الأسبوع الماضي كتب كل رؤساء تحرير الصحف القومية عن المفاوضات التي أعلن عن بدئها في واشنطن . وبالطبع فإن الرئيس مبارك كان محور هذه الكتابات ومقاله الذي نشر في ال «نيويورك تايمز» كان هو الذي حدد جدول الأعمال، فضلا عن أنه سبب إحراجاً كبيراً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو . وبالطبع من حق كل كاتب أن يكتب ما يراه صائبا، لكن العيب هو أن يكتب وهو ليس جاهزا بالمعلومات الكاملة، خاصة عندما يكتب في موضوع حساس مثل الصراع العربي - الإسرائيلي . والمشكلة فيما كتب حول المفاوضات مع استثناءات قليلة، وهو أنها اتسمت بالعاطفية، وعدم أخذ البعد التاريخي في الاعتبار، فضلا عن أن رؤساء التحرير يبدو أنهم استعانوا جميعا بمصدر واحد فيما يتعلق بالمعلومات التي استندوا إليها في تحليلاتهم . وهو أمر لا يليق برؤساء تحرير صحف كبري، وهذا الأمر يرجع إلي عاملين الأول: أنهم بحكم مناصبهم تصوروا الإلمام بكل شيء، وأنهم بالتالي يستطيعون الكتابة عن أي شيء، أما الأمر الثاني: فهو خوفهم من أن يكتبوا أي شيء يغضب السلطات في أمر كان الرئيس مبارك في واجهته، فغلب الطابع العاطفي علي موضوعاتهم ومقالاتهم . وهذا النوع من الكتابة، الذي يطلق عليه أحيانا الكتابة الماسخة، يغلب علي كتابة هؤلاء في بعض الملفات، خاصة تلك التي تتعلق بالسياسة الخارجية، وبعض رؤساء التحرير كان محررًا للشئون الخارجية، وبالتالي يعرف كيفية التوصل إلي المعلومات والتحليلات الصحيحة، ويعرف أيضا كيف تكتب مثل هذا التحليلات في الصحف الكبري؟ولكنه يكتب بمنطق «من خاف سلم» والبعض الآخر كان محررا دبلوماسيا، ويعرف خبايا ما يحدث في الدبلوماسية المصرية، وكيفية صنع القرار في وزارة الخارجية، لكنه لا يريد أن «يشتغل صحافة»، واختار أن يكون موظفا لدي الجهات العليا . وهذا الأمر يجسد أزمة الصحف القومية، وبمقارنة بسيطة بينها وبين ما نشرته الصحف الخاصة التي صاحب رؤساء تحريرها الرئيس مبارك في رحلته الأخيرة لأمريكا ،سنجد فارقا كبيرا في المعلومات، ولا أريد أن أقرن بما نشر في كل من الصحف الأمريكية والإسرائيلية عن الموضوع نفسه، مع العلم بأن التسهيلات الممنوحة لرؤساء الصحف القومية كانت أكثر بما لا يقارن مع تلك الممنوحة للآخرين . وهذا الموقف وإن كان يتكرر في عهد الرئيس مبارك، الذي وضع حدودا للعلاقة بين مؤسسة الرئاسة والصحافة، بما يجعل من الأخيرة قلعة من الأسرار، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن الفارق الكبير بين رؤساء التحرير الحاليين والسابقين عليهم، الذي كان كل منهم عبر مبادرات خاصة، وعبر ثقة في النفس وعلاقة مباشرة مع الرئيس ،وعبر الاستعانة بمساعدين لهم في الملفات الخارجية يكتبون مقالات مختلفة عن الموضوع نفسه، كنا من خلالها نعرف بعض المعلومات المهمة حول ما يجري بين الرئيس وزعماء العالم لكن الأمر اختلف الآن، وتراجعت المعلومات التي يستطيع المواطن أن يعرفها عبر الصحف القومية، فيما يتعلق بعلاقات مصر الإقليمية . وهذا الأسلوب الأخير الذي اعتمدته مؤسسة الرئاسة في علاقتها بالصحافة، والخوف الذي ينتاب رؤساء تحرير الصحف القومية من الاقتراب من «المقدس» أدي إلي لجوء الناس إلي المواقع والصحف الأجنبية ومنها الإسرائيلية والصحف الخاصة المصرية، والمحطات الفضائية الخارجية، الأمر الذي سيؤثر بالسلب في توزيع الصحف القومية علي المدي البعيد، ويؤثر بالطبع في مصداقيتها.