مرصد الأزهر يناقش مع شباب الجامعات أسباب التطرف وحلوله وعلاقته بالمشاعر    الفريق أسامة عسكر يلتقي رئيس هيئة الأركان بقوة دفاع البحرين    تعليم كفر الشيخ: لا يوجد شكاوى في أول أيام امتحانات الفصل الدراسي الثاني    أوقاف بني سويف تعقد الدورة التأهيلية ل 100 متقدم لمسابقة عمال المساجد    تراجع أسعار العملات العربية في ختام تعاملات اليوم    صادرات أذربيجان من الغاز الطبيعي لبلغاريا تسجل زيادة بنسبة 20% للعام الحالي    لاستقبال الجرحى.. إقامة «خيام» أمام المستشفى الكويتي برفح الفلسطينية    دفاعًا عن إسرائيل.. أعضاء بالكونجرس الأمريكي يهددون مسئولي الجنائية الدولية    التعاون الإسلامي والخارجية الفلسطينية يرحبان بقرار جزر البهاما الاعتراف بدولة فلسطين    الشوط الأول من حسم التأهل للممتاز.. المحلة الأقرب للصعود والحرس للدورة الرباعية    تفاصيل حفل تأبين العامري فاروق بحضور رموز الرياضة المصرية    جونياس: رمضان صبحي أخطأ بالرحيل عن الأهلي    السيطرة على حريق اندلع في أشجار النخيل المجاورة لمحطة وقود موقف الأقاليم بأسوان    ماذا قالت أصالة عن انفصالها عن زوجها فائق حسن؟    عبد الرحيم كمال بعد مشاركته في مهرجان بردية: تشرفت بتكريم الأساتذة الكبار    قصور الثقافة تبحث عن حلول لمشاكل مسرح الأقاليم    دعاء للميت بالاسم.. احرص عليه عند الوقوف أمام قبره    اكتشاف 32 ألف حالة مصابة ب«الثلاسيميا» بمبادرة فحص المقبلين على الزواج    جامعة عين شمس تبحث التعاون مع ستراسبورج الفرنسية    «شباب القليوبية» تطلق اللقاء الرابع للتوعية بمواجهة الأزمات (صور)    انطلاق الموسم الأول لمسابقة اكتشاف المواهب الفنية لطلاب جامعة القاهرة الدولية    المشدد بين 3 و15 سنوات ل4 متورطين في إلقاء شاب من الطابق السادس بمدينة نصر    المشدد 10 سنوات لطالبين بتهمة سرقة مبلغ مالي من شخص بالإكراه في القليوبية    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    11 جثة بسبب ماكينة ري.. قرار قضائي جديد بشأن المتهمين في "مجزرة أبوحزام" بقنا    محافظ الفيوم يشهد فعاليات إطلاق مشروع التمكين الاقتصادي للمرأة    «القاهرة الإخبارية» تعرض تقريرا عن غزة: «الاحتلال الإسرائيلي» يسد شريان الحياة    روسيا تشن هجومًا جويًا هائلاً على منظومة الكهرباء الأوكرانية    يوسف زيدان عن «تكوين»: لسنا في عداء مع الأزهر.. ولا تعارض بين التنوير والدين (حوار)    لو معاك 100 ألف جنيه.. اعرف أرخص 5 سيارات مستعملة في مصر    السعودية تكشف عن عقوبات الحج بدون تصريح.. غرامة تصل ل10 آلاف ريال    استمرار تطعيمات طلاب المدارس ضد السحائي والثنائى بالشرقية    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    تعرف على التحويلات المرورية لشارع ذاكر حسين بمدينة نصر    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    احذر.. الحبس 7 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه عقوبة التنقيب عن الآثار بالقانون    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    بعد حلف اليمين الدستوري.. الصين تهنئ بوتين بتنصيبه رئيسا لروسيا للمرة الخامسة    صادرات السيارات بكوريا الجنوبية تقفز 10.3% خلال أبريل الماضي    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    مصرع سيدة صدمها قطار خلال محاولة عبورها السكة الحديد بأبو النمرس    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    محافظ كفر الشيخ: نقل جميع المرافق المتعارضة مع مسار إنشاء كوبري سخا العلوي    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    طلاب الصف الأول الإعدادي بالجيزة: امتحان اللغة العربية سهل (فيديو)    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة في «ذي القعدة».. وفضل الأشهر الأحرم (فيديو)    «قلت لها متفقناش على كده».. حسن الرداد يكشف الارتباط بين مشهد وفاة «أم محارب» ووالدته (فيديو)    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    بايدن: لا مكان لمعاداة السامية في الجامعات الأمريكية    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن والعولمة و"الانفِجار العظيم"
نشر في المصريون يوم 08 - 02 - 2010

مجموعة أصدِقاء اليمن"، التي شكّلها المؤتمر الدولي التي عُقد في لندن مؤخراً، قد يكون أصدَق تعبير عن أسوإ إزدواجية مارَسها الغرب حتى الآن. ف "أصدقاء" اليمن الغربيون لم يكُن لهم وجود من قبل، إلا في صيغة أجهزة أمنية، أمريكية وبريطانية أساساً، تتعاون مع أجهزة الأمن اليمنية في كل شيء، ما عدا مصلحة الشعب اليمني في الديمقراطية والتنمية. والأصدقاء الغربيون الجُدد، لم يتذكّروا اليمن، إلا بعد إعلان تنظيم "القاعدة" عن تحويل هذا البلد إلى قاعدة لعَملياته في شِبه الجزيرة العربية.
صحيح أن هؤلاء الأصدقاء القدماء – الجُدد، ربطوا مُساعداتهم المالية والاقتصادية لصنعاء، بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية، كانت "مُوَضّبة" في ثلاجة النظام منذ نيْفٍ وثلاثين عاماً، إلا أن هذا الرّبط ليس سوى تطبيق للشعار الإنجليزي الشهير: "دعهم يأكلون الوُعود".
ففي حال حصلت صنعاء على ما تُريد، أي أكثر أو أقلّ من الأربعة بلايين دولار التي تطلُبها، ستدّعي أنها ستُنفّذ مقابل ذلك كل الإصلاحات المطلوبة، من تحقيق ديمقراطية غير إقصائية إلى توفير فُرص عمل للشبان العاطلين عن العمل، والذين بلغت نِسبتهم 51%، لكنها ربما لن تفعل في الواقع سوى الإفادة من المُساعدات لتصعيد الحرب على الحوثيين والجنوبيين.
الدولة الفاشلة
هذه الاحتمالات هي أقرَب في الواقع إلى كونها تأكيدات، إذ على رغم أن تنظيم القاعدة يشكّل خطراً مشتركاً على الغربيين والخليجيين على حدِّ السواء، إلا أن انفِجار اليمن داخلياً، ليس كذلك. فالغرب يستطيع بسُهولة أن يتعايش مع مُجتمع يَمني في حالة حربٍ دائمة، في حين أن الخليج لا يمكنه أن يعيش لحظة مع دولة فاشلة يمَنية.
لماذا؟ الديموغرافيا سبب رئيسي، إذ أن الحقيقة بأن أكثر من 40 مليون يمَني (وهذا الرقم المُتوقّع لتِعداد اليمنيين بعد عقد)، يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، على مرمى حجر من أعلى معدّلات دخْل في العالم في دول الخليج، ستكون مدعاة لتفجير حِقد طبقي يمَني عنيف ضدّ الخليجيين، وهو حِقد لا يمكن أن يُترجم نفسه إلا بالهِجرة الشرعية وغير الشرعية إلى هذه الدول أو بالعنف المُتلحّف برداء الدِّين.
والجغرافيا، سبب ثانٍ. فاليمن، شِئنا أم أبيْنا، جزء لا يتجزّأ من الخليج العربي، ولا يُضعف من هذه الحقيقة كون اليمن في زمان متأخِّر عن الزمن الخليجي بعقود تنمَوية عدّة، لا بل هو يعزِّزها أو يجب أن يعزِّزها باتِّجاه ردْم الهُوّة الاقتصادية بيْنه وبين جيرانه، وهذا عمل حصِيف قامت به كل الدول التي تريد تجنّب النزاعات والانفجارات (من ضخّ ألمانيا الغربية 200 بليون دولار فوْراً إلى ألمانيا الشرقية والمساعدات الضّخمة التي قدّمتها أوروبا الغربية إلى دول أوروبا الجنوبية ثم الشرقية، والولايات المتحدة وكندا إلى المكسيك).
وإذا لم يحدُث ذلك، فسينشُب "الانفِجار العظيم" في اليمن، لا بل تكْتَكات ساعة هذا الانفجار بدأت بالفعل، على ما يبدو، إذ أينما يمَّمنا وجهَنا، نجد أنفسنا أمام حالة كلاسيكية من حالات انحِدار الكيانات السياسية إلى وضعية "الدّولة الفاشلة".
وللتّذكير، يُطلَق على الدولة نعْت الفاشلة في الظروف التالية:
- فقدانها الدولة المعنِية السيْطرة المادية على أراضيها أو على احتِكارها لشرعية استِخدام القوّة داخل هذه الأراضي.
- تآكل سلْطتها الشرعية في مجال اتِّخاذ القرارات الجماعية.
- عدم قُدرتها على توفير الخدمات العامة لمواطنيها.
- تحوّلها إلى ساحة صِراع للدّول المجاوِرة أو الدول الكُبرى.
السِّمات الرئيسية الأخرى للدولة الفاشلة، تشمل وجود حكومة مركزية ضعيفة أو غيْر فعّالة، والفشل في بلْورة هُوية وطنية موحّدة وتفشّي الفساد والإجرام، على نطاق واسع، وانحِدار اقتصادي حاد. الآن، إذا ما طبّقنا هذه المعايير العامة على الحالة الخاصة لليمن هذه الأيام، سنكتشِف أنها تنطبِق عليه حَرفاً بحرف.
فعملية بناء الدولة الحديثة فيه، وصلت إلى طريق مسْدود بعد أن فشلت السلطة المركزية طِيلة نصف القرن المُنصرم على تأسيس الجمهورية في نقل ولاء المواطنين من القبيلة والعشيرة والطائفة، إلى الدولة بمؤسّساتها الشرعية وإداراتها المدنية وقواعدها القانونية، وهذا الفشل ترافَق مع فشَل آخر لا يقِل خطورة: بقاء الهُوية الوطنية اليمنية حبيسة حفنة ضئيلة للغاية من المثقّفين والسياسيين، الذين اقتصر وجودهم وتأثيرهم على بعض أحياء المدن.
وكما هو معروف في تاريخ نشأة الدول أو زوالِها، حين تغيب الهُوية الوطنية، تحلّ مكانها سريعاً الهويات "القاتلة" ما قبل الحديثة (وِفق تعبير رفيق معلوف)، وعلى رأسها الهُوية القبلية والمذهبية، وهذا عادةً يكون إيذاناً، إما بأفول نجْم هذه الدولة أو بانفِجار حروب أهلية لا نهاية لها فيها.
الدولة اليمنية فاقمَت من هذه الخطورة، حين استخدَمت هي نفسها الأوراق القبلية والطائفية (ومؤخراً الورقة الأصولية المتطرفة)، لتثبيت أركان وجودها، وهذا في حدِّ ذاتِه تناقض أيّما تناقُض مع مُبرِّر وجود الدولة نفسها.
ثم أن خدمات الدولة الاجتماعية والصحية، تكاد تكون قصراً على مناطق محظوظة مُعيّنة أو على فِئات معيّنة، في إطار حالة عامة من الفساد والمحسوبية، وهذا ما دفع قطاعات واسعة من المُجتمع، إما إلى البحْث عن ملاذات في البُنَى الاجتماعية التقليدية أو في اللّجوء إلى العُنف، للحصول على هذه الخدمات.
هذه المعطيات حوّلت اليمن إلى أشلاء، في حين كان الغرب يُصفِّق لواجِهة الديمقراطية التي أقامها النظام، لتبرير طلبه الدّعم والمساندة والمساعدات. فالجنوب يكاد ينفصِل الآن عن الشمال، بعد أن أدّى تجاهُل تظلمات الجنوبيين المُزمِنة إلى تشويه الصورة القُدسِيّة، التي لطالَما أسبغها كل اليمنيين على فكرة الوِحدة.
وبعض الشمال، يكاد ينفصل عن الشمال، بعد أن برز الحوثيون كقوة سياسية - عسكرية يُعتد بها شطرت الزّيديين إلى شطريْن، ودمجت لديهم ما هو سياسي - اقتصادي بما هو إديولوجي - مبدئي.
والمنظمات الأصولية المتطرِّفة، التي فرّت من السعودية والقرن الإفريقي، أوشكت على تحويل اليمن إلى أفغانستان أخرى أو حتى إلى ما هو أسوأ: صومال آخر.
الطامة الأكبر
كل هذه الطامات تُنذر ب "الانفجار العظيم، لكن، وعلى رغم ذلك، ثمّة طامة كُبرى أضخم تكمُن تحت الأرض اليمنية لا فوقها! ما هي؟ إنها نفسها التي حدثت في اليمن في القرن الثالث الميلادي، ثم مجدّداً في القرن السابع الميلادي، حين دُمّر سدّ مأرب، ما دفع أعداداً ضخمة من اليمنيين إلى الهجرة إلى شمال إفريقيا والأطراف الشمالية من شِبه الجزيرة العربية.
فاليمن اليوم يُعاني من نقْص حادٍّ في إمدادات المِياه في جميع أنحاء البلاد. وقد تصبح صنعاء، التي ينمُو سكانها بمعدّل 7% سنوياً، نتيجة لزيادة التحضّر، أول عاصمة في العالم تنفُد فيها المياه. هذه الأزمة الوجودية، ناجِمة عن عوامِل عدّة: ارتفاع الاستهلاك المحلي وسوء إدارة المياه والفساد وعدم وجود سيْطرة على الموارد والإسراف في تقنِيات الريّ.
ووِفق تقرير صدر عام 2009 عن منظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة، يُعتبَر اليمن من بين أكثر الدول نُدرة في المياه ولديه واحداً من أدنى معدّلات نصيب الفرْد من توافُر المياه العذبة.
وجاء في دراسة حديثة للباحث كريستوفر بوتشيك، أنه نظراً إلى عدم وجود أي رَقابة قانونية جدّية قابلة للتنفيذ، يتِم استخراج المياه في اليمن من طبقات المياه الجوفية بأسرَع ممّا يجري تجديدها. وفي عام 1998، انْهارَ حوْض المِياه في تعِز، وهي من أكبر المُدن. وتُقّدر معدّلات استخراج المياه في صنعاء حاليا، بنحو أربعة أضعاف معدّلات تجديدها، والحوض هناك وفي عمران على وشك الانهِيار. ويُقدر أنْ ينْهار حوْض صعدة بعد ذلك بفترة وجيزة. ووِفقا لإحدى التحليلات الحديثة، فإن 19 من طبقات المياه الجوفية الإحدى والعشرين في البلاد، لا يتم تجديدها.
في السنوات القليلة الماضية، انخفَض منسوب المياه الجوفية في اليمن بحوالي مِترين في السنة، ما أرغم على حفْر الآبار بشكل أعمق. وغالباً ما يتطلب انخفاض منسوب المياه الجَوفية، استخدام آلات الحفر الخاصة بالنّفط. وفي حين أن هناك الآن نِظاماً قانونياً قائماً لضمان الاستخدام العادل والمنصف للمياه السطحية، إلا أنه لا يوجد مثل هذا النظام القانوني للمياه الجوفية. ونتيجة لذلك، فإن أي شخص يريد الحصول على المياه (ويستطيع تحمّل كلفة ذلك)، يحفر بئراً ويستخرج ما أمكنه من المياه. وقد قدّر عبد الرحمن الإرياني، وزير المياه والبيئة، أن نسبة 99% من عمليات استخراج المياه، غير مرخّصة.
ويوضِّح بوتشيك أن استيراد منصّات الحفر إلى اليمن، لا يخضع إلى أية رسوم جُمركية أو ترخيص أو ضرائب. ويُقدِّر المسؤولون في وزارة المياه والبيئة أنه، اعتبارا من شهر يناير 2009، كانت هناك أكثر من 800 منصّة حفر خاصة تعمل في البلاد. وفي المقابل، لا توجد سوى ثلاث منصّات في الأردن، ولا يزيد عددها في الهند، التي يفوق عدد سكانها بأكثر من 50 ضعفاً سكّان اليمن، عن 100 منصّة.
صنعاء قريباً بلا مياه.
شُحّ في كل أنحاء البلاد، انهيارات متتابعة لأحواض المياه: ألاَ تُعيد كارثة انهِيار سدّ مأرب نفسها بعد 1300 سنة من وقُوعها؟ وإذا ما كان هذا صحيحاً (وهو كذلك بالتأكيد)، أيّ تأثيرات سيخلّفها ذلك على منطقة الخليج العربي؟
مأساة سدّ مأرب الجديدة في اليمن، لن تبقى محلية بأي حال، بل قد تُصبح في أي وقت خليجية أيضاً. فدول مجلس التعاون الخليجي برمّتها، ستكون معنِية بها من الألِف إلى الياء، بسبب جُملة عوامِل ديموغرافية وجغرافية واقتصادية، وأيضاً قومية ودينية وأخلاقية، إذ أن تِعداد سكان اليمن سيقفِز، كما أشرنا، إلى أكثر من 40 مليون نسمة خلال عقديْن إثنين من الآن، وهذا يعني أن اليمن، الذي يُعتبر الآن أفقَر بلد في العالم العربي، حيث 40% من السكان يعيشون ما دون حافَة الفقر (دولار ونصف الدولار في اليوم)، سيُصبح أكثر فقراً بما لا يُقاس في المستقبل القريب. وبالطبع، مع الفقْر المُدقع، تأتي الهجرات الواسعة والحروب الأهلية المُرعِبة، ذات الأبعاد الإقليمية المُحتمة.
ويعتقد العديد من المحلِّلين الغريبين المختصِّين في الشأن اليمَني، أن الانفِجارات المذهبية والمناطقية الرّاهنة، تجِد جذورها في الواقع في المعطى الاقتصادي. فالحرب الأهلية الدائرة في صعدة ضدّ الحوثيين والحركة الانفصالية في الجنوب وبروز تنظيم، تعود في جلِّها إلى الفساد وسوء توزيع الثروات وتدهور الأوضاع الاقتصادية وغِياب التخطيط الحكومي السّليم.
إلى ذلك، يجب أن نُضيف التّناقص السريع لاحتياطِي النفط، حيث انخفضت الصادرات بشكل حادّ في السنوات الأخيرة من أكثر من 450 ألف برميل يومياً وقت الذروة في عام 2003، إلى حوالي 280 ألف برميل يومياً في يناير 2009، وِفقا لأمير سالم العيدروس، وزير النفط والمعادن. وما لم يتِم العثور على أيّ اكتشافات جديدة، فإن خُبراء الطاقة يُقدّرون بأن صادرات اليَمن من النفط، ستتوقّف في غضون عشر سنوات.
ويؤكِّد البنك الدولي أنه بحلول عام 2017، لن تكسب حكومة اليمن أيّ دخل من النفط، وثمة تقديرات أخرى تُشير إلى أن الاحتياطيات النفطية المؤكّدة، ستستنفد في غضون خمس سنوات فقط.
الصورة إذن قاتمة للغاية. وكما يدُل الآن انطلاق المنظمات المتطرِّفة من اليمن إلى السعودية ودول أخرى، فإن احتمال انهيار اليمَن، ستكون له فوراً مضاعفات جسِيمة على دول الخليج المُجاورة، سواء على صعيد التدفّق الكثيف لجماهير الجائعين (كما حدث قبل 1400 سنة) أو على صعيد تصدير الإرهاب والصِّراعات الإقليمية.
أبعاد إقليمية
هذا عن الأبعاد الداخلية لأزمة اليمن، لكن ألَيْس ثمة حقاً أبعاد إقليمية خارجية خطيرة لهذه الأزمة؟ الأطراف الإقليمية المُتنازِعة على اللّوحة العامة في منطقة الخليج، تؤكّد ذلك أناء اللّيل وأطراف النهار، وهذا واضح من الحملات الإعلامية العنيفة المُتبادلة، التي يبدو فيها الحوثيّون والجنوبيون اليمَنيون، مجرّد جِسر تعبُر فوقه (في الاتِّجاهيْن) الصراعات الإقليمية، تماماً كما الأمر بالنسبة إلى طوائف لبنان، لكن المسألة قد تكون في الواقع سايكولوجية أكثر منها جيو - سياسية.
صحيح أن المملكة العربية السعودية تشعُر بالقلق العميق ممّا يجري على حدودها وفي عُمق أراضيها، وكذلك لِما يجري في داخل دولة مُجاورة تُعد 23 مليون نسمة قد تتحوّل بين ليلة وضُحاها إلى "دولة فاشلة" مُصدَّرة للإرهاب، على غِرار الصومال وأفغانستان، وقبلهما العراق، ما قد يصُبّ في النهاية في مصلحة إيران.
تقرير عقلاني؟ بالتأكيد، خاصّة وأنه في جانبٍ منه، يُوضِّح للأطراف الإقليمية المعنِية، بأن النظّارات السايكولوجية، غالباً ما تعرض صورة مشوِِّهة وغير حقيقية للواقع الجيو – سياسي الحقيقي.
إن الشكوك المُتراكمة على مدى العقد الأخير في منطقة الخليج ومحيطها، نسَفت العديد من جسور الحوار والتواصل، ومعها فُرص الفهم والتّفاهم، لكن الأوان لم يفُت بعدُ لاجتِراح الحلول، وهذا لأسباب ثلاثة:
الأول، أن مشاكِل صعدة والجنوب، يمنية داخلية بامتياز، حتى ولو بدا أحياناً أنها تتقمّط أبعاداً إقليمية. فما يريده الحوثيّون، هو نفسه ما يريده الجنوبيون: دولة يمنية عادِلة لا تمييز فيها ولا إقصاء، ومخارج من لعنة الفقر والمرض وانسداد آفاق المستقبل لدى الكثرة الغالبة من المواطنين المطرودين من جَنّة السلطة القَبَلِية - العسكرية الرّاهنة.
الثاني، أن الحلول العسكرية، لا ولن تحُل شيئاً في مجتمع قَبَلي مُعقّد كاليمن. ولِذا، فإن الفُرص تبقى وارِدة دوماً للعُثور على حلول وسط وتسويات سياسية.
والثالث، أن مجلس التعاون الخليجي لم يُدْلِ بعدُ بدلوه في هذه الأزمة، لكنه مع ذلك، يبدو الطرف الأبرز المؤهّل لوقْف رشّ الزّيت على النار ووضْع إطار للحلول في اليمن، إن لم يكُن الآن، فعلى الأقل بعد أن يهدأ غُبار العمليات العسكرية على الحدود اليمنية – السعودية.
في شهر مايو الماضي، أي قبل أشهر عدّة من الجولة الأخيرة من الاقتِتال اليمني، أوصى تقرير ل "مجموعة الأزمات الدولية" بأن تستخدِم الحكومة اليمنية الوسائل التقليدية في مجاليْ الاستِرضاء الشعبي (عبْر العطايا) والتّسامح الاجتماعي والدِّيني، لخلْق دولة أكثر تمثيلية، كما أوصى التقرير دول الخليج والحكومات الغربية بمُمارسة نفوذها لحمْل كلٍّ من صنعاء والمتمرِّدين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، للتوصّل إلى حلول وسط.
تقرير عقلاني؟ بالتأكيد، خاصّة وأنه في جانبٍ منه، يُوضِّح للأطراف الإقليمية المعنِية، بأن النظّارات السايكولوجية، غالباً ما تعرض صورة مشوِِّهة وغير حقيقية للواقع الجيو – سياسي الحقيقي.
اليمن والعولمة
على أي حال، أثبتت التطوّرات الأخيرة في اليمن، أن الدولة اليمنية مصابة ب "الحَوَلْ"، فيما العولمة التي تتحكّم بمير العالم هذه الأيام عوراء. لماذا؟ لأن هذه هي حقيقة الحال، وعلى كِلا المستوييْن، العالمي المُتعولم واليمني المحلِّي.
فعلى المستوى الأول، لم تحرّك الأسْرة الدولية ساكِناً، طالما كان اليمنيون يقتُلون اليمنيين والفقراء يذبحون المفقرين، وطالَما أن كل الفظائع تُرتَكب داخل القفَص اليمني، لكن، ما أن مُسَّت شَعرة واحدة من الرأس الغربي خلال محاولة اختطاف الطائرة إلى ديترويت، حتى ملأ الضجيج الكاسِح العالم بأسْره.
فتداعت الدول الغربية إلى عقْد مؤتمر طارئ حول اليمن في لندن، وأكّد الرئيس الأمريكي أوباما أنه، كما ديك تشيني وجورج بوش، لا يقل "حربجية" عن عتاة الصقور الجمهوريين، وبدأ الحديث عن مرحلة جديدة من الحرب العالمية ضدّ الإرهاب.
هذه كانت العولمة قيْد التنفيذ، لكنها عوْلمة مِن نوع خاص للغاية، إذ ليس فيها سوى عيْن واحدة لترى شيئاً واحدا: المصالح الرأسمالية الغربية، التي من أجلها يكون إعلان الحرب وشنّها كشربة ماء. هي عوراء إلى درجة أنها تنسى أن أمْن اقتصادياتها بات مُرتبطاً أشدّ الارتباط بأمْن أو لا أمن دُول فقيرة، كاليمن والصومال وأفغانستان وباكستان، وأن الحرب وحدها لن تكون كافية لتأسيس نظامها العالمي الجديد.
هذه النقطة الأخيرة، كان قد أكّد عليها أحد أبرز مُنظّري البنتاغون والعوْلمة توماس بارنيت. فهو شدّد في دراسة بعنوان "خريطة البنتاغون الجديدة: الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين"، على أن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على أساس ردود الفعل على الأزمات. صحيح أنها تدخّلت عسكرياً في حِقبة التسعينيات بأكثر ممّا فعلت طيلة الحرب الباردة، إلا أن البنتاغون صنّف هذه التحركات تحت خانة "العمليات العسكرية" لا تحت خانة "الحرب"، وكأنه يريد أن يقول إنها لا معنى إستراتيجي لها، وهذا غير صحيح، برأي الكاتب.
فالعمليات العسكرية وحالات الانتشار الحربي، تركّزت في تلك الأجزاء من العالم المُستبعدة، مما يسمِّيه "مركز العولمة الفاعل"، وهو يعرف هذا المركز كالآتي:
1- أي دولة أو منطقة تكون فاعلة، إذا ما كانت تتفاعل مع مضمون التدفّقات التي تتأتّى من خلال إدماجها، ما هو قومي بما هو إقتصاد عالمي (الأفكار، المال، الإعلام).
2- أي دولة أو منطقة تكون فاعلة، حين تسعى إلى تنسيق "قواعد حُكمها الداخلي" مع الحكم العالمي الصاعد للديموقراطية، وحكم القانون والأسواق الحرّة.
3- أي دولة تكون "غير متّصلة" (بنظام العولمة)، حين تفشل في كسْب ثقة الشركات متعدِّدة الجنسيات بها، وهذا يُمكن أن يحدُث لأن الدولة تكون ثيوقراطية أو معزولة جغرافياً أو مرتبطة بالعالم عبْر حكومة فاسدة.
اليمن تنطبِق عليه جُلّ هذه المواصفات، وهو فوق ذلك، يبدو في وضعية حَوَلْ حقيقية، حيث تركّز حكومته عيْناً عسكرية على الشمال وأخرى استخبارية على الجنوب، قافزة بذلك فوق الأسباب الاجتماعية والاقتصادية، التي تسبّبت بثورة الحوثيين وتمرّد الحضرموتيين.
بيد أن شيئاً من هذا لا يهُم الغرب المُتعولم. القاعدة هي الآن همّه الوحيد، ولذلك، ومن أجل ذلك، تذكّر مؤخراً أن ثمة دولة نازفة ومتألِّمة على خريطة العالم إسمها اليمن وقرّر مدّ يَد العوْن لها عبْر تشكيل "مجموعة أصدقاء اليمن".
العَون لمن؟ للحكومة نفسها، التي تسبّبت أخطاؤها بكل الانهيارات الرّاهنة، مقابل ما بدأت تفعله مؤخراً، حين بدأت بشنّ حملة أمنية شامِلة على تنظيم القاعدة في كل أنحاء البلاد، تلبية لطلب أمريكي مباشر. حقّا، أن هذه عولمة عوْراء، وبامتياز أيضاً.
المصدر: سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.