منعني من الوجود في ميدان عابدين مشاكل مرورية بحتة. لذلك اكتفيت بأن أتلقي وصفاً تفصيلياً لما يحدث هناك من صديقتي مني سالم التي وجدت في الميدان قبل أزمة المرور، وقبل إغلاقه ليس لأن التزامها الوطني أقوي من التزامنا نحن الذين قضينا الساعات في إشارات المرور، ولكن لأنها ذهبت إلي هناك بحكم عملها في وكالة الأنباء الفرنسية، ذهبت لتغطية الحدث، وخبرتها بهذا العمل جعلتها تحرص علي الوجود مبكراً جداً. أما أنا فكنت أتصور أن الحدث هو احتفالية بذكري الزعيم أحمد عرابي، معلن عنها من أكثر من شهر من جهات عديدة تشترك جميعها في أنها ترفض مبدأ التوريث الذي رفضه عرابي قبل مائة وثلاثين عاماً. توقعت هتافات مصاحبة للتجمعات، ربما حشوداً أمنية، لكن لم أتوقع أبداً لا منعاً ولا عنفاً، لا المناسبة تسمح ولا طريقة الحشد ولا نوعية الناشطين ولا شيء يدعو للعنف. وحدث بقوة ما لم أكن أتوقع، منع الشباب بكل الطرق من الوصول إلي الميدان قبل أن يتجمعوا أصلاً. ونجح الأمن في السيطرة تماماً علي المجموعات المتفرقة التي نجت من المنع وتجمعت في شوارع مؤدية للميدان. كانت مني تقف أمام أحد هذه التجمعات المطوقة بأعداد رهيبة من الأمن المركزي والضباط والمخبرين، كانت تقوم بتأدية عملها، حين فوجئت بضابطة من الشرطة النسائية تقول لها: ممنوع الوقوف في هذا المكان، وتطلب منها المغادرة. قالت لها مني إنها تؤدي عملاً صحفياً، وكررت هذا المعني بأكثر من صياغة، ضابطة الشرطة تصر علي طردها من المكان، ثم بدأت تضع يدها علي كتفها وتشل حركتها وتدفعها من الخلف بطريقة لا يمكن مقاومتها، قاومت مني بالطبع واستدارت لمواجهة ضابطة الشرطة، فأمسكتها من ذراعيها من الأمام وبدأ المشهد يسوء، حتي تدخل أحد الضباط وطلب منها أن تترك مني، بعد دقائق بدأت الضابطة تركز علي منع زميلتنا الصحفية شيرين المنيري من الاقتراب، ومع شيرين كان العنف أشد، حيث ضربها أحد الضباط بقبضة يده علي جبينها، وقيدتها الضابطة من ذراعيها وكتفيها وظهرها. سقط الحجاب من علي رأس شيرين، كادت تسقط هي نفسها أكثر من مرة، تماسكت بصعوبة لكنها لم تتمكن من تفادي الضربات. قالت لي مني أيضاً إن «عمنا» تعرض لأذي شديد، كانت تقصد الأستاذ محمد عبدالقدوس الذي كان يهتف في المظاهرة فضرب وألقي علي الأرض. في صباح اليوم التالي رأيت صوراً تعبر عن عنف وتعامل أمني يفوق كل التوقعات، وصل إلي حد احتجاز بثينة كامل واعتقال الشباب وإلقائهم بعد ساعات علي طريق مصر إسكندرية والاستيلاء علي شريط قناة ال«بي. بي. سي» العربية. والغريب أن هذا الأمن الذي نجح وتفوق علي نفسه في السيطرة علي المظاهرة هو نفسه الذي فشل في نفس الوقت في السيطرة علي جماهير الزمالك التي حطمت النادي الأهلي والسيارات حوله، ثم فشل أيضاً في السيطرة علي المعركة بين جماهير الأهلي والزمالك التي اشتبكت في الشوارع خارج النادي وبعيداً عنه!! فهمنا أن المطلوب الآن تخويف الشباب الوطني ومنعهم من التعبير عن مواقفهم بأي طريقة مهما كانت سلمية. لكن هل نفهم أن المطلوب أيضاً تشجيع الشباب للتعبير عن تعصبهم الرياضي بكل الطرق مهما كانت الخسائر؟!