أصبحت الرغبة الأولي والسامية لأغلب المصريين أن يعيشوا في حالهم، كافين خيرهم شرهم، واضعين كل همهم في البحث عن «المام» أي بالبلدي: لقمة العيش، ورغم أن سقف طوحات أغلب المصريين أصبح عالياً ومتجاوزاً لما تسمح به حكومتنا البائسة التي تدير نظامها بقانون طوارئ وحشي يستبيح فيه المواطنين، ولأنها ببساطة حكومة لا تهتم ولا يعنيها كل الطموحات التي يتحدث عنها المصريون مادامت تتعلق «بالعيشة وبالبقاء علي قيد الحياة»، لأن أولوياتها ليست «عيشة المواطن» سواء كان في حاله أو مغلوباً علي حاله أو مولع النار والجاز في حاله، ولأن أجندة الحكومة المصرية وأولوياتها هي « الطريقة التي سيموت بها المصريون، فهي تتفنن كل يوم في الطريقة التي ستتخلص منها من هؤلاء المواطنين. قد تجد أو تستشعر أن في هذه الجمل رائحة سخرية ما، لكنني أقسم لك بالله العظيم أنني أتحدث بمنتهي الجدية والمرارة معاً، لدرجة أنني فكرت أن أكتب اعتذاراً عن عدم الكتابة هذا الأسبوع وأرفقه بجمل قصيرة لرئيس التحرير قائلة فيها: ( أعتذر عن عدم الكتابة أولاً: حداداً علي المواطن الشاب خالد سعيد الذي سُحِل وقُتِل عمداً بمنتهي الوحشية من مخبري الداخلية «مؤسسة الحفاظ علي الأمن والأمان للمواطن المصري»، حداداً علي مواطن مات مدهوساً تحت أقدام ممثلي السلطة التنفيذية فيك يا مصر ،أعتذر حداداً علي هذا الشاب الذي لم يتم عامه الثلاثين الذي ضربه رجال الأمن، وما هم والله برجال ولكنهم «مسخ» لكائنات مشوهة لا علاقة لها بالإنسانية، أعتذر عن عدم الكتابة غضباً وألماً وحسرة علي الطريقة التي يموت بها المصريون واستنكاراً لأن مازال هناك من يتشدق باسم الإصلاح والديمقراطية والوطنية وكرامة المصريين...هؤلاء الذين يبخون رياءهم وغباءهم علينا كل يوم في تصريحاتهم ولا ينالنا سوي الكذب والزيف الحقير الذي نعيشه. تقبل اعتذاري، ولا تتقبل عائلة خالد سعيد عزائي!! لكنني قررت الكتابة وعدم الاعتذار..ليس لأن لدي شئاً عظيماً يستحق أن يقال.. أبداً. لكنني فقط قررت أن أكتب لأصرخ في وجه كل من تسنح له فرصة القراءة لأقول له: لا أنت ولا أنا ولا أولادك ولا أحد من عائلتك ولا أصدقائك.. بعيدون عن تلك المجزرة التي تعرض لها المواطن الشاب ابن الإسكندرية خالد سعيد.... كلنا معرضون أن نكون في أي لحظة وفي أي مكان فيك يا مصر - في ظل هذا النظام اللاعادل، في ظل قانون طوارئ يمنح لنفسه ولخادمي هذا النظام الفاسد سلطة سحل وتعذيب وسحق المواطنين ضرباً حتي الموت، وفي مشهد علني فاضح موثق، فما هذا إلا رسالة تذكيرية واضحة من النظام إليك أيها المواطن المصري العزيز:قد تكون يوماً ما... «خالد سعيد» أو الضحية خالد سعيد.. خالد سعيد... ذلك الاسم الذي أؤكد لك وأراهن أن هناك الكثيرين... ربما الملايين فيك يا مصر لا يعرفون عنه شيئاً ولا يعلمون أي شيء عن قصته ولا الطريقة التي قتل بها.. خالد الذي وصفته وكالات الأنباء الدولية بأنه ضحية روتينية معتادة في النظام المصري ،وقد وصفه الحقوقيون والنشطاء بأنه شهيد قانون الطوارئ. ووصفه شهود العيان بأنه ضحية الظلم والفساد والقهر، أما الداخلية راعية الأمن ومؤسسة تنفيذ العدالة «الوهمية» التزمت الخرس، وماذا بعد؟!! أخشي أن يكون قد أتي عليك يا مصر يوم يرفع فيه المصريون شعار: «عاوز تموت في حالك... اعمل نفسك مش واخد بالك». تذكر أنني كتبت هذا المقال فحسب لأذكرك وأذكر نفسي من قبلك: أن ماحدث لخالد سعيد وما يحدث لسنا بمبتعدين عنه...فالمشهد الدموي الذي انتهت فيه حياة خالد تحت أقدام قتلة خادمي الداخلية مشهد جماعي يخصنا جميعاً... وتذكر أن مشهد النهاية لم يأت بعد، هل سنكتبه أم سيكتب علينا تمثيله فحسب؟ هل رأيت نفسك في الكادر؟