« بعد عشرة أعوام لن يكون في الشرق الأوسط سوي شركتي طيران كبيرتين فقط، والباقي سيخدم عليهما»، إعلان ليس جديداً عن مخطط بدأ التنفيذ فيه منذ سنوات جاء علي لسان أكبر الباكر -رئيس شركة الخطوط القطرية- أثناء انعقاد المؤتمر الدولي للطيران في برلين في يونيو الماضي. المخطط الذي يعلمه الجميع في مجال النقل الجوي أنه في خلال عشر سنوات يجب ألا يكون في العالم سوي 12 شركة طيران عملاقة تهيمن علي نشاط النقل الجوي بالكامل علي أن يتحول باقي الشركات إلي ناقلات داخلية تعمل وفقا لجداول تشغيل العمالقة فتجلب لها الحركة من ركاب وبضائع من بلدانها ومناطقها إلي المطارات والمحطات المحورية لتقوم الشركات العملاقة بنقلها للنقاط الرئيسة. والباكر كان يعني بالشركتين طيران الإمارات وشركته القطرية، والاثنتان تواصلان مخططا توسعيا لتحويل محور الشرق الأوسط إلي جهة الخليج، والاثنتان تدعمهما حكومتا بلادهما بسياسات اقتصادية انفتاحية لأقصي مدي وبسياسات مالية تضخ الوقود المجاني كدعم مباشر في خزانات الطائرات لتدفع لهما 30% من تكلفة التشغيل مقدما وقبل حتي بسم الله الرحمن الرحيم، إضافة إلي إعفاءات من دفع رسوم المطارات، فاتجهت الشركتان إلي شراء كل شيء بدءا بالطائرات ومرورا بالخبرة الأمريكية والإنجليزية ومن كل جنسية لتدير البيزنس الذي ليس لأي من البلدين تاريخ فيه، وأخيرا العمالة المصرية من طيارين وفنيين ومهندسين، لا تجد حرجا في استمالتهم برواتب وحوافز يستحقونها ولا يحصلون عليها مثل أي موظف في مصر. المخططات التوسعية لتلك الشركات ليست وساوس في عقول المصريين وحدهم كما ينخدع البعض ويضلل بمقولات حق يراد بها باطل عن فتح السماوات وإطلاق حريات النقل الجوي، وإلا لماذا رفضت حكومات الاتحاد الأوروبي طلب طيران الإمارات بفتح مطاراتها لعدد غيرمحدد من الرحلات بطائرات A380 التي تنقل 550 راكباً في الرحلة. شركات الطيران العالمية مثل «لوفتهانزا» و«الخطوط البريطانية» و«إير فرانس» و«KLM » رفضت السياسات التوسعية لهذه الشركات وطالبت حكوماتها بعدم السماح لها بمزيد من التشغيل إلي المطارات الأوروبية. وبالفعل رفضت الحكومة الفرنسية طلبات من طيران الإمارات والاتحاد وطيران العربية الحصول علي 7 تصاريح إضافية لزيادة رحلاتها إلي مطار شارل ديجول واكتفت بمنحها واحداً فقط. ورغم سياسات التحرر التي تتبناها الحكومات الأوروبية فإنها تقف بكل حسم أمام أي تهديد لاقتصادها وشركاتها ولا تتحرج ولا تتعلل للوقوف وراء شركاتها الخاصة والعامة، فطيران الإمارات سجلت أعلي صفقة لشراء طائرات السوبر جامبو A380 عندما طلبت قبل شهرين 32 طائرة بقيمة 11.5 مليار دولار ليصبح إجمالي ما طلبته من هذا الطراز 90 طائرة، وفي معرض فارنبورو بلندن قبل أيام طلبت 30 طائرة بوينج 777 بقيمة 9.1 مليار دولار ، أما القطرية فقد وصل حجم طلبياتها من الطائرات إلي 220 طائرة بقيمة 40 ملياراً وأسطولها قفز من 40 طائرة منذ خمس سنوات إلي 80 طائرة حاليا ومخطط أن يصل إلي 120 طائرة بحلول 2012. هذه الأرقام استفزت رئيس لوفتهانزا «ماير هوبر» الذي خرج عن هدوئه أكثر من مرة آخرها في برلين فأبدي اندهاشه قائلا: «إنها معجزة أن نعلم أن طيران الإمارات لديها مقاعد أكثر مما لدي الخطوط البريطانية وإير فرانس مجتمعتين، أما نحن فقد استغرقنا 40 عاماً كي نحصل علي 30 طائرة جامبو 747 ، ونحن نعمل في واحد من أكبر اقتصاديات العالم - يقصد ألمانيا - فهل من الممكن تصور أن استراتيجيات التوسع العدائية من شركات الإمارات هي استثمارات بغرض خدمة العالم؟». علينا إذن أن نجيب عن السؤال: هل نريد شركة طيران وطنية؟ إذا كانت الإجابة نعم، فالحكومة مطالبة برفع يدها عن ميزانية مصر للطيران والسماح لها بضخ أرباحها لرفع رأس المال حتي تستطيع الاقتراض لتمويل صفقات تحديث وتوسيع الأسطول التي تمولها ذاتيا، والمطلوب منحها فترة سماح وتأجيل دفع بعض الضرائب والرسوم، ولا أقول إعفاء الشركة من ثمن الوقود مثلما تفعل حكومات أخري. وعلينا أن نناقش بأمانة ما سنحصل عليه اليوم وغدا من الشركة الوطنية، فاستمرار الضغط الداخلي لفتح السوق المصرية دون ضوابط أمام إغراق الأساليب غير التنافسية لشركات تبيع التذكرة بخمسة دنانير لا يعني سوي خروج المنافسين واحتكار السوق والتحكم فيها، وقبل أسبوعين التقيت السفير المجري بالقاهرة وسألته عن سبب إيقاف رحلات الشركة الوطنية المجرية «ماليف» إلي مصر فأجاب بأسف واضح إن الشركة بيعت لشركة روسية في إطار الخصخصة والتي أوقفت خط القاهرة لصالح شركة أخري تملكها وتطير إلي القاهرة، فلم يعد أمام الراكب المجري إلا الوصول إلي القاهرة عبر روسيا، هذا الوضع سيتغير قريبا وفقا للسفير بعد أن استعادت حكومة المجر ملكية شركتها الوطنية. أما إذا كانت الإجابة لا فنريد شركة طيران وطنية، فعلي الحكومة أن تسارع اليوم وليس غدا بطرح مصر للطيران للبيع، لأنها اليوم شركة رابحة وبيعها سيأتي بعائد كبير بدلا من تركها لتواجه مصيراً محتوماً عندما يأتي يوم انفراد العمالقة بالأسواق وتعجز عن سداد قروضها فتطرح للبيع كشركة خاسرة سيسارع حتما ملياردير الحديد لشرائها ليس لإنقاذها وإنما حتما لتفكيك الطائرات وإسالتها حديد خردة في مصانعه العملاقة، أما 30 ألف موظف يعولون 30 ألف أسرة فسينضم نصفهم لرصيف الاعتصامات الذي لا يلقي له أحد بالا، وأما نحن فسنفرح بركوب طائرات خليجية وهندية وإثيوبية كما نفرح بلبس التركي والتايلاندي والصيني ولا يهم إذا كنا سنصل إلي الخرطوم أو طرابلس عن طريق دبي مادام سنقضي ليلة مجانية في الفرجة والتسوق في أسواقها، ولا عزاء لطلعت حرب الذي وضع الصناعات الوطنية في أيدي المصريين وغدا يحين الدور علي الباقي.