داخل كل منا زبال ينشط أو يتراخي أو يعلن الإضراب عن العمل تبعا لحالته النفسية، وعلي قدر ما يستشعر من البهجة أو الاكتئاب يكون موقفه من المكان المحيط، إما أن يسبغ عليه لمسة جمالية تقلل من قبحه، أو يساهم مع الآخرين في تركه يتسخ كوجه القاهرة الآن، وقد قلت مراراً إن المدينة - علي نحو ما - ليست سوي صورة مكبرة لما يجيش في صدور من يسكنونها، المصيبة هذه الأيام أيضا أن النظام في مصر هو الآخر يسيطر عليه اليأس من إمكانية إنقاذ البلد الذي أصبح بفضله جلداً علي عظم، وهو يمارس السلطة بمنطق المثل الشعبي القائل «إن خرب بيت أبوك خد منه طوبة». الزبالون - داخليا أو خارجيا - ليسوا أقل أهمية من أعضاء مجلسي الشعب أو الشوري أو حتي المحافظين أو الوزراء، ليسوا أقل أهمية في الحقيقة من أحد، بما في ذلك حضرات السادة من محدثي النعمة في لجنة السياسات، بدليل أن هؤلاء جميعا لو نظموا إضراباً يستمر عشرين عاما بأكملها، فلن يطالبهم أحد بإنهائه، وعلي عكس ما قد يتبادر إلي ذهن الكثيرين، فإن الزبالة في الدول حتي نصف المتقدمة، تظل من القضايا الخطيرة التي لا يمكن التعامل معها باستخفاف، أشهر صناع الموضة الباريسية من أمثال كارتييه أو كريستيان ديور، لا يمتلكون - هم أو غيرهم - من أسلحة الضغط علي الحكومة الفرنسية ما لنقابة الزبالين المسموعة الكلمة حتي داخل قصر الإليزيه، 48 ساعة فقط من التوقف عن العمل، أكثر من كافيه لتحويل مدينة النور - بجلالة قدرها - إلي ساحة قتال، تسيطر عليها جحافل الذباب، أوبئة كانت قد اختفت - أصلا - من الوجود أو كادت، كالكوليرا أو الطاعون الأصفر أو الأسود، لن تتأخر في العودة لتعربد بين شوارعها المفروشة بالنفايات. من قال إن الزبالة هي فقط تلك التي تخرق العين علي النواصي أو داخل أسوار المدن الجامعية أو المستشفيات؟ نحن محاصرون بالزبالة من كل اتجاه، طوال النهار نحاول الهرب من مزبلة إلي أخري، أطفالنا يذهبون كل صباح إلي المدارس ليتلقوا التعليم الزبالة، تطاردنا أكاديب المسئولين الزبالة من أصحاب الذمم الزبالة في الصحف الزبالة أو برامج التوك شو الزبالة، لا لشيء إلا لأننا عشنا - بالصدفة - في هذه المرحلة الزبالة.