حفل ثاني أيام مهرجان تاورمينا السينمائي في دورته السادسة والخمسين بالعديد من الأنشطة التي تتنافس بين بعضها علي الأهمية، وبدأ اليوم بعرض الفيلم الإسباني 18comidas والذي حاز علي إعجاب الحضور، وبعده مباشرة تحولت قاعة الكونجرسي إلي خلية نحل، فالجميع يستعدون لتجهيزها استعدادًا لاستقبال أحد أهم وأشهر نجوم هوليوود.. إنه النجم الإيطالي الأصل روبرت دي نيرو، والذي تنحدر عائلته من صقلية في الجنوب الإيطالي، وبدأ المؤتمر الصحفي الذي عقد للنجم الحاصل علي جائزتي أوسكار والذي يكرمه المهرجان هذا العام، وسط ما يقرب من 1000 شخص ما بين صحفيين وإعلاميين وجمهور من معجبي النجم والراغبين في مشاهدته، أدارت المؤتمر الذي استغرق ساعة كاملة الناقدة الأمريكية ديبورا يونج، والتي بدأت في توجيه الأسئلة للنجم العالمي بالإنجليزية، وهنا قاطعها دي نيرو، مشددًا علي اعتذاره لعدم إجادته الإيطالية، مضيفا أنه يعتز بكونه إيطالي الأصل، لكنه لسوء الحظ لم يولد في إيطاليا، وإنه من مواليد نيويورك لأب من أصل إيطالي هاجر إلي أمريكا وأم من أصل ألماني، واعترف دي نيرو بأن لغته الإيطالية ضعيفة جدا، واكتسبها من تعلمه النطق بالإيطالية لمدة أربعة أشهر بلكنة أهل صقلية لتجسيد دور فيتو كارليوني في الجزء الثاني من فيلم «الأب الروحي»، وأضاف ضاحكا أن هذه الزيارة تعد الأولي له في جزيرة صقلية بعد ستة وثلاثين عاما من آخر زيارة له، والتي قام خلالها بتصوير الجزء الثاني من الأب الروحي عام 1974 . بدأت بعدها ديبورا يونج في توجيه الأسئلة حول رغبته في إخراج مزيد من الأفلام في المستقبل، فقال: إنه أخرج فيلمين أو ثلاثة في حياته بما فيها فيلمه «الراعي الصالح» The Good Shepherd عام 2006، وهو فيلم عن عمليات التجسس أيام الحرب الباردة بعد الحرب العالمية، وينتهي الفيلم عام 1989 مع سقوط حائط برلين والمضي قدمًا نحو الحاضر. وحول مشاريع العمل القادمة، تحدث دي نيرو عن مشروع جديد مع المخرج مارتن سكورسيزي الذي أخرج له عددًا من الأفلام، منها «سائق التاكسي» Taxi Driver و«الثور الهائج» Raging Bull و«رفقة طيبة» Goodfellas ، مشيرا إلي أن الفيلم المرتقب ليس فيلم «سيناترا» كما يتردد، وردا علي سؤال حول ما إذا كان سيجسد في الفيلم المرتقب شخصية دين مارتن، قال دي نيرو: نعم.. سمعت هذا، والحقيقة أنه كان من المفترض أن يحدث هذا، ولكن بدلا من ذلك سيكون تعاوني مع سكورسيزي في فيلم مأخوذ عن قصة «سمعت أنك تطلي المنازل».. I Heard You Paint Houses للكاتب «تشارلز برانديت». وحول نوعية السينما التي يفضلها قال دي نيرو: أفضل السينما الكلاسيكية، فالسينما التي أحبها تلك التي تحكي قصصًا حقيقية وتتناول شخصيات من صميم الواقع، وأضاف قائلا: أشاهد أحيانا أفلامي القديمة، وأقول لنفسي: «كان يجب أن أنعزل لشهر لأجيد صنع هذه الشخصيات.. إنني أقول لنفسي هذا ولا أفعله أبدا». حملت نهاية المؤتمر الصحفي نهاية درامية مؤثرة، حيث تحول المؤتمر إلي مسرحية مرتجلة، بمقاطعات الحضور والجمهور وأسئلة الصحفيين، وفي أثناء ذلك قام من بين الجمهور شاب صقليّ - كما عرف نفسه- في بداية العشرينيات من عمره، وسأل بصوت متقطع ومتهدج وبكلمات متلعثمة، موجها سؤاله للنجم روبرت دي نيرو: هل يمكنه أن يقدم فيلما عن ابني عمه اللذين قتلا علي يد «المافيا الصقلية»، فرد النجم العالمي بتأثر شديد وبإيماءة موافقة برأسه، ولم يكتف الشاب الصقليّ بهذه الإيماءة، حيث توجه إلي أول صف أمام منصة روبرت دي نيرو مباشرة حاملا صورتين قديمتين لبعض أعمامه وأبناء أعمامه الذين قتلوا علي يد رجال المافيا، وأعطاهما للنجم في يديه، فارتبك دي نيرو واستلم من الشاب الصورتين وهو في قمة ذهوله، ونظر إليهما بتمعن، وعقد لسانه ولم يتمكن من الرد علي الشاب، ثم سقطت دموع النجم العالمي الذي برع في تأدية وتجسيد شخصيات أشهر أعضاء عصابات المافيا في أفلامه، وضجت القاعة بالتصفيق، وهنا غادر النجم العالمي الحاصل علي الأوسكار القاعة في حراسة رجال أمن المهرجان. وبعد هذا المؤتمر، تم في نفس القاعة المؤتمر الصحفي المخصص لمصمم الأزياء الشهير «فالنتينو» والذي يكرمه مهرجان تاورمينا في دورته السادسة والخمسين لإنجازاته وإبداعه في مجال تصميم الأزياء، وقدر عرض خلال اليوم فيلم «فالنتينو: الامبراطور الأخير»Valentino, The Last Emper or الذي يتناول سيرته الشخصية والمهنية، كما أهداه المهرجان جائزة مدينة تاورمينا. وأخيرًا اختتمت أنشطة اليوم الثاني للمهرجان بعرض الفيلم المصري «رسائل البحر»، والمعروض ضمن المسابقة الرسمية لقسم أفلام البحر المتوسط ويتنافس علي جوائزها مع ستة أفلام أخري، وسط حضور متوسط من الجمهور الذي أعجب بالفيلم وبمستواه الفني المرتفع، وقد التف الكثير من الجمهور الذي حضر عرض الفيلم من الجنسيات المختلفة حول أبطال الفيلم وعلي رأسهم بسمة، وطلبوا التقاط الصور معها. وأعقبت عرض الفيلم ندوة حضرها المخرج داود عبد السيد وبطلا الفيلم آسر ياسين وبسمة، وأدارته رئيس المهرجان الناقدة ديبورا يونج، وفي بداية الندوة فضل المخرج داود عبد السيد التحدث بالعربية علي أن يترجم آسر ياسين كلماته إلي الإنجليزية، وبدأت الندوة بسؤال حول الرسالة التي رغب الفيلم في إيصالها، وكان رد داود أن الفيلم به عدد لا نهائي من الرسائل، ولكن الرسالة الأهم هي حياة يحيي نفسه، وحياة كل شخصية في الفيلم، فالفيلم رسالته مفتوحة وغير محددة، فيها التسامح والضعف الإنساني، والرغبة في تحديد المصير، لكني أري أن «الماسيج في الفيلم هي اللا ماسيج». وردًا علي سؤال حول اختياره لمدينة الإسكندرية بشخصيتها المميزة لتكون مسرح أحداث الفيلم، قال عبد السيد: مدينة الإسكندرية كانت في الماضي تتميز بشخصية واضحة. أما الآن فقد ضاعت ملامحها، ولم تعد المدينة المفتوحة متعددة الكوزموبوليتانية متعدد الجنسيات والثقافات، فقد أصبحت منغلقة، وأصبحت أكثر عنفا، وليس شرطًا أن يكون هذا العنف إرهابًا وقتلاً، فالإرهاب الذي نقلته كان في الصورة، وهو ما حاولت إظهاره في الفيلم، من خلال الشخصيات التي تعيش في ظل هذه الظروف، فالفيلم يظهر الصدام، كما أنه يرفض العنف، ولذا فإن الطموح الذي نرنو إليه هو أن يتغير المجتمع ويعتاد علي قبول الآخر علي اختلافه. جدير بالذكر أن الناقد الكبير سمير فريد توجه أثناء الندوة إلي المنصة بشكل مفاجيء، وطلب من آسر ياسين الميكرفون أثناء ترجمته كلمات المخرج داود عبد السيد، وداعب الحضور بقوله إنه رغم عضويته للجنة التحكيم، إلا أنه سيقوم بترجمة كلمات المخرج داود عبد السيد، بعد أن داعب آسر ياسين بمرح لكونه يختزل بعض الشيء من كلمات عبد السيد في ترجمته، وتولي هو أمر ترجمة كلمات داود عبد السيد إلي الإنجليزية.