تتضاءل أحزاننا عندما نجد يدا حانية تمسح دموعنا وتذوب همومنا عندما نبوح بها لقلب ينصت لأناتنا أمام همومك ومشاكلك نمد جسور التواصل وستجد وسط أحزانك قلبي دائما معك. منذ صغري ويشهد الجميع لي بالعقل الذي يرونه سابقا لسني . لم أعد أعرف إذا كانت هذه الصفة ميزة أم عيبا . لسنوات طويلة اعتقدت أنه ميزة . دائما كنت أحكم عقلي وأنجح في اجتياز أي عقبة تواجهني كما كنت أتخذ من أخطاء الآخرين مثلا وعبرة أستفيد منها حتي لاأكررها . وكانت أختي الكبري تحثني دون أن تدري علي ذلك. كانت علي علاقة غير طيبة بوالديّ بسبب عصبيتها علي عكسي تماما. كنت ألتمس لهما الأعذار أفهم طباعهما وكنت بحكم أنني الابنة الصغري أحظي بحب الجميع يدفعهم لذلك تلك الطاعة التي كنت أقابل بها جميع أوامرهم . وكبرت علي هذه الصفات. ولأن من شب علي شيء شاب عليه وجدتني أعامل زوجي بنفس الطريقة . لم يسمع مني يوما كلمة اعتراض كنت أفعل كل مايرضيه وأتجنب كل مايضايقه وأطيع أوامره دون مناقشة . أشعر الآن كم كنت سلبية وأن ما أظنه حكمة وعقلا كان ضعفا وتهاونا في حقوقي . لكن وقتها لم أشعر بذلك . كانت صورة أختي دائما أمامي أتجنب أن أكون عليها . كانت دائمة الشجار مع زوجها وبسبب عصبيتها وطباع زوجها الحادة انتهت حياتهما الزوجية بالطلاق . مأساة أختي جعلتني أبذل كل مافي وسعي لأتجنب هذا المصير ولم أشعر أنني فعلت ذلك علي حساب كرامتي وكبريائي . مرت سنوات وأنا علي هذا الحال ولاأعرف لماذا ولاكيف ولامتي بدأت شخصيتي في التغير لكن كل ما أذكره أنني لم أعد أتحمل تحكمات زوجي لم أعد أستطيع الصمت علي قرارات لاتعجبني أوتصرفات غير مقبولة أو عنف في التعامل لاأعرف كيف قبلته يوما علي نفسي لكني لم أعد قادرة علي ذلك الآن خاصة أن صورتي بدأت تهتز أمام عيون صغاري الذين نالهم بالطبع جزء من طباع زوجي الحادة وعصبيته غير المبررة في أغلب الأحوال . بالتأكيد كانت لعلامات الحزن المرسومة دوما علي وجوه أولادي السبب الأكبر في دفعي للتغيير وبالطبع كان الأمر مفاجأة لزوجي وإن قابل التغيير بعنف وحدة أكبر مما كان عليه لم تدفعني سوي للمزيد من الرفض . أشعر أن حياتي علي وشك الانهيار لم أعد قادرة علي تحمل المزيد من طباع زوجي ولاأستطيع العودة لطباعي التي كنت عليها والتي كانت مصدرا لراحته وإن لم يقدرها إلا بعدما فقدها فهل أنا مخطئة أم أن ماحدث تأخر كثيرا وكان عليّ أن أصبح علي تلك الحال منذ البداية ؟ لصاحبة هذه الرسالة أقول : لست وحدك من أصقلته تجارب الحياة ودفعته لتغيير سلوكه وطباعه فكثير منا مر بتلك التغيرات . المهم أن تغيرنا هذا يكون للأفضل . وأعتقد أن ماحدث لك كان كذلك لكن المشكلة تكمن في تلك السرعة التي ظهر عليها والتحول المفاجئ من النقيض إلي النقيض . ودعيني أصارحك أنك تأخرت كثيرا وإن حاولت تبرير ذلك برغبة في طاعة الوالدين ومحاولة تجنب تكرار تجربة أختك الفاشلة . لكن الأمر كان مبالغا فيه فهناك فرق كبير بين العقل والحكمة وبين الضعف والسلبية والتعامل مع المشكلات بعقلانية وهدوء لايعني أن نقبل بأمور تنال من كرامتنا وكبريائنا فتضيع معها شخصيتنا ونفقد في النهاية التعامل مع الأزمات التي تمر بنا . للأسف لم تنتبهي لذلك إلا بعدما اهتزت صورتك أمام أولادك عموما رب ضارة نافعة فالمهم الآن أنك تغلبت علي تلك السلبية وإن كان الأمر لم يعجب زوجك ربما لأن التغير كما قلت حدث فجأة وربمالأنك استقبلت عصبيته بحدة أكبر وعليك الآن لتجاوز هذه الأزمة أن تحتفظي بقدر معقول من هدوء أعصاب حتي تصلي لحالة وسط بين ماكنت عليه وما أصبحت . كوني أكثر ثقة في نفسك وفي قراراتك وأكثر حكمة في عرض آرائك واختاري الأوقات المناسبة لذلك ولاشك أنك ستنجحين في فرض شكل جديد لحياتك أكثر نجاحا واستقرارا . جربي فما حياتنا إلا سلسلة من التجارب نخوضها بنجاح أحيانا وبفشل أحيانا لكننا في كل مرة نزداد خبرة وحكمة ونضجا .