ترامب: على الجمهوريين استغلال فرصة الإغلاق الحكومي للتخلص من "الفاسدين لتوفير المليارات"    شركة مايكروسوفت تطلق "وضع الوكيل الذكي" في 365 كوبايلوت    المسرح المتنقل يواصل فعالياته بقرية نزلة أسطال بالمنيا    البيت الأبيض: مناقشات حساسة تجري الآن بشأن خطة غزة    "الاحتلال "يهاجم أسطول الصمود وكولومبيا تطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية ومظاهرات حاشدة بعدة عواصم عالمية..وحماس: نحيي شجاعة النشطاء    85 شهيدًا فلسطينيًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال 24 ساعة    خطة ترامب لغزة.. قراءة تحليلية في وهم السلام وواقع الوصاية    «رحلة إسقاط الكبار مستمرة».. المغرب يضم البرازيل إلى قائمة ضحاياه    «قولاً واحدًا».. خالد الغندور يكشف رحيل فيريرا عن تدريب الزمالك في هذه الحالة    سعر الذهب اليوم الخميس 2-10-2025 يصل لأعلى مستوى وعيار 21 الآن بالمصنعية    مصرع أمين شرطة وإصابة آخر فى حادث تصادم بالنوبارية    بلاغ أم يقود لضبط مدرس متهم بالاعتداء على طفل فى الأهرام    متى يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025 رسميًا؟ استعد ل تغيير الساعة في مصر    عبدالله مجدي الهواري: «بحب الفن ونفسي أبقى حاجة بعيد عن اسم أمي وأبويا»    الدكتور محمود سعيد: معهد ناصر قلعة الطب في مصر وحصن أمان للمصريين    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    أكاديمية «أخبار اليوم» في ثوبها الجديد.. وفرحة الطلاب ببدء العام الدراسي| صور وفيديو    رئيس مجلس المطارات الدولي: مصر شريك استراتيجي في صناعة الطيران بالمنطقة    شهادة صحفي على مأساة أفغانستان الممتدة.. جون لي أندرسون يروي أربعة عقود في قلب عواصف كابول    إصابة 4 عمال في حادث تصادم نقل وميكروباص أمام كارتة ميناء شرق بورسعيد    قرار هام بشأن شخص عثر بحوزته على أقراص منشطات مجهولة المصدر بالجيزة    السيطرة على حريق شب داخل مخلفات بعين شمس    اللجنه العامة توافق على اعتراض رئيس الجمهورية على مواد الإجراءات الجنائية    زكريا أبوحرام يكتب: الملاك الذي خدعهم    4 أهداف.. تعادل مثير يحسم مواجهة يوفنتوس أمام فياريال بدوري أبطال أوروبا    رياضة ½ الليل| هشام يسلف الزمالك.. إيقاف تريزيجيه.. قائمة الخطيب.. والموت يطارد هالاند    نقل الفنان السوري زيناتي قدسية إلى المستشفى بعد أزمة صحية مفاجئة    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للموظفين والبنوك والمدارس بعد قرار رئيس الوزراء    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    وصول وفد رسمي من وزارة الدفاع السورية إلى موسكو    مرض اليد والقدم والفم (HFMD): عدوى فيروسية سريعة الانتشار بين الأطفال    تحذير لهؤلاء.. هل بذور الرمان تسبب مشاكل في الجهاز الهضمي؟    أكلة مصرية.. طريقة عمل محشي البصل خطوة بخطوة    الخارجية التركية: اعتداء إسرائيل على "أسطول الصمود" عمل إرهابي    «مقتنعوش بيه».. ماجد سامي: كنت أتمنى انتقال نجم الزمالك ل الأهلي    حل 150 مسألة بدون خطأ وتفوق على 1000 متسابق.. الطالب «أحمد» معجزة الفيوم: نفسي أشارك في مسابقات أكبر وأفرح والدي ووالدتي    مايولو: سعيد بالتسجيل أمام برشلونة.. نونو مينديش قام بعمل كبير    جوارديولا: لدينا نقطة وسنحصل عليها    المطبخ المصري في الواجهة.. «السياحة» ترعى فعاليات أسبوع القاهرة للطعام    هيئة مستقلة للمحتوى الرقمي ورقابة بضمانات.. 4 خبراء يضعون روشتة للتعامل مع «البلوجرز» (خاص)    انقطاع مؤقت للاتصالات قرب المتحف المصري الكبير.. فجر الخميس    ارتفاع أسعار الذهب في السعودية وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الخميس 2-10-2025    الجيش الإسرائيلي: إطلاق 5 صواريخ من شمال غزة واعتراض 4 منها دون إصابات    محافظ الشرقية يكرّم رعاة مهرجان الخيول العربية الأصيلة في دورته ال29.. صور    السكر القاتل.. عميد القلب السابق يوجه نصيحة لأصحاب «الكروش»    أول تعليق من رنا رئيس بعد أزمتها الصحية: «وجودكم فرق معايا أكتر مما تتخيلوا»    ماذا كشفت النيابة في واقعة سرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري؟    أولى هجمات أكتوبر.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم: أمطار رعدية تضرب منطقتين    أرسنال بالعلامة الكاملة في الإمارات ينتصر بثنائية على أولمبياكوس    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    تسليم 21 ألف جهاز تابلت لطلاب الصف الأول الثانوي في محافظة المنيا    أحمد موسى يوجه رسالة للمصريين: بلدنا محاطة بالتهديدات.. ثقوا في القيادة السياسية    التجربة المصرية في الاستزراع السمكي محور برنامج تدريبي دولي بالإسماعيلية    مدير معهد ناصر: اختيار المعهد ليكون مدينة طبية لعدة أسباب ويتمتع بمكانة كبيرة لدى المواطنين    اعتراضات على طريقة إدارتك للأمور.. برج الجدي اليوم 2 أكتوبر    تعرف على مواقيت الصلاه غدا الخميس 2 أكتوبر 2025فى محافظة المنيا    مجلس الدولة يقرر إعادة توزيع اختصاصات دوائر محكمة القضاء الإداري    مجلس حكماء المسلمين: العناية بكبار السن وتقدير عطائهم الممتد واجب ديني ومسؤولية إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد رجب.. حكاية نصف قرن من السخرية على التليفزيون
نشر في الدستور الأصلي يوم 16 - 07 - 2010

أحمد رجب ليس مجرد كاتب ساخر إنه أشبه بالمعجزة التي لا تستطيع معها سوي أن تفتح فمك وتندهش وتقول «هو بيجيب الكلام ده منين»؟ فهو يملك قدرة خاصة، وخاصة جدا تجعلك أسيرا لكتاباته، فلا تستطيع أن تعيش دونها، ولو فعلت لن تستطيع أن تثبت أنك مازلت حيا، فهو ساخر بدرجة فيلسوف، فإن لم تضحك لسخريته المذهلة فلن تستطيع أن تقاوم سحر أفكاره وحضوره الطاغي علي مدار أكثر من نصف قرن.
أحمد رجب اسم مثل ختم النسر لا يمكن تجاوزه عند الاحتفال بعيد ميلاد التليفزيون ففي حوار له عام 96 قال : نهنئ التليفزيون في عيد ميلاده الخامس والثلاثين وقد حقق طفرات طيبة ونشكر القائمين عليه أنه أضاف إلي حياتنا الكثير كما أصبح يغطي الخرس المنزلي الذي يصاب به كل زوج داخل البيت فأعفاه مشقة الكلام ولا يمنعنا من تحية التليفزيون أن بعض برامجه ومسلسلاته تذاع داخل السجون كجزء من العقوبة.
التليفزيون بالنسبة لأحمد رجب بمثابة الملهم الذي يحرك حاسة الساخر بداخله، فإذا أردت أن تعرف تاريخ التليفزيون فأمامك أحد طريقين الأول أن تجلس في أرشيف دار الكتب والوثائق وتذهب لأرشيف التليفزيون ولن تصل لشيء لأن أغلب مواد التليفزيون إما تمت سرقتها أو تم بيعها أما الطريق الثاني فهو أن تقرأ ما كتبه عمنا الساخر الكبير أحمد رجب عن التليفزيون علي مدار خمسين عاما وهذا الطريق هو الأفضل والأجمل والأسهل والأمتع لأن سخرية أحمد رجب من التليفزيون تعتبر تأريخا لهذا الجهاز، لكن رغم ذلك لم يظهر علي شاشته مطلقاً ولم تستطع الفضائيات علي كثرتها إغراءه ولا أحد يعرف السبب في امتناعه عن الظهور سوي ما قاله: لست ممنوعاً من الظهور في التليفزيون فلا تظلموا أحدا لأن هذا اختياري والسبب في عدم ظهوري في التليفزيون هو أنني لا أمتلك منشة!
كتابات أحمد رجب رصدت كل التطورات التي حدثت في التليفزيون علي مدار تاريخه واهتمت بكل العاملين داخله من مذيعين ومذيعات مرورا بالضيوف والديكورات ونوعية البرامج والمسلسلات والأفكار المقدمة وبعد ظهور الفضائيات ظل متابعا له ودافع عنه قائلا: التليفزيون المصري هو الرائد وأستاذ القنوات التليفزيونية في المنطقة وكل التليفزيونات العربية تلاميذه.. وندعو الله أن يرتفع التليفزيون المصري إلي مستوي تلاميذه. أخيرا قبل أن نذهب لنستمع بما كتبه أحمد رجب عن التليفزيون علي مدار نصف قرن لابد أن نعرف أولا سر سخريته الدائمة منه والجواب كما قاله الساخر الكبير في حواره مع مجلة الكواكب في أبريل عام 1977، «التليفزيون يلاحقني ويطاردني ويضايق أسرتي فأهاجمه دفاعا عن النفس».
إنسان التليفزيون
عندما تجلس أمام التليفزيون البريطاني تجد إنتاجاً فكرياً متميزاً تقدمه مجموعة تليفزيونيين علي درجة عالية من الثقافة والقدرة علي الاستمالة والوصول إلي عقلك وقلبك، الأمر الذي يدفعك إلي المقارنة بالتليفزيون في بلادنا بما فيه من فكر متواضع وساذج، لكنك لن تلبث أن تكتشف أن المقارنة غير عادلة من جوانب متعددة، خذ علي سبيل المثال أصل الفكرة من وجود التليفزيون: ففي بريطانيا نجحت جمعية رعاية المسجونين في مساعيها فأدخلت التليفزيون إلي السجون للترفيه والتثقيف، بينما اعترضت جمعيات رعاية المساجين في بلادنا علي إدخال التليفزيون في السجون لاعتباره عقوبة إضافية لم ينص عليها حكم المحكمة، ثم لابد نلتمس العذر للمشرفين علي التليفزيون في بلادنا لأنهم لا يملكون أدوات تحقيق النجاح المنشود فالقانون البريطاني مثلاً - بعكس القانون عندنا - يشترط في مؤلف الدراما معرفة القراءة والكتابة.
ومع ذلك فإن التليفزيونيين عندنا معذورون، إذ أعتقد أن أصعب سؤال تلقيته في حياتي: لو كنت مسئولا عن التليفزيون، فكيف تضع خريطة برامج تسعد بها كل الناس؟
لقد فكرت طويلاً في هذا السؤال العسير، وكان ينبغي الرد عليه أن أحدد فئات المشاهدين الذين يتلقون البرامج:
إنسان المسلسلات وهو مشاهد مضطرب الذهن ويستسلم لكل ما يشاهده دون نقاش.. لقد عرضت التليفزيونات العربية ذات مرة حلقة من برنامج الكاميرا الخفية ظهرت فيه سيدة تمسك رجلا بسلسلة كلب وتكلف رجلا آخر من المارة بالإمساك بالسلسلة وتولي حراسته ريثما تدخل أحد المحال، هذا الرجل الذي قبل هذه المهمة يمثل تماماً، إنسان المسلسلات، فقد أمسك بالسلسلة وأبدي قبوله أن يتولي حراسة الرجل المربوط دون أن يناقش أو يسأل لماذا وكيف تربط زوجها بهذه السلسلة؟ إنه اعتاد أن يشاهد في المسلسلات أشياء غير منطقية وغير طبيعية تحولت باعتياد مشاهدتها إلي أشياء طبيعية فإن إدمانه المسلسلات دمر مراكز الإدراك السليم بالمخ.
ثانياً - إنسان كروي: وهو إنسان كرة القدم عنده هي كل شيء حتي أصل الإنسان - عنده - كرة طلع لها يدان وساقان، وكل اسم يسمعه لابد أن يكون له مدلول كروي، إنه متقوقع في عالم الكرة، إذا سألته عن إيميل زولا ظن أنه سنتر هاف فرنسا، وهاملت هو جول الدنمارك أما كابتن تولستوي فهو مدرب الفريق القومي.
ثالثاً - إنسان متقوقع: في الكتب ويعتبر الضحك من غير سبب قلة أدب، أما الضحك بسبب فسطحية وضحالة، تشده البرامج الترفيهية الجذابة مثل نظرية الشعر عند أرسطو.
رابعاً - إنسان طفل: تقدم إليه برامج الأطفال وتسعده هذه البرامج كثيراً لأنه يضحك معها علي بلاهة الكبار الذين وضعوها له.
خامساً - إنسان عاقل: وغير متخلف عقلياً وهو إنسان لا يفتح التليفزيون أبداً.
يا هذا..!
جلست مع بعض أطفال الأسرة أجاملهم بمشاهدة برنامج الأطفال في التليفزيون، فاتضح لي أنهم الذين يجاملونني في الفرجة علي هذه البلاهات، إذ كانوا يتغامزون وأنا أصطنع الضحك علي ما يجري فوق الشاشة من سذاجة وتخلف عقلي!
وزمان كان الجد إذا سأل ابنه: إشي عدي البحر ولا اتبلش؟ قال الولد: العجل في بطن أمه، والآن إذا قال نفس الجد لحفيده: إشي عدي البحر ولا اتبلش قال الحفيد علي الفور: الطائرة، والفرق بين الردين هو نفس الفرق بين جيل مشرق يعايش عصر الليزر والروبوت وجيل غارب عن العصر عايش حواديت أمنا الغولة والشاطر حسن، وهو جيل لا يزال يقحم نفسه في تأليف البرامج التليفزيونية للأطفال وطفل العصر هو الذي تساءل مرة بدهشة: لماذا ترسمون أمنا حواء بسرة في بطنها مع أنها لم تولد من أم ولم يكن لها حبل سري؟ وهو الطفل الذي يجب أن يرتفع إلي مستواه براعم الأطفال والكتاب المدرسي والمدرس، إذا تساءل الطفل إذا كان الهدف من سقوط المطر هو أن تنبت لنا الأرض فما الهدف من سقوط المطر فوق أسطح منازلنا؟
بل إن مؤلفي كتب اللغة بالذات التي يدرسها أطفالنا دأبوا علي سلوك مسلك عدواني تجاه لغتنا الجميلة بتعبئة مشاعر أولادنا ضد لغتهم بكتب سيئة العرض ثقيلة الظل، والدنيا تتغير ولكن هذه الكتب المتكلسة لا تتغير أبداً، خذ مثلاً ضرب زيد عمرو هذه الجملة لم تتغير منذ قرون، شبع خلالها زيد ضربا في عمرو، والأجداد وآباؤنا الأوائل أحيطوا علما جميعاً بأمر عمرو الذي ضربه زيد، وسوف يظل زيد يضرب عمرو في كتب النحو إلي يوم الدين دون أن يفكر أحد في تخليص عمرو من زيد، والنتيجة - علي مستوي الوطن العربي - أن زيد لا يضرب إلا عمرو ولا يضرب «كوهين» أبداً.
إن مشاهدة حلقة من مسلسل «تعلم الإنجليزية» وما تحفل به من مواقف ضاحكة وجذابة تجعلنا نتحسر علي لغتنا الجميلة التي تمثل شبحاً يفزع أولادنا، والمعلم نفسه معذور لأنه أصبح أسير هذه المناهج المنحطة التي تحرض علي كراهية اللغة، وهو إن لم يكن تحريضاً بسوء أسلوب العرض كان تحريضاً بالتقعر، ولكن عانيت أنا شخصياً من الأستاذ الجهموشي مدرس اللغة العربية، كان إذا خاطب أحدنا قال: قل يالحاك الله، وكنا نظن أنه يتمني أن يكبر كل منا ويكون له لحية، ثم عرفنا أنها شتيمة معناها قبحك الله، ثم استمر طويلاًً يناديني: يا هذا حتي إنني بدأت أصحح لأبي وأمي الخطأ الذي يقعان فيه وأن اسمي هذا وليس أحمد، وكان يقول لي أنا محيار في أمرك يا هذا، وكان هذا الذي هو أنا يسأل نفسه ما معني محيار، ولماذا هو محيار وأنا حمار، ثم عرفت بعد سنين أن محيار تعني شدة الحيرة.
وذات يوم جاءنا الأستاذ الجهموشي وقال في نبرة أسي أن يحيي أفندي سكرتير المدرسة اختطفته أم قشعم أو كما ينطقها: أم قشعمي، وأصابنا ذعر عظيم إذ اعتقدنا أن سكرتير المدرسة اختطفته أمنا الغولة من علي باب المدرسة، وأن أمنا الغولة تكنت بهذا الاسم بعد أن أنجبت قشعم، ثم عرفنا فيما بعد أن أم قشعم هي المنية أو الموت الذي يقصف عمر الإنسان.
ثم بدأ الأسد الجهموشي يقول لي: هل لديكم سحنجل يا هذا؟ وهل نظرت إلي السحنجل فوجدت رأس الحمار؟ فكنت ألح علي أبي وأمي أن يكون لدينا سحنجل حتي أجد رأس حمار؟ لكن المشكلة أن أبي لم يكن يعرف أين يباع هذا السحنجل وأخيراً رأيت رأس الحمار عندما عرفت أن السحنجل هي المرآة التي أقف أمامها.
نص كلمة
نحن لا نريد أن نظلم التليفزيون فنكتفي بما يشكو منه الناس من ملل وكآبة، بل يجب أن نقول ما للتليفزيون وما عليه، وقد سمعت من مصدر ثقة أن خبيراً أجنبياً درس برامج التليفزيون عندنا وانتهي إلي أنها برامج مثالية تحمل كل المواصفات الناجحة للبرامج التي تبث للمتخلفين عقلياً.
يستفسر المواطن مختار الشامي بالإسماعيلية عن سبب ازدياد نسبة الإصابة بالتخلف العقلي من واقع الإحصائيات المنشورة.
ولست أعرف السبب علي وجه التحديد، لكن من الإنصاف أن نقول إن التخلف العقلي كان معروفاً في مصر قبل دخول التليفزيون.
إنني من أشد المعجبين بالبرنامج التليفزيوني، البرلمان الصغير الذي يقدم به الصغار نموذجاً رفيعاً في الحوار الديمقراطي، والشيء الغريب حقاً أن رئيس البرلمان الصغير مؤدب جداً.
من الذي يضع برنامج سهرات التليفزيون؟ من الذي يختار هذه الأفلام التي يستعيرها من أرشيف الانتكخانة؟ ولماذا الإصرار علي قرف الناس في عيشتهم بعد يوم حافل بنشرات الخليج والتوترات المعيشية وأعصاب فوق الجلد؟ ولماذا لا يتم تعيين رئيس للتليفزيون؟ وإذا كان هذا الرئيس موجوداً فأين لجنة حقوق الإنسان؟
لأسباب كثيرة تحجم العناصر الطيبة عن خوض الانتخابات، لكن يمكن إيجاد مجلس يحظي باحترام الناس إذا أفسحت الأحزاب الطريق للشرفاء الأكفاء، فإذا تعذر ذلك فيمكن أن نجعل الناس تعتقد أنه مجلس محترم بتجنب إذاعة جلساته في التليفزيون.
أفظع ما في الأنفلونزا إنها كالزواج تحدد إقامتك في البيت وتفرض عليك منع التجوال خارجه، وتدفعك إلي الاستسلام مثل قبول إحضار تليفزيون أمامك ليسليك، وبسبب ارتفاع الحرارة تعتريك رؤي غريبة وتخاريف ثم تكتشف أنك تشاهد التليفزيون.
سرحت بخواطري وأنا أشاهد «البرلمان الصغير» علي شاشة التليفزيون.. كم سيصبح البرلمان الكبير مشرفاً ورائعاً لو جاء علي صورة هذا البرلمان الصغير المكون من أولادنا الصغار.
ما سر احترامنا لهؤلاء الصغار في برلمانهم؟ هل لأنهم في منتهي الطهارة والنقاء وليس عندهم حصانة؟
هناك مناصب لا يعلن عن أسماء شاغليها لدواعي الأمن وعدم تعرضهم للخطر، ومن بين هؤلاء الرجل الذي يضع للناس برامج التليفزيون.
يقول مسئول في التليفزيون: إن إذاعة الفيلم القديم أكثر من عشر مرات في السنة ترجع إلي أن الجهاز المركزي للمحاسبات هو الذي يشترط إذاعة واستغلال الفيلم إلي أقصي حد ممكن مادام التليفزيون يدفع ثمن استغلاله خلال فترة محددة، ويقولون إن جهاز المحاسبات يختار عينات عشوائية من المشاهدين فيقوم المشاهد «بتسميع» الفيلم لمندوب الجهاز، وقد لفت الجهاز المركزي نظر التليفزيون أن أحد المشاهدين فشل في «تسميع» الجزء الأخير من فيلم بين الأطلال، مما يستوجب تكرار عرضه.
البحث عن حديث..!
يبدو أن آداب المخاطبة والحوار تمر بأزمة عالية كما أن فن الحديث قد اندثر، الناس أعصابها فوق الجلد في الدنيا كلها والشتائم واللعنات علي ألسنتهم خصوصاً بعد مشاهدة برامج التليفزيون.
بل لقد انعكست موجة الشتائم والبذاءات علي الكتاب والمسرحية والفيلم، وحتي في الأفلام الأجنبية نسمع بذاءات غريبة يتجاهلها طبعاً مترجم الفيلم والمدهش حقاً أن الشتائم أصبح لها علماء متخصصون وباحثون حتي أن أستاذا في ماديسون بأمريكا عكف علي وضع قاموس جمع الشتائم المتداولة بين شعوب الأرض منذ بدء التاريخ ولأن الأستاذ وضع قاموسه بأبشع الأحجار غير الكريمة فقد طردته جامعه ويسكونسن من هيئة التدريس، وتفرغ بذلك لإصدار مجلة تحفل صفحاتها بكل ألوان السباب العالي عرضاً وتحليلاً.
ويقول الباحثون إن انتشار الشتائم علي ألسنة الإنسان المعاصر هو تعبير عن ضغوط الحياة التي تؤدي إلي الفشل والإحباط..
والإنسان في شرقنا العربي يظل مهذب اللسان حتي يتعلم قيادة السيارات فتبدأ غدته الشتائمية في النشاط بألفاظ مهذبة نسبياً مثل حاسب يا حمار وحاسب يا بهيم، وفي كل أنحاء العالم يضطر الإنسان إلي ترويض غدته الشتائمية لتعمل في السر ودون صوت حرصاً علي مشاعر الطرف الآخر في الحياة الزوجية.
وأعتقد أن لغة الكلام تعطلت بين الناس لأن التليفزيون أثر كثيراً علي فن الحديث بين الأفراد المجتمعين حوله حتي أن دولة مثل ايسلنده توقف الإرسال التليفزيوني يوم الخميس كي يجتمع شمل الأسرة لتبادل الأحاديث والأفكار البناءة، ولا شك أن يوم الخميس الأيسلندي هو يوم العذاب للزوج الذي أدركته حالة الخرس المنزلي وأصبح لا يقوي علي الكلام داخل البيت، فأمامه - يوم الخميس - مهمة رهيبة هي تحريك لسانه بالكلام مع زوجته.
إن التليفزيون هو السبب في انهيار لغة الحوار المهذب، فهو يجتذب الأجيال الجديدة ولا يعطي فرصة لتنمية فن التخاطب، بل إن الإنسان المعاصر أصبح يتعثر في إيجاد مادة الحديث المناسب بعيداً عن التليفزيون وأصبح ينقصه ركنا مهماً اسمه: كيف أبدأ حديثاً مع إنسان أراه لأول مرة؟ أنا شخصياً تعرضت لهذه التجربة خلال جلوسي بجوار شخص لا أعرفه تركني معه مضيفنا، كان واضحاً أن الرجل يتوقع مني أن أبدأ الحديث وأنه قد أعفي نفسه من هذه المهمة العسيرة، هل أحدثه في السياسة؟ إنني لا أعرف جنسيته ولا هويته السياسية، ثم أوضح أنه من الشرق الأوسط، والحوار السياسي بين الشرق أوسطيين أصبح له سمات خاصة، إذ يتيح للإنسان أن يعرف عن نفسه من الطرف الآخر صفات لم يكن يعرفها من قبل مثل انهزامي وخائن وعميل، وغالباً ما تنتهي المناقشة السياسية بإطلاق إحدي وعشرين طلقة تحية للطرف الآخر في رأسه.
لكن من الجائز جداً - قلت لنفسي - ألا يكون الرجل شرق أوسطيا أي متمتعا بكامل قواه العقلية، غير أن الحذر واجب أيضاً وقررت أن أبدأ حديثي معه بابتسامة، ففي يده ساعة ثمينة، سأسأله عن الساعة ثم أقول له إن الساعة أنيقة حقاً، تذكرني بتلك القصة التي سمعت البولنديين يروونها في وارسو، وتروي أن الزعيم السوفييتي الراحل بريجنيف كان في زيارة لبولندا وفي رحلة العودة قال له نائبه: هل رأيت الساعة الثمينة التي كانت في يد الرئيس البولندي؟؟ فقال له بريجنيف: لا.. وريني شكلها إيه؟
في اللحظة الأخيرة: عدلت عن هذا الحديث فربما يكون الرجل ماركسياً ولا مصلحة لي عندئذ أن يتصور الرجل أنني يميني رجعي متعفن وعميل للمخابرات المركزية.
هل أبدأ حديثي معه عن الجو؟
إن الحديث عن الجو حديث غبي ومستهلك ولو قلت له إن الجو بارد الليلة فمعني ذلك أنه رجل فاقد الحواس والإدراك ولم يصل إلي عمله أمر ذلك الزمهرير الذي يوجع العظام ولكن ما حيلتي والمحاذير كثيرة في إيجاد حديث بديل؟
بدأت الحديث عن الجو وكان والحمد لله - بالمصادفة - حديثاً ناجحاً - إذ رحت أتكلم عن الجو الممطر العاصف وألعن أكاذيب نشرة الأرصاد الجوية.
وبالصدفة أيضاً أضفي حديثي جواً من البهجة علي الحفل وارتفعت الضحكات من حولنا، فقد كان الرجل الذي أحدثه رئيس هيئة الأرصاد الجوية.
رابطة مكافحة تمثيلية السهرة
تعلن الرابطة عن فتح باب التطوع للتدريب علي أعمال الدفاع المدني أثناء غارة التمثيلية، بإلقاء الألحفة والبطاطين فوق التليفزيون خلال الغارة، ونقل الأطفال والمرضي والعجزة من أمام الشاشة، وتوعية المواطنين بعدم لمس أي جهاز تليفزيون لأنه قد يكون من الشراك الخداعية.
هذا وقد أرسلت الرابطة إلي لجنة حقوق الإنسان سجلاً مصوراً للعدوان الأسبوعي علي المشاهدين الآمنين، وقد تضمن هذا السجل صور الأسرة المنكوبة التي داهمت التمثيلية أفرادها الثمانية وهم جلوس أمام التليفزيون فماتوا متأثرين باسفسكيا التمثيلية. وتنتهز الرابطة هذه الفرصة لتفند مزاعم التليفزيون للصليب الأحمر الدولي بأننا نقوم بتعذيب الأسري من مخرجي تمثيلية السهرة بحبسهم في غرفة مغلقة لمشاهدة تمثيلية السهرة، فلسنا علي هذه الصورة البشعة من الوحشية والبربرية، إن الأسري من المخرجين يلقون كل معاملة حسنة. وليست هذه الافتراءات جديدة علي التليفزيون الذي استنفدنا معه كل الوسائل السلمية، فإزاء إصراره علي عرض تمثيلية السهرة اقترحنا أن يوضع بين الشاشة وبين المشاهدين قوات طوارئ دولية، لكنه رفض، وأمام هذا التصعيد العدواني، بدأت منظمة الثلاث الأسود نشاطها بإنذار المخرجين وأعضاء لجنة النصوص باختطافهم واحتجازهم رهائن ما لم يوقفوا عدوانهم علي المشاهدين الآمنين، كما تقوم الرابطة بنشاطها الاجتماعي والإنساني بتوزيع أكياس الحلوي والهدايا علي ضحايا التمثيلية بمستشفي المشاهدين المركزي كما تحتفل في الأسبوع القادم بإزاحة الستار عن النصب التذكاري للمشاهد المجهول والله ولي التوفيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.