عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل والفرسان الثلاثة
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 06 - 01 - 2010


تصويبات
نقف اليوم علي حديث مسهب لهيكل، وهو يتحدث عن فرنسا مقدمًا لموضوعه مفاجأة باسم "الفرسان الثلاثة" التي لا أدري أين وجدها ومن أين اختلقها.. ويقول إنها بالنص: "ظهرت خطة أخري هي الخطة (The Three Musketeers) الفرسان الثلاثة.. الفرسان الثلاثة هو عنوان قصة مشهورة جدا لألكسندر جوما الكاتب الفرنسي، مهم قوي علي الفرسان الثلاثة اللي كانوا موجودين في الفترة ما بين عصر لويس التاسع عشر ولويس الرابع عشر واللي عملوا أدوار مهمة ومغامرات إلي آخره، لكن ده كان عنوان خطة فيها ما هو أكثر من حرب ودخلت فيها فرنسا وهي موضوعي هذه الليلة بطريقة معقدة وبطريقة تحتاج كثير قوي من التقصي .."، ولا أدري كيف فات عليه الاسم الصحيح للكاتب الفرنسي الشهير ألكسندر دوماس صاحب تلك الرواية الشهيرة الممتعة التي قرأناها مذ كنا شبابًا.. ولا أعرف ما الذي يقصده بعصر لويس التاسع عشر ولويس الرابع عشر؟ هل خانته ذاكرته أم فقد التمييز؟
يتحدث هيكل هنا عن فرنسا مبتدئًا بالفوضي التي يقول إنها: "عمت منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي بالتحديد وفي هذه المراحل أو المرحلة من خطط الفوضي الخلاقة أو غير الخلاقة.." والرجل متأثر بمصطلح الفوضي الخلاقة الذي أشاعت استعماله اليوم كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية علي عهد بوش الابن .. والمسألة لا تعدو أكثر من مشروعات وخطط تريد القوي الكبري تطبيقها ليس علي الشرق الاوسط، بل علي كل المجالات الحيوية في العالم!
في وسط هذه الفوضي التي عمت منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي بالتحديد وفي هذه المراحل أو المرحلة من خطط الفوضي الخلاقة أو غير الخلاقة من أول راديو بتاعة الإنجليز لغاية سوزانا بتاعة الإسرائيليين لغاية ألفا بتاعة الأمريكان لغاية أوميجا، ظهرت خطة أخري هي الخطة (The Three Musketeers ) الفرسان الثلاثة.. الفرسان الثلاثة هو عنوان قصة مشهورة جدا لألكسندر جوما الكاتب الفرنسي، مهم قوي علي الفرسان الثلاثة اللي كانوا موجودين في الفترة ما بين عصر لويس التاسع عشر ولويس الرابع عشر واللي عملوا أدوار مهمة ومغامرات إلي آخره لكن ده كان عنوان خطة فيها ما هو أكثر من حرب ودخلت فيها فرنسا وهي موضوعي هذه الليلة بطريقة معقدة وبطريقة تحتاج كثير قوي من التقصي لأن فرنسا هنا قضية مهمة جدًا سواء بالنسبة لنا في مصر أو بالنسبة في رؤيتنا لفرنسا لأنه ببعثات محمد علي إسماعيل حتي قناة السويس إلي آخره فرنسا بدت تعتقد وحتي من نابليون كمان من غزو نابليون.
تصويب مسألة تاريخية
يتكلم هيكل عن جذور العلاقة المصرية- الفرنسية علي زمن حملة نابليون فيقول: "فرنسا تعتقد أن لها في مصر مكانة خاصة لكن فرنسا التي تعتبر أن لها مكانة خاصة فوجئت بأنه مصر بعد كده اللي هي بدأت فيها اختراقها إلي الشرق إلي المشرق العربي ونزلت بقواتها في حملة نابليون وجدت أن نابليون قعد ثلاثة سنين ونصف ولا حاجة ومشي نابليون ثم إذا بمصر تنتقل تدريجيا سواء بطريق الديون أو بطريق الغزو إلي حوزة الامبراطورية البريطانية اللي هي عدوها اللدود.." (انتهي النص).
هنا وجب علي أن أتوقف من أجل كشف حقيقة أو تصحيح معلومة أو محاولة لإعادة الكاتب إلي الرشد، وأقول إن فرنسا تعتبر أن مصر لها مكانة خاصة عندها، ولكن ثمة أماكن في العالم أهم من مصر عند الفرنسيين.. ويبدو أن مصر لها مكانة كبيرة في الذاكرة الأوروبية الغربية، وأن مكانتها عند الإنجليز لا تقل أبدًا عن الفرنسيين.. إذ يكفي أن نتتبع اهتمامات الإنجليز بأفريقيا ونهر النيل علي امتداد القرن التاسع عشر أكثر من اهتمامات فرنسا وقتذاك.. إذ راحت فرنسا بعد فشل حملة نابليون لتكرس نفسها وتمتد علي مساحة أوروبا وتؤسس لها امبراطورية من دون أن تفكر باسترداد مصر ثانية .. فضلاً عن أن معاهدة قد وقعت بين فرنسا والدولة العثمانية بعد مفاوضات طويلة وقعت عليها الدولتان باسم معاهدة العريش في يناير 1800 التي كان من أبرز بنودها جلاء الفرنسيين عن مصر بصورة كاملة.. ودخلت بريطانيا علي الخط وبدأ الجلاء سنة 1800 (عن كتابي تكوين العرب الحديث ، ص 262).
تقول يا هيكل إن نابليون قعد ثلاث سنين ونصف.. وهذا كلام غير صحيح أبدًا، ولا يمكن قبوله من قبل المؤرخين، فإذا كان بونابرت قد استولي علي جزيرة مالطة في 9 يونيو 1798 ودخل الإسكندرية في 1 يوليو 1798 واستسلمت القاهرة في 21 يوليو 1798.. فإن مجموع زمن بونابرت في مصر سنة واحدة وكام يوم، فلقد ضرب حصاره علي عكا في مارس 1799 وحاصرها لثلاثة أشهر، ولما فشل الحصار رجع خائبًا في يوليو 1799.. وأوكل مهمة الحملة لنائبه كليبر ومضي إلي فرنسا دون أن يرجع إلي مصر مرة أخري! أما الحملة، فلقد غادرت بعد توقيع معاهدة العريش مباشرة.. كنت أتمني علي هيكل أن يكون دقيقًا في تأريخ حدث عام، وهو يتحدث عن تاريخ أهم الأحداث التي مرت بمصر والملايين تسمعه.. ماذا نقول لأبنائنا الذين يسمعوننا، ونحن لا نضبط زمن أهم حدث مرت به مصر في العصر الحديث؟ صحيح أن الإنسان يخطئ، ولكن إذا زادت أخطاؤه، فإن عليه أن يراجع نفسه قليلاً، ولكن ما يحرج المرء فعلاً، أن يبقي ساكتًا، من دون أي تصويب أو اعتذار عن السقطات.
حقيقة العلاقات البريطانية- الفرنسية
يقول هيكل: "في ناس ما بيتصورش مرات بننسي إحنا التاريخ نتصور أن فرنسا وإنجلترا أصدقاء لكن واقع الأمر إن جوة في جوة عدوات طويلة لأنه لمائة سنة هذين البلدين تحاربا في كل مكان في العالم في شرق آسيا علي الهند الصينية وعلي حول الهند الصينية معارك طاحنة في أوروبا معارك طاحنة في أمريكا معارك طاحنة فبين الاثنين علاقات تحت التوافق الودي الظاهر في بين الاثنين..".
هنا يجعلني هيكل أتوقف أيضا لأصحح الأخطاء التي يرتكبها، ذلك أن العداوة بين الطرفين لم تكن لمائة سنة فقط، بل ترجع لمئات السنين، ولا أدري أين تحاربا في شرق آسيا علي الهند الصينية؟ وهل هناك حروب فقط بين الطرفين أم كانت هناك تحالفات بينهما حتي نفهم أن تحالف بريطانيا وفرنسا عام 1956 لم يأت من فراغ؟ دعوني أولا أتوقف عند الحروب المهمة بين الفرنسيين والبريطانيين في التاريخ منذ العصور الوسطي:
الاحتلال النورماندي عام 1066، الحروب بين الملكين هنري الثاني انجلترا وفيليب الثاني فرنسا، وصراع ستيفن وماتيلدا، وحرب سانت ساردوس 1242، وحرب المائة سنة 1337- 1453، والحروب الإيطالية 1511- 1559، حرب معاهدة كامبري المقدسة 1508- 1516، حرب الحلف الأعظم 1679- 1688، حرب الملك وليم 1689- 1697، حرب الإرث الإسباني 1702- 1713، حرب الإرث النمساوي 1740- 1748، حروب السنوات السبع 1756 -1763، حرب الثورة الامريكية 1775- 1783، حروب الثورة الفرنسية والحروب النابليونية 1792- 1815 .. إلخ.
أما الحروب التي تحالفت كل من انجلترا وفرنسا فيها علي مدي التاريخ، فيمكنني اختزالها بالآتي حتي يدرك المرء أن كلام هيكل منقوص وبحاجة إلي إعادة نظر، وليس العدوان الثلاثي هو أول حرب تتحالف فيها فرنسا مع الانجليز.. دعنا نري صفحات التاريخ وكل من الاثنين علي تحالف في حروب ضد الآخرين في العالم:
الحروب الصليبية، أجزاء من الحروب الإيطالية 1511- 1559، حرب الثمانين عاما 1568- 1648، حرب الفروند وتضم الحرب الأهلية الفرنسية والحرب الفرنسية- الإسبانية 1648- 1653، حرب الانجلو إسبانية 1654- 1659، حرب التحالف الرباعي 1718- 1720، حرب القرم 1854- 1856، عصيان البوكسر في الصين 1900 - 1901، الحرب العالمية الأولي 1914 - 1918، الحرب العالمية الثانية 1939 - 1945، الحرب الكورية 1950 - 1953، أزمة السويس والعدوان الثلاثي 1956، حرب الخليج الأولي 1991، حرب أفغانستان 2002 وحتي الآن.
أضحوكة التفاح: قضية تاريخية
كنت- ولم أزل- أتمني ليس علي هيكل وحده، بل علي كل من سلك طريقته ألا ينحاز تمامًا، ليلوي الحقائق التاريخية من أجل تسويق ما يؤمن به، أو ما يفكر فيه.. ويكفي يا هيكل وأنت في مقدمة العارفين أن فرنسا وبريطانيا اشتركتا في حربين عالميتين إبان القرن العشرين.. فهل هذا يفسر ما ستأتي إلي ذكره الآن.. دعونا نقرأ ماذا يقول هيكل وهو يفسر العلاقات الدولية بين أكبر دولتين استعماريتين في التاريخ.. يقول عن الانجليز والفرنسيين: "في عقد غائرة كثير جدا تمتد إلي حاجات بعض المرات أنا لا أستطيع أن أفهمها أنا لا أكاد أذكر أمام صديق إنجليزي أي شيء عن التفاح الفرنسي إلا والناس يزعلوا جدا ويفتكروا إن التفاح الإنجليزي أحسن قوي من الفرنسي وأنا فاكر ليلة بحالها مع سيدة ليدي هاملتون وهي زوجة صديقي دنيس هاملتون رئيس مجلس إدارة التايمز لفترة طويلة ليلة كلها خناق تقريبا يعني علي التفاح الفرنسي أحسن ولا التفاح الإنجليزي أحسن وأنا مرات كنت بناكف ليدي هاملتون أوليف..".
أسألك بالله، هل يمكن لعاقل يقرأ التاريخ من أوسع آفاقه وهو يري حجم الصراعات والتحالفات علي المصالح الكبري والصغري.. ينساق إلي روايتك عن التفاح؟ هل مشكلة بريطانيا مع فرنسا علي التفاح أيهما أحسن؟ وهل ثمة حاجة لكي تشرح لنا أن ليلة بحالها وأنت تتخانق مع سيدة ليدي هاملتون وتعرفها لنا بأنها زوجة صديقك دنيس هاملتون.. وأنتما تتخانقان علي التفاح؟ طبعا أنت يعجبك التفاح الفرنسي وتدافع عنه وهي تفاح انجليزي.. يا سلام! كل هذه القصة، وليلة بحالها، وخناق ومصالحة حتي تعلمنا بأن هناك عقدًا غائرة كثيرة جدا.. وسواء فهمتها او لم تفهمها، إنشاللا ما فهمت.. هناك من يفهمها يا عزيزي! هناك من يدركها يا هيكل خصوصا أولئك الذين يكرسون لياليهم بحالها في دراسة التاريخ وتموجاته بين الدول وسياساتها.. وليس أولئك الذين يجادلون الليدي هاملتون عن طعم التفاح ! ثم تعال يا هيكل: لماذا لا تقل لها لا تفاحكم ولا تفاح الفرنجة فيه طعم ونكهة.. تعالي تذوقي تفاح لبنان، وشوفي كم هو حلو وأحمر، بل كنت أتمني عليك أن تغني لها أغنية المطربة صباح التي تعدد فيها كل الفواكه العربية من تفاح لبناني ومنجة مصرية وبلح عراقي ومشمش شامي.. سوف لن أنسي قضية التفاح أبدا يا هيكل وساذكرك بها دوما.. فلقد تمتعت بها تماما.. ولكن دعني أقول شيئًا مهمًا.. إن من يرد كتابة مذكراته الشخصية والخاصة، فليكتب فيها ما يشاء إذ لا يمكنه أن يفرضها فرضًا علي الآخرين، أما من يلقِ موضوعًا مهمًا في تاريخ العلاقات الدولية سواء كان في محاضرة عامة أو محاضرة أكاديمية أو في برنامج تليفزيوني، فليكن حريصًا علي ألا يدخل نفسه أبدا في "الموضوع" لا بشكل جدي ولا بشكل كاريكاتيري.. ولم أجد أحدًا في أي مكان محترم، يشرك نفسه في الموضوع، وكأنه جزء منه.. لقد زاد هيكل وتمادي كثيرًا في مثل هذه المسألة.. وسنجده دوما كما وجدناه منذ سنين، ما إن يتحدث قليلاً حتي ينط ليشرك نفسه في الموضوع، وكأنه مشارك في صنعه! لقد علمنا أساتذتنا القدماء أثناء إلقاء محاضرتنا أو في إبداء أحاديثنا أن نفصل الذات عن الموضوع نهائيا.. وإذا كانت هناك مزحة أو طرفة أو تعليق معين.. فثمة فترة استراحة يمكن للأستاذ أن يحادث بها طلبته أو زملاءه عنها.
السياسة غير الأركيولوجيا
دعونا نرجع لنكمل المشهد مع هيكل وهو يصف هوي فرنسا بمصر، وغرام الاليت (كما يسميها هيكل أي النخبة بالأوروبي) المصري بفرنسا.. يقول: "فرنسا تعتقد أن لها في مصر قواعد..".. من أين جاء هيكل بهذا الاعتقاد الفرنسي؟ فرنسا طوال القرنين التاسع عشر والعشرين منشغلة بمستعمراتها (الأفريقية خصوصا) في العالم .. أتقصد قواعد فكرية؟ ولماذا لا؟ ولكن كل العالم كان ينظر إلي عالمين غريبين جدا اكتشفتهما البعثات الاركيولوجية الآثارية طوال القرن التاسع عشر، مصر والعراق، فالأولي اكتشفوا فيها عالمًا كلاسيكيا مغمورًا وفتحت طلاسم التاريخ الأسطوري بعد فك شفرة حجر رشيد، والثانية اكتشفوا فيها عالمًا كلاسيكيا مغمورًا وفتحت طلاسم التاريخ الأسطوري بعد فك شفرة الحروف المسمارية.. ولكن علينا أن نفرّق بين ذاكرتين في دراسة التفكير الأوروبي الغربي.. ذاكرة علمية وثقافية تبقي ممتدة في أيام السلم وأيام الصراع مهما حدث من افتراقات.. وذاكرة سياسية ورسمية تشكلها المصالح ورؤية أصحاب القرار.. بدليل أن الآثار القديمة العظيمة لكل من مصر والعراق يحتويهما متحفان أولهما في قلب لندن هو المتحف البريطاني وثانيهما في قلب باريس هو متحف اللوفر.. وفي قاعات الاثنين تجد أحد ملوك الفراعنة محنطًا، وتجد مسلة الملك حمورابي العراقي واقفة.. تجد عظمة كل من الحضارتين القديمتين.. ولكن هذا كله لا يمنع صاحب القرار في كل من لندن وباريس أن يشارك في صناعة حرب 1956 إزاء مصر، أو حرب 1991 إزاء العراق..
الإليت المصري
لماذا هذا المصطلح الذي يعرفه البعض وتتجاهله أغلب الناس؟ حتي يقال إن هيكل عندما يتكلم بالاليت ولم يستخدم كلمة (النخبة) فهو متفوق؟ فمن يمتلك هنا عقدة خواجة يا هيكل؟
المهم نقف الآن علي نص جديد.. واسمحوا لي أن أقول إن كل هذه النصوص هي مقدمات متهالكة من صنع الرجل كي يبدأ بها، إذ لديه ما سيعتمد عليه من الآخرين في أساسيات الموضوع.. تلك الأساسيات التي يكون قد أخذها من كتاب هذا أو كتاب لذاك.. يقول: "نفتكر أن رفاعة رافع الطهطاوي من أول رفاعة رافع الطهطاوي أو الواقع من قبل كده كمان من أول بعثات العلماء اللي جاءت مع نابليون ثم رفاعة رافع الطهطاوي فرنسا ثقافيا لها دور مهم جدا صداقة الخديو إسماعيل مع لوي فيليب الإمبراطور لوي فيليب وزوجته الإمبراطورة أوجنيه كانت مسألة مهمة جدا جيل الرواد اللي إحنا تعلمنا منهم اللي جيلنا تعلم منهم حد زي طه حسين وتوفيق الحكيم ولطفي السيد ومحمود عزمي كلهم من خريجي السوربون أو من جامعات فرنسا بشكل أو آخر وكلهم عندهم هوس بفرنسا شوقي شاعرنا الكبير عنده قصيدة مهولة في باريس ماهياش من أحسن قصائده لكن في اعتقادي أنها لأنه اعتبر أن باريس التي كانت علي وشك الوقوع في أسر الألمان في الحرب العالمية الأولي وأعلنت مدينة مفتوحة لتجنبها ويلات الحرب شوقي عمل عليها قصيدة باكية اعتبرها ست حلوة يكلمها يقول لها: جهد الصبابة ما أكابد فيك لو كان ما قد ذقته يكفيكِ... إلخ".
الحلقة المقبلة يوم الاثنين
الكاتب.. مفكر عربي عراقي مقيم في كندا
وأستاذ في جامعات عربية وأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.