مبارك عليكم الشهر... تحقيق جميل نشرته جريدة الشرق الأوسط عن السيارات الفارهة للسوّاح الخليجيين في لندن. والإنجليز لا يعرفون الفرق بين الخليجي واليمني ولا بين العراقي والمصري ولا بين الشامي والمغربي، فكلهم في الهوي عرب، وكلهم في الهوي أثرياء متخلفون إرهابيون. وليس الإنجليزي وحده من يعتبرنا كأسنان المشط، الأوروبي والأمريكي والياباني وبقية خلق الله كذلك. وليش نروح بعيد، المصريون أنفسهم لا يفرقون بين بحريني وقطري، ولا بين كويتي وسعودي، ولا بين إماراتي وعماني، لا من ناحية الملبس، ولا من ناحية اللهجة، ولا من ناحية الثراء، مع أن الفرق بينهم يراه الأعمي ويسمعه من في أذنه صمم، فالقطري من ذوي الدخل العالي علي مستوي العالم، بينما البحريني من ذوي الكحّيت العالي، والكويتي من فئة القطري بينما السعودي من فئة البحريني، لكنهم كلهم بدون استثناء في عين سائق التاكسي المصري «آبار بترول» تمشي علي أرجل، وفي عين الجرسون هم «مغارة علي بابا» جاعت فدخلت المطعم، وفي ذهن السوري هم «عملات صعبة» ترتدي «الغترة والعقال»، وفي مخيلة المغربي هم كائنات جنسية مترفة تبحث عن صبايا مراهقات «لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان»، وما أن يشاهد أحدهم صبية حتي يقع مغميً عليه، فالرجل الخليجي لم يسبق له أن رأي امرأة من قبل... ولا أظنني مضطراً للقول بأن الأفكار هذه خاطئة و"خرطي" كما في لهجتنا، أو هي "كلام خارم بارم" كما يقول السودانيون، لكن الأكيد أنني لا ألوم المصري ولا السوري ولا اللبناني ولا المغربي علي مثل هذا التفكير، إذ كنت شاهد عيان علي بعضٍ من جنون "جماعتنا" وفشخرتهم البالونية. فعلي سبيل المثال، هناك مقهي زجاجي شهير في بيروت مليء بالسائحات الخليجيات، اللواتي يعانين نقصاً نفسياً، فيبالغن بالتزيّن بحثاً عن نظرات الشبان ليشعرن بجمالهن... هذا المقهي يملكه نصّاب سوري مقيم في لبنان، يعرف كيف يمتص دماء مغفلي الخليج ومغفلاته، وصل به الدهاء (ولا أقول الجشع، لأنه يتعامل مع أغبياء) إلي أن اكتشفَ تنافس أغبياء الخليج علي إيقاف سياراتهم الفارهة علي مدخل المقهي للتباهي أمام البنات، رولز رويس علي ميزاراتي علي لومبورغيني علي أوستن مارتن علي بوغاتي (وهي السيارة الأغلي في العالم، والتي شاهدنا صورة سمو رئيس الوزراء الكويتي يقودها في سويسرا... وهنا أتذكر ما سمعته عن "أبي الدستور" أمير الكويت الراحل عبد الله السالم، الذي يمكن مشاهدته في خلفية صورتي أعلاه، والذي يذكر أصدقاؤه أن بيوتهم كانت أجمل من بيته، وأثاثها أفخم من أثاث بيته، وطعامهم أفضل من طعامه الخشن، ويقول أحد معاصريه عنه: نقل الكويت من مصاف الدول الأفريقية إلي مصاف الدول الأوروبية خلال خمس عشرة سنة هي فترة حكمه، وهو الذي في عهده وُضع الدستور (عام 1962) الذي ينص علي أن "الأمة مصدر السلطات جميعاً"... رحمك الله أيها المتواضع الزاهد الصادق العفيف)... المهم، فرض الداهية السوري مئة دولار علي كل من يركن سيارته أمام المقهي، ومع ذلك ازداد التزاحم، فضاعف المبلغ، وضاعفه، وضاعفه، إلي أن بلغت قيمة إيقاف السيارة أمام المقهي لمدة ساعتين سبعمئة دولار يا معلّم، أي والله، وهو ما دعاني إلي أن أعرض حلقة تليفزيونية بجانب ذاك المقهي، استضفت فيها وزير السياحة اللبناني، ونقلت للمشاهد صوراً حية علي الهواء مباشرة لطريقة الخليجيين في السياحة، وتحدثت عن غبائنا، وعن إصرارنا علي برنامج يومي ثابت طوال فترة السياحة، بعكس سياحة بقية خلق الله، الذين يتنقلون في طول البلاد وعرضها. ويا أمة بصقت في وجهها الأمم. والكويتيون رغم ارتفاع مداخيلهم إلا أن جزءاً كبيراً منهم، بسبب الغلاء الفاحش، يرفع رأسه يومياً إلي السماء ويفحّ: «عشاء الغلابة عليك يا رب»، ومنهم من يتعامل مع راتبه كما يقول قارئو نشرات الأخبار «استقبل وودع في زيارة خاطفة»، ومنهم من يقبع في السجن لعجزه عن سداد ثلاثة آلاف دولار، ومنهم من ترثي لحاله قطط الشوارع وكلاب المزارع، ومنهم ومنهم ومنهم. وفي إحدي الدول (لم أقل الكويت) يخسر أحد الدراكولات نحو خمسمئة دولار في مضاربة، فتعوّضه الحكومة من أموال الناس قبل أن يرتد إليه طرفه. ليش؟ لأنه لصيق برئيس الحكومة، ووسائل إعلامه تسبّح بحمد الرئيس، وتصلّي عليه وتسلّم تسليماً كثيراً. ويحصل المصري علي عقد عمل في الكويت، فتزغرد أمه، ويبكي أبوه فرحاً، وتودّعه القرية بأكملها في المطار، ويبني أحلاماً ولا أبراج نيويورك، وما أن تطأ قدمه أرض مطار الكويت حتي يصطدم بجدار الواقع فتتهشم جبهته. والحديث يطول ويحتاج إلي مقالات بعضها فوق بعض، عن طبيعة حياة المصريين في الكويت، قد أتناولها لاحقا. علي أن «قد» غير ملزمة، وتفتح لمن أراد التراجع عن قراره أبواباً وشبابيك.