في بلادنا، صار تحدي القانون ونصوصه وازدرائه، جزءاً من ثقافة الحياة، ينطبق هذا علي السياسة والمجتمع وعلي الرياضة التي صار الفساد فيها خلال السنوات الأخيرة فجاً فاضحاً يخرج لسانه للجميع، إنه الفساد والمكشوف الذي يغض الناس الطرف عنه لاتساع دائرة المستفيدين منه. وتعد قضية النزاع علي محمد ناجي «العفش» الشهير ب «جدو» بين الأهلي والزمالك، واحدة من تلك القضايا التي تكشف تواطؤاً جماعياً، إما بالصمت، أو بتحريف الحقائق أو بالخوف أو بالتمرير. منذ تفجرت قضية جدو، لم يكن هناك حديث في وسائل الإعلام إلا عن المادة 18 في لائحة انتقالات اللاعبين التي وضعها الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، وباختصار كان التحريف فجاً، إذ زرع في رؤوس الناس أن المادة تجرم الزمالك باعتباره لم يحظر الاتحاد بتفاوضه مع اللاعب. لكن قراءة متأنية ومحايدة، قراءة تحتكم إلي الضمير، تكشف أن القضية فعلاً بسيطة، لكنها في عكس الاتجاه الذي يروج له كثيرون. «الفرسان» تعرض قضية جدو من منظور اللوائح الفعلية والمستندات التي تملكها كل الأطراف، والتي تقود في النهاية إلي حقيقة واحدة: اللاعب من حق الأهلي لكن الزمالك يستحق 30 مليون جنيه، مع إيقاف اللاعب 4 أشهر علي الأقل وتعالوا نستعرض معاً الأدلة والبراهين القاطعة. أولاً: فيما يخص العقد فإن عقد الزمالك سليم 100% للأسباب التالية: تم توقيعه في المدة القانونية أي قبل 6 أشهر من نهاية عقد اللاعب مع نادي الاتحاد السكندري والذي انتهي بنهاية الموسم الماضي وبالتحديد في 7 يونيو 2010 وبالتالي فإن توقيعه يعد سليماً اعتباراً من 7 ديسمبر 2009 حيث إن عقد الزمالك عليه توقيع وبصمة اللاعب وجري تحريره في المدة القانونية وفقاً للأوراق في أول يناير من العام الحالي.. وحتي لو تم الأخذ بما قاله اللاعب في التحقيق يوم الأربعاء الماضي بأنه وقع يوم 27 ديسمبر فإن هذا الموعد قانوني أيضاً، ولكن لن يتم الأخذ به مادام المستند مؤرخاً واللاعب معترفاً بالتوقيع في التحقيقات. ثانياً: حول ما يتردد من أن الزمالك أخطأ في عدم إخطار نادي الاتحاد بتوقيع اللاعب واعتبار ذلك مبطلاً للعقد أو علي الأقل يعرض الزمالك للعقوبات فقد ثبت لنا بالدليل القاطع أن لائحة الفيفا واضحة وصريحة وحازمة وقاطعة ولا تلزم النادي الجديد بإخطار النادي القديم للاعب بتوقيعه إذا جري ذلك في الفترة القانونية وفق نص البند 18 من لائحة أوضاع وانتقالات اللاعبين الخاصة بالفيفا حيث تنص النقطة الثالثة علي ما يلي: «النادي الذي يرغب في التعاقد مع لاعب محترف يجب أن يخطر ناديه الحالي قبل الدخول في مفاوضات معه. والمحترف يكون حراً في إبرام عقد مع ناد آخر إذا كان قد انتهي عقده أو سينتهي خلال 6 أشهر وسيتم توقيع العقوبات المناسبة علي أي مخالفة لهذه النصوص». والبند هنا صريح ولكن بعض المدعين وعديمي الفهم لا يفرقون بين اللاعب المحترف الذي مازال عقده سارياً مع ناديه وبين اللاعب الذي ينتهي عقده خلال 6 أشهر حيث نصت اللائحة علي أن هذا اللاعب الأخير حر تماماً في التوقيع ولم تلزمه اللوائح أو تلزم النادي الجديد بالإخطار. ثالثاً: أما عن عدم وجود اللاعب في مصر في تاريخ عقد الزمالك فلائحة الاتحاد الدولي لم تذكر أي شيء حول ما إذا كان اللاعب قد وقع في بلده أو في أي بلد آخر، لذلك فإن توقيعه في مصر أو دبي أو أنجولا لا يبطل العقد وذكر مكان التوقيع ليس إلزامياً وفقاً لنصوص لوائح الفيفا. وحسبما تقدم فإن عقد الزمالك سليم وجري توقيعه في المدة القانونية كما أن اللاعب اعترف به وما يقوله بأن التوقيع جاء علي بياض فهذا كلام لا يأخذ به المحققون ولن يوضع في الاعتبار مادام اعترف بصحة توقيعه. رابعاً: أما فيما يخص عقد نادي الاتحاد والموقع بتاريخ 3 يناير 2010 فهو أيضاً عقد سليم حيث اعترف اللاعب بتوقيعه للاتحاد علي عقد جديد وبذلك يكون جدو أوقع نفسه تحت طائلة عقوبات الفيفا بتوقيعه لناديين في وقت واحد، حيث ينص البند رقم 18 للفيفا والمعنون ب «شروط خاصة بالتعاقد بين المحترفين والأندية» في النقطة الخامسة علي ما يلي: إذا تعاقد اللاعب مع أكثر من ناد خلال نفس الفترة فستوقع عليه العقوبات المنصوص عليها في القسم رقم 4، ويقصد بها العقوبات التي جاءت في البند رقم 17 للائحة الفيفا والمعنون ب «النتائج المترتبة علي إنهاء عقد دون أسباب مبررة» وهنا تنص اللائحة علي عقوبتين، الأولي تعويض النادي المتضرر والثانية عقوبة الرد علي اللاعب بالإيقاف وفيما يلي نص المادة رقم «17». النقطة الأولي: في جميع الأحوال يدفع الطرف المخالف تعويضاً وفقاً للمادة رقم 20 الملحق رقم 4 بخصوص تعويض التدريب وما لم ينص علي خلاف ذلك في العقد فإن التعويض عن مخالفة العقد يتم تجميعه وفقاً للقانون الخاص بالبلد المعنية والاعتبارات الرياضية وأي معايير أخري موضوعية. وهذه المعايير تتضمن علي وجه الخصوص المستحقات والمزايا الأخري الواردة في العقود لمصلحة اللاعب أو العقد الجديد، والزمن المتبقي في العقد السادس بحد أقصي 5 سنوات، والرسوم والمصاريف التي دفعها النادي السابق «المبالغ التي يتم استهلاكها علي مدار العقد». ويفهم من هذا النص أنه مادام العقد ينص علي شروط جزائية فإنه يتعين تطبيقها ووضح ذلك في جملة «ما لم ينص علي خلاف ذلك في العقد»، أي أن العقد ملزم في جميع نصوصه، أما إذا كان غير ذلك فيتم تعويض النادي المتضرر وهو الزمالك وفقاً لمعايير البلد واعتبارات أخري موضوعية. وهنا جاء النص واضحاً بأنه يجب ألا تتجاوز هذه المعايير تعويض النادي المتضرر بما سيحصل عليه اللاعب في 5 سنوات وفي حالة جدو يكون التعويض علي الأقل 12 مليون جنيه وفقاً لما كان سيتقاضاه من النادي بالإضافة للأضرار الأخري والمكاسب التي كان سيحققها الزمالك من وجوده سواء بالمساهمة في تحقيق البطولات أو ببيعه. وتجدر الإشارة هنا إلي أن اتحاد الكرة لن يكون مضطراً لتقدير قيمة التعويض التي سيحصل عليها الزمالك مادام هناك شرط واضح وصريح في عقده، وهنا نلفت إلي أن الحديث عن ضخامة قيمة الشرط الجزائي أمر غير منصوص عليه باللوائح بل يحق للنادي واللاعب الاتفاق علي الشروط الجزائية بالتراضي مادام اللاعب لم يكن مجبراً ووقع وبصم بكامل إرادته وليس من المنطقي تجاهل هذا الشرط في العقد مادام العقد سليماً وليس من الطبيعي اللجوء لبند التعويض التقديري مادام هناك نص يجب أي شيء آخر. خامساً: أما فيما يخص العقوبة التأديبية فهي أيضاً ملزمة لاتحاد الكرة من قبل الفيفا وليس صحيحاً كل الادعاءات التي تم ترويجها في الأيام الماضية عن أن الفيفا لا يعترف بالإيقاف وأن لائحته لا تنص علي هذه العقوبة فكما قلنا من قبل فإن اللاعب الذي وقع لأكثر من ناد توقع عليه العقوبات المنصوص عليها في القسم الرابع وقد أشرنا إلي ما يخص العقوبة المادية أما العقوبة التأديبية فقد جاءت أيضاً في المادة رقم 17 النقطة الثالثة وتنص علي أن اللاعب الذي يخالف شروط العقد خلال فترة الحماية ستكون العقوبة هي منع اللاعب لمدة 4 أشهر من اللعب في المباريات الرسمية وفي حالة الظروف الصارخة سيكون المنع لمدة 6 أشهر ويبدأ توقيع هذه العقوبة الرياضية من بداية الموسم الجديد وإذا كانت المخالفة من جانب واحد دون أسباب مبررة ووقعت بعد فترة الحماية فلا ينتج عن ذلك أي عقوبات رياضية ويجوز توقيع إجراءات تأديبية خارج فترة الحماية إذا لم يتم الإخطار بالانتهاء خلال 15 يوماً من آخر مباراة رسمية من الموسم «بما فيه مباريات الكأس المحلية» للنادي المسجل به اللاعب، وتبدأ فترة الحماية مرة أخري عند تجديد العقد. وهنا يجدر بنا العودة لتعريف معني فترة الحماية حتي نتبين ما إذا كانت تنطبق علي جدو أم لا.. ويقول النص التعريفي للمصطلح: هي فترة ثلاثة مواسم كاملة أو ثلاث سنوات أيهما أقرب تالية لفترة بدء سريان العقد الذي أبرم مع اللاعب المحترف حتي سن الثامنة والعشرين وموسمين كاملين أو سنتين أيهما أقرب إذا كان العقد قد تم إبرامه بعد بلوغ المحترف سن الثامنة والعشرين. ويفهم من ذلك أن اللاعب لم يكن في فترة حماية الاتحاد السكندري وقت توقيعه لنادي الزمالك لكنه دخل فترة حماية جديدة بمجرد توقيعه لنادي الزمالك وتستمر لمدة ثلاثة مواسم كاملة أو ثلاث سنوات أيهما أقرب، أي أن فترة حماية عقد الزمالك تبدأ من يناير 2010 وتنتهي يناير 2013 ولا يحق للاعب خلالها التوقيع لناد آخر وبالتالي فإن توقيعه لنادي الاتحاد السكندري باطل. لكن حالة جدو لا تنطبق عليها العقوبات الرياضية المفروضة لأن الزمالك واللاعب وضعا شرطاً جزائياً إلزامياً يعطي لكل طرف الحق في فسخ العقد قبل بداية تنفيذه أو بعدها بشرط أن يدفع الطرف الذي يفسخ العقد مبلغ 30 مليون جنيه، أي أن توقيع اللاعب لنادي الاتحاد السكندري ثم الأهلي سليم بشرط أن يقوم بدفع 30 مليون جنيه للزمالك، فالشرط أعفي اللاعب من العقوبة الرياضية في حالة فسخ العقد دون سبب رياضي عادل خلال فترة الحماية. لكن هذا لا يمنع الاتحاد المحلي من توقيع عقوبة الإيقاف علي اللاعب إذا رأي أن العقوبة التأديبية واجبة لعدم تكرار هذا الخطأ حتي ولو كان خارج نطاق فترة الحماية، لكن الاتحاد المصري لن يكون ملزماً بهذه العقوبة حيث إن الشرط الجزائي فيه عقاب كاف للاعب. من هنا فإن اتحاد الكرة مجبر علي إيقاف اللاعب وعدم مشاركته مع الأهلي محلياً وأفريقياً لحين تسديد مبلغ الشرط الجزائي لنادي الزمالك، ومشاركة جدو مع الأهلي غير قانونية حيث إن اللاعب قام بفسخ عقده مع الزمالك ولم ينفذ أحد بنود العقود الرئيسية والواجبة التنفيذ وهي دفع الشرط الجزائي. والحكاية من أولها إلي آخرها لا تحتاج إلي فتوي أو الاستعانة بخبير أجنبي، فالكلام واضح والبنود صريحة.. وعدم تفهمها يعود إما لغباء من يقرؤها أو لوجود مصلحة لديه تدفعه لغض البصر عن صراحة النص. ومن المهم هنا التنبيه علي أن الاتحاد الدولي في مقدمة لائحة شئون اللاعبين نص صراحة علي أن هناك مواد ملزمة لجميع الاتحادات يجب تطبيقها دون أي تغيير والبنود الأساسية هي 2 و8 و10 و11 و18 و18 مكرر. نقصد من ذلك أن البند رقم 18 بجميع ما جاء فيه ملزم للاتحاد المصري وعقوباته لازمة وليست اختيارية أو تقديرية للاتحاد الوطني. سادساً: وبالنسبة للنادي الأهلي، فوفقاً للأوراق والمستندات فإن موقفه سليم 100% وهو ليس طرفاً في النزاع الدائر بين اللاعب ونادي الزمالك إذ اشتري اللاعب من ناديه الاتحاد السكندري وقت البيع وجميع إجراءاته التعاقدية والتسجيل في القائمة سليم 100% والأمر نفسه بالنسبة للاتحاد السكندري فهو ليس مسئولاً عن خطأ اللاعب الذي اعترف بصحة توقيعه لناديه القديم وصحة توقيعه للنادي الأهلي. هذا هو نص ما جاء في اللوائح وهذا هو التفسير الأقرب للصحة والذي يمكن أن نلخصه في دفع الشرط الجزائي وهو 30 مليون جنيه. الدوائر القريبة من هاني أبوريدة تؤكد أنه يتعرض لضغوط شديدة من صديقه حسن حمدي وأنه إذا طبق اللوائح وأعطي الحق لأصحابه وضرب بيد من حديد كي يستقيم حال اللعبة وتقف المهازل التي يفعلها اللاعبون فإنه قد يخسر صديقه حسن حمدي الذي يعتبر هذه القضية ضربة جديدة لنادي الزمالك وتأكيداً للرأي العام أن مسئوليه ليس لهم أي وزن أو قيمة داخل الوسط الكروي. ملحوظة أخيرة: جميع أقوال اللاعب في التحقيق لن يكون لها اعتبار في حسم القضية ليس فقط بسبب قوة المستندات ولكن لأن اللاعب لم يعد محل ثقة إذ خرج في بداية الأزمة في الفضائيات ونفي توقيعه للزمالك ثم عاد بعد يومين في الفضائيات أيضاً ليعلن ويعترف بتوقيعه للزمالك. تنشر بالاتفاق مع جريدة الفرسان.