الدولة تمارس قائمة طويلة من العنف ضد المواطنين وهو ما أدي إلي حادث نجع حمادي قتلة نجع حمادي قرروا ببساطة أن يحملوا أسلحتهم ويقوموا بالقتل هم ليسوا ضحية.. هم ليسوا قتلي.. إنهم شهداء.. لم نعرف علي وجه الدقة غير اسم القاتل.. بالرغم من عدم أهمية اسمه أو حتي صفته التي ألصقهتا به وزارة الداخلية.. ولا يهمنا ولا حتي نصدقه، ذلك السبب الترجيحي الذي إشار إليه البيان دون حياء.. بأن جريمته جاءت ردا علي أن «هناك مؤشرات مبدئية لارتباط الحادث بتداعيات اتهام شاب مسيحي باغتصاب فتاة مسلمة بإحدي قري المحافظة» هكذا قرر القاتل - طبقًا لمفهوم وزارة الداخلية عن العنف الديني - الثأر لشرف الفتاة المسلمة والتي لم يثبت التحقيق حتي الآن التهمة علي الشاب المسيحي. قاتل.. أو قتلة .. قرروا وخططوا ونفذوا بدم بارد مقتلتهم وبغض النظر عن سذاجة بيان وزارة الداخلية التي تريد أن تتملص من مسئولية العنف الفالت الذي يسيطر الآن علي المجتمع المصري والذي أسست الوزارة مبدأ استخدامه . عنف ضد المواطنين في أقسام الشرطة . وعنف في علاقات مخدوميها من ضباط وأمناء شرطة بالمواطنين في الشوارع يشهرون أسلحتهم الميري في وجوه الآمنين ( بل يقتلون من يسوق سوء الحظ أن يقف في وجههم ) لمجرد اختلاف بسيط علي أولوية المرور في الشارع بين مخدومي الشرطة والمواطن.. ثم العنف السياسي ضد المعارضين وتلفيق القضايا ضدهم.. العنف السياسي ضد الفلسطينيين عامة وسكان غزة علي وجه الخصوص ؛ لأنهم انتخبوا «حماس». العنف العرقي بقيادة السيد علاء مبارك ضد الجزائريين وسخريته من لغتهم، العنف الإنساني ضد قافلة شريان الحياة.. العنف الصحي ضد صحة المواطنين باستيراد اطعمة مسرطنة وأدوية غير صالحة، العنف ضد المختلفين دينيا ومذهبيا، ضد البهائيين المصريين والشيعة المصريين والعنف ضد المصريين المسيحيين الذين ينتقلون بين الديانتين.. قائمة طويلة من العنف السلبي والعنف الإيجابي تمارسه الدولة .. مما سبب ردود أفعال عنيفة بين المواطنين بعضهم البعض، تبدأ يوميا بفوضي العنف في الشوارع والطرق المصرية . وعنف في المعاملات اليومية في الدوائر الحكومية.. عنف سلبي يظهر في الإهمال المتعمد في حركة قطارات السكة الحديد (العياط) وعنف غير مبرر وأهوج في مذبحة الخنازير التي كانت طائفة من المسيحيين المصريين والزبالين تعيش علي وجودها.. عنف ضد العلم ممثلا في همجية الحرس الجامعي ومواجهاته المتواصلة ضد الطلاب والأساتذة.. عنف ضد المرأة وضد الأسرة . أخيرا تفجر العنف الديني الذي قادته وزارة الداخلية ضد المجاهرين بالإفطار في رمضان وقبل ذلك امتناعها عن تسجيل الحالة الدينية لمواطنين تعتبرهم «مرتدين وكفرة» باعتبار أن الدين عند الله الإسلام .. لا غير ! استمرت الدولة العنف علي مواطنيها فأرادت استخدامه ضد الأجانب في قافلة شريان الحياة . وهكذا أنتج عنف الدولة ضد القافلة عنفًا بالمقابل، ظهر في الصدامات بين الدولة وقافلة شريان الحياة، ثم الصدامات بين جانبي الجدار الفولاذي . وأخيرًا تتوج العنف المتبادل والذي بدأته الدولة، بمظاهرات وصلت إلي مناطق كانت محرمة علي حركة المعارضة المصرية؛ منها السفارتين الإسرائيلية والأمريكية . كذا الاستيلاء علي الشوارع أمام السفارة الفرنسية . .وجاءت ذروته في سيطرة بعض أعضاء القافلة علي ميناء مصري والاستيلاء عليه . هذا العنف المقابل.. أثبت أن الدولة هي مجرد نمر من ورق . اثبت أيضا أن لكل فعل من العنف، رد فعل مقابل ثم نأتي إلي مربط العنف هنا وهو مقتل الشهداء السبعة هو عنف التحريض اليومي، تقوده بعض أجهزة الدولة وبعض المؤسسات الدينية وبعض المؤسسات الفكرية والإعلامية ؛ مثل بعض دور النشر الكبري وكذا الميديا التي تنشر بشكل منتظم أفكار العنف . العنف التكفيري، التحريض علي القتل علنا في التليفزيون، كما حدث بالنسبة للبهائيين وكما حدث ويحدث بالنسبة للمسيحيين المصريين . فمنذ أن أعلن السادات نفسه «رئيسًا مسلمًا لدولة مسلمة» اختفت مظلة الدولة علي جميع مواطنيها دون تفرقة، لتظلل بعض المواطنين بحمايتها وتجحف آخرين.. بالرغم من السفسطة الدستورية بالمساواة أمام القانون وبحرية الاعتقاد الديني والسياسي. وهكذا انطلق العنف بكل أنواعه : الإيجابي وذروته القتل «علي الهوية الدينية ».. اقتحام محال الصاغة المسيحيين . الهجوم علي المصلين في كنائسهم .هجوم العربان علي رهبان دير أبو قانا بالأسلحة النارية.. وتصريحات محافظ المنيا، بتحميل الدير مسئولية الاصطدام .. انشغلت الدولة بحماية السواح؛ لأن مقتل أو حتي إصابة سائح واحد غربي سوف تكون له تداعيات إعلامية وسياسية واقتصادية علي أباطرة السياحة أعضاء الحزب الوطني ( ووزير السياحة ومؤسساته الخاصة ) .. أما مقتل عدة بدو في سيناء علي يد الشرطة هناك ،وإلقاء جثثهم في الزبالة فلا يثير الغرب ولا تهتم به منظمات حقوق الإنسان هناك.. من هذا المنطلق قررت الدولة خطوط سياستها : العنف بمواجهة كل من يتحدها بالقول أو الفعل السلمي.. مهما كان سلميًا. تركت الدولة شيوخ التحريض الديني يرتعون في الميديا الرسمية والخاصة . وحذت حذوها بعض المؤسسات الفكرية الخاصة، مثل بعض دور النشر، تمارس لعبة الكسب المادي علي حساب قواعد العقد الاجتماعي بين الجماعات الدينية الموجودة في مصر.. ودخل بعض المثقفين في ميدان العنف مثلما يعلن كاتب مرموق أن الشعب الجزائري ينقصه الخيال؛ لأنه لم يجد اسما لعاصمته سوي الجزائر (!) التي نال شعبها سبًا قبيحًا في الميديا حتي صدرت الأوامر بالصمت فصمتوا (!) هكذا قرر قتلة نجع حمادي ببساطة أن يحملوا أسلحتهم ويقوموا بالقتل.. قرار بدم بارد لا علاقة له بما «ترجحه» وزارة الداخلية بأنه «انتقام لشرف الفتاة المسلمة»، فالشهيد المسلم الذي كان علي الأغلب في حراسة الكنيسة، يناقض زعم الداخلية بمجرد وجوده في قائمة الشهداء . سبعة لهم حياتهم وبيوتهم وعائلاتهم ومستقبلهم وطموحاتهم .. وقتلة، قاموا بجريمتهم نتيجة التحريض اليومي المتواصل.. اعتقدوا أن من سيقتونهم ليسوا سوي كفرة ومشركين.. وأن القتلة مصيرهم الجنة وحور العين. أنا شخصيًا لا أحمل ضغينة ضد القاتل أو القتلة .. فهم ضحايا.. إنهم نتاج مجتمع مريض، ومحصلة كراهية متواصلة، تتأجج يوميًا بواسطة كاسيتات الميكروباصات، وتصريحات شيوخ الفضائيات، والمحافظين ووزارة الداخلية .. إنهم ضحايا نتيجة حتمية لتفكك الدولة إلي «جزر ومحميات مملوكية» مثلما حدث لمصر في نهاية العصر المملوكي.. .حيث كان كل «أستاذ» يجمع حوله طائفة من المماليك المستفيدين من سطوته يتبادلون المنفعة والحماية بمقابل «الأستاذ» الآخر ومماليكه (!) حيث ساد العنف الفالت.. وكانت الحارات تغلق أبوابها من المساء حتي الصباح حماية لساكنيها من عنف أهوج. سبعة لا ليهم ولا عليهم- كما يقول التعبير-.. ستة كانوا يعبدون ويصلون .. والسابع كان يحرسهم.. خرجوا من بيوتهم بليل وهم يعتقدون أنهم آمنون .. ويعتقدون أنهم إلي بيوتهم راجعون.. وإلي مواصلة أيامهم وخطط حياتهم ومستقبلهم . .. كذا خرج القتلة من بيوتهم، وهم واثقون أيضا أنهم يقومون بعمل عادي وطبيعي بل جهادي وطني.. وإنهم إلي بيوتهم سيرجعون وإلي مواصلة أيامهم بأمن وسلام سيستمرون!