وأنا علي مشارف الأربعين أشعر بأنني كبرت ..اقترب الأجل ولن أعيش -في أغلب الأحوال- بقدر ما عشت ..ولهذا أجدني أفكر في شراء قبر ..وفي تقليل مجهودي في العمل وأقول لكل من حولي إنني الآن لا أستطيع أن أبذل الجهد نفسه الذي كنت أبذله من عشر سنوات وإنني أعتقد أن كتابة «السيت كوم» لم تعد مناسبة لي لصعوبتها البالغة ولما تتطلبه من اجتماعات مستمرة ونقاشات مستفيضة ..يكفيني الآن أن أكتب منفردا عمل أو عملين بالكثير في السنة بما يتناسب مع سني والسنوات الصعبة المقبلة وربما قريبا أترك الكتابة وأتفرغ لزراعة قطعة أرض صغيرة وتربية بعض المواشي حتي أضمن علي الأقل أن أولادي لا يأكلون مجاري أو لحوما مستوردة بديدانها وأبتعد عن الهواء الملوث بدخان قش الأرز وجميع أنواع الأدخنة الأخري إلي أن يحين الأجل ..وتطور الأمر ووجدتني أنظر إلي الدنيا نظرة مودع ..وبدت لي كل الطموحات والإحباطات والنجاحات والإخفاقات أموراً تافهة ..لا تستحق التعب أو حتي الاهتمام ..ثم طالعني الرئيس مبارك في خطابه الأخير ليقلب حالي رأسا علي عقب .. فالرئيس حسني مبارك وهو في بداية عامه الثالث والثمانين يتحدث عن المستقبل وعن أنه الآن صار أكثر عزما مما مضي وها هو أيضا يلمح إلي احتمال ترشحه لفترة رئاسة سادسة ينهيها إن شاء الله وهو في التسعين من عمره .. صحيح أن هذا لو حدث سوف يجعلنا أضحوكة الأمم لكنه فتح عيني علي أشياء لم أكن أراها .. إنني وأنا أصغر رئيسنا المحبوب بخمسة وأربعين سنة أفكر في الموت واقتراب الأجل وهو يفكر في المستقبل الباهر والغد الأفضل ..إنني وأنا أتحدث عن تقليل الجهد واجتناب الإرهاق ..يتحدث هو عن المزيد من الإصرار والمزيد من العمل .. هل لأن هذه السن بالتحديد تعطي الإنسان دفعة جديدة من الشباب والصحة؟ هل يغير عمر الثالثة والثمانين من التركيب الجسدي للإنسان فإذا هو ينمو مثلا من جديد؟ هل يكتسب الإنسان في هذا العمر عضلات جديدة أو تطول قامته أو يزداد تركيزه وتشحذ قريحته؟ أنا أسأل كل هذه الأسئلة جادا كل الجد ولا أقصد من ورائها أي مزاح أو سخرية .. فجدتي تجاوزت الثانية والثمانين وهي لا تكاد تقوي علي الحركة بالإضافة إلي أنها صارت تتصرف وتفكر كالأطفال وتحتاج إلي رعاية مكثفة وطريقة خاصة في التعامل فكيف نجعلها مثل الرئيس أكثر عزما وإصراراً وأكثر إقبالاً علي العمل؟ هل نبحث لها عن بلد تحكمه؟ ..ودعوني أكون أكثر فضولا فأسأل بكل براءة..هل ما نعانيه الآن من مشاكل وما نراه في شوارعنا من فوضي وقمامة وما نقرأ عنه ونلمسه من فساد أسطوري وما يحدث لنا من إهانات في الخارج ..هل لكل ذلك علاقة بعمر الرئيس أم أنها عقبات وتحديات تافهة سيتغلب عليها بقواه الجديدة التي اكتسبها في هذه السن؟ نتمني للرئيس دوام الصحة والعافية ولبلدنا أي صحة وأي عافية، فقد شاخت وأصيبت بعقم مزمن في الوقت الذي يجب أن تكون فيه أكثر عزما وإصراراً وإقبالاً علي العمل.