من كارثة إلى أخرى ينتقل العراق الشقيق منذ الغزو الأمريكى الذى حرص منذ اللحظة الأولى على تفكيك كل مؤسسات الدولة، وتسريح الجيش وترك البلاد للفوضى والصراع الطائفى، الذى انتهى بوقوع العراق تحت النفوذ الإيرانى، وتحويله -فى الوقت نفسه- إلى ساحة مباحة لفرق الإرهاب، تتصدرها الآن جماعة «داعش» التى سيطرت قبل أيام على «الموصل» ثانى أكبر المدن العراقية، والتى أصبحت تهدد بغداد نفسها، بعد مذابح مروعة ونزوح جماعى للعراقيين، الذين لا ينتظرون إلا الأسوأ بعد كل ما عانوه، وما يلاقونه الآن من ويلات. العراق كان مخططا له منذ البداية أن يكون النموذج الذى يجرى تعميمه فى العالم العربى، ونظرة إلى المشهد الآن ترينا أن ليبيا قد شهدت السيناريو نفسه، وأن سوريا يجرى تدميرها تدميرا كاملا، وأن جماعات الإرهاب تهدد معظم البلاد العربية، وأن مصر كانت فى قلب هذا السيناريو الذى كان يعتبر سقوطها هو «الجائزة الكبرى» بالنسبة له. فى مذكرات هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، المنشورة أخيرا، تروى عن لقاء لها مع المعزول «مرسى»، سألته فيه عن خططه لمنع تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المتطرفة من زعزعة أمن مصر، وتقول كلينتون إنه أجاب: ولماذا يفعلون ذلك؟ ولدينا الآن حكومة إسلامية!! وتقول كلينتون: إن ذلك كان يكشف عن سذاجة أو عن درجة صادمة من الشر.. ولكنها لا تشير إلى أن المعزول سار فى الطريق المخطط له. أسبغ حمايته على جماعات الإرهاب، وترك لهم سيناء ليحولوها إلى مركز انطلاق لهم، ومنع أجهزة الأمن من ملاحقة القتلة، ومحاصرة نشاطهم، وعندما اختطفوا جنودا ليتخذوهم رهائن، كان مطلبه أن نحافظ على الخاطفين قبل المخطوفين. وكان طبيعيا أن ينتهى ذلك بالمشهد الصادم للرئيس المعزول وهو محاط بجنرالات الإرهاب وقتلة المصريين، من الظواهرى إلى الزمر إلى عبد الماجد إلى زعماء جماعته الإرهابية.. هذا المشهد الذى وقع فى استاد القاهرة كان حدا فاصلا، وضع مصر كلها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الذهاب إلى مصير الصومال وأفغانستان وغيرهما من الدول المنكوبة، وإما إسقاط هذا النظام الفاشى الذى يتاجر بالدين ويستعد للهيمنة الكاملة على مصر بالإرهاب، الذى أشرف الرئيس المعزول وجماعته على رعايته، لكى يكون سلاحا ضد الشعب والدولة. وقد اختارت مصر طريقها، وبرعاية الله وإرادة الشعب وانحياز الجيش الوطنى أسقطت مصر فاشية الإخوان فى 30 يونيو، وشنت حربها المقدسة على إرهاب لا يعرف معنًى للوطن، ولا يفهم حقيقة الدين الحنيف، ولا يعترف إلا بلغة استباحة الدم الحرام، وارتكاب المجازر وتشويه صورة أعظم الرسالات السماوية بهذه الهمجية التى تبلغ الآن مداها فى ما حولنا.. من العراق إلى ليبيا إلى سوريا إلى اليمن. وإذا كان الله قد حمى مصر من هذا المصير، فإن علينا أن نفتح العيون جيدا، وأن نراقب بكل دقة ما يجرى حولنا، وأن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهة أى تحديات جديدة.. فنحن أمام موجة عاتية من الإرهاب تجتاح المنطقة.. ونحن أمام قوى كبرى دولية وإقليمية تبحث عن مصالحها وتحاول إعادة رسم خريطة المنطقة فى غياب العرب وعلى حسابهم. ولقد كان لافتا ما أشار إليه الرئيس السيسى فى خطابه الشامل عند توليه مهام منصبه عن وحدة الأمن القومى من المحيط إلى الخليج العربى.. وأتوقع أن تشهد الأيام القادمة خطوات نحو تعزيز هذا التضامن فى مواجهة الإرهاب والأخطار الخارجية، لكن سيبقى الأساس هو تعزيز الجبهة الداخلية واستئصال ما تبقى من خلايا الإرهاب من جذورها، وأن يدرك الجميع حجم المخاطر التى تواجهنا على مختلف الجبهات، وأن سلاحنا الأهم فى مواجهتها هو الحفاظ على وحدة قوى الثورة، والتمسك بالمثال النادر الذى نقدمه فى العلاقة بين الشعب وجيشه الوطنى.. هذه العلاقة الفريدة التى أنقذت مصر -على مر التاريخ- من كوارث كثيرة، والتى استعادت لنا الوطن فى 30 يونيو، بعد أن كاد يسقط فى يد تحالف الشر بين مرسى وباقى جماعات الإرهاب، التى لا تختلف عن «داعش» إلا فى التفاصيل والأسماء!! فلنحتفظ فى الذاكرة بمشهد المعزول مرسى وسط جنرالات الإرهاب يهددون الشعب بالقتل، لندرك قيمة ما فعلناه فى 30 يونيو، حين أسقطنا الفاشية وأنقذنا الوطن.. ولننظر فى ما يدور حولنا فى المنطقة، لنعرف أن علينا أن نوحد الصفوف لنحافظ على ما حققناه فى 30 يونيو، الذى ما كان يمكن أن يتحقق لولا عناية الله وإرادة الشعب وانحياز الجيش الوطنى إلى شعبه.. وبعد هذا فقط فلنختلف كما نشاء!!