في بداية تولي الرئيس مبارك الحكم توفي خالد بن عبد العزيز -ملك السعودية- وتولي بعده شقيقه الملك فهد ووقتها رأي مبارك أن قطع العلاقات الرسمية بين البلدين لا يحول دون تقديم مصر واجب العزاء..وكانت رحلته القصيرة إلي الرياض لتقديم العزاء..تذكرت تلك الواقعة أثناء زيارة مبارك الأخيرة إلي الجزائر لتقديم العزاء للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في وفاة شقيقه، رغم توتر العلاقة بين الدولتين علي المستويين الرسمي والشعبي، والذي يندر أن يتوحد الموقفان -رسميا وشعبيا- حول علاقة مصر مع دولة شقيقة. قرار الرئيس بتقديم العزاء للجزائر كان بداية طيبة لاستعادة العلاقات مع شعب ودولة شقيقة كالجزائر، لذا لقيت الزيارة المفاجئة استحسان الرأي العام في كلا البلدين، كان الظن أن الرحلة سوف تستغرق بضع ساعات ثم يعود الرئيس بعدها إلي القاهرة لممارسة نشاطه، لكن مبارك قرر السفر إلي فرنسا ولقاء الرئيس ساركوزي، في رحلة لم تكن معلنة أو مدرجة في الجدول الرسمي للرئيس، حيث أعقبت رحلته المفاجئة للجزائر..كما أن العلاقات المصرية الفرنسية لم تشهد جديدًا يستحق عناء تلك الرحلة، خاصة أن الرئيس مبارك زار فرنسا منذ شهر واحد فقط لحضور القمة الفرنسية الأفريقية في مدينة نيس، وحسبما نشرته الدستور في صفحتها الأولي فإن زيارة الرئيس الأخيرة لفرنسا كانت رقم 56 بمتوسط زيارتين كل عام منذ تولي الرئيس الحكم. وعندما تبحث فيما بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية أو فيما نشرته الصحف الحكومية عن تلك الزيارة، فسوف تجد كلامًا مكررًا وديباجة معروفة عن مباحثات الرئيسين في العلاقات المشتركة بين الدولتين ثم قضية الصراع العربي الإسرائيلي، عندها ستعرف أنه لا جديد تمت مناقشته أو أن يكون الاجتماع قد تمخض عن قرارات مهمة لكلا البلدين. لا يمكنك هنا أن تسأل رئيس الدولة عن أسباب الزيارة أوعن عوائدها،لأن ذلك من الممنوعات ويعد من أسرار الدولة التي يمنع الحديث فيها، خاصة أن جدول زيارات الرئيس إما مدرجة ومعلن مواعيدها أو مفاجئة، كما أنك لا تستطيع أن تعرف تكلفة تلك الرحلات وكم تتكبد الخزانة العامة لتغطيتها! عام 84 وبعد مرور عامين علي تولي الرئيس مبارك الحكم فإن الراحل الكبير فتحي رضوان كان قد أثار انتباهه تكرار سفر الرئيس كثيرًا إلي الخارج، فكتب مقالاً شهيرًا بعنوان (طوف وشوف) في صحيفة الشعب الصادرة عن حزب العمل المجمد حاليا..وقد قرأه الرئيس عندما كان يطالع الصحف المعارضة وعلق عليه في خطاب عام، مؤكدًَا أن رحلاته ليست للترفيه بل لصالح مصر والأهم أنها شديدة الإرهاق له ولمن معه، حيث لا راحة أبدا من كثرة اللقاءات والطيران، لكن مضي ربع قرن علي ما قاله فتحي رضوان وأكثر منها علي حكم الرئيس..إلا أن مبارك استمر في رحلاته دون أن نعرف -أحيانا- أسبابها وعائدها وتكلفتها..وهذه أبسط حقوق المواطن، فالحاكم في البلاد الديمقراطية يعلن قصره الجمهوري عن سفرياته الخارجية «أسبابها ومدتها» لأنهم يرون أن هذا حق الشعب، وكثيرًا ما حدث في تلك البلاد البعيدة أن أثار البعض تكلفة تلك الرحلات، فلماذا لا يبادرنا الرئيس بتقديم نتائج وأسباب رحلاته للشعب..لعله بذلك يسن سنة حميدة لرؤساء مصر في قادم الأيام؟ كما أن ذلك يضيف للحكم شفافية كان الرئيس قد رفع شعارها يوما ما بعنوان الطهارة ونظافة اليد!. البداية هي مدي قناعة الرئيس بأهمية حق الشعب في تلك المعرفة.