أنت مصدومٌ لاشك من تلك التعديلات الوزارية الهزيلة التي جرت في الأسبوع الماضي .. لابأس .. فأنا وكلّ المصريين مثلك تماما .. فهو بكل تأكيد تعديلٌ لايلبّي الحد الأدني من طموحاتنا - ده مش مهم طبعا- المهم حقا أنه قد أشعرَنا بالجهل والغباء وسحق توقعات الجميع؛ الأغلبية قبل المعارضة والحكومة قبل المحكومين، ولطم وسائل الإعلام جميعها حكومية وغير حكومية وأظنه أيضا قد باغت الوزراء أنفسهم قبل أن يفاجئ عموم زملائي الغلبانين .. لكن هل نحن محقون فعلا في صدمتنا؟! بصراحة .. بعد البحث والتفكير أعتقد أننا «ملناش حق في كل هذا الإحساس بالصدمة».. فماذا كنا ننتظر؟ أن يتم تغيير عدد أكبر من الوزراء! .. أن يتم تغيير الوزارة بأكملها!! .. طيب بذمتك تفرق كتير؟!! .. أنا وأنت نعلم تماما أنه مهما كان حجم التعديل فإنه لا يضيف شيئا ولا يُحسّن وضعا؟ وأن شعورنا بالإحباط ليس مرجعه انتظارنا للأفضل لكن لأننا فقط حلمنا أن نري ساكنا يتحرك أو ثابتا يهتز؛ فقد صار ذلك هو سقف طموحنا وأحلامنا .. نحن واثقون أن أحمد زي الحاج أحمد .. وزي الحاج محمود والحاج حسن .. وزي كل الحجاج اللي من نفس العيّنة، لكننا في لهفة لأن نشعر بأن علامات الحياة لاتزال باقية وأن الوجوه يمكن أن تتغير حتي لو كان ذلك توزيعا جديدا لنفس اللحن المقرر علينا. ولأننا لا نعترف أبدا بجهلنا ونكابر دائما حتي في الحقائق والمسلّمات فلابأس أن نستمر في الفذلكة وادّعاء المعرفة، وأن نبحث عن تلك الأسباب التي منعت تغييرا وزاريا أقرّ به كل النافذين وأقرب المقربين .. أول هذه الأسباب في رأيي هو «كلامنا ورَغينا الكتير» عن التغيير الوزاري حتي جعلناه علماً لا حلماً وواقعًا لاخيالاً بعد أن أوهمتنا التسريبات الحكومية أنه قاب قوسين أو أدني وبقيت الاجتهادات والتكهنات في التوقيت والأسماء فقط، ولأننا نتميز بالسذاجة والنسيان الشديد ونلدغ من نفس الجحر عشرات المرات صدّقنا ذلك فرشّحنا وأقَلنا واعترضنا ووافقنا وشكّلنا عشرات الوزارات ونسينا أنه طالما أننا صدّقنا فهذا يعني أنه لن يحدث أبدا .. فاكرين المادة 76! .. لقد تم تعديلها مرتين بعدما أقسم كبار المسئولين بأغلظ الأيمان أن المساس بجناب الدستور مستحيل لأنه يهدد أمن مصر، وبعدها بساعات فاجأ السيد الرئيس الجميع بطلب التعديل إياه وانبري المسئولون أنفسهم في التطبيل والتهليل لحكمة وعبقرية التوقيت .. لقد تم ذلك التعديل حين أيقنّا أنه لا تعديل .. تماما مثلما حجب التغيير الأخير لأننا انتظرناه وآمنا بحدوثه، وكما لم يُحلّ مجلس الشعب في العام الماضي بعد أن لملمَ النواب أوراقهم واستعدوا للرحيل .. أما السبب الثاني فهو أننا شعبٌ لحوح كثير الشكوي تدفعه الاستجابة لرغباته إلي مزيد من تلك الرغبات ومن الأصوب دائما وأد كل أطماعه في مهدها، فلو أنك غيّرت له رئيس مجلس مدينة لطالب بتغيير المحافظ، ولو أقلت له محافظا أصر علي إبعاد الوزير، فماذا لو أقلت له وزارة بأكملها؟! ، ويبقي ثالث الأسباب وأهمها لما حدث أو بالأحري لما لم يحدث (لأن ماجري هو تسكين لوزير في مكان شاغر والإطاحة بآخر لأسباب يعلمها الله ليس من بينها غالبا منظومة التعليم) فهو إن التغيير الوزاري الشامل قادم لامحالة «والوزارة في المغارة كما صوّرها مصطفي حسين»، لكن لا أحد يعرف علي وجه اليقين متي ستخرج إلي النور؛ فتوقيت خروجها مرتبط بالتكليفات المنوطة بها التي أعتقد أنها ترتبط بدورها بانتخابات الرئاسة القادمة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اختيار وزارة جديدة دون أن يحدد الحزب الوطني مرشحه للرئاسة لأن الفارق سيكون كبيرا جدا بين حكومة تجري انتخابات لمرشح رئاسي هو الرئيس حسني مبارك وأخري تدير معركة يخوضها الحزب الوطني بمرشح آخر حتي لو كان السيد جمال مبارك، ولهذا ربما كان تأجيل أو إلغاء التعديل الوزاري المفترض يعود إلي عدم وضوح الرؤية داخل أروقة الحكم حول مرشحها الرئاسي القادم، فالتغيير الوزاري قادم إذن ولن يتأخر كثيرا بل يمكننا استطلاع هلاله بعد الانتهاء من إخراج مسرحية الانتخابات التشريعية بالشكل المناسب، وهو الوقت الذي قد يصبح من الممكن فيه الاستقرار علي اسم المرشح المنتظر وساعتها ستخرج الوزارة من باطن المغارة لنقرأ في ملامح وجهها اسم هذا المرشح وتفسر لنا بعد طول انتظار «سر شويبس الدفين».