رغم أن مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق تحوي تفاصيل كثيرة في علاقته بزوجته في فراش الزوجية فإنها تحوي من أسرار حرب العراق أكثر كرر بلير أكاذيبه التي ظل يرددها من 2003 رغم النقد الذي وجهه معظم القادة العسكريين له رغم أن مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير حققت أعلي معدلات المبيعات والإيرادات في تاريخ المذكرات الشخصية في بريطانيا، فإن ذلك لا يعني أنها الأفضل أو أنه كان رئيس الوزراء الأكثر شعبية وحباً من قبل البريطانيين، فقد اضطر بلير لإلغاء حفلات التوقيع التي عادة ما يقوم بها الكتاب في بعض منافذ التوزيع من أجل الترويج للكتاب بعدما تعرض أكثر من مرة للرشق بالبيض الفاسد والطماطم خلال قيامه ببعض حفلات التوقيع حيث قام المتظاهرون أمام المكتبات التي كان ينوي التوقيع علي كتابه بها برفع اللافتات التي تتهمه بأنه مجرم حرب تجب محاكمته وليس تكريمه عبر حفلات التوقيع والترويج لمذكراته مما دفعه إلي التواري عن الأنظار، ورغم أن مذكرات بلير تحوي كثيراً من التفاصيل حتي ما كان يجري بينه وزوجته علي فراش الزوجية فإن الفصول الأكثر أهمية في مذكراته هي التي تتعلق بغزو العراق واحتلاله في شهر مارس من العام 2003، حيث أكد توني بلير في مذكراته علي الأكاذيب نفسها التي ظل يرددها منذ العام 2003، رغم النقد الشديد الذي وجه علي مدي السنوات الماضية لاسيما من كبار القادة العسكريين وبعض الوزراء والسياسيين البارزين البريطانيين، وكذلك رغم الإخفاقات التي حققتها بريطانيا والولايات المتحدة في العراق حتي الآن، وكان مارشال الجو رئيس الأركان البريطاني السير جوك ستيراب من آخر المنتقدين لتوني بلير وقراره بغزو العراق في شهادته التي أدلي بها أمام لجنة الإدارة العامة في مجلس العموم البريطاني يوم الخميس الماضي 16 سبتمبر ونشرتها صحيفة الجارديان البريطانية في اليوم التالي حيث قال المارشال ستيراب: «إن توني بلير رئيس الوزراء السابق لم يكن يدرك حجم التحديات التي ستواجهها القوات البريطانية عندما خططت للغزو» ووصف ستيراب استراتيجية بلاده في العراق بأنها كانت «خاطئة »، ووصف ما حدث في جنوب العراق الذي كان تحت احتلال القوات البريطانية بأنه «إخفاق للفكر الاستراتيجي»، وقال: إن القوات البريطانية كانت «قابعة في مواقعها بمدينة البصرة وهي عاجزة عن شن أي هجوم عسكري بل كانت تتعرض للقصف، وكانت قوافل الإمدادات عرضة لهجمات يومية والناس يموتون بلا طائل استراتيجي، ولم يكن من المأمول تحقيق منفعة استراتيجية بهذا المسار»، هذه الإدانة من رئيس الأركان البريطاني لتوني بلير ليست الوحيدة التي صدرت من مسئول في السلطة أو قائد عسكري بريطاني فقد سبقه كثيرون طوال السنوات الماضية، ففي 3 يوليو الماضي ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن وثائق كشف عنها النقاب لأول مرة أكدت أن أكثر من وزير في حكومة بلير قد عارض الحرب علي العراق وكانت وزيرة التنمية الدولية السابقة في بريطانيا كلير شورت قد اتهمت في فبراير الماضي أمام لجنة التحقيق في حرب العراق توني بلير بالكذب، وأنه خدع البرلمان البريطاني، كما أكد المحامي العام البريطاني السابق السير جولد سميث في شهادته أمام لجنة التحقيق أنه كان غير مؤمن بشرعية الحرب علي العراق لكنه غير موقفه وأعطي قراره الداعم للحرب قبلها بأيام وانتهي في شهادته إلي أنها لم تكن حربا مشروعة، كذلك أعلن المستشار القانوني لوزارة الخارجية البريطانية مايكل وود ونائبته إليزابيث ويلمشير سيت التي استقالت من مصبها في العام 2003 احتجاجا علي الحرب ضد العراق أن قرار الحرب غير قانوني، وكان مراسل الإندبندنت باتريك كوكبيرن الذي يتابع حرب العراق قد وصف شهادة بلير أمام لجنة التحقيق بأنها تحوي حماقات أكثر من الكذب وقال كوبيرن في نقده للشهادة في مقال نشره في 31 يناير الماضي إن بلير يجهل الحقائق علي الأرض، وإنه كان يتحرك بعمي وراء المحافظين الجدد في واشنطن دون أن يدري تفصيلات كثيرة، وكان بلير في مقابلة أجراها مع محطة تليفزيون «بي بي سي» البريطانية بثتها في 25 ديسمبر الماضي 2009 قال إنه كان سيغزو العراق حتي لو لم تكن هناك أدلة متوفرة عن أسلحة الدمار الشامل، بل إنه أقر بعدم وجود أدلة لأسلحة الدمار الشامل وأن الهدف كان هو إقصاء صدام حسين، وأنه كان سيظل يبحث عن دليل يقدمه للبرلمان والرأي العام البريطاني يبرر له شن الحرب، وقد دفعت تصريحات بلير عدة كتاب بريطانيين إلي التساؤل عما إذا كان توني بلير مجرم حرب جراء ما فعله في العراق وما جره من خسائر وقتلي بريطانيين في حرب قامت علي معلومات مضللة ومكذوبة، وقد سبق لباتريك كوكبيرن مراسل الإندبندنت أن وصف في 17 مارس 2008 حرب العراق بأنها أكبر الحروب الكارثية التي خاضتها بريطانيا، ووصف الحرب بأنها كانت مكلفة وانتهت بانسحاب بريطاني «مذل»، ولعل هذا ما خلص إليه التحقيق بشأن العراق لكن بلير خرج من كل هذا دون حساب حتي الآن رغم المظاهرات التي كان منظموها يرفعون لافتات تقول لبلير «إنه مجرم حرب وكذاب» ولم يجرؤ حينما أدلي بشهادته عن الحرب أمام لجنة تشيلكوت علي الدخول من الباب الرئيسي وإنما كان يدخل من الباب الخلفي محاطا بحراسة مشددة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل حاول الظهور عبر مذكراته كبطل تاريخي وحققت مذكراته أعلي معدلات للمبيعات، إن مزبلة التاريخ مليئة بأمثال بلير من المخادعين والكاذبين والأفاقين الذين ينجحون في خداع الشعوب ويملئون الدنيا ضجيجا وخداعا وأكاذيب ثم لا يجدون من يحاسبهم علي جرائمهم ويظلون يعاملون معاملة الأبطال رغم أنهم لا مكان لهم إلا بين مجرمي الحرب والمخادعين والمضللين والإرهابيين ولكن حتي تجد صفحات التاريخ من يسطرها بإنصاف سيبقي هؤلاء حتي إشعار آخر.