المتظاهرين في تل أبيب    سنن صلاة عيد الأضحى المهجورة..تعرف عليها    خطوة بخطوة .. تعرف علي ما سيفعله الحاج يوم العيد    وكيل صحة دمياط يتفقد العمل بمستشفى الحميات: العاملون ملتزمون بمعايير مكافحة العدوى    10 نصائح من معهد التغذية لتجنب عسر الهضم في عيد الأضحي    وفد وزارة العمل يشارك في الجلسة الختامية لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    ازدلاف الحجيج إلى المشعر الحرام    خادم الحرمين وولي العهد يبعثان برقيات تهنئة لقادة الدول الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    بهاء سلطان يطرح أغنية «ننزل فين» تزامنا مع عيد الأضحى    أمين الفتوى بقناة الناس: رسول الله بلغ الغاية فى حسن الظن بالله    أصغر من 6 لاعبين.. مدرب برايتون الجديد يحقق أرقامًا قياسية في الدوري الإنجليزي    بعد إعلان وفاته.. ما هي آخر جائزة حصل عليها ماتيا ساركيتش؟    «مكنش معايا فلوس للأضحية وفرجت قبل العيد» فهل تجزئ الأضحية دون نية    الزراعة: متبقيات المبيدات يفحص 1500 عينة منتجات غذائية.. اليوم    «الصحة السعودية»: تقديم الرعاية لأكثر من 112 ألف حاج وحاجة حتى وقفة عرفات    محافظ أسوان يتابع تقديم الخدمات الصحية والعلاجية ل821 مواطنًا بإدفو    مجدي بدران يقدم 10 نصائح لتجنب الشعور بالإرهاق في الحر    بمناسبة صيام يوم عرفة، توزيع وجبات الإفطار للمسافرين بالشرقية (فيديو وصور)    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إعداد معلمي رياض الأطفال ب«تربية القاهرة للطفولة المبكرة»    الأوقاف: خطبة العيد لا تتعدى 10 دقائق وتوجيه بالتخفيف على المصلين    ما أسباب تثبيت الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة؟.. خبير اقتصادي يجيب    موعد صلاة العيد 2024 في الأردن.. اعرف الأماكن    رونالدينيو: لن أشاهد البرازيل في كوبا أمريكا    الإسماعيلى متحفز لإنبى    ماهر المعيقلي خلال خطبة عرفة: أهل فلسطين في "أذى عدو سفك الدماء ومنع احتياجاتهم"    "الخضيري" يوضح وقت مغيب الشمس يوم عرفة والقمر ليلة مزدلفة    كم تكبدت الولايات المتحدة جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟    نقل حفل كاظم الساهر من هرم سقارة ل القاهرة الجديدة.. لهذا السبب    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأبراج في الأسبوع الثالث من يونيو 2024    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    أردوغان: النصر سيكون للشعب الفلسطيني رغم همجية إسرائيل ومؤيديها    مستشفيات جامعة عين شمس تستعد لافتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ والسكتة الدماغية    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    جورج كلونى وجوليا روبرتس يشاركان فى فعالية لجمع التبرعات لحملة بايدن    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة مياه الصرف الزراعي تدخل «جينيس» ب4 أرقام قياسية جديدة    نزلا للاستحمام فغرقا سويًا.. مأساة طالبين في "نيل الصف"    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 يونيو 2024    المشهد العظيم في اليوم المشهود.. حجاج بيت الله يقفون على جبل عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    هالة السعيد: 8.6 مليار جنيه لتنفيذ 439 مشروعا تنمويا في البحيرة بخطة عام 2023-2024    «التموين»: صرف الخبز في المدن الساحلية دون التقيد بمحل الإقامة المدون بالبطاقة    «تقاسم العصمة» بين الزوجين.. مقترح برلماني يثير الجدل    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلمي النمنم يكتب :لماذا خرجت دعوة حرق القرآن من أمريكا وليست من أوروبا؟!
نشر في الدستور الأصلي يوم 17 - 09 - 2010

ضحايا تنظيم القاعدة في العراق من المسلمين أضعاف ضحايا برج التجارة العالمي في نيويورك
بعض الدراسات تتحدث عن أن بعض مسلمي الأندلس هربوا من الاضطهاد في بلادهم إلي أمريكا بحثاً عن ملاذ آمن.. فما الذي تغير؟
انتهت مؤقتاً أزمة القس الأمريكي المتعصب «تيري جونز» الذي اعتزم القيام بإحراق مائتي نسخة من القرآن الكريم في ذكري يوم 11 سبتمبر، ومنذ أن أعلن «جونز» نيته تلك مر العالم بحالة من القلق والغضب، فقد أدان بابا الفاتيكان مسلك ذلك القس، واعتبرته وزيرة الخارجية الأمريكية «عملاً مشيناً» وأدانه كذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وأعلن أوباما بوضوح أن تنظيم القاعدة عدو أمريكا وليس الإسلام، وقيل إن وزير الدفاع الأمريكي اتصل بالقس تليفونياً وأقنعه بالعدول عن فكرة إحراق المصحف الشريف.
دعوة القس وجدت إدانة واسعة في العالم الإسلامي، الرئيس مبارك وصفها بأنها تمثل عنصرية بغيضة معادية للإسلام وللمسلمين، وأدانها كذلك كل من الرئيس الإندونيسي والرئيس الأفغاني، وقامت مظاهرات صاخبة في كل من باكستان وأفغانستان تندد بالقس ودعوته، وأحرق المتظاهرون في باكستان العلم الأمريكي، وفي مصر أدان شيخ الأزهر د. أحمد الطيب وقداسة البابا شنودة موقف ذلك القس، وأدانته كذلك الكنيسة الإنجيلية في مصر.
من أراد إحراق المصحف «قس مغمور» يرأس كنيسة محدودة لا يتجاوز أتباعها العشرات في ولاية فلوريدا، وهو بالتأكيد متطرف وعنصري، وأكاد أقول مختل نفسياً، فالتطرف والعنصرية نوع من الخلل النفسي والعقلي، ولكن كم من الأزمات العالمية والإنسانية أحدثها مختلون نفسياً وعقلياً، فالعقلاء والأسوياء لا يحدثون هذا النوع من الأزمات.. هذه الأزمة تكشف أزمة ثقافية حقيقية في المجتمع الأمريكي تجاه الإسلام ذاته، وقد استفحلت هذه الأزمة بعد 11 سبتمبر 2001، ولابد من البحث في جذورها ومحاولة التعامل الإيجابي معها، وربما لو صدرت دعوة «تيري جونز» في أوروبا لأمكن تفهمها، ذلك أن أوروبا تنطوي علي ميراث من العداء للإسلام، ينطلق هذا الميراث من احتكاكات عنيفة وقعت عبر التاريخ بين الجانبين، ويمكن أن نجد نماذجها الكبري في الحروب والحملات الصليبية، وهذه الحملات انطلقت من أوروبا كلها، نحو فلسطين، حيث مولد وقبر السيد المسيح، وبعضها جاءت نحو مصر باعتبارها الباب والمدخل إلي فلسطين، جاءت باسم الصليب واتخذت منه شعاراً لها، وبينما أطلق المؤرخون المسلمون عليها وصف «حروب الفرنجة» كان المؤرخون الأوروبيون يسمونها ومازالوا «الحروب الصليبية»، وهناك كذلك عملية طرد العرب نهائياً من إسبانيا ومعهم الإسلام، ولم ينس المؤرخون الأوروبيون أن البحر المتوسط كاد أن يصبح في بعض لحظات التاريخ بحيرة إسلامية، ولم ينس هؤلاء أيضاً أن الجيوش الإسلامية طرقت بعنف أطراف أوروبا وتوغلت فيها أحياناً، بل إن جيوش العثمانيين وقفت علي أبواب فيينا، كل هذا موجود في أعماق الوعي الأوروبي، ويطفو علي السطح بين حين وآخر إلي اليوم، لكن الولايات المتحدة أو «العالم الجديد» ظهرت بعد هذا الاحتكاك العنيف، ومن ثم فهي مبرأة من ذلك الميراث الدامي والعنيف، وهي بلا عقد تاريخية تجاه الإسلام والمسلمين، بل هناك بعض الدراسات التي تحتاج إلي متابعة ودأب تتحدث عن أن مجموعات من مسلمي الأندلس حينما ضاق عليهم الخناق، وكان من الصعب عليهم العيش في بلادهم تحت وطأة محاكم التفتيش والتنصير القسري وصعب عليهم أيضاً أن يتوجهوا إلي أي من البلدان الإسلامية المجاورة، فإنهم رحلوا إلي الأرض الجديدة، أي أمريكا، وهناك عاشوا وذابوا فيها، صحيح أنهم لم يجهروا بإسلامهم هناك ولا أسسوا جالية إسلامية، لكنهم ذهبوا بالقيم الإسلامية وثقافتهم الإسلامية كذلك، لذا لم يكن المجتمع الأمريكي رافضاً ولا معادياً لتلك الثقافة، وفي إحدي الولايات الأمريكية في الجنوب تمت إقامة عدة تماثيل وضعت أمام مبني محكمة الولاية، وكانت هذه التماثيل لشخصيات عالمية تعد رموزاً للعدالة وللحق، وكان بينها تمثال لنبي الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم باعتبار أنه يمثل نموذجاً للعدالة وللحق، وظل التمثال فترة إلي أن تنبه عدد من المسلمين إليه، فنبهوا بدورهم حكام الولاية إلي أن المسلمين لا يحبون ولا يجيزون أن يكون هناك تمثال لنبيهم، وأن ذلك يؤذي مشاعرهم، فاحترم مسئولو الولاية هذه المعاني ورفعوا التمثال، ووضعوه في مخزن بالمحكمة.. هذا الموقف يؤكد أن هناك تقديراً في المجتمع الأمريكي آنذاك أي نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين لنبي الإسلام ومن ثم للإسلام ذاته وللمسلمين، وذلك لم يصدر من فراغ، بل عن معرفة وإلمام بقيم الإسلام الرفيعة والنبيلة، وثقافته الإنسانية المفتوحة، وفي المقابل كان هناك لدي رواد النهضة العربية تقدير وإدراك لما تنطوي عليه أمريكا من تطور ونهوض، فضلاً عن عدم وجود مبرر للعداء معها أو رفضها، لم تكن أمريكا في الوعي العربي والإسلامي مثل فرنسا أو بريطانيا، فيهما النور والنار، التقدم والنهوض، لكن إلي جوارهما وربما يسبقهما الاستعمار والنهب المنظم لثروات بلادنا ومجتمعاتنا، ولنتذكر أن مدافع نابليون كانت المشهد الافتتاحي لمعرفتنا بأوروبا الحديثة، صيف سنة 1798 لم تكن أمريكا متورطة في استعمار أو احتلال، لذا نجد إشارات إيجابية كثيرة للولايات المتحدة في كتابات قاسم أمين ولطفي السيد وزينب فواز وعلي يوسف وغيرهم من الكُتاب والمجددين الكبار، ونذكر جميعاً أن مبادئ ويلسون فور انتهاء الحرب العالمية الأولي كانت ملهمة للزعماء المصريين بأن يطلبوا من المعتمد البريطاني في مصر الاستقلال والحرية، وكانت انطلاقة ثورة 1919، وحتي حينما تراجع ويلسون بعد تفجر الثورة في مصر وتحت ضغط بريطانيا العظمي عليه، فإن الثورة المصرية كانت قد انطلقت، وبقيت مبادئه الأولي محفورة في ذاكرة المصريين والعرب، وموضع تقديرهم، لذا لم يكن غريباً أن عدداً من الكتاب والمثقفين العرب حينما قرروا الهجرة من بلادهم اختاروا الولايات المتحدة للعيش بها مثل اللبناني أمين الريحاني ومن قبله جبران خليل جبران ومن مصر د. أحمد زكي أبوشادي، ثم حدثت تطورات ووقائع أفسدت هذه الصورة وملأتها بالرتوش علي الجانبين.. من ناحيتهم ومن ناحيتنا.
من ناحيتهم كان التدخل الأمريكي العنيف منذ نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات لوراثة الدور البريطاني والفرنسي في المنطقة هو بداية الأزمة، حيث تدخلت المخابرات الأمريكية بترتيب عدة انقلابات في سوريا ثم تدخلها العنيف للإطاحة بحكومة د. محمد مصدق في إيران وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي مؤشراً علي تغيير الصورة، وكان هذا التدخل مكشوفاً ومعروفاً لقطاعات واسعة من الرأي العام في بلاد المنطقة مع وجود تيارات يسارية متأثرة بالاتحاد السوفيتي آنذاك، فأخذت تلح علي هذه التدخلات وتفضحها، ولم تعد الولايات المتحدة هي القوة الخيّرة في العالم، بل صارت القوة الإمبريالية في نظر الكثيرين، لكن كان من الممكن التغلب علي هذه الأمور باعتبار أنها في النهاية تدخل في باب الخلاف السياسي، وهناك أطراف من بيننا دعت إلي هذا التدخل وسعت إليه أو استفادت منه، خاصة أن العدوان الثلاثي وقع علي مصر سنة 1956، ولم تكن أمريكا مناصرة للمعتدين، بل وقفت ضدهم وأيا كانت دوافعها لذلك فإنها في النهاية كانت إلي صورنا وحسن ذلك من صورتها كثيراً، لكن الكارثة الحقيقية كانت في حرب 5 يونيو 1967، حيث ساندت أمريكا بقوة إسرائيل وعاونتها علي احتلال باقي فلسطين، خاصة القدس وما تضمه من مقدسات إسلامية في مقدمتها المسجد الأقصي، أولي القبلتين، كان ذلك ومازال مهيناً بحق لمشاعر العرب والمسلمين عموماً، وسيبقي كذلك ما لم تحل مشكلة القدس والمشكلة الفلسطينية.. ومع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والمستمرة علي الفلسطينيين والإصرار علي تهويد القدس والعبث بالمسجد الأقصي والمساندة المطلقة من الولايات المتحدة لإسرائيل تتولد الكراهية أو الرفض لأمريكا بين المسلمين والعرب.
وكانت هناك فرصة ذهبية لتغيير الرأي العام في المجتمعات الإسلامية تجاه الولايات المتحدة وذلك حين انهار الاتحاد السوفيتي، ومن ثم لم تعد هناك القوة التي كان إعلامها وثقافتها تقوم علي التنديد بأمريكا وترصد أفعالها وتصرفاتها بالتفسيرات الماركسية، التي تنتهي إلي اعتبارها دولة إمبريالية، صارت أمريكا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بلا تهديد أو منافس حقيقي، وكان عليها أن تتصرف بلا قلق وبلا مخاوف وتعود إلي ما كان يتصوره عنها الكتاب والمصلحون العرب والمسلمون حتي الثلاثينيات من القرن العشرين، لكنها لم تفعل، والكارثة أن هناك من دعا إلي استبدال خطر الاتحاد السوفيتي بالخطر الإسلامي، ولعب المحافظون الجدد واللوبي الصهيوني دوراً كبيراً في ذلك، ثم جاء تنظيم القاعدة ليجعل ذلك الخطر المزعوم خطراً حقيقياً في نظر المجتمع الأمريكي، حين قام بعملية 11 سبتمبر وتدمير البرجين بنيويورك، وفات الذين خططوا لهذه العملية وقاموا بها أن أمريكا هي القوة الثأرية في العالم، لقد أمر الرئيس الأمريكي سنة 1945 بإلقاء قنبلتين ذريتين علي اليابان رغم أن اليابان كانت قد أعلنت استسلامها في الحرب العالمية الثانية وكانت الحرب انتهت فعلياً في الميدان بانتصار الحلفاء، لكن إلقاء قنبلتين كان وراءه أولاً الثأر مما قام به الطيران الياباني من تدمير الأسطول الأمريكي في «بيرل هاربور»، وهكذا فأمام البرجين تم تدمير دولتين هما أفغانستان والعراق، بواقع دولة أمام كل برج، وللتغطية علي عملية الانتقام كان لابد من حملة واسعة ضد الإسلام ذاته باعتباره الفكرة التي حركت أعضاء القاعدة للقيام بعملية 11 سبتمبر.. ويمكن مراجعة كتاب المستشرق الأمريكي «برنارد لويس»، وثيق الصلة بالمحافظين الجدد «ثمن الخطأ»، فهو يعترف بأن أعضاء القاعدة ليسوا كل المسلمين ولا يعبرون عنهم، وهو يقر بأن الإسلام ذاته كدين لا يقر بما قاموا به، وأنهم يأخذون بعض نصوص القرآن الكريم ويتعسفون في تفسيرها وفهمها، لكنه يقول إنه لم يجد من المسلمين تحدياً كافياً لهؤلاء، ورفضنا مباشرا وقويا لهم، وفي النهاية عنده يتحمل الإسلام والمسلمون جميعاً مسئولية أفعال هؤلاء.
ويمكن القول إن ضحايا تنظيم القاعدة في العراق وحده بين المسلمين أضعاف أضعاف ضحايا البرجين العالميين في نيويورك، وإن الإيذاء الحقيقي من القاعدة وقع علي المسلمين أولاً وعلي الإسلام ذاته، وإن الولايات المتحدة ليست مبرأة من المسئولية عن تكوين هذا التنظيم وإعداد كوادره عسكرياً ودعمهم لوجوستياً في أفغانستان، ومن حقنا كمسلمين أن نطالب بمحاسبة الأمريكيين وإدانتهم علي ذلك، لكن الإعلام الغربي بآلته الجبارة واللوبي الصهيوني لم يظهر سوي مشهد الضحايا الأمريكيين وعنف «القاعدة».. وعلينا القول إننا نساهم في إزكاء هذه الصورة وتأكيدها، ولنحاول تبين تضاريس ومعالم صورة المسلمين ومن ثم الإسلام لدي الأمريكيين لنتبين التالي:
أولاً: مجتمعات تمتلئ بحمامات العنف، ويتأسس هذا العنف غالباً علي فتاوي ومواقف دينية، وتأخذ عمليات العنف والقتل طابعاً دينياً صرفاً.. صحيح أنها ليست سائدة، لكنها موجودة ومؤثرة، يحدث هذا في الصومال، وفي الجزائر وباكستان، فضلاً عن أفغانستان والعراق، وحدث في مصر قبل ذلك، طوال الثمانينيات وحتي سنة 1997.
ثانياً: مجتمعات محكومة في أغلبها بحكومات ديكتاتورية وفاسدة ولا مجال لإصلاحها، وأمامنا نموذج رئيس أفغانستان حامد كرزاي، فهو رجل أمريكا والغرب في بلاده، وهم الذين جاءوا به وأجلسوه، والتزم بكل ما قرروه وفعل كل ما أرادوه منه، لكن ما إن نبهوه إلي ضرورة الحد من الفساد المالي، كشر لهم عن أنيابه.. صحيح أن معظم هذه الحكومات تحظي بدعم أمريكي، ولكن أمام المجتمع الأمريكي، فإن المجتمعات الإسلامية متخلفة وغير إنسانية لأنها تقبل بهذه الحكومات وتسمح بذلك الفساد.
ثالثاً: فتاوي ومعارك فقهية تنم عن تنطع في الدين مثل القول بإرضاع الكبير والتبرك ببول الرسول «صلي الله عليه وسلم»، أو الجدل في حق المرأة في قيادة السيارة، فضلاً عن حقها السياسي وحقها العمل في القضاء والاختلاط في الجامعات والإصرار علي ارتداء النقاب و.....
رابعاً: إننا نصر علي أن نقدم أنفسنا للعالم باعتبارنا مجتمعات متدينة ونتباهي بذلك ونسعد حين تشير بعض التقاريرالغربية إلي ذلك، حتي لو كانت تقارير صحفية انطباعية وليس لها قيمة علمية كبيرة ونزهو بتلك التقارير، لكن سلوكنا العملي مخيف، مخيف بحق، الغش والتدليس منتشر بيننا، حوادث العنف الفردية كثيرة جداً ومرعبة، تأمل مثلاً ذلك الشاب الذي أصر علي أن يذبح والده في المسجد أمام المصلين وأولئك الذين سحبوا مصلياً من صلاة التراويح وأخذوه إلي الصفوف الخلفية بالمسجد وقاموا بقتله.. وتفسير ذلك في الغرب عموماً، إن الدين ذاته يتحمل جانباً من المسئولية عن ذلك، وعند بعضهم كل المسئولية، ويأخذون حكاية التدين المجتمعي قرينة ضدنا وضد ديننا، نحن نقول إن الإسلام بريء من كل ذلك وبعيد عنه تماماً، وإنه دين متحضر يرفض العنف والقتل ويقدر الإنسان، ويضعه في مكانة رفيعة، لكن هذا الذي نقوله ونقتنع به ليست مقنعاً للغربيين وللأمريكيين، هم لا يتعاملون مع الدين كنص مقدس فقط منفصل عن سلوك أتباعه، هم يرون الدين من خلال رجاله ورموزه الدالة عليه، ومن ثم فإن نسبة كبيرة منهم تري الإسلام وتحكم عليه عبر تصرفات وأفعال بعضنا من الأفراد أوالمجموعات، لذا فإن بعض المسئولين هنا وفي البلاد العربية يعلنون مع كل أزمة عن مشاريع لترجمة معاني القرآن الكريم، فإنهم يتصورون أن المشكلة معرفية، أي عدم معرفة هؤلاء بالإسلام، الأمر ليس كذلك تماماً، الدين عند الأمريكيين والأوروبيين ليس نصوصاً وشروحاً فقط، لكنه في المقام الأول سلوك وفعل.. عمل وممارسة.
وفي العديد من الأزمات كانت لدينا نماذج مضيئة ورفيعة لعلماء امتلكوا القدرة علي التحاور مع الآراء الغربية الحادة حول الإسلام، وكان لهؤلاء العلماء قدر من المصداقية وصوتهم مسموع، وكانوا إذا لم ينجحوا في إزالة سوء الفهم تماماً تجاه الإسلام، فإنهم عملوا علي الحد منه وعدم توسعته، حين أطلق مسيوهانوتو اتهامات بحق الإسلام، وهو المستشرق الكبير ووزير خارجية فرنسا إبان أقصي قوتها، كان هناك الأستاذ الإمام محمد عبده يقوم بالرد عليه وتفنيد ما قاله، ويدور حوار وجدل بينهما.. وفيما بعد كان هناك نموذج الشاعر والفيلسوف الصوفي محمد إقبال المحاضر اللبق والمتكلم باسم الإسلام، متابعاً للفكر الغربي، ومقدماً صورة إيجابية عن الإسلام وروحه وهكذا.. لكن الآن من لدينا؟ الشيخ خالد الجندي والشيخ عمرو خالد، يحاول كل منهما أن يجعلنا نفتح فمنا مندهشين وصائحين لا إله إلا الله.. أي إقناعنا بما نحن به مؤمنون.
وحتي حينما يظهر بيننا من يحقق قدراً من الوجود في الخارج ويكون له صوت مسموع بعض الشيء في دوائر الفكر الغربي (أمريكي وأوروبي) التي تهتم بالإسلام، فإننا نسحب منهم الاعتراف ونجردهم من الأهلية، فيصبح نجاحهم وتألقهم إدانة لنا ودليل تخلفنا ورفضنا الآراء الجديدة، حدث ذلك مع المفكر الجزائري محمد أركون ومع المفكر الراحل د. نصر حامد أبوزيد.
ومنذ عقود ونحن نري سوء الفهم للإسلام يزداد، وبدلاً من أن نعمل علي إزالته والحد منه أو حتي تجميده، إذا بنا نزيده ونعمقه، نموذج ذلك رواية سلمان رشدي «الآيات الشيطانية».. هي رواية مسيئة ومستفزة بلا شك، لكنها في النهاية رواية، وقد صدرت في الغرب أشياء مشابهة لها وأبشع منها بحق السيد المسيح نفسه، وبدلاً من أن نقوم بالرد علي هذه الرواية فقهياً وعلمياً ونقدياً، ونفند ما جاء فيها، إذا بنا نعمد إلي فتوي عامة أصدرها أيت الله خميني تبيح دم الكاتب، وغضب بعضنا لأن فتوي مشابهة لم تصدر من مصر فضغطنا بذلك علي عصب حساس جداً هنا، وكانت نتيجة الفتوي أن اشتد الإقبال علي الرواية وهب الغرب كله لحماية الكاتب، ورغم التأكيدات الإيرانية فيما بعد بأنه ليس المقصود بفتوي آية الله خميني إباحة دم سلمان رشدي بالمعني الحرفي فإن أحداً لم يصدق، وكان السهم قد نفذ وحين نحسب الآن: من الخاسر في هذه المسألة ومن الكاسب، فإننا كنا الخاسرون والإسلام نفسه، لكن هذه الفتوي أقرت أسلوباً جديداً في التعامل مع سوء الفهم الغربي (أمريكي أوروبي) تجاه الإسلام، فبدلاً من النقاش العلمي، اتبعنا الفتاوي والتهديد بالقتل وتحريك المظاهرات، وكل هذا لم يُجْد شيئاً بل زاد سوء الفهم والتعنت تجاه المسلمين والإسلام ذاته، حتي وجدنا ذلك القس المختل الذي يريد إحراق المصحف الشريف.
«تيري جونز» أعلن أنه لم يقرأ القرآن الكريم ولا يعرف ماذا به.. لكنه يرغب في إحراقه، ولابد من القول إن موقف هذا القس لن يضير القرآن، فيقول الله تعالي: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»، وقد تعرض القرآن الكريم إلي إساءات جهلاء ومتعصبين أو حاقدين، وهذا القس ليس أولهم وقد لا يكون آخرهم، القضية الآن عندنا وبيننا، هل نحن فعلاً كأفراد ومجتمعات لدينا استعداد أن نكون نماذج إيجابية ومشرفة للإسلام وللقرآن الكريم؟ في زمن الحضارة الإسلامية كان الإسلام رمزاً للعلم وللمعرفة وكان المسلمون في عمومهم نموذجاً للتسامح، حتي إن الإسلام عُرف في أفريقيا وفي الهند من خلال المتصوفة والتجار الذين راعوا في تجارتهم القيم الإسلامية، وفي زمن الاستعمار الأوروبي عُرف الإسلام المناضل، الذي يبحث أبناؤه عن التحرر والاستقلال ويسعون إلي التجديد والنهوض.. وكان نموذج الأمير عبدالقادر في الجزائر وعمر المختار في ليبيا ومحمد عبده في مصر وكذلك عبدالله النديم، كانت كلها نماذج رائعة لدين يتفاعل رموزه مع الحياة ويتمسكون بكرامتهم وكبريائهم ويحرصون علي حرية أوطانهم.. لكن اليوم في ظل ما يحوطنا وما نراه كيف نصف الإسلام ونتحدث عنه من خلال ممارساتنا وسلوكنا، حيث فتاوي التكفير والقتل وإهدار الدم لأهون سبب؟!
المشكلة هي نحن، في المقام الأول، نحن نتحمل قدراً من المسئولية عن ظهور «تيري جونز» ومن هم علي شاكلته وصدق الله العظيم حين قال في كتابه الكريم: «إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم».. ولن يتغير الآخرون نحونا ونحو ديننا ويحسنوا فهمنا ما لم نتغير نحن إلي الأفضل.
وقد يري بعضنا أن الأمر لا يستحق كل هذا، فأمريكا بلد أغرب الشخصيات، ظهر من قبل قس دعا أنصاره إلي الانتحار، وانتحروا بالفعل، ويظهر منهم من يأتون أمام أبوالهول مصلين وداعين، وأن القس تيري جونز هو حالة من تلك الحالات.
والله أعلم!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.