يبدو أنني أدخلت نفسي في منطقة شديدة الصعوبة، بالغة التعقيد، لا أعرف كيف أخفف من صعوبتها، أو أفك تعقيدها، أغلب ما يصلني (وما أقله)، يحتج علي لغتي الخاصة، وأبجديتي الجديدة مثل: الرفض التام لثقافة السلام، علي الرغم من قبول «مشروط» لمعاهدة السلام، أو الدعوة اللحوح لما أسميته «ثقافة الحرب» مع تحذير شامل من قيام الحرب الفعلية، استعنت بصلاح جاهين بلا فائدة: صلاح: هذا الإنسان البالغ الرقة الذي قال «وفتحت قلبي عشان أبوح بالألم، ماطلعشي منه غير محبة وسماح»، هو الذي قال في رباعيته (التي استشهدتُ بها من قبل) وهو يواجه أي نهار جديد: «نهار جديد نقوم نشوف نعمليه، أنا قلت يا ح تقتلني يا ح أقتلك»، ثم استعنت بنجيب محفوظ المشهور عنه، (والمأخوذ عليه) أنه وافق علي معاهدة السلام، وقدمتُ «فرضا» - في تعتعة الأسبوع الماضي - يبين كيف تواكبت موافقته تلك مع إطلاق إبداعه يكشف لنا عن حقيقة وطبيعة معركة البقاء البشري الحيوي المتحدي، وهو يخوض بحور الدم في ضوء مشاعل العدل، وذلك بما قدم من تشكيلات وتجليات «القتل، بين مقامي العبادة والدم»، في روايته «ليالي ألف ليلة». كنت قد وعدت الأسبوع الماضي أن أتابع كيف فعل محفوظ ذلك بكل شجاعة المحاربين المبدعين الذين يخوضون بحور «الموت/البعث» مع كل تجربة إبداع حقيقية تستعمل العدوان لتفكيك القديم حتي تتمكن من تشكيل الجديد، لكنني حين هممت بالوفاء بتعهدي بإثبات هذا الفرض من خلال نقد تشكيلات «القتل بين مقامي العبادة والدم في روايته تلك لأبين كيف تجلت ثورية محفوظ الإبداعية المقاتلة دفاعا عن العدل، إثر موافقته متألما علي اضطرارنا للتوقيع علي «ما لا بد منه»، أقول حين هممت بذلك: سألت، فتيقنت من أنه لا أحد ممن أعرف، قد عمل بتوصيتي بقراءة نص محفوظ علي الأقل (حتي دون نقدي) كيْ يستطيع أن يتابعنا، بل إنني اكتشفت أن أغلب من سألتُ لم يقرأ هذه الرواية أصلا، وبعضهم لم يسمع عن اسمها، وقليل منهم خلط بينها وبين «ألف ليلة وليلة» التاريخية، التي يثار حاليا جدل مخجل حول مشروعية إعادة طبعها ونشرها حرصا علي تجنب جرح الحياء العام(!!!!) مع أن هذا الجدل نفسه هو الذي يكشف أنه ليس عندنا حياء أصلا من هذا الذي نقوم به من تشويه أو حجب تراثنا تحت زعم أخلاقي سطحي كاذب مصطنع. المهم، تراجعت عن مواصلة الاستشهاد بهذا النص المحفوظي، أو نقدي له، فظلت المسألة تحتاج إلي وقفة، ومواجهة، وتبسيط. قلت لنفسي: ربما تكون البداية أفضل لو أنني طرحت أسئلة تحرك وعي الناس في الاتجاه الذي أريد توضيحه، فحضرتني أسئلة كثيرة أورد بعضها فيما يلي: لماذا كل هذا الحب من جانب إسرائيل في صورة الحرص علي التطبيع؟ ألا يكفيهم التوقيع علي معاهدة سلام، أعطتهم ما يريدون؟ وهل علينا أن نبادلهم حبا بحب، بأن نطيع ونتبع ونسمع الكلام؟ كي نمكنهم - من فرط الحب - أن يحققوا النجاح لكل ما يمثلونه: الرأسمالية المافياوية، والافتراس الاستغلالي، والاحتكار الإنتاجي، و«شالكانيبالية (أكل لحوم البشر جورج حداد 2008) العالمية المالية»؟ لماذا تحتاج إسرائيل لمزيد من معاهدات السلام، فالتطبيع، وهي تملك كل هذه الترسانة النووية، التي تستطيع في أي وقت أن تقول لمن لا يعجبه، «اخرس يا ولد عيب كده!»، ثم تلتهمه «محاربا» أو «مستسلما»!! هل يكفي أن نرفض التطبيع بشجب زيارة إسرائيل، وطرد ممثليهم في المؤتمرات، والتباهي بخصامهم (حدّاية حدّاية، ما نكلمهمشي إلا المعاهدة الجايّة أو بعد الانتصار في الحرب الجايّة)؟ أم أن علي من ينتبه إلي خطورة ثقافة السلام (التطبيع داخل داخلنا: بالاستسلام الدائم واليأس المقيم) أن يقبل التحدي ويخوض «فورا» ودائما: تلك الحروب الإبداعية الحقيقية مثل محفوظ، أو الحروب الاقتصادية الإنتاجية مثل الصين، أو الحروب الاستشهادية الشبابية مثل المقاومة، طول الوقت؟؟ إلخ؟؟ هل يمكن تحقيق «سلام الشجعان» (الأحبة الحلوين)، وأحد أطراف هؤلاء الأحبة يملك ترسانة نووية، في حين لا يملك الطرف الآخر إلا حسن النية؟ وبعد، فقد وصلني من استعمال جورج حداد للفظ «الكانيبالية» (ولي معه -طيب الله ثراه- عودة وعودة، شكرا لمن عرّفتني به) وصلني ذلك النوع من الحب الذي فسر لي بعض نهاية رواية العطر (لزوسكند) حين أكل قطاع الطرق لحم «غرينوي» حيا في «مقبرة الأبرياء»، حيث كانت النهاية - بعد أن مصمصوا عظامه تجشاطبعضها- كانت بالحرف الواحد تقول: «كانوا فخورين إلي أقصي حد، فلأول مرة في حياتهم فعلوا شيئا عن حب»!!!