العرب في عصر المعرفة.. مصر (3)    منطقة المنوفية الأزهرية تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2024/2025    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في السعوديه ببداية تعاملات الخميس 12 يونيو 2025    جيش الاحتلال يتأهب تحسباً لاحتمال تصعيد عسكري مع إيران    مصر تجدد التزامها الراسخ بإنهاء الحرب في غزة    نيويورك تايمز: المحادثات النووية بين واشنطن وطهران تواجه طريقًا مسدودًا    3 شهداء في قصف الاحتلال خيمة في مواصي خان يونس    ترامب: لن نتهاون مع الفوضى وسنُعيد قوة الولايات المتحدة سريعًا    إنزاجي يعلن قائمة الهلال السعودي المشاركة في كأس العالم للأندية 2025    فيرمينو يتلقى عرضا من الدوري القطري    ننشر أسماء أوائل الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالفيوم    "عندها 15 سنة".. قرار جديد من النيابة بشأن عروس متلازمة داون بالشرقية    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    «الفشة» ليس لها أي أضرار أو تأثيرات سلبية على صحة الدماغ أو القلب    محافظ الدقهلية في زيارة مفاجئة لجمصة: رفع مستوى الخدمات استعدادًا للصيف    أحمد حمدي لاعب الزمالك يثير التكهنات: هل دخل حسابي 1700 يورو؟    نقيب المحامين يدعو مجلس النقابة العامة و النقباء الفرعيين لاجتماع السبت    خلافات أسرية.. وفاة شخص وإصابة شقيقه في مشاجرة مع صهره بالفيوم    العربيات اتعجنت، مصرع شخصين وإصابة 5 آخرين في تصادم سيارتين بجرار زراعي بالبحيرة (صور)    نائب محافظ دمياط تتابع معدلات تنفيذ مشروعات "حياة كريمة"    خاص| الدبيكي: لجنة قطاع العلوم الصحية تبدأ أولى خطواتها لإصلاح تطوير التعليم الصحي في مصر    صور| أسماء أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية في قنا    ملف يلا كورة.. طبيب الأهلي يُطمئن ريبييرو.. عودة ميسي إلى ميامي.. وظهور غير معتاد لأحمد شوبير    الزمالك يتقدم بشكوى جديدة ضد زيزو عقب الانتقال إلى الأهلي    السومة يتحدى مرموش وربيعة.. مهاجم سوريا يدعم قائمة الوداد في كأس العالم للأندية    مرتجي: تمنيت ضم زيزو منذ 3 سنوات.. وهذا ما قاله لي عن جماهير الأهلي    بقيادة محمد شوقي.. مصدر يكشف ليلا كورة الجهاز الفني الجديد ل زد    تراجع مبيعات تيسلا للشهر الخامس على التوالي    نائب محافظ مطروح يبحث آلية استقبال المخلفات الصلبة بالساحل الشمالي خلال موسم الصيف    آكسيوس: نتنياهو يطلب وساطة أمريكا للتوصل إلى اتفاق مع سوريا    واشنطن بوست: احتمال انعقاد جولة تفاوض بين واشنطن وطهران مستبعد بشكل متزايد    ظهرت رسميًا.. نتيجة الصف الثالث الابتدائي 2025 في الجيزة بالمساعد الذكي والخط الساخن (رابط)    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم الخميس.. والصغرى بالقاهرة 36    انهيار جزئى لسور عقار قديم غير مأهول بالسكان فى المنيا دون خسائر    وفاة تاجر الذهب بالبحيرة متأثرًا بإصابته على يد شخصين    ننشر أسماء أوائل الشهادتين الإبتدائية والإعدادية الأزهرية بالمنيا    حسن الرداد يكشف حقيقة سفر الفنانين لتشجيع الأهلي في كأس العالم للأندية: "تقل دم وسماجة"    "هيكون نار".. تركي آل الشيخ يشوق متابعيه لفيلم الفيل الأزرق 3    بعد تعافيه من عملية القلب، صبري عبد المنعم يوجه رسالة لجمهوره    international fashion awards" يُكرم منة فضالي بلقب "ملهمة الموضة fashion muse"    أسامة كمال ناعيًا شهيد الشهامة خالد شوقي: لم يخش الموت لإنقاذ من لا يعرفهم    أسعار اللحوم اليوم الخميس في الأسواق بعد انتهاء عيد الأضحى    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    10 قروش تراجعًا بسعر الدولار مقابل الجنيه في البنوك عقب عطلة عيد الأضحى    الطب البيطري: نجاح عملية ولادة قيصرية لقطة بالغربية -صور    استشاري يحذر من قلة النوم وتأثيره على الصحة العامة    بالأسماء.. تعرف على أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية بالمنيا 2025    روسيا.. هجوم بمسيرات أوكرانية يستهدف مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا    وزارة السياحة: تنسيق محكم وخدمات متميزة لضيوف الرحمن    محافظ المنوفية: لا تهاون فى مواجهة مخالفات البناء والتعامل بحسم مع أى تعديات    المخرج محمد حمدي ل«البوابة نيوز»: نجوم السوشيال ليسوا بدلاء للممثلين.. والموهبة هي الفيصل    هل لديك نظر حاد؟.. اعثر على حبات جوز الهند الثلاثة في 12 ثانية    الأوطان ليست حفنة من تراب.. الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة المقبلة    لمرضى السكري.. 6 مشروبات طبيعية لترطيب الجسم في الصيف دون رفع السكر    حزب «مصر القومي» يكثف استعداداته لخوض انتخابات مجلسي النواب والشيوخ    اعتماد وحدة التدريب بكلية التمريض الإسكندرية من جمعية القلب الأمريكية    محمد ثروت يدعو لابن تامر حسني بالشفاء: "يارب اشفه وفرّح قلبه"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الدستور الأصلي يوم 02 - 09 - 2014

من الطبيعى عندما تكون فى زيارة لشخص ويسألك عن مواصفات الشاى الذى سيُقدم لك أن تكون ملاحظاتك فى حدود كمية السكر ودرجة الثِّقل التى تحبها، لكن كلما كان الأمر متاحا بالنسبة إلىّ طلبت من هذا الشخص أن أقوم لأعدّ الشاى بنفسى، وإذا كان الأمر صعبا، أسهب فى وصف ما أريده: عدد ملاعق الشاى، وكمية السكر، ودرجة التقليب، وحجم الكوب «أفضّل الخمسينة»، والمساحة التى سيشغلها الشاى داخل الكوب بما لا يتجاوز الثلثين، لا أحب الكوب مملوءًا عن آخره بما يجعل تفادى شرب أول شفطتين بالأداء الصوتى الشهير «شششوففففففت» صعبا، ثم الاستفسار عن أى محسنات بديعية لدى صاحب البيت يمكن أن تضاف إلى الشاى، كورق النعناع البلدى، أو عود قرنفل، مع تأكيد -بالطبع- الرفض التام لفكرة «الشاى الفتلة»، ولا تغافلنى، فتقرر إفراغ الفتلة وتقديمه كأنه «كشرى»، فهى حركة بلدى مفقوسة، وفى النهاية يتبقى سؤال بسيط، إن كان الشاى الموجود فى مطبخ الصديق من النوع الخرز أم الناعم.
شرب الشاى خارج البيت بالنسبة إلى شخص مثلى فضيحة بلا شك، ولكن الشاى بالنسبة إلىّ ليس مشروبا عابرا لتسديد خانات، هو محطة فى يومى ما لم يكن الاستمتاع بها كاملا فلا يوجد أى داع له، كوب الشاى بالنسبة إلىَّ يصلح كل ما حوله لحظة شربه أو يفسده تماما، أو كما قال الشاعر الصافى النجفى:
منه اصطباحى وشجونى ولذّتى
ومنه شفائى من عناء مُكدّر
يغيب شعور المرء فى كؤوس الخمر
ويصحو بكأس الشاى عقل المفكر
حقق نبات الشاى نجاحا غير عادى مقارنة بمنافسيه فى مزارع العالم، بدأ نباتا غير مفهوم قيد التجربة والاختبار، ثم ارتقى درجة بعد أن صنفه الأوروبيون كدواء يتم بيعه فى أماكن بيع العقاقير، ثم أحبَّه رجل إنجليزى فأنشأ شركة اسمها «شركة الهند الشرقية»، من أهم أهدافها نقل أكبر كميات شاى ممكنة من الهند إلى إنجلترا. كان الخواجة توماس ليبتون رجل أعمال ناجحا فى مجال آخر، تصادف أن هبط سعر الشاى فوجدها فرصة لدخول المجال، جرب أفكارا كثيرة، إلى أن أصبح أول من اخترع «باكو الشاى» بأن قام بتغليفه، ثم أصبح الشاى وتوماس ليبتون شريكين فى رحلة نجاح عظيمة «زى وردة وبليغ حمدى»، وغزا العالم لدرجة أنه قبل أن تقام أول كأس عالم رسمية عام 1930 كانت أول تجربة كأس عالم عام 1911 «تقريبا» تحت اسم كأس السير توماس ليبتون.
لم تَطُل حياة ليبتون حتى يرى لمستنا كمصريين على النبات الذى غزا العالم من خلاله، فاته «شاى الصعايدة»، حيث يمتزج الشاى مع السكر فى إناء واحد يغلى لأطول فترة ممكنة فوق النار، حتى يعطيك طعم طلقات الجرينوف. فاته تحوُّل الشاى من مشروب إلى دلالة شعبية على الرشوة. فاته أن شايًا شهيرا فى الثمانينيات فى مصر كان ناجحا بدرجة كبيرة، إلى أن تم إثبات احتوائه على بُرادة الحديد فتوقف إنتاجه فترة، وعندما عاد لم يكن طعمه مثل الأيام الخوالى، فتخلَّى عنه الناس واعتبروا نزع برادة الحديد التى ضبطت مزاجهم غشًّا تجاريا!فاتته اللحظة التى نصَّب المصريون فيها الشاى وزيرا لداخلية المعدة، لقدرته على «الحبس» بعد الطعام! أصبح لكل طائفة «شايها»، من البوابين بلزوجتهم، إلى الصنايعية كحالة من الراحة المقترنة بالتأمل الذهنى فى الشغلانة، إلى المدمنين كضرورة حتمية لتسييح البرشامتين، مرورا بالتصنيفات الحياتية من شاى العصارى، إلى شاى المذاكرة، إلى شاى عزومة المراكبية «تعااشّب شاى»، إلى شاى العلاج من الصداع والبرد وتعكر الدم. فاته استخدام الملعقة المعدنية كأداة عزف تعلن أن الشاى على بُعد خطوات. وفاتته البيوت التى تجفف «التفل» لتعيد استخدامه، والبيوت التى يعتبر شراء طقم الشاى بالنسبة إليها خطوة جادة على طريق إتمام الزواج. لحق ليبتون بمشهد احترام العالم للشاى، لكن فاته مشهد تقديس المصريين له لدرجة أن الحكومة أقرته كمادة تموينية أساسية تستحق الدعم، لنصبح أول دولة فى العالم تقنن وتدعم مزاج مواطنيها.
فى منتصف الثمانينيات كانت هناك بيوت كثيرة ومحلات تضع بوسترات ونتائج حائط لشيخ عجوز مبتسم، يصب الشاى فى كوب زجاجى صغير اسمه «الشيخ الشرّيب»، وكان اسم الشاى أيضا، فسَّرت لى جدتى اقتران الشاى ب«شيخ» بأن هذا النوع من الشاى كله «نفحات»، مَرَّ طعمه بوجدان الواحد فى أيام الطفولة، ثم اختفى من الأسواق، وإلى الآن لم يحدث ما يشبهه، ثم تآلف القلب أيام المذاكرة مع شاى التموين «شمتو» ثم اختفى، بعدها ارتاح ضميرى لشاى «البراد الأزرق» ثم اختفى أيضا، قصص حب ما زالت ماثلة فى الوجدان، وهى التى أنبتت الخيال نباتا حسنا. قصص لا يعوضها الارتباط بالخواجة «ليبتون»، ولا حتى الزواج من «العروسة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.