«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن والعولمة و"الانفِجار العظيم"
نشر في المصريون يوم 08 - 02 - 2010

مجموعة أصدِقاء اليمن"، التي شكّلها المؤتمر الدولي التي عُقد في لندن مؤخراً، قد يكون أصدَق تعبير عن أسوإ إزدواجية مارَسها الغرب حتى الآن. ف "أصدقاء" اليمن الغربيون لم يكُن لهم وجود من قبل، إلا في صيغة أجهزة أمنية، أمريكية وبريطانية أساساً، تتعاون مع أجهزة الأمن اليمنية في كل شيء، ما عدا مصلحة الشعب اليمني في الديمقراطية والتنمية. والأصدقاء الغربيون الجُدد، لم يتذكّروا اليمن، إلا بعد إعلان تنظيم "القاعدة" عن تحويل هذا البلد إلى قاعدة لعَملياته في شِبه الجزيرة العربية.
صحيح أن هؤلاء الأصدقاء القدماء – الجُدد، ربطوا مُساعداتهم المالية والاقتصادية لصنعاء، بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية، كانت "مُوَضّبة" في ثلاجة النظام منذ نيْفٍ وثلاثين عاماً، إلا أن هذا الرّبط ليس سوى تطبيق للشعار الإنجليزي الشهير: "دعهم يأكلون الوُعود".
ففي حال حصلت صنعاء على ما تُريد، أي أكثر أو أقلّ من الأربعة بلايين دولار التي تطلُبها، ستدّعي أنها ستُنفّذ مقابل ذلك كل الإصلاحات المطلوبة، من تحقيق ديمقراطية غير إقصائية إلى توفير فُرص عمل للشبان العاطلين عن العمل، والذين بلغت نِسبتهم 51%، لكنها ربما لن تفعل في الواقع سوى الإفادة من المُساعدات لتصعيد الحرب على الحوثيين والجنوبيين.
الدولة الفاشلة
هذه الاحتمالات هي أقرَب في الواقع إلى كونها تأكيدات، إذ على رغم أن تنظيم القاعدة يشكّل خطراً مشتركاً على الغربيين والخليجيين على حدِّ السواء، إلا أن انفِجار اليمن داخلياً، ليس كذلك. فالغرب يستطيع بسُهولة أن يتعايش مع مُجتمع يَمني في حالة حربٍ دائمة، في حين أن الخليج لا يمكنه أن يعيش لحظة مع دولة فاشلة يمَنية.
لماذا؟ الديموغرافيا سبب رئيسي، إذ أن الحقيقة بأن أكثر من 40 مليون يمَني (وهذا الرقم المُتوقّع لتِعداد اليمنيين بعد عقد)، يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، على مرمى حجر من أعلى معدّلات دخْل في العالم في دول الخليج، ستكون مدعاة لتفجير حِقد طبقي يمَني عنيف ضدّ الخليجيين، وهو حِقد لا يمكن أن يُترجم نفسه إلا بالهِجرة الشرعية وغير الشرعية إلى هذه الدول أو بالعنف المُتلحّف برداء الدِّين.
والجغرافيا، سبب ثانٍ. فاليمن، شِئنا أم أبيْنا، جزء لا يتجزّأ من الخليج العربي، ولا يُضعف من هذه الحقيقة كون اليمن في زمان متأخِّر عن الزمن الخليجي بعقود تنمَوية عدّة، لا بل هو يعزِّزها أو يجب أن يعزِّزها باتِّجاه ردْم الهُوّة الاقتصادية بيْنه وبين جيرانه، وهذا عمل حصِيف قامت به كل الدول التي تريد تجنّب النزاعات والانفجارات (من ضخّ ألمانيا الغربية 200 بليون دولار فوْراً إلى ألمانيا الشرقية والمساعدات الضّخمة التي قدّمتها أوروبا الغربية إلى دول أوروبا الجنوبية ثم الشرقية، والولايات المتحدة وكندا إلى المكسيك).
وإذا لم يحدُث ذلك، فسينشُب "الانفِجار العظيم" في اليمن، لا بل تكْتَكات ساعة هذا الانفجار بدأت بالفعل، على ما يبدو، إذ أينما يمَّمنا وجهَنا، نجد أنفسنا أمام حالة كلاسيكية من حالات انحِدار الكيانات السياسية إلى وضعية "الدّولة الفاشلة".
وللتّذكير، يُطلَق على الدولة نعْت الفاشلة في الظروف التالية:
- فقدانها الدولة المعنِية السيْطرة المادية على أراضيها أو على احتِكارها لشرعية استِخدام القوّة داخل هذه الأراضي.
- تآكل سلْطتها الشرعية في مجال اتِّخاذ القرارات الجماعية.
- عدم قُدرتها على توفير الخدمات العامة لمواطنيها.
- تحوّلها إلى ساحة صِراع للدّول المجاوِرة أو الدول الكُبرى.
السِّمات الرئيسية الأخرى للدولة الفاشلة، تشمل وجود حكومة مركزية ضعيفة أو غيْر فعّالة، والفشل في بلْورة هُوية وطنية موحّدة وتفشّي الفساد والإجرام، على نطاق واسع، وانحِدار اقتصادي حاد. الآن، إذا ما طبّقنا هذه المعايير العامة على الحالة الخاصة لليمن هذه الأيام، سنكتشِف أنها تنطبِق عليه حَرفاً بحرف.
فعملية بناء الدولة الحديثة فيه، وصلت إلى طريق مسْدود بعد أن فشلت السلطة المركزية طِيلة نصف القرن المُنصرم على تأسيس الجمهورية في نقل ولاء المواطنين من القبيلة والعشيرة والطائفة، إلى الدولة بمؤسّساتها الشرعية وإداراتها المدنية وقواعدها القانونية، وهذا الفشل ترافَق مع فشَل آخر لا يقِل خطورة: بقاء الهُوية الوطنية اليمنية حبيسة حفنة ضئيلة للغاية من المثقّفين والسياسيين، الذين اقتصر وجودهم وتأثيرهم على بعض أحياء المدن.
وكما هو معروف في تاريخ نشأة الدول أو زوالِها، حين تغيب الهُوية الوطنية، تحلّ مكانها سريعاً الهويات "القاتلة" ما قبل الحديثة (وِفق تعبير رفيق معلوف)، وعلى رأسها الهُوية القبلية والمذهبية، وهذا عادةً يكون إيذاناً، إما بأفول نجْم هذه الدولة أو بانفِجار حروب أهلية لا نهاية لها فيها.
الدولة اليمنية فاقمَت من هذه الخطورة، حين استخدَمت هي نفسها الأوراق القبلية والطائفية (ومؤخراً الورقة الأصولية المتطرفة)، لتثبيت أركان وجودها، وهذا في حدِّ ذاتِه تناقض أيّما تناقُض مع مُبرِّر وجود الدولة نفسها.
ثم أن خدمات الدولة الاجتماعية والصحية، تكاد تكون قصراً على مناطق محظوظة مُعيّنة أو على فِئات معيّنة، في إطار حالة عامة من الفساد والمحسوبية، وهذا ما دفع قطاعات واسعة من المُجتمع، إما إلى البحْث عن ملاذات في البُنَى الاجتماعية التقليدية أو في اللّجوء إلى العُنف، للحصول على هذه الخدمات.
هذه المعطيات حوّلت اليمن إلى أشلاء، في حين كان الغرب يُصفِّق لواجِهة الديمقراطية التي أقامها النظام، لتبرير طلبه الدّعم والمساندة والمساعدات. فالجنوب يكاد ينفصِل الآن عن الشمال، بعد أن أدّى تجاهُل تظلمات الجنوبيين المُزمِنة إلى تشويه الصورة القُدسِيّة، التي لطالَما أسبغها كل اليمنيين على فكرة الوِحدة.
وبعض الشمال، يكاد ينفصل عن الشمال، بعد أن برز الحوثيون كقوة سياسية - عسكرية يُعتد بها شطرت الزّيديين إلى شطريْن، ودمجت لديهم ما هو سياسي - اقتصادي بما هو إديولوجي - مبدئي.
والمنظمات الأصولية المتطرِّفة، التي فرّت من السعودية والقرن الإفريقي، أوشكت على تحويل اليمن إلى أفغانستان أخرى أو حتى إلى ما هو أسوأ: صومال آخر.
الطامة الأكبر
كل هذه الطامات تُنذر ب "الانفجار العظيم، لكن، وعلى رغم ذلك، ثمّة طامة كُبرى أضخم تكمُن تحت الأرض اليمنية لا فوقها! ما هي؟ إنها نفسها التي حدثت في اليمن في القرن الثالث الميلادي، ثم مجدّداً في القرن السابع الميلادي، حين دُمّر سدّ مأرب، ما دفع أعداداً ضخمة من اليمنيين إلى الهجرة إلى شمال إفريقيا والأطراف الشمالية من شِبه الجزيرة العربية.
فاليمن اليوم يُعاني من نقْص حادٍّ في إمدادات المِياه في جميع أنحاء البلاد. وقد تصبح صنعاء، التي ينمُو سكانها بمعدّل 7% سنوياً، نتيجة لزيادة التحضّر، أول عاصمة في العالم تنفُد فيها المياه. هذه الأزمة الوجودية، ناجِمة عن عوامِل عدّة: ارتفاع الاستهلاك المحلي وسوء إدارة المياه والفساد وعدم وجود سيْطرة على الموارد والإسراف في تقنِيات الريّ.
ووِفق تقرير صدر عام 2009 عن منظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة، يُعتبَر اليمن من بين أكثر الدول نُدرة في المياه ولديه واحداً من أدنى معدّلات نصيب الفرْد من توافُر المياه العذبة.
وجاء في دراسة حديثة للباحث كريستوفر بوتشيك، أنه نظراً إلى عدم وجود أي رَقابة قانونية جدّية قابلة للتنفيذ، يتِم استخراج المياه في اليمن من طبقات المياه الجوفية بأسرَع ممّا يجري تجديدها. وفي عام 1998، انْهارَ حوْض المِياه في تعِز، وهي من أكبر المُدن. وتُقّدر معدّلات استخراج المياه في صنعاء حاليا، بنحو أربعة أضعاف معدّلات تجديدها، والحوض هناك وفي عمران على وشك الانهِيار. ويُقدر أنْ ينْهار حوْض صعدة بعد ذلك بفترة وجيزة. ووِفقا لإحدى التحليلات الحديثة، فإن 19 من طبقات المياه الجوفية الإحدى والعشرين في البلاد، لا يتم تجديدها.
في السنوات القليلة الماضية، انخفَض منسوب المياه الجوفية في اليمن بحوالي مِترين في السنة، ما أرغم على حفْر الآبار بشكل أعمق. وغالباً ما يتطلب انخفاض منسوب المياه الجَوفية، استخدام آلات الحفر الخاصة بالنّفط. وفي حين أن هناك الآن نِظاماً قانونياً قائماً لضمان الاستخدام العادل والمنصف للمياه السطحية، إلا أنه لا يوجد مثل هذا النظام القانوني للمياه الجوفية. ونتيجة لذلك، فإن أي شخص يريد الحصول على المياه (ويستطيع تحمّل كلفة ذلك)، يحفر بئراً ويستخرج ما أمكنه من المياه. وقد قدّر عبد الرحمن الإرياني، وزير المياه والبيئة، أن نسبة 99% من عمليات استخراج المياه، غير مرخّصة.
ويوضِّح بوتشيك أن استيراد منصّات الحفر إلى اليمن، لا يخضع إلى أية رسوم جُمركية أو ترخيص أو ضرائب. ويُقدِّر المسؤولون في وزارة المياه والبيئة أنه، اعتبارا من شهر يناير 2009، كانت هناك أكثر من 800 منصّة حفر خاصة تعمل في البلاد. وفي المقابل، لا توجد سوى ثلاث منصّات في الأردن، ولا يزيد عددها في الهند، التي يفوق عدد سكانها بأكثر من 50 ضعفاً سكّان اليمن، عن 100 منصّة.
صنعاء قريباً بلا مياه.
شُحّ في كل أنحاء البلاد، انهيارات متتابعة لأحواض المياه: ألاَ تُعيد كارثة انهِيار سدّ مأرب نفسها بعد 1300 سنة من وقُوعها؟ وإذا ما كان هذا صحيحاً (وهو كذلك بالتأكيد)، أيّ تأثيرات سيخلّفها ذلك على منطقة الخليج العربي؟
مأساة سدّ مأرب الجديدة في اليمن، لن تبقى محلية بأي حال، بل قد تُصبح في أي وقت خليجية أيضاً. فدول مجلس التعاون الخليجي برمّتها، ستكون معنِية بها من الألِف إلى الياء، بسبب جُملة عوامِل ديموغرافية وجغرافية واقتصادية، وأيضاً قومية ودينية وأخلاقية، إذ أن تِعداد سكان اليمن سيقفِز، كما أشرنا، إلى أكثر من 40 مليون نسمة خلال عقديْن إثنين من الآن، وهذا يعني أن اليمن، الذي يُعتبر الآن أفقَر بلد في العالم العربي، حيث 40% من السكان يعيشون ما دون حافَة الفقر (دولار ونصف الدولار في اليوم)، سيُصبح أكثر فقراً بما لا يُقاس في المستقبل القريب. وبالطبع، مع الفقْر المُدقع، تأتي الهجرات الواسعة والحروب الأهلية المُرعِبة، ذات الأبعاد الإقليمية المُحتمة.
ويعتقد العديد من المحلِّلين الغريبين المختصِّين في الشأن اليمَني، أن الانفِجارات المذهبية والمناطقية الرّاهنة، تجِد جذورها في الواقع في المعطى الاقتصادي. فالحرب الأهلية الدائرة في صعدة ضدّ الحوثيين والحركة الانفصالية في الجنوب وبروز تنظيم، تعود في جلِّها إلى الفساد وسوء توزيع الثروات وتدهور الأوضاع الاقتصادية وغِياب التخطيط الحكومي السّليم.
إلى ذلك، يجب أن نُضيف التّناقص السريع لاحتياطِي النفط، حيث انخفضت الصادرات بشكل حادّ في السنوات الأخيرة من أكثر من 450 ألف برميل يومياً وقت الذروة في عام 2003، إلى حوالي 280 ألف برميل يومياً في يناير 2009، وِفقا لأمير سالم العيدروس، وزير النفط والمعادن. وما لم يتِم العثور على أيّ اكتشافات جديدة، فإن خُبراء الطاقة يُقدّرون بأن صادرات اليَمن من النفط، ستتوقّف في غضون عشر سنوات.
ويؤكِّد البنك الدولي أنه بحلول عام 2017، لن تكسب حكومة اليمن أيّ دخل من النفط، وثمة تقديرات أخرى تُشير إلى أن الاحتياطيات النفطية المؤكّدة، ستستنفد في غضون خمس سنوات فقط.
الصورة إذن قاتمة للغاية. وكما يدُل الآن انطلاق المنظمات المتطرِّفة من اليمن إلى السعودية ودول أخرى، فإن احتمال انهيار اليمَن، ستكون له فوراً مضاعفات جسِيمة على دول الخليج المُجاورة، سواء على صعيد التدفّق الكثيف لجماهير الجائعين (كما حدث قبل 1400 سنة) أو على صعيد تصدير الإرهاب والصِّراعات الإقليمية.
أبعاد إقليمية
هذا عن الأبعاد الداخلية لأزمة اليمن، لكن ألَيْس ثمة حقاً أبعاد إقليمية خارجية خطيرة لهذه الأزمة؟ الأطراف الإقليمية المُتنازِعة على اللّوحة العامة في منطقة الخليج، تؤكّد ذلك أناء اللّيل وأطراف النهار، وهذا واضح من الحملات الإعلامية العنيفة المُتبادلة، التي يبدو فيها الحوثيّون والجنوبيون اليمَنيون، مجرّد جِسر تعبُر فوقه (في الاتِّجاهيْن) الصراعات الإقليمية، تماماً كما الأمر بالنسبة إلى طوائف لبنان، لكن المسألة قد تكون في الواقع سايكولوجية أكثر منها جيو - سياسية.
صحيح أن المملكة العربية السعودية تشعُر بالقلق العميق ممّا يجري على حدودها وفي عُمق أراضيها، وكذلك لِما يجري في داخل دولة مُجاورة تُعد 23 مليون نسمة قد تتحوّل بين ليلة وضُحاها إلى "دولة فاشلة" مُصدَّرة للإرهاب، على غِرار الصومال وأفغانستان، وقبلهما العراق، ما قد يصُبّ في النهاية في مصلحة إيران.
تقرير عقلاني؟ بالتأكيد، خاصّة وأنه في جانبٍ منه، يُوضِّح للأطراف الإقليمية المعنِية، بأن النظّارات السايكولوجية، غالباً ما تعرض صورة مشوِِّهة وغير حقيقية للواقع الجيو – سياسي الحقيقي.
إن الشكوك المُتراكمة على مدى العقد الأخير في منطقة الخليج ومحيطها، نسَفت العديد من جسور الحوار والتواصل، ومعها فُرص الفهم والتّفاهم، لكن الأوان لم يفُت بعدُ لاجتِراح الحلول، وهذا لأسباب ثلاثة:
الأول، أن مشاكِل صعدة والجنوب، يمنية داخلية بامتياز، حتى ولو بدا أحياناً أنها تتقمّط أبعاداً إقليمية. فما يريده الحوثيّون، هو نفسه ما يريده الجنوبيون: دولة يمنية عادِلة لا تمييز فيها ولا إقصاء، ومخارج من لعنة الفقر والمرض وانسداد آفاق المستقبل لدى الكثرة الغالبة من المواطنين المطرودين من جَنّة السلطة القَبَلِية - العسكرية الرّاهنة.
الثاني، أن الحلول العسكرية، لا ولن تحُل شيئاً في مجتمع قَبَلي مُعقّد كاليمن. ولِذا، فإن الفُرص تبقى وارِدة دوماً للعُثور على حلول وسط وتسويات سياسية.
والثالث، أن مجلس التعاون الخليجي لم يُدْلِ بعدُ بدلوه في هذه الأزمة، لكنه مع ذلك، يبدو الطرف الأبرز المؤهّل لوقْف رشّ الزّيت على النار ووضْع إطار للحلول في اليمن، إن لم يكُن الآن، فعلى الأقل بعد أن يهدأ غُبار العمليات العسكرية على الحدود اليمنية – السعودية.
في شهر مايو الماضي، أي قبل أشهر عدّة من الجولة الأخيرة من الاقتِتال اليمني، أوصى تقرير ل "مجموعة الأزمات الدولية" بأن تستخدِم الحكومة اليمنية الوسائل التقليدية في مجاليْ الاستِرضاء الشعبي (عبْر العطايا) والتّسامح الاجتماعي والدِّيني، لخلْق دولة أكثر تمثيلية، كما أوصى التقرير دول الخليج والحكومات الغربية بمُمارسة نفوذها لحمْل كلٍّ من صنعاء والمتمرِّدين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، للتوصّل إلى حلول وسط.
تقرير عقلاني؟ بالتأكيد، خاصّة وأنه في جانبٍ منه، يُوضِّح للأطراف الإقليمية المعنِية، بأن النظّارات السايكولوجية، غالباً ما تعرض صورة مشوِِّهة وغير حقيقية للواقع الجيو – سياسي الحقيقي.
اليمن والعولمة
على أي حال، أثبتت التطوّرات الأخيرة في اليمن، أن الدولة اليمنية مصابة ب "الحَوَلْ"، فيما العولمة التي تتحكّم بمير العالم هذه الأيام عوراء. لماذا؟ لأن هذه هي حقيقة الحال، وعلى كِلا المستوييْن، العالمي المُتعولم واليمني المحلِّي.
فعلى المستوى الأول، لم تحرّك الأسْرة الدولية ساكِناً، طالما كان اليمنيون يقتُلون اليمنيين والفقراء يذبحون المفقرين، وطالَما أن كل الفظائع تُرتَكب داخل القفَص اليمني، لكن، ما أن مُسَّت شَعرة واحدة من الرأس الغربي خلال محاولة اختطاف الطائرة إلى ديترويت، حتى ملأ الضجيج الكاسِح العالم بأسْره.
فتداعت الدول الغربية إلى عقْد مؤتمر طارئ حول اليمن في لندن، وأكّد الرئيس الأمريكي أوباما أنه، كما ديك تشيني وجورج بوش، لا يقل "حربجية" عن عتاة الصقور الجمهوريين، وبدأ الحديث عن مرحلة جديدة من الحرب العالمية ضدّ الإرهاب.
هذه كانت العولمة قيْد التنفيذ، لكنها عوْلمة مِن نوع خاص للغاية، إذ ليس فيها سوى عيْن واحدة لترى شيئاً واحدا: المصالح الرأسمالية الغربية، التي من أجلها يكون إعلان الحرب وشنّها كشربة ماء. هي عوراء إلى درجة أنها تنسى أن أمْن اقتصادياتها بات مُرتبطاً أشدّ الارتباط بأمْن أو لا أمن دُول فقيرة، كاليمن والصومال وأفغانستان وباكستان، وأن الحرب وحدها لن تكون كافية لتأسيس نظامها العالمي الجديد.
هذه النقطة الأخيرة، كان قد أكّد عليها أحد أبرز مُنظّري البنتاغون والعوْلمة توماس بارنيت. فهو شدّد في دراسة بعنوان "خريطة البنتاغون الجديدة: الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين"، على أن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على أساس ردود الفعل على الأزمات. صحيح أنها تدخّلت عسكرياً في حِقبة التسعينيات بأكثر ممّا فعلت طيلة الحرب الباردة، إلا أن البنتاغون صنّف هذه التحركات تحت خانة "العمليات العسكرية" لا تحت خانة "الحرب"، وكأنه يريد أن يقول إنها لا معنى إستراتيجي لها، وهذا غير صحيح، برأي الكاتب.
فالعمليات العسكرية وحالات الانتشار الحربي، تركّزت في تلك الأجزاء من العالم المُستبعدة، مما يسمِّيه "مركز العولمة الفاعل"، وهو يعرف هذا المركز كالآتي:
1- أي دولة أو منطقة تكون فاعلة، إذا ما كانت تتفاعل مع مضمون التدفّقات التي تتأتّى من خلال إدماجها، ما هو قومي بما هو إقتصاد عالمي (الأفكار، المال، الإعلام).
2- أي دولة أو منطقة تكون فاعلة، حين تسعى إلى تنسيق "قواعد حُكمها الداخلي" مع الحكم العالمي الصاعد للديموقراطية، وحكم القانون والأسواق الحرّة.
3- أي دولة تكون "غير متّصلة" (بنظام العولمة)، حين تفشل في كسْب ثقة الشركات متعدِّدة الجنسيات بها، وهذا يُمكن أن يحدُث لأن الدولة تكون ثيوقراطية أو معزولة جغرافياً أو مرتبطة بالعالم عبْر حكومة فاسدة.
اليمن تنطبِق عليه جُلّ هذه المواصفات، وهو فوق ذلك، يبدو في وضعية حَوَلْ حقيقية، حيث تركّز حكومته عيْناً عسكرية على الشمال وأخرى استخبارية على الجنوب، قافزة بذلك فوق الأسباب الاجتماعية والاقتصادية، التي تسبّبت بثورة الحوثيين وتمرّد الحضرموتيين.
بيد أن شيئاً من هذا لا يهُم الغرب المُتعولم. القاعدة هي الآن همّه الوحيد، ولذلك، ومن أجل ذلك، تذكّر مؤخراً أن ثمة دولة نازفة ومتألِّمة على خريطة العالم إسمها اليمن وقرّر مدّ يَد العوْن لها عبْر تشكيل "مجموعة أصدقاء اليمن".
العَون لمن؟ للحكومة نفسها، التي تسبّبت أخطاؤها بكل الانهيارات الرّاهنة، مقابل ما بدأت تفعله مؤخراً، حين بدأت بشنّ حملة أمنية شامِلة على تنظيم القاعدة في كل أنحاء البلاد، تلبية لطلب أمريكي مباشر. حقّا، أن هذه عولمة عوْراء، وبامتياز أيضاً.
المصدر: سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.