يبحث النظام عن معارضة مختارة لم يعد الإخوان المسلمون علي هوي مرحلته القادمة. انتهت مشاريع أمريكا وأوروبا حول «دمج الحركات الإسلامية» في الحياة السياسية. وانزعج الأمريكان بما يكفي من الجماعة وأدائها المتوتر في العلن بعد سنوات من العمل السري. انتهي دور الإخوان كشريك، وبقي كفزاعة سياسية. ورغم أن النظام قرر استعادة الأرض التي تركها للإخوان بالقوة، وبجميع الوسائل المشروعة والممنوعة، فإن هناك جناحا علي الأغلب يريد أن يحدث هذا الاكتساح، ولكن مع الحفاظ علي الوجه الديمقراطي. وهنا تبدو الفكرة مغرية تماما: صناعة حزب يبدو كبيرًا.. أو يبدو في صورة منافس قوي. أولاً: هذه الفكرة تؤكد أن النظام مازال هو اليد الفاعلة الوحيدة في الحياة السياسية، وهذه عقيدة أساسية في حكام مصر منذ ثورة يوليو، الجنرالات وخلفاء الجنرالات يعتبرون أن كرسي الحكم من حقهم، وبدونهم ستسقط الدولة وتتفكك، إيمان راسخ يجعلهم يتصورون أن استمرارهم في الحكم حق مطلق، ولصالح البلد كله. هذه النظرة غالبا تبرر الاستبداد، وتمنحه بريقا أخلاقيًا جذابًا، فالديكتاتور يضحي من أجل البلد، وبعد قليل تتصاعد هذه المشاعر حتي يصبح هو البلد والبلد تجليًّا من تجلياته. والصحافة حتي الآن مازالت لا تري عيبا في أن تقول «مصر مبارك» بعد سنوات من مصر السادات «ومصر عبدالناصر».. الديكتاتور هنا هو صاحب البلد ومالكه ويديره كما يريد. مازالت السياسة هي ما يسمح به الديكتاتور. وعندما أراد عبدالناصر توحيد الشعب كله في تنظيم سياسي واحد علي الموديل السوفيتي، أتي السادات ليفتح الباب أمام تعددية وقال لمساعديه: اعملوا منابر.. وبعدين قال مرة أخري بعد وحي أمريكي: «خلوها أحزاب». هكذا ساعد تصميم الدولة علي مقاس حكامها، في أن يختاروا المعارضة علي هواهم، وليس بعيدا أن السادات حين أراد إنهاء الاشتراكية تماما رحل مع منتخبه السياسي إلي حزب آخر وأرسل بعض الاحتياطي إلي حزب العمل ليصبح حزبا كبيرا للمعارضة. مبارك يختار معارضيه أيضا، ويحرك الحياة السياسية بنفس المنطق: أنا منقذ مصر.. ولن أتركها تضيع. وعندما لاحت أحلام جمال مبارك في السلطة، قدمها مستشارو أبيه علي أنها قفزة ديمقراطية جديدة، ينشئ فيها الابن حزبا ( اسمه المستقبل) ليكون الحزب المنافس للحزب الوطني علي طريقة الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا. فشلت الخطة، واختار حسني مبارك سيناريو دمج أحلام الابن في الحزب القديم.. وأصبح جمال وصحبته عبئا علي تركيبة لم تمثل يومًا ما حزبا سياسيا بالمعني المتعارف عليه، لكنه منتخب منتفعين ووسطاء لتحقيق المصالح. رغبات مجموعة جمال حاولت أن تمنح شكلا حديديا لكائن هلامي، وهذا ما يفسر المعارك بين مرشحي الحزب، لأنها صراع علي موقع الوساطة، وهي انفجارات تنتهي بنهاية الانتخابات، ويعود المرشح بعد نجاحه إلي الحزب، البوابة الوحيدة لتحقيق المصالح. والآن تظهر الحاجة إلي صناعة حزب كبير. أولاً: لاستيعاب نزعات التغيير المتصاعدة.. وللسيطرة علي الكورال السياسي بإيقاع جديد. وهي رغبة يبدو أنها تسير باتجاه حزب الوفد، الأكثر استقرارا، وصاحب التاريخ السياسي الجذاب لشخصيات كبيرة تريد المشاركة السياسية، بعيدا عن شروط أحمد عز المسيطر علي المفاتيح. السماح بدخول الوفد دائرة المعارضة المختارة، هو إشارة إلي فكرة إمكانية تحويله إلي حزب كبير، ولكن بمقاييس غير أمريكية، أي يبقي في موقع المشاغبة البرلمانية. هذه تصورات النظام عن الشريك. لكن هذه الشراكة يمكن أن تفلت من قبضة النظام إذا استقطب «الوفد» شخصيات لها وزن اقتصادي، بما يعني أنها ستستقطب مجموعات من رجال أعمال يسعون لكسر سطوة الحزب الوطني. هذا الانفلات ربما يكون خطوة مهمة في تطوير النظام السياسي. ربما.