«اكتشاف حفرية نوع نادر من الأسماك فى بريطانيا عمرها 375 مليون سنة»، هكذا جاء الخبر، وهكذا تنحت أمام الرقم العبثى الغريب الذى سمعته، 375 مليون سنة، لم أستطع أن أمنع نفسى من التفكير فى شكل الأجواء التى كانت تعيش فيها تلك السمكة الغريبة التى صمدت حفريتها أمام الزمن لمدة 375 مليون سنة، سرحت فى شكل الحياة وقتها، شكل الأنهار والصحارى والجبال، وتلك الكائنات الكثيرة التى عاشت وماتت وانقرضت مع نفسها، بدون أن يعرف أحد شيئا عنها، أو تعرف هى شيئا عنا، فى وقت لم تكن حواء فيه قد استغلت أنوثتها بعد لتهبط بآدم من جنة السماء الجميلة إلى جهنم الأرض القاحلة. كوكب الأرض بدون بشر، بدون تاريخ، بدون هدف محدد، مجرد كائنات تكونت من ترسبات الأتربة والطين والماء، كائنات وحيدة الخلية، جاءت وعاشت وذهبت بدون أن تكون هناك فرق علمية تدرس حالتها وتدون تاريخها وتحتفظ بحفرياتها وبقايا عظامها فى المتاحف العلمية، كائنات جاءت وذهبت بدون أن تدرى، أو ندرى ليه! هل نحن كبشر نهاية تلك الحلقة من المخلوقات؟! هل سيكتشف كائن غريب متطور عنَّا بعد 100 مليون سنة مثلا حفرية كائن منقرض كان يعمر كوكب الأرض منذ 100 مليون سنة فاتوا، كائن كانوا يطلقون عليه «بنى آدم»، أخذ يدمر فى كوكب الأرض ويستهلك موارده حتى نفدت وأصابت الكوكب موجة عاتية من المجاعة انتهت بانقراض تلك الكائنات، هل تفيد بعض الآثار التى تركتها تلك الكائنات بأنهم قد أخذوا يقسمون الكوكب بين بعضهم البعض، وأخذوا يرسمون خيوطا وحدودا فاصلة بين كل مجموعة منهم أسموها دولا وبلادا ومستعمرات، ثم صنعوا من كل مجموعة دول تكتلات أخرى أسموها قارات، وقد بلغت بهم الحضارة مبلغا اعتقدوا معه أنهم قد هرشوا الليلة وفهموا الفولة، حتى أنهم قاموا بتقسيمة أخرى تنص على أن البنى آدمين على ظهر هذا الكوكب 3 أنواع، عالم أول وتانى وتالت! المشكلة أننا ننظر للعالم من خلال 5 أوبشانات «أو حواس» فقط، فمن أدراكم أنه ليست هناك كائنات أخرى تمتلك أكثر من ال 5 حواس بتوعنا؟! كائنات عندها مثلا 15 حاسة، من المؤكد أنهم سوف يصلون بالحضارة إلى أعماق لم ولن نستطع نحن أن نسبر غورها، من أدراكم. دعونا نعود إلى السمكة التى كانت تعيش على ظهر هذا الكوكب منذ 375 مليون سنة، دعونا نعود إلى اللحظة التى لفظت خياشيمها فيها أنفاسها الأخيرة، دعونا نعود إلى تفاصيل ما حدث على ظهر هذا الكوكب خلال ال 375 مليون سنة المنصرمة، كيف استقبلت أمنا «حواء» آلام وضع أول طفل فى تاريخ البشرية، وهل كانت تعلم وقتها أن أول طفل فى تاريخ البشرية يتكون بداخل بطنها؟! ما هى اللحظة التى احتضر فيها آخر شخص على ظهر هذا الكوكب يعرف بداية الحكاية؟! فى أى جزء منا يسكن هذا الماضى؟! ما هى العناصر الأساسية التى يخرج ال Software بتاعنا كبنى آدمين محملا بها؟! ما هو الحد الأقصى للأحداث والمشاعر التى يمكن أن نحتفظ بها على «بطاقة ذاكرة الروح» بتاعتنا، وما هو الحد الذى يجب عنده «تدليت» بعض تلك المحتويات بعد امتلاء البطاقة؟! ما هو ذلك الجزء السرى المشترك من البطاقة والذى يحمل بداخله تاريخ الجنس البشرى وقصته، من أول العصر الحجرى وحتى الآن؟! هل تطور الكوكب؟! هل أصبح أفضل؟! هل نحن الحلقة الأخيرة فى سلسلة كائناته؟! وهل سينقرض بانقراضنا، أما أننا كبشر وبنى آدمين لسنا أكثر من مجرد محطة فى طريق طويل، طريق طويل جدا، أطول بكثير ما نتصور! يقول «هنرى ميللر».. «لقد أمكن فى الماضى وجود شعوب أرقى منا، ونحن نعتقد دائما أننا الأفضل، ولكن ليست هذه هى الحال، لا، بل أسوأ من ذلك بكثير، نحن للأسف فى أسفل السلم».