«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل والفرسان الثلاثة
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 06 - 01 - 2010


تصويبات
نقف اليوم علي حديث مسهب لهيكل، وهو يتحدث عن فرنسا مقدمًا لموضوعه مفاجأة باسم "الفرسان الثلاثة" التي لا أدري أين وجدها ومن أين اختلقها.. ويقول إنها بالنص: "ظهرت خطة أخري هي الخطة (The Three Musketeers) الفرسان الثلاثة.. الفرسان الثلاثة هو عنوان قصة مشهورة جدا لألكسندر جوما الكاتب الفرنسي، مهم قوي علي الفرسان الثلاثة اللي كانوا موجودين في الفترة ما بين عصر لويس التاسع عشر ولويس الرابع عشر واللي عملوا أدوار مهمة ومغامرات إلي آخره، لكن ده كان عنوان خطة فيها ما هو أكثر من حرب ودخلت فيها فرنسا وهي موضوعي هذه الليلة بطريقة معقدة وبطريقة تحتاج كثير قوي من التقصي .."، ولا أدري كيف فات عليه الاسم الصحيح للكاتب الفرنسي الشهير ألكسندر دوماس صاحب تلك الرواية الشهيرة الممتعة التي قرأناها مذ كنا شبابًا.. ولا أعرف ما الذي يقصده بعصر لويس التاسع عشر ولويس الرابع عشر؟ هل خانته ذاكرته أم فقد التمييز؟
يتحدث هيكل هنا عن فرنسا مبتدئًا بالفوضي التي يقول إنها: "عمت منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي بالتحديد وفي هذه المراحل أو المرحلة من خطط الفوضي الخلاقة أو غير الخلاقة.." والرجل متأثر بمصطلح الفوضي الخلاقة الذي أشاعت استعماله اليوم كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية علي عهد بوش الابن .. والمسألة لا تعدو أكثر من مشروعات وخطط تريد القوي الكبري تطبيقها ليس علي الشرق الاوسط، بل علي كل المجالات الحيوية في العالم!
في وسط هذه الفوضي التي عمت منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي بالتحديد وفي هذه المراحل أو المرحلة من خطط الفوضي الخلاقة أو غير الخلاقة من أول راديو بتاعة الإنجليز لغاية سوزانا بتاعة الإسرائيليين لغاية ألفا بتاعة الأمريكان لغاية أوميجا، ظهرت خطة أخري هي الخطة (The Three Musketeers ) الفرسان الثلاثة.. الفرسان الثلاثة هو عنوان قصة مشهورة جدا لألكسندر جوما الكاتب الفرنسي، مهم قوي علي الفرسان الثلاثة اللي كانوا موجودين في الفترة ما بين عصر لويس التاسع عشر ولويس الرابع عشر واللي عملوا أدوار مهمة ومغامرات إلي آخره لكن ده كان عنوان خطة فيها ما هو أكثر من حرب ودخلت فيها فرنسا وهي موضوعي هذه الليلة بطريقة معقدة وبطريقة تحتاج كثير قوي من التقصي لأن فرنسا هنا قضية مهمة جدًا سواء بالنسبة لنا في مصر أو بالنسبة في رؤيتنا لفرنسا لأنه ببعثات محمد علي إسماعيل حتي قناة السويس إلي آخره فرنسا بدت تعتقد وحتي من نابليون كمان من غزو نابليون.
تصويب مسألة تاريخية
يتكلم هيكل عن جذور العلاقة المصرية- الفرنسية علي زمن حملة نابليون فيقول: "فرنسا تعتقد أن لها في مصر مكانة خاصة لكن فرنسا التي تعتبر أن لها مكانة خاصة فوجئت بأنه مصر بعد كده اللي هي بدأت فيها اختراقها إلي الشرق إلي المشرق العربي ونزلت بقواتها في حملة نابليون وجدت أن نابليون قعد ثلاثة سنين ونصف ولا حاجة ومشي نابليون ثم إذا بمصر تنتقل تدريجيا سواء بطريق الديون أو بطريق الغزو إلي حوزة الامبراطورية البريطانية اللي هي عدوها اللدود.." (انتهي النص).
هنا وجب علي أن أتوقف من أجل كشف حقيقة أو تصحيح معلومة أو محاولة لإعادة الكاتب إلي الرشد، وأقول إن فرنسا تعتبر أن مصر لها مكانة خاصة عندها، ولكن ثمة أماكن في العالم أهم من مصر عند الفرنسيين.. ويبدو أن مصر لها مكانة كبيرة في الذاكرة الأوروبية الغربية، وأن مكانتها عند الإنجليز لا تقل أبدًا عن الفرنسيين.. إذ يكفي أن نتتبع اهتمامات الإنجليز بأفريقيا ونهر النيل علي امتداد القرن التاسع عشر أكثر من اهتمامات فرنسا وقتذاك.. إذ راحت فرنسا بعد فشل حملة نابليون لتكرس نفسها وتمتد علي مساحة أوروبا وتؤسس لها امبراطورية من دون أن تفكر باسترداد مصر ثانية .. فضلاً عن أن معاهدة قد وقعت بين فرنسا والدولة العثمانية بعد مفاوضات طويلة وقعت عليها الدولتان باسم معاهدة العريش في يناير 1800 التي كان من أبرز بنودها جلاء الفرنسيين عن مصر بصورة كاملة.. ودخلت بريطانيا علي الخط وبدأ الجلاء سنة 1800 (عن كتابي تكوين العرب الحديث ، ص 262).
تقول يا هيكل إن نابليون قعد ثلاث سنين ونصف.. وهذا كلام غير صحيح أبدًا، ولا يمكن قبوله من قبل المؤرخين، فإذا كان بونابرت قد استولي علي جزيرة مالطة في 9 يونيو 1798 ودخل الإسكندرية في 1 يوليو 1798 واستسلمت القاهرة في 21 يوليو 1798.. فإن مجموع زمن بونابرت في مصر سنة واحدة وكام يوم، فلقد ضرب حصاره علي عكا في مارس 1799 وحاصرها لثلاثة أشهر، ولما فشل الحصار رجع خائبًا في يوليو 1799.. وأوكل مهمة الحملة لنائبه كليبر ومضي إلي فرنسا دون أن يرجع إلي مصر مرة أخري! أما الحملة، فلقد غادرت بعد توقيع معاهدة العريش مباشرة.. كنت أتمني علي هيكل أن يكون دقيقًا في تأريخ حدث عام، وهو يتحدث عن تاريخ أهم الأحداث التي مرت بمصر والملايين تسمعه.. ماذا نقول لأبنائنا الذين يسمعوننا، ونحن لا نضبط زمن أهم حدث مرت به مصر في العصر الحديث؟ صحيح أن الإنسان يخطئ، ولكن إذا زادت أخطاؤه، فإن عليه أن يراجع نفسه قليلاً، ولكن ما يحرج المرء فعلاً، أن يبقي ساكتًا، من دون أي تصويب أو اعتذار عن السقطات.
حقيقة العلاقات البريطانية- الفرنسية
يقول هيكل: "في ناس ما بيتصورش مرات بننسي إحنا التاريخ نتصور أن فرنسا وإنجلترا أصدقاء لكن واقع الأمر إن جوة في جوة عدوات طويلة لأنه لمائة سنة هذين البلدين تحاربا في كل مكان في العالم في شرق آسيا علي الهند الصينية وعلي حول الهند الصينية معارك طاحنة في أوروبا معارك طاحنة في أمريكا معارك طاحنة فبين الاثنين علاقات تحت التوافق الودي الظاهر في بين الاثنين..".
هنا يجعلني هيكل أتوقف أيضا لأصحح الأخطاء التي يرتكبها، ذلك أن العداوة بين الطرفين لم تكن لمائة سنة فقط، بل ترجع لمئات السنين، ولا أدري أين تحاربا في شرق آسيا علي الهند الصينية؟ وهل هناك حروب فقط بين الطرفين أم كانت هناك تحالفات بينهما حتي نفهم أن تحالف بريطانيا وفرنسا عام 1956 لم يأت من فراغ؟ دعوني أولا أتوقف عند الحروب المهمة بين الفرنسيين والبريطانيين في التاريخ منذ العصور الوسطي:
الاحتلال النورماندي عام 1066، الحروب بين الملكين هنري الثاني انجلترا وفيليب الثاني فرنسا، وصراع ستيفن وماتيلدا، وحرب سانت ساردوس 1242، وحرب المائة سنة 1337- 1453، والحروب الإيطالية 1511- 1559، حرب معاهدة كامبري المقدسة 1508- 1516، حرب الحلف الأعظم 1679- 1688، حرب الملك وليم 1689- 1697، حرب الإرث الإسباني 1702- 1713، حرب الإرث النمساوي 1740- 1748، حروب السنوات السبع 1756 -1763، حرب الثورة الامريكية 1775- 1783، حروب الثورة الفرنسية والحروب النابليونية 1792- 1815 .. إلخ.
أما الحروب التي تحالفت كل من انجلترا وفرنسا فيها علي مدي التاريخ، فيمكنني اختزالها بالآتي حتي يدرك المرء أن كلام هيكل منقوص وبحاجة إلي إعادة نظر، وليس العدوان الثلاثي هو أول حرب تتحالف فيها فرنسا مع الانجليز.. دعنا نري صفحات التاريخ وكل من الاثنين علي تحالف في حروب ضد الآخرين في العالم:
الحروب الصليبية، أجزاء من الحروب الإيطالية 1511- 1559، حرب الثمانين عاما 1568- 1648، حرب الفروند وتضم الحرب الأهلية الفرنسية والحرب الفرنسية- الإسبانية 1648- 1653، حرب الانجلو إسبانية 1654- 1659، حرب التحالف الرباعي 1718- 1720، حرب القرم 1854- 1856، عصيان البوكسر في الصين 1900 - 1901، الحرب العالمية الأولي 1914 - 1918، الحرب العالمية الثانية 1939 - 1945، الحرب الكورية 1950 - 1953، أزمة السويس والعدوان الثلاثي 1956، حرب الخليج الأولي 1991، حرب أفغانستان 2002 وحتي الآن.
أضحوكة التفاح: قضية تاريخية
كنت- ولم أزل- أتمني ليس علي هيكل وحده، بل علي كل من سلك طريقته ألا ينحاز تمامًا، ليلوي الحقائق التاريخية من أجل تسويق ما يؤمن به، أو ما يفكر فيه.. ويكفي يا هيكل وأنت في مقدمة العارفين أن فرنسا وبريطانيا اشتركتا في حربين عالميتين إبان القرن العشرين.. فهل هذا يفسر ما ستأتي إلي ذكره الآن.. دعونا نقرأ ماذا يقول هيكل وهو يفسر العلاقات الدولية بين أكبر دولتين استعماريتين في التاريخ.. يقول عن الانجليز والفرنسيين: "في عقد غائرة كثير جدا تمتد إلي حاجات بعض المرات أنا لا أستطيع أن أفهمها أنا لا أكاد أذكر أمام صديق إنجليزي أي شيء عن التفاح الفرنسي إلا والناس يزعلوا جدا ويفتكروا إن التفاح الإنجليزي أحسن قوي من الفرنسي وأنا فاكر ليلة بحالها مع سيدة ليدي هاملتون وهي زوجة صديقي دنيس هاملتون رئيس مجلس إدارة التايمز لفترة طويلة ليلة كلها خناق تقريبا يعني علي التفاح الفرنسي أحسن ولا التفاح الإنجليزي أحسن وأنا مرات كنت بناكف ليدي هاملتون أوليف..".
أسألك بالله، هل يمكن لعاقل يقرأ التاريخ من أوسع آفاقه وهو يري حجم الصراعات والتحالفات علي المصالح الكبري والصغري.. ينساق إلي روايتك عن التفاح؟ هل مشكلة بريطانيا مع فرنسا علي التفاح أيهما أحسن؟ وهل ثمة حاجة لكي تشرح لنا أن ليلة بحالها وأنت تتخانق مع سيدة ليدي هاملتون وتعرفها لنا بأنها زوجة صديقك دنيس هاملتون.. وأنتما تتخانقان علي التفاح؟ طبعا أنت يعجبك التفاح الفرنسي وتدافع عنه وهي تفاح انجليزي.. يا سلام! كل هذه القصة، وليلة بحالها، وخناق ومصالحة حتي تعلمنا بأن هناك عقدًا غائرة كثيرة جدا.. وسواء فهمتها او لم تفهمها، إنشاللا ما فهمت.. هناك من يفهمها يا عزيزي! هناك من يدركها يا هيكل خصوصا أولئك الذين يكرسون لياليهم بحالها في دراسة التاريخ وتموجاته بين الدول وسياساتها.. وليس أولئك الذين يجادلون الليدي هاملتون عن طعم التفاح ! ثم تعال يا هيكل: لماذا لا تقل لها لا تفاحكم ولا تفاح الفرنجة فيه طعم ونكهة.. تعالي تذوقي تفاح لبنان، وشوفي كم هو حلو وأحمر، بل كنت أتمني عليك أن تغني لها أغنية المطربة صباح التي تعدد فيها كل الفواكه العربية من تفاح لبناني ومنجة مصرية وبلح عراقي ومشمش شامي.. سوف لن أنسي قضية التفاح أبدا يا هيكل وساذكرك بها دوما.. فلقد تمتعت بها تماما.. ولكن دعني أقول شيئًا مهمًا.. إن من يرد كتابة مذكراته الشخصية والخاصة، فليكتب فيها ما يشاء إذ لا يمكنه أن يفرضها فرضًا علي الآخرين، أما من يلقِ موضوعًا مهمًا في تاريخ العلاقات الدولية سواء كان في محاضرة عامة أو محاضرة أكاديمية أو في برنامج تليفزيوني، فليكن حريصًا علي ألا يدخل نفسه أبدا في "الموضوع" لا بشكل جدي ولا بشكل كاريكاتيري.. ولم أجد أحدًا في أي مكان محترم، يشرك نفسه في الموضوع، وكأنه جزء منه.. لقد زاد هيكل وتمادي كثيرًا في مثل هذه المسألة.. وسنجده دوما كما وجدناه منذ سنين، ما إن يتحدث قليلاً حتي ينط ليشرك نفسه في الموضوع، وكأنه مشارك في صنعه! لقد علمنا أساتذتنا القدماء أثناء إلقاء محاضرتنا أو في إبداء أحاديثنا أن نفصل الذات عن الموضوع نهائيا.. وإذا كانت هناك مزحة أو طرفة أو تعليق معين.. فثمة فترة استراحة يمكن للأستاذ أن يحادث بها طلبته أو زملاءه عنها.
السياسة غير الأركيولوجيا
دعونا نرجع لنكمل المشهد مع هيكل وهو يصف هوي فرنسا بمصر، وغرام الاليت (كما يسميها هيكل أي النخبة بالأوروبي) المصري بفرنسا.. يقول: "فرنسا تعتقد أن لها في مصر قواعد..".. من أين جاء هيكل بهذا الاعتقاد الفرنسي؟ فرنسا طوال القرنين التاسع عشر والعشرين منشغلة بمستعمراتها (الأفريقية خصوصا) في العالم .. أتقصد قواعد فكرية؟ ولماذا لا؟ ولكن كل العالم كان ينظر إلي عالمين غريبين جدا اكتشفتهما البعثات الاركيولوجية الآثارية طوال القرن التاسع عشر، مصر والعراق، فالأولي اكتشفوا فيها عالمًا كلاسيكيا مغمورًا وفتحت طلاسم التاريخ الأسطوري بعد فك شفرة حجر رشيد، والثانية اكتشفوا فيها عالمًا كلاسيكيا مغمورًا وفتحت طلاسم التاريخ الأسطوري بعد فك شفرة الحروف المسمارية.. ولكن علينا أن نفرّق بين ذاكرتين في دراسة التفكير الأوروبي الغربي.. ذاكرة علمية وثقافية تبقي ممتدة في أيام السلم وأيام الصراع مهما حدث من افتراقات.. وذاكرة سياسية ورسمية تشكلها المصالح ورؤية أصحاب القرار.. بدليل أن الآثار القديمة العظيمة لكل من مصر والعراق يحتويهما متحفان أولهما في قلب لندن هو المتحف البريطاني وثانيهما في قلب باريس هو متحف اللوفر.. وفي قاعات الاثنين تجد أحد ملوك الفراعنة محنطًا، وتجد مسلة الملك حمورابي العراقي واقفة.. تجد عظمة كل من الحضارتين القديمتين.. ولكن هذا كله لا يمنع صاحب القرار في كل من لندن وباريس أن يشارك في صناعة حرب 1956 إزاء مصر، أو حرب 1991 إزاء العراق..
الإليت المصري
لماذا هذا المصطلح الذي يعرفه البعض وتتجاهله أغلب الناس؟ حتي يقال إن هيكل عندما يتكلم بالاليت ولم يستخدم كلمة (النخبة) فهو متفوق؟ فمن يمتلك هنا عقدة خواجة يا هيكل؟
المهم نقف الآن علي نص جديد.. واسمحوا لي أن أقول إن كل هذه النصوص هي مقدمات متهالكة من صنع الرجل كي يبدأ بها، إذ لديه ما سيعتمد عليه من الآخرين في أساسيات الموضوع.. تلك الأساسيات التي يكون قد أخذها من كتاب هذا أو كتاب لذاك.. يقول: "نفتكر أن رفاعة رافع الطهطاوي من أول رفاعة رافع الطهطاوي أو الواقع من قبل كده كمان من أول بعثات العلماء اللي جاءت مع نابليون ثم رفاعة رافع الطهطاوي فرنسا ثقافيا لها دور مهم جدا صداقة الخديو إسماعيل مع لوي فيليب الإمبراطور لوي فيليب وزوجته الإمبراطورة أوجنيه كانت مسألة مهمة جدا جيل الرواد اللي إحنا تعلمنا منهم اللي جيلنا تعلم منهم حد زي طه حسين وتوفيق الحكيم ولطفي السيد ومحمود عزمي كلهم من خريجي السوربون أو من جامعات فرنسا بشكل أو آخر وكلهم عندهم هوس بفرنسا شوقي شاعرنا الكبير عنده قصيدة مهولة في باريس ماهياش من أحسن قصائده لكن في اعتقادي أنها لأنه اعتبر أن باريس التي كانت علي وشك الوقوع في أسر الألمان في الحرب العالمية الأولي وأعلنت مدينة مفتوحة لتجنبها ويلات الحرب شوقي عمل عليها قصيدة باكية اعتبرها ست حلوة يكلمها يقول لها: جهد الصبابة ما أكابد فيك لو كان ما قد ذقته يكفيكِ... إلخ".
الحلقة المقبلة يوم الاثنين
الكاتب.. مفكر عربي عراقي مقيم في كندا
وأستاذ في جامعات عربية وأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.