صحيح أن زيارة الرئيس مبارك قبل يومين إلي الجزائر جاءت ضمن إطار تقديم واجب التعزية إلي الرئيس الجزائري بوتفليقة في وفاة شقيقه الدكتور مصطفي.. وواحدة من زيارات المودة والمجاملة التي يحرص الرئيس مبارك علي القيام بها لأشقائه من الملوك والرؤساء العرب وأصدقائه من رؤساء دول العالم في سياق العلاقات الشخصية المتميزة التي تربط بين الرئيس وبينهم جميعا. إلا أن زيارة الرئيس مبارك إلي الجزائر في مغزاها ودلالاتها لا تتوقف عند واجب تعزية الرئيس الجزائري فحسب وقد سبقتها زيارة من الرئيس الجزائري بوتفليقة العام الماضي إلي القاهرة ليقدم واجب العزاء إلي الرئيس مبارك في وفاة حفيده محمد علاء مبارك، وإنما امتدت أيضا إلي اختصار المزيد من المسافات في جهود إعادة العلاقات الشعبية التاريخية بين الشعبين المصري والجزائري إلي ما كانت عليه قبل الأحداث المؤسفة علي خلفية التنافس الرياضي في مباراة كرة القدم والتي لم تكن بأي صورة من الصور تعكس حجم هذه العلاقات الأخوية التاريخية بين الشعبين ولا تراعي مصالحهما المشتركة. ولا تؤشر سوي إلي حدوث هوة عميقة في المشاعر المتبادلة بين الشعب المصري والشعب الجزائري والتي كانت طوال الوقت مشاعر حب ومودة وتقدير واحترام وارتباط ينتمي إلي وطن عربي كبير واحد ولغة واحدة وأهداف واحدة. وبكل هذا الحجم من الحكمة وإدراك أن العلاقات الأخوية بين الشعبين المصري والجزائري ما كان لها أن تصل إلي هذه النقطة من مشاعر الغضب تحت أي ظرف من الظروف وإن كانت قد تسببت فيها سلوكيات التعصب لفريق كرة قدم. التقي الرئيس مبارك والرئيس بوتفليقة خلال فعاليات قمة نيس قبل عدة أسابيع ماضية وتبادلا الأحاديث الودية في حميمية واضحة تعبر عن عمق العلاقة بين الرئيسين وتعطي العديد من الرسائل إلي الشعبين في مصر والجزائر.. وبحثا إعادة العلاقات الطبيعية بين الشعبين إلي ما كانت عليه.. ليقطعا شوطا كبيرا في إعادة المياه إلي مجاريها الطبيعية وعودة المشاعر الأخوية إلي طبيعتها المتأصلة المتبادلة في وجدان الشعبين المصري والجزائري.. وتأتي زيارة الرئيس الأخيرة إلي الجزائر لتؤكد هذا المعني. وهو ما عبر عنه وزير الخارجية أحمد أبوالغيط حين صرح للإذاعة الجزائرية مؤكدا أن زيارة الرئيس مبارك للجزائر من شأنها تدعيم العلاقات بين البلدين.. وأن لقاء الرئيسين مبارك وبوتفليقة بالجزائر ولقاءهما في نيس قبل عدة أسابيع يؤكد عزم الرئيسين والشعبين علي مواصلة تأسيس علاقات قوية ومتينة .. وأن لقاء الرئيسين مبارك وبوتفليقة يؤكد علي وجود رغبة حقيقية من الرئيسين والشعبين والدولتين للمضي قدما في بناء علاقات قوية تدافع عن الحقوق العربية وأمن المنطقة. لا أظن أن أحدا من العقلاء في الجزائر ومصر كان سعيدا بهذه الحالة من المشاعر الغاضبة بين الشعبين في مصر والجزائر.. ولا أحد كان يريد أن نصل إلي هذه الحالة من الأصل.. والتي تأثرت بها مصالح متبادلة بين الدولتين بغض النظر عن القيم المتأصلة في علاقات الأخوة في العروبة والأهداف المشتركة. ومن ثم فإن زيارة بوتفليقة إلي مصر.. ولقاء مبارك وبوتفليقة في نيس.. وزيارة مبارك إلي الجزائر.. تأكيد واضح علي تجاوز هذا التوتر الذي شهدته علاقات البلدين.. مصر والجزائر عقب مباراتي تصفيات كأس العالم.. وهو الأمر الذي يجب البناء عليه رسميا وشعبيا.