كتبت منذ أشهر متوقعاً أن النظام يبحث عن شريك جديد بدل للإخوان المسلمين في المرحلة المقبلة. لم يكن البرادعي بالطبع هو الشريك. فهو عامل فوار في الحياة السياسية ، وأقرب إلي الداعية السياسي منه إلي السياسي. لكن ما ذكرني بما كتبت بعد فوز الدكتور السيد البدوي برئاسة الوفد...وسألت : هل هذه مرحلة جديدة أصبح فيها الوفد جاهزاً لدور الشريك؟ يومها حكيت عندما قال لي أحد خبراء الكواليس السياسية..«لما أحب أكلم شعب مصر أكلم مين؟». كان يتقمّص دور المسئول الأمريكي، الذي سأل السؤال منذ سنوات لعدد من الأسماء الفاعلة في المجتمع المدني. كان هذا قبل رحيل جورج بوش بفترة. والسؤال يعبّر عن قلق من يوم الغياب المفاجئ للرئيس حسني مبارك . يومها لم تخرج إجابة كاملة مقنعة. الإجابات مختصرة. حماسية. جاهزة. وساذجة أحياناً. تحدّث ضيوف الأمريكي عن بديل متوقع «الجيش» وآخر منطقي «التسلسل الدستوري» ومراهق «القضاة». كانت يومها «كفاية» في بداية أفولها الطويل. لم يذكرها أحد. لكن هناك من لم يحرم الأمريكي نبرة حماسية اختارت «تحالف القوي الوطنية» لترشّحه بديلاً يحرك العواطف الشعبية النائمة في يأس غامق. بوش كان مشغولاً بالبحث عن بديل. واعتمد أسلوب الضغط العنيف علي النظام، وجرّب تدعيم بعض «البدائل» بشكل سافر أحياناً. الضغط تولّد عنه غضب وانفعال وعلاقات قلقة بين القاهرة وواشنطن. وتوترات فتحت المجال قليلاً، وأجبرت النظام علي فك قبضته إلي حد يسمح بظهور صحف مستقلة وحركات احتجاج، ويسمح بنقد وشتيمة، سمعها الرئيس بنفسه من نافذة حجرة مكتبه في قصر العروبة. مرحلة بوش انتهت دون تغييرات كبيرة، فقد استوعب نظام مبارك الضغوط بمرونة بالغة وبتغيير أسلوبه من المواجهة المباشرة مع المعارضة بالمنع والمطاردة والإلغاء، إلي أسلوب الرمال المتحركة. امتصّ نظام مبارك معارضته. وأغرقها في بحر رمال كبير، لتتوه بمجرد محاولة الخروج من لزوجة بحر الرمال. الآن النظام في وضع أكثر راحة مع مرحلة أوباما. أوباما أسلوبه مختلف تماماً، يضع الأنظمة المتحالفة معه في إطار واسع يستوعبها بأسلوب مختلف لا ضغط فيه. يفحص الملفات بهدوء أكثر، وينصح فقط للحفاظ علي التوازن المطلوب. مصر بالنسبة إلي أمريكا هي رمّانة ميزان تضمن سلامة الجيران «إسرائيل» والاعتدال في إدارة ملفات خطيرة «فلسطين أولاً... والسودان أحياناً»، وضمان توازن استراتيجي مع قوي صاعدة «إيران». كما أنها قيادة المنطقة بالتاريخ وعناصر القوة «حتي لو كانت معطّلة»، ورغم أنها أصبحت في النظرة العامة تابعة لدول المال «السعودية والخليج»، فإن قيادتها السياسية «منذ عبد الناصر» لا يزال لها دور وبريق. من هنا تكمن أهمية الحفاظ علي التوازن في مصر. والتوازن يحتاج إلي قوة كبيرة، خصوصاً في مرحلة قلق الخلافة التي تعيشها مصر. ولأن نظام مبارك روّض الجميع بالرمال المتحركة في استعراض حوّل فيه المرشحين المحتملين لمنافسته، إما إلي معارضة أليفة «من الوفد إلي التجمع مروراً بالناصريين»، أو إلي معارضة مشاغبة غير مستقرة «الإخوان المسلمين بشكل كبير و«الغد» بشكل أقل».معركة النظام مع المشاغبين اتخذت شكلاً مختلفاً مع أوباما، الذي سيترك الخيار للنظام في توسيع مجال الديمقراطية والحريات. وهنا سيتاح للنظام ترتيب الخريطة السياسية من جديد. هذا ما يفسر الضربات القوية للإخوان المسلمين قبل شهور من انتخابات مجلس الشعب، وهي ضربات يبرّرها النظام للمهتمين في البيت الأبيض بأنها دفاع عن الدولة المدنية في مواجهة المد الأصولي، الذي لم يقدّم بديلاً سياسيّاً، لكنه قدم تشويشاً وإزعاجاً للنظام. أداء الإخوان أقرب إلي شريك مزعج فرضته الظروف الدولية، التي يتحرّر منها النظام مع وصول أوباما، الذي سيترك للنظام اختيار شريك غير مزعج. وهذا ما يمكن أن يفتح الباب أمام حزب الليبرالية القديمة «الوفد»، وربما «الجبهة الديمقراطية» وهي ليبرالية منشقّة عن حزب السلطة تقريباً كشريكين في مجلس شعب مقبل بانتخابات لا يحتاج فيها إلي عملية تزوير فاضحة بعد ضرب العناصر النشيطة في «الإخوان». «ضربة الإخوان» لم يكن لها صدي شعبيّ. ف «اللاوعي السياسي» تغيّر، بعدما صُدم بأداء الإخوان ومعه أداء «حماس» في السلطة أولاً، ثم في مواجهة منفردة مع العنجهية الإسرائيلية. في هذه المواجهات كلّها «الإخوان في المجلس وحماس في واجهة التحرر الفلسطيني»، خروج أول لتيار الإخوان المسلمين من خندق المعارضة إلي منصة قريبة من السلطة البديلة. خروج غير مكتمل. لكنه تمرين علي الحكم خابت فيه التوقعات.. انتهي المقال ..ولم ينته التفكير في الطريقة التي اختارها النظام لترتيب القوي السياسية.