لست أشك أنك تستمتع مثلي بأغنية نحن لانتستر علي الفساد (تيت .. تيت) ولا نحمي فاسداً (تيت .. تيت برضه) التي يغنينا إياها ويشدو بها يومياً كبار المسئولين وأصاغرهم بمن فيهم أفسد الفاسدين وأشدهم عفنا، ومع ذلك فلا أحد يستطيع أن يجادل في أن النظام وحكومة سيادته وحزبها هم جميعاً فعلاً لا يتسترون ولا يخفون أي فساد بل يصنعونه ويسهرون عليه بالرعاية والعناية المركزة علناً وعلي رءوس الأشهاد. فأما صناعة الفساد (الوحيدة المزدهرة في العهد الراهن) فهي كأي صناعة أخري لها أصول وفنون وقواعد وتمضي في طريقها نحو الخراب والدمار المجتمعي الشامل وفق تصاميم وخطط وابتكارات تكنولوجية أبدع فيها النظام الحالي حتي بلغ شأواً عظيماً وبعيداً جداً عن شوارب أعتي عصابات النشل والإجرام المنظم التي عرفها التاريخ الإنساني طرا. وحتي تفهم ويحيط عقل جنابك بحجم ووزن الإنجاز التاريخي المسجل باسم إخوانا الحرامية العمالقة المتحصنين في مغارات الحكم الجاثم علي قلوبنا من أيام ما كان أشهر وأكبر صناع «الكشري» في القاهرة الآن يسأل الله الرزق علي عربة خشبية بائسة، فإن عليك أن تلاحظ وترصد مظاهر التطور الثوري الخطير الذي أدخله هؤلاء علي أنماط وآليات وأدوات السرقة والنهب التي كانت زمان عشوائية وبدائية وتعتمد أساساً علي المهارات الفردية للأخ النشال، لكنها أضحت حالياً وسائل حديثة وفائقة التطور وتخضع باستمرار للمراجعة والتدقيق التكنولوجيين، بحيث يتم علاج أي قصور في الأداء اللصوصي أولاً بأول وبما يسد كل الثغرات التي تظهر أثناء ممارسة «العملية الإجرامية» وقد يمر منها البوليس والنيابة والمحاكم وخلافه في أي وقت ، كما أن هذه الأدوات والوسائل مصممة لتعمل وتخدم «نمط الإنتاج الصناعي» الكبير لا «الحرفي» الصغير ، ومن ثم لا يمكن تشغيلها أصلا إلا ضمن منظومة نهب جماعية يتعاون فيها حرامي الغسيل مع أخيه النشال كلُ في الموقع أو من علي الكرسي الذي يقعد عليه ، سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية أو العائلية أو في مغارة «السياسات»..إلخ. لهذا كله ستفشل حضرتك فشلا ذريعاً وحتمياً وسيضحك عليك أصغر عيل بيلعب في الشارع إذا توسلت مرة بالعبط والسذاجة ورفعت في وجه أخيك الحرامي الكبير شعاراً من نوع «الاحتكام للقانون» متوهماً أنه ما أن يسمع هذا الشعار وهو يقطر كالعسل الأسود من فم معاليك حتي يخر راكعاً مرعوباً تحت قدميك متوسلاً ومستحلفاً سيادتك برحمة أغلي الميتين عندك أن ترحمه وتعتقه من "القانون" بتاعك ، غير أن ما سيحدث غالباً لو استهبلت وتفوهت بهذا الشعار، أن الأستاذ اللص الفخيم قد يفطس أمامك من الضحك وأكيد سوف يتحداك ويلح في الرجاء أن تأتي له جنابك بهذا القانون فوراً ودون إبطاء والنبي ، حتي يقوم بنفسه بتفريجك عليه وتفصيصه وتشريحه أمامك بنداً بنداً لكي تري بعينيك كيف أن الأخ الحرامي الموقر القاعد بالتزوير في البرلمان شرَّعه وصَّنعه وفَصله تفصيلا علي مقاس إخوته النشالين في مواقعهم وأوكارهم المختلفة. وبعد .. هل للسطور السابقة أي علاقة شريفة أو علاقة من أي صنف آخر، بالحكايات والتحقيقات والمثرثرات والرحلات السياحية الممتعة إلي النيابات والمحاكم حيث تفتح وتغلق يومياً ملفات أراضي ومليارات الأخ سليمان والأخ فسدان والأخ علان وابن خالته ترتان؟! الإجابة : كلا طبعاً .. وألف كلا (ملحوظة: «كلا» يعني «لأ»)