قضت المحكمة الإدارية العليا بحل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وهو حكم بات ونهائى، حيثيات الحل تتمثل فى مخالفة دستور البلاد الجديد الذى يمنع قيام الأحزاب على أساس دينى، وهو سبب كاف لحل الحزب وغيره من الأحزاب التى تقوم على أساس دينى، كما تضمنت حيثيات الحكم مخالفات أخرى، منها أن الحزب هو فرع لتنظيم دولى، وأن الحزب أنشأ جناحا مسلحة، وبهذا الحكم النهائى يسدل الستار على تجربة أكبر حزب دينى فى مصر تشكل بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير واستند إلى التعديلات الدستورية التى استفتى عليها فى 19 مارس 2011، والتى أجراها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بهدف السماح بقيام أحزاب دينية، فهذا الحزب الذى فاز بنحو 42٪ من مقاعد مجلس الشعب فى انتخابات 2011 مارس سياسة فرض الأمر الواقع ومخالفة كل الأسس المستقرة للعمل السياسى. جاء حل الحزب بعد طول تردد سياسى تجاه الجماعة الأم من قبل حكومة الببلاوى التى تعاملت بأياد مرتعشة مع الجماعة، عنفها وإرهابها، إلى أن جاءت حكومة المهندس إبراهيم محلب فسارت فى طريق ملاحقة الجماعة وتطبيق القانون عليها، فكان الحل مصيرها ومصادرة أموالها وممتلكاتها التى سوف تؤول إلى الدولة بموجب القانون. حل حزب الحرية والعدالة لمخالفته قواعد تأسيس الأحزاب السياسية وفق دستور البلاد الجديد خطوة مهمة للغاية على طريق إلغاء ظاهرة الأحزاب الدينية فى مصر، والتى كادت تتسبب فى تمزيق البلاد، فمصر من البلدان التى لا تصلح فيها تجربة الأحزاب على أساس دينى، لأن المجتمع المصرى مجتمع متنوع ومتعدد دينيا وطائفيا، وأيضا ظاهرة التدين العام فى المجتمع، إضافة إلى ارتفاع معدلات الأمية على النحو الذى يسهل جذب الأصوات لاعتبارات دينية مباشرة. حل حزب الحرية والعدالة هو الخطوة الأولى على طريق حل كل الأحزاب المشابهة فى مصر، فلدينا عدد آخر من الأحزاب السياسية التى ظهرت أيضا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير واستفادت من تعديلات 19 مارس، وهى أحزاب دينية وتقوم على أساس دينى، منها حزب النور الذى احتل المرتبة الثانية فى البرلمان السابق، وهو حزب سلفى ينهض على أساس دينى، وهناك أحزاب مثل «الأصالة، البناء والتنمية والحضارة» وغيرها، والتى بات مطلوبا تطبيق نفس الحكم عليها، فإما أن تعلن هذه الأحزاب حل نفسها لمخالفتها دستور البلاد الذى يحظر قيام الأحزاب على أساس دينى، وتحاول إعادة التأسيس بالتوافق مع دستور البلاد، وإما أن يتم حلها بحكم قضائى عام، وفى تقديرى أن الظرف مناسب تماما لتطبيق مواد دستور البلاد وحل باقى الأحزاب الدينية القائمة من أجل إرساء أساس إقامة حياة سياسية وحزبية نزيهة تقوم على فصل الدين عن السياسة حفاظا على قدسية الدين ومكانته، وحماية للسياسة من تلاعب من يوظفون الدين فى السياسة. لا بد من تحرك عاجل وسريع لتطبيق مواد الدستور وحل كل الأحزاب الدينية القائمة من أجل بدء تجربة ديمقراطية حقيقية، فتجارب الشعوب فى كل أنحاء العالم تقول بأنه لا ديمقراطية فى ظل خلط الدين بالسياسة، وإن أوروبا دفعت ثمنا باهظا بسبب هذه العلاقة بين الدين والسياسة، ولم تعرف طريق التطور والديمقراطية إلا عندما قامت بالفصل بين الدين والسياسة.