لقيت زيارة الرئيس مبارك للجزائر من أجل التعزية في وفاة شقيق الرئيس بوتفليقة تقديراً كبيراً في الشارع العربي، وتساءل الناس في مصر: ما دامت المسألة بهذه السهولة فلماذا تركنا الأمور تتفاقم وتركنا العلاقات تتردي علي المستوي الرسمي والشعبي إلي هذا الحد إذا كان في الإمكان منذ البداية وأد الفتنة بمكالمة تليفونية أو لقاء بين الرئيسين؟!. في اعتقادي أن استدعاء القصة الشهيرة للحاخام والخنزير قد يكون مفيداً هنا..و تقول القصة المعروفة إن رجلاً كان يعيش في حجرة صغيرة ضاقت عليه وعلي أولاده قد ذهب إلي الحاخام شاكياً رقة حاله وشظف ظروفه ورغبته في الانتقال إلي مسكن أوسع، فما كان من الحاخام إلا أن أحضر إليه خنزيراً وضعه داخل الحجرة وطلب من الرجل الاحتفاظ بالخنزير لمدة أسبوع وبعدها يكون الحديث. ومن الطبيعي أن الرجل أوشك علي الجنون أثناء ذلك الأسبوع حيث أحال الخنزير حياتهم إلي جحيم وجعلهم يتمنون الموت للخلاص من الحياة التعيسة في الحجرة الضيقة التي يشاركهم فيها خنزير قذر. بعد انقضاء الأسبوع لم يفعل الحاخام شيئاً سوي أنه قام بسحب الخنزير فعادت الحجرة للرجل كما كانت قبل أسبوع، وهنا أحس الرجل الذي كان يشكو من صعوبة العيش بأن حجرته أصبحت جنة وشعر بأنه لا ينقصه أي شيء في الحياة!. نفس هذه القصة تتكرر في حياتنا البائسة طوال الوقت، فالسادة الحكام عندنا إذا شكونا إليهم ضيق العيش وقسوة الحياة أو إذا طالبناهم بالإصلاح الديمقراطي وتحجيم الفساد ، أو إذا طالبناهم بالنهوض بالصناعة والزراعة والخدمات الصحية والتعليم، ولفتنا انتباههم للخطر الصهيوني وأهمية الوقوف إلي جانب الشقيق الفلسطيني فإنهم يقومون علي الفور باستحضار الخنزير ووضعه في غرفتنا وتركه يأكل ويبول ويتغوط وينام علي فرشتنا، ووفي اللحظة التي يصبح الانتحار فيها وجوبياً والموت هو الحل..عندئذ يتفضل أصحاب الفخامة بسحب الخنزير. هل تذكرون الوزير الذي اشتهر بوساخة اللسان والذي ظل لمدة أربع سنوات يسب دين أم رموز مصر العظيمة وينعت أشرف العلماء والكتاب والمفكرين بالألفاظ الساقطة، حتي زملاؤه الوزراء لم يسلموا من لسانه فأطلق في حقهم أوصافاً فاحشة..هذا الرجل أوصل مصر إلي حافة الثورة الشعبية، ولكن عندما بلغت القلوب الحناجر وقبل القارعة بثوان تتدخل حكمة الرئيس فيقيل الوزير ويريح شعب مصر من سفالته!. كذلك في موضوع الفتنة بين مصر والجزائر فلقد سلموا القيادة للغوغاء ووحرضوا الإعلاميين الزلنطحية علي قطع الروابط وفصم العري مع الشعب العربي الأبي في الجزائر إلي حد قيام أحد الحيوانات بوصفهم بأنهم شعب المليون لقيط!. كل هذا تفرج عليه وشاهده السادة الحكام بغبطة وسعادة، فتركوا النار تشتعل داخل نفوس المصريين والجزائريين ويكره كل منهم الآخر.. ولكن في لحظة مقدّرة يتقدم السيد الرئيس رمز التعقل ومنبع الحكمة الذي في يده مفاتيح الحل والعقد فيقوم بزيارة شقيقه العزيز الرئيس بوتفليقة ويتبادل معه الأحضان والحوار الدافئ، ويتم نزع البغضاء من القلوب وإعادة الوئام والمحبة إلي النفوس، وهنا يعود الإعلاميون السفلة إلي حالتهم الآدمية القديمة ويأخذون في الحديث عن عظمة الجزائر بلد المليون شهيد، ونشرب جميعاً الأنخاب بعد أن صار بإمكاننا أن نستعيد حياتنا السابقة فنأكل طعاماً مسرطناً ونشرب ماء ملوثاً ونتنفس الهباب ونسعد بالوزراء الكسالي وننعم بالتعليم المتدني والخدمات الصحية المنحطة والحياة الرديئة، حتي إذا فكرنا أن نشكو أو نتذمر مرة أخري أعادوا لنا الخنزير !.