بالورد، محافظ الأقصر يهنئ الأطفال باحتفالات عيد القيامة المجيد (صور)    غدا وبعد غد.. تفاصيل حصول الموظفين على أجر مضاعف وفقا للقانون    مئات الأقباط يصلون قداس عيد القيامة في دير سمعان الخراز (صور)    بث مباشر| البابا تواضروس يترأس قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    البنك المركزي: 8.9 تريليون جنيه سيولة محلية في البنوك بنهاية 2023    محافظ الغربية يتابع أعمال الرصف بطريق "المحلة - طنطا"    «القومى للأجور» يحدد ضمانات تطبيق الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص    الجامعة الأمريكية تستضيف زوجة مروان البرغوثي إحياءً لذكرى النكبة الفلسطينية    سفير فلسطين في تونس: مصر تقوم بدبلوماسية فاعلة تجاه القضية الفلسطينية    حريات الصحفيين تدين انحياز تصنيف مراسلون بلا حدود للكيان الصهيوني    الأهلي يضرب الجونة بثلاثية نظيفة في الدوري الممتاز (صور)    إصابة 4 أشخاص في تصادم ملاكي وربع نقل على طريق المنصورة    أسوان .. وفاة شخص سقط فى مياه النيل بمركز إدفو    تعرف علي موعد عيد الأضحي ووقفة عرفات 2024.. وعدد أيام الإجازة    الكويت تمنح جمهور حفلاتها هدايا خاصة ب"ليلة الشباب" بهاء سلطان وتامر عاشور (صور)    اكتشاف كتب ومخطوطات قديمة نادرة في معرض أبوظبي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    أحمد كريمة يعلن مفاجأة بشأن وثيقة التأمين على مخاطر الطلاق    أمين عام الدعوة بالأزهر الشريف يزور الإسماعيلية للاطمئنان على مصابي غزة (صور)    استشاري يحذر من شرب الشاي والقهوة بعد الفسيخ بهذه الطريقة (فيديو)    خبير تغذية يكشف فوائد الكركم والفلفل الأسود على الأشخاص المصابين بالالتهابات    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    بالصور.. محافظ الشرقية من مطرانية فاقوس: مصر منارة للإخاء والمحبة    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن مشروع تبليط هرم منكاورع    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    وكيل صحة الشرقية يتفقد طب الأسرة بالروضة في الصالحية الجديدة    رسميا .. مصر تشارك بأكبر بعثة في تاريخها بأولمبياد باريس 2024    التعادل السلبي يحسم السوط الأول بين الخليج والطائي بالدوري السعودي    شروط التقديم على شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. والأوراق المطلوبة    أمريكا والسفاح !    قرار جديد من التعليم بشأن " زي طلاب المدارس " على مستوى الجمهورية    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة عامل دليفري المطرية |تفاصيل    السجن 10 سنوات ل 3 متهمين بالخطف والسرقة بالإكراه    5 خطوات لاستخراج شهادة الميلاد إلكترونيا    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    لاعب تونسي سابق: إمام عاشور نقطة قوة الأهلي.. وعلى الترجي استغلال بطء محمد هاني    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل وحل 154 منها بنسبة 99.76% بالقليوبية    ما حكم أكل الفسيخ وتلوين البيض في يوم شم النسيم؟.. تعرف على رد الإفتاء    بعد رحيله عن دورتموند، الوجهة المقبلة ل ماركو رويس    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    خريطة القوافل العلاجية التابعة لحياة كريمة خلال مايو الجارى بالبحر الأحمر    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 473 ألفا و400 جندي منذ بدء العملية العسكرية    السكة الحديد تستعد لعيد الأضحى ب30 رحلة إضافية تعمل بداية من 10 يونيو    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    توريد 398618 طن قمح للصوامع والشون بالشرقية    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد أبو الغيط : قلت لعصمت عبدالمجيد: أنا غير متنع بمادرة الرئيس السادات ولكني مستعد لأي تكليفات الحلقة الأولي


أحمد أبو الغيط
أعدت فى العام الأخير، وخلال قيامى بكتابة مجموعة المقالات التى صدرت فى الأهرام ومجلة روزاليوسف، حول حرب أكتوبر.. قراءة مجموعة الكتب المهمة التى كتبها الكثير من القادة السياسيين والعسكريين الذين شاركوا فى هذه الحرب.. وكذلك مجموعة من المؤرخين المصريين والأجانب.. وخلال هذه الفترة تبينت على الجانب الآخر غياب بعض أهم المصادر التى كان ينبغى أن تكون لها مساهمتها فى التأريخ لهذه الفترة.. وأعنى بها السنوات الممتدة من أكتوبر 73 وحتى أكتوبر 91 عندما أطلق مؤتمر مدريد المفاوضات العربية الإسرائيلية.. أقول إن هذه المصادر لم تتح لها الفرصة أن تكتب رؤيتها ومساهمتها، وفى مقدمة هذه الشخصيات ولاشك يأتى الدكتور «أسامة الباز» مستشار رئيس الجمهورية للشئون السياسية.. وكذلك الوزير المرحوم «أحمد ماهر السيد»، وزير الخارجية السابق وغيرهما كثيرون.. وتصورت أن من المهم أن أكتب تجربتى بينما لاتزال لدى قدرة وتركيز لتحقيق ذلك لما فى الأمر من خدمة للأجيال المقبلة من المصريين ولتعريفهم بالظروف التى كنا نعمل فيها منذ 5 يونيو 67 وحتى اليوم.. من هنا.. قررت كتابة هذه المجموعة الجديدة من المقالات والتى رأيت تسميتها «شاهد على السلام» وبهدف إلقاء الضوء على ما شاهدناه وما قمنا به نحن أبناء الخارجية المصرية بما عهد بهم من وطنية خالصة ووفاء للوطن والعلم. من هنا أيضا أنوى أن أسرد فى المقالات التالية التى آمل أن يتاح لى كتابتها رغم ظروف العمل الضاغطة والالتزامات المختلفة التى تضغط على وقتى.. ما وقع أمامى من أحداث أو ما شاركت فيه بشكل مباشر.. فى الفترة من إطلاق مبادرة الرئيس «السادات» فى نوفمبر 1977 وحتى مؤتمر مدريد فى أكتوبر عام 91
وسوف يلاحظ القارئ الكريم أننى لا أؤرخ أو أسرد كل أحداث هذه الفترة.. إذ تم تناولها فى الكثير من الكتب والدراسات التى كتبت خلال كل هذه السنوات منذ عام 1977 حتى .1991 إلا أننى سوف أسرد رؤيتى وتقييمى للمرحلة من واقع مشاهداتى ومشاركاتى فقط.. وهو الأمر الذى تمسكت به منذ إطلاق سلسلة المقالات السابقة التى نشرت على مدى عام فى الفترة من 6 أكتوبر 2009 وحتى أكتوبر 2010
أبدا بالقول أننى جلست مساء يوم 19 نوفمبر 1977 فى حجرة الجلوس بمنزلى فى مصر الجديدة أتابع فى صمت.. وربما فى وجوم هبوط طائرة الرئيس «السادات» فى مطار اللد بإسرائيل ثم اقترابها من منطقة الاستقبال التى تجمع بها عشرات من مسئولى إسرائيل ورجال الصحافة والتليفزيون ينتظرون فتح أبواب الطائرة البوينج 707 المصرية الرئاسية.
كان هناك كل قادة إسرائيل.. نفس القادة الذين حاربهم الرئيس «السادات» فى معركة أكتوبر .73 «جولدا مائير» التى كانت نتائج هذه الحرب قد أطاحت بها وحزبها من حكم إسرائيل.. و«أيبا إيبان» وزير الخارجية الشهير الذى كان يتحدث العربية وسبق له الخدمة بالجيش البريطانى فى أثناء الحرب العالمية الثانية بالإسكندرية وتزوج إحدى الفتيات اليهوديات من مصر.. كان هناك أيضا بعض هؤلاء المسئولين ممن سبق لهم الزواج من يهوديات مصريات مثل الجنرال «هيرتزوج» الذى عمل كمتحدث للجيش الإسرائيلى أثناء بعض حروبها معنا.. ثم تدرج فى المسئوليات لكى يشغل منصب مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة فى السبعينيات قبل أن ينتخب فى الكنيست رئيسا لإسرائيل فى الثمانينيات وكان هناك أيضا الجنرال «فايتسمان» وزير الدفاع الإسرائيلى فى حكومة «مناحم بيجن».. وكان «فايتسمان» قد خدم فى سلاح الجو البريطانى أثناء معارك شمال أفريقيا.. كما شغل منصب قائد القوات الجوية الإسرائيلية التى وجهت لمصر ضربة قاسية فى حرب عام 67
تواجد أيضا «موشى ديان».. وزيرالخارجية الإسرائيلى.. الذى انفصل عن حزب العمل أو تجمع المعراخ لكى تتاح له فرصة شغل منصب وزير الخارجية.. كان الجنرالات والسياسيون يتواجدون بكثافة كبيرة.. والجميع فى حالة ترقب.. وربما زهو.. إذ أنهم يتواجدون على أرض إسرائيل أثناء لحظات تاريخية لم يسبق لإسرائيل أن مرت بها.. إلا عندما أعلنت هذه الدولة فى 15 مايو1948
وفتح باب الطائرة.. فى هذا المشهد التاريخى وصعد مدير البروتوكول بإسرائيل السلم لكى يدلف إلى الطائرة ويدعو الرئيس «السادات» لاصطحابه خارجها وإلى أرض المطار.. ثم الاستقبال الرسمى المشهود.. وأحسست أن بعض قطرات الدموع تنساب على وجهى بشكل هادئ.
كان يجلس بالحجرة معى.. نجلى «كمال» الذى لم يكن قد بلغ من العمر 7 سنوات.. ونظر الطفل إلى جهاز التليفزيون.. ثم إلى والده وقال.. «إيه يا بابا.. إنت بتعيط.. إحنا اتغلبنا».. ولم أعقب.. لأننى وقتئذ لم أكن فعلا أعرف كيف أصف الأمر أو أتفهمه.. لم أكن أفهم الخطوة المصرية أو عواقبها ونتائجها وتأثيرها علينا فى مصر وعلى الإقليم العربى والقضية الفلسطينية وشكل النزاع العربى الإسرائيلى الذى عشت حياتى.. سواء فى منزل والدى الطيار الذى حارب إسرائيل وقصف قواعدها الجوية وجيوشها.. أو عندما انضممت إلى الخارجية المصرية فى عام 1965 لكى أحارب معاركها الدبلوماسية جنديا من جنودها.. لقد كانت الصدمة كبيرة واحتجت الكثير من الجهد والتدبر والتفكير لكى أصل إلى خلاصات هذه الخطوة.. لقد كنا بالخارجية المصرية فى صدام مباشر ودائم مع إسرائيل على مسرح الدبلوماسية الدولية.. وكنت قد عدت منذ عدة أسابيع قليلة من نيويورك حيث عملت فى وفد مصر لدى الأمم المتحدة فى الفترة من 74 حتى أكتوبر .77 واليوم ومع هذا الحدث فسوف تختلف الأمور ولاشك.. ولم أكن أعرف كيف سنتفاعل كلنا مع الأمر خاصة وقد استقال وزير الخارجية «إسماعيل فهمى».. ونحى وزير الدولة للشئون الخارجية «محمد رياض» الذى تشكك فى الموقف كله عندما طلب منه تحمل المسئوليات مؤقتا.
كنت وقتها أعمل مع «عمرو موسى» الذى كان يشغل منصب مدير الهيئات الدولية بالخارجية ولديه صلات قوية مع الوزير «إسماعيل فهمى» والوزير «محمد رياض».. لم أكن على ثقة بما سيحل به أو بغيره وكيف سنعمل.
لقد كانت أياما بالغة الصعوبة علينا خاصة وقد كلف الدكتور «بطرس غالى» بمسئوليات وزير الدولة للشئون الخارجية وبإدارة شئون الدبلوماسية المصرية.. وهو غير مطلع على دهاليزها أو أشخاصها ونظامها وأساليبها وإن كان المؤكد أنه كان على معرفة بكل قضايا مصر فى المجال الدولى من واقع تدريسه بجامعة القاهرة وكذلك رئاسته لمجلة السياسة الدولية التى أنشأها فى مؤسسة الأهرام. ومضت الأيام التالية لخطاب الرئيس «السادات» فى الكنيست.. والصخب الإعلامى الدولى الذى صاحب هذه الفترة.. ومضى كذلك الاستقبال الهائل الذى رحب بالرئيس «السادات» عند عودته من إسرائيل وشهدت القاهرة مظاهرة غير مسبوقة فى تأييد خطوة الرئيس وتوجهاته نحو السلام.. وبدأنا بالخارجية نتأقلم تدريجيا مع هذه الخطوة وتوابعها وذلك رغم المعاناة التى صادفت البعض منا فى تحقيق هذا التحول أو استيعاب الخطوة المصرية وما سوف يترتب عليها من تحولات.. لقد قال «إيبا إيبان» يوم زيارة القدس.. «أن الشرق الأوسط لن يعود إطلاقا مثلما كان».. وأعتقد أننا جميعا.. وبدرجات متفاوتة وصلنا إلى هذه القناعة فى الخارجية المصرية.. واقترحت مصر عقد مؤتمر تحضيرى للبحث فى عملية السلام ولدراسة إمكانيات السعى لاستعادة مؤتمر جنيف الذى عقد ليوم واحد فى ديسمبر 73 ولم يعد للانعقاد منذ ذلك الحين.. وجاءت الدعوة المصرية لعقد المؤتمر المشار إليه بالقاهرة فى منتصف ديسمبر.. وكان الواضح أن الرئيس «السادات» قد قام بهز الموقف السياسى والدولى وفى العلاقة مع إسرائيل.. قرر التحرك.. وبسرعة للإمساك بكل خيوط العملية السياسية والتفاوضية وعدم إعطاء الفرصة لإسرائيل للهروب من ضغوطها.. خاصة أن المجتمع الدولى فى غالبية توجهاته عبر عن دعمه القوى للمبادرة المصرية ودوافعها.
وتلقى الدكتور «عصمت عبدالمجيد».. مندوب مصر الدائم فى نيويورك والذى كنت قد تركته منذ أسابيع قليلة بعد انتهاء فترة عملى معه وعدت إلى القاهرة.. وأقول تلقى تعليمات الرئيس «السادات» التى نقلها إليه الدكتور «بطرس غالى» وتقضى بأن يحضر للقاهرة فورا لرئاسة وفد مصر وكذلك مؤتمر السلام التحضيرى بالقاهرة.. وهو المؤتمر الذى عرف فيما بعد بمؤتمر مينا هاوس إشارة إلى الفندق الذى عقد به يوم 15 ديسمبر 1977
كان الدكتور «عصمت عبدالمجيد» من أوائل السفراء المصريين الذين عبروا عن تأييد قوى للمبادرة بعد عدة أيام من هضمه لها.. ومن يتعرف على الدكتور «عصمت عبدالمجيد».. يصل وبسرعة شديدة إلى نتيجة مفادها أنه رجل مبدأ.. يفكر كثيرا فى خطواته ويحسبها بحساب دقيق.. ثم يقوم بتنفيذ أفكاره بكل تصميم وإجادة.
ولقد كان اختياره فى هذه اللحظات اختيارا صائبا للغاية لما كان لديه من تراكم الخبرة والمعرفة القانونية والسياسية وتاريخ القضية الفلسطينية وتطورات النزاع العربى الإسرائيلى منذ عمله مع وزير الخارجية المصرية الأسبق والشهير «محمود فوزى».. وكذلك على مستوى الأمم المتحدة التى كان قد أمضى بها عندئذ حوالى خمسة أعوام ونصف العام.
كانت هناك بوزارة الخارجية مجموعة عمل صغيرة من عدد من الدبلوماسيين المصريين المعروف عنهم الكفاءة والكتمان.. يعملون فى هدوء تحت رئاسة الدكتور «أسامة الباز» مدير مكتب وزير الخارجية وكانت مهمتهم الأساسية هى مساعدة وزير الخارجية على إدارة ملف مؤتمر جنيف للسلام وكل الجهود التى كانت تبذل عندئذ للعودة إلى انعقاد المؤتمر وتسيير أعماله.. تشكلت هذه المجموعة وبالإضافة إلى الدكتور «أسامة الباز» من كل من السفراء «عبدالرؤوف الريدى» مدير التخطيط السياسى/ «نبيل العربى» مدير الإدارة القانونية/ «أحمد الزنط» بإدارة المعلومات.
والمستشار «عمرو موسى» - مدير الهيئات الدولية والسكرتير الأول «حسين حسونة» - بمكتب وزير الخارجية والسكرتير الأول «محمد البرادعى» - السكرتير الخاص للوزير إسماعيل فهمى والمقرب جدا منه.. ورغم استقالة الوزير «إسماعيل فهمى» فقد بقيت مجموعة العمل التى أدارها الدكتور «أسامة الباز» الذى كان يشغل أيضا منصب مدير المكتب السياسى لنائب الرئيس عندئذ.
ووصل الدكتور «عصمت عبد المجيد» فى أوائل شهر ديسمبر قادما من نيويورك لكى يرأس مجموعة العمل المشار إليها ويعد لانعقاد مؤتمر مينا هاوس التحضيرى تمهيدا للانطلاق فى المفاوضات مع إسرائيل وبهدف تحقيق فكرة السلام الشامل بالمنطقة.
حاول الدكتور «عصمت عبد المجيد» الاتصال بى.. فور الوصول.. فى مكتبى بإدارة الهيئات الدولية.. وكنت قد غادرت مبكرا بعض الشىء.. فاتصل بالمنزل حيث ترك رسالة مع زوجتى «ليلى» لكى أقوم بالحضور إليه فى فندق شبرد مساء نفس اليوم.. وقمت فور علمى بالأمر بالاتصال به فى الفندق، حيث طلب أن أقوم بزيارته ومعى قرينتى التى تستطيع أن تجلس مع السيدة الفاضلة «إجلال هانم» قرينته.. أثناء اجتماعنا..
وأضاف الدكتور «عصمت عبد المجيد» أنه دعا أيضا السكرتير الأول «صلاح الهنداوى» الذى عمل معه فى نيويورك وغادر فى نفس يوم مغادرتى لها فى أول أكتوبر السابق.
تحدث الدكتور «عصمت عبد المجيد» فور انضمامنا إليه - «صلاح الهندواى» و«أحمد أبو الغيط» - فى فندق شبرد بقوله.. إن مهمته القادمة هى أخطر المهام التى كلف بها خلال عمله الطويل فى خدمة الدبلوماسية المصرية.. وذلك رغم الخبرة التى تراكمت له منذ عمله مع الدكتور «محمود فوزى» - نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصرى فى الفترة من 53 وحتى 64.. وهى فترة شهدت مفاوضات الجلاء البريطانى عن مصر وتأميم قناة السويس والانسحاب الإسرائيلى الأول من سيناء فى عام 57 وغيرها من تحديات كبيرة وضخمة.. أضاف الدكتور «عصمت عبد المجيد» أن هذا التحدى يفرض عليه أن يعتمد على هذين الاثنين من معاونيه السابقين اللذين لديهما اطلاع واسع على أسلوبه فى التفكير وإدارة أعمال الوفد المصرى فى نيويورك.. وعبر «صلاح الهنداوى» عن موافقته على ما سوف يكلفه به رئيس الوفد المصرى فى المفاوضات مع إسرائيل.. وأجبت من ناحيتى وبقدر كبير من الوضوح والأسلوب المباشر.. وهى صفة كنت أنتهجها دائما مع الدكتور «عصمت عبد المجيد» الذى أتصور أن أحد أقوى خصاله هى استعداده لاستيعاب صراحة المتحدث معه وامتصاص وجهات نظره مع فهمها بدقة.
«إننى لم أهضم بعد كل عناصر المبادرة المصرية رغم مرور ما يقرب من أسبوعين على زيارة الرئيس «السادات» للقدس.. وأضفت أننى ربما لست على اقتناع بفاعلية المبادرة أو ما أدت إليه على المستوى العربى.. رغم تقديرى أنها تلقى دعما دوليا ضخما».. ثم أوضحت اقتناعى بأننى بمثابة جندى من جنود الدبلوماسية المصرية، ولا يمكن له إلا أن يشارك فى معركة بلده عندما يناديه قائده.. وهو هنا الدكتور «عصمت عبد المجيد».. من هنا أشرت إلى استعدادى لأى تكليفات ستصدر منه لى». ثم عرضنا عليه أن يطلب من الدكتور «بطرس غالى» أن يصدر تعليماته بضمنا إلى مجموعة العمل المصرية والوفد الذى سيشارك فى المفاوضات فى الأيام التالية. وقام بالتالى وفى نفس الجلسة بالاتصال بالدكتور «بطرس غالى»- وزير الدولة للشئون الخارجية - الذى وافق فورا وطلب أن تقوم إدارة شئون السلك الدبلوماسى والقنصلى باتخاذ اللازم.
وبدأنا بالتالى «صلاح الهنداوى» و«أحمد أبو الغيط» فى اليوم التالى بالاجتماع مع الدكتور «عصمت عبد المجيد» فى حجرة المكتب السابق للدكتور «محمود فوزى» عندما كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء للشئون الخارجية فى وجود الوزير «محمود رياض».. وزير الخارجية...
وبدأ الدكتور «عصمت عبد المجيد» فى تنظيم أعماله بمساعدتنا.. وعقد أول اجتماع له مع «مجموعة العمل السياسية للأزمة»، وهو الفريق الذى سبق لى الإشارة إليه بعاليه.. والمؤكد أن معرفة الدكتور «عصمت عبد المجيد» العميقة بهم وبتوجهاتهم وقدراتهم سهلت من عملية إدارة أعمال المجموعة.. وبدأ.. كرئيس للوفد.. بالاطلاع على الوثائق والمستندات الأساسية التى لم يكن على اطلاع عليها وهو بعيد عن هذه المسئولية فى نيويورك.. ثم أخذ يعقد الاجتماعات اليومية مع هذه المجموعة القوية من الدبلوماسيين المصريين.. لقد كانوا جميعا من الشخصيات التى لها تأثيرها ودورها.. ولاشك أن المستقبل الذى كان ينتظرهم كشف فعلا فى السنوات التالية عن معدنهم وقدراتهم.
ومع ذلك يجب أن أعترف هنا أيضا أن التنافس فيما بينهم من ناحية وبعض التناقضات فى المواقف والتوجهات من ناحية أخرى أدت إلى بعض التعقيدات سواء وقتها أو فى سنوات تالية فيما بينهم.
ولعلى أشير فى هذا المجال إلى واقعة أو واقعتين تعكسان «برفق» ما أتحدث عنه.. إذ قمت بإثارة مسألة ضم السفير «أحمد ماهر السيد».. أحد مفكرى الجيل الصاعد من الدبلوماسيين المصريين إلى مجموعة العمل.. وتحدثت بالفكرة أولا إلى الدكتور «عصمت عبد المجيد» الذى رحب بها.. إلا أن تجربته فرضت عليه أن يكلفنى بالتحدث مع بعض أعضاء المجموعة لتحسس مواقفهم فى ضم عضو جديد بمثل هذا الثقل.. من هنا قمت بإثارة الأمر مع عضو أو أكثر.. ورأيت مقاومة.. وعرفت أن الأمر لن يلقى الترحيب.. على أى الأحوال تحدثت فى نفس الشأن مع الدكتور «نبيل العربى» الذى أبلغنى أنه سبقنى إلى هذا الجهد دون طائل..
لقد كان رأى أحد هذه الشخصيات.. وكان صاحب تأثير.. أن وجود «ماهر» سيؤدى إلى توترات فى المجموعة.. من هنا فإنه يفضل عدم الموافقة على انضمامه.. وبذا خسرت المجموعة لعدة أسابيع فقط - مثلما سيأتى ذكره - جهد «أحمد ماهر» وتأثيره..
أما النقطة الأخرى المرتبطة بهذه الأولى.. فكانت فى قيام إدارة شئون السلك الدبلوماسى بترجمة تعليمات الوزير «بطرس غالى» فى موضوع ضم كل من «أحمد أبو الغيط»، و«صلاح الهنداوى» إلى مجموعة العمل.. بأن يعملا كسكرتارية رئيس الوفد وليس كعضوين لمجموعة العمل.. والفارق طبعا كبير.. ورغم ذلك فقد جلسنا وشاركنا بالكامل فى كل مداولات المجموعة فى وجود الدكتور «عصمت عبد المجيد» أو فى غيابه.. لقد كان هذا الإجراء يمثل انعكاسا جيدا لمناورات القصر التى مارسها أحدهم، وعلمنا نحن بمراوغاته حينها، وإن كنا قد فضلنا عدم إثارة الأمر أو القيام بمواجهة قد تدمر ترابط هذه المجموعة المهمة التى كان عليها أن تركز على خدمة أهداف الدبلوماسية المصرية وتوجهاتها فى فترة بالغة الصعوبة والحساسية.
على أى الأحوال أخذت أعمل بتصميم وقوة للتعرف على الموقف وأبعاده وأسلوبنا التفاوضى وحدود حركتنا القادمة فى المؤتمر، خاصة وقد اجتمع الدكتور «عصمت عبد المجيد» بكل من نائب الرئيس «حسنى مبارك» فى مصر الجديدة ثم بالرئيس «السادات» نفسه فى القناطر لكى يحصل على توجيهاتهما لإدارة أعمال المؤتمر والمفاوضات.
وانتقلنا بعد ذلك بأيام للإقامة فى فندق «مينا هاوس» توطئة لبدء الاجتماعات مع الإسرائيليين الذين كان يترأس وفدهم أحد الإسرائيليين المولودين فى رومانيا «بن إليسار» الذى عُين فى فترة تالية وبعد عقد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل كأول سفير لها بالقاهرة.
وأخذنا «صلاح الهنداوى» و«أحمد أبو الغيط»..نعمل تحت الإشراف المباشر للدكتور «عصمت عبد المجيد».. فقمنا سويا بإعداد بيانه الافتتاحى أمام الاجتماع التحضيرى الذى كان هدفه مثلما يكشف تسميته بالإعداد للعودة إلى انعقاد مؤتمر السلام الذى - مثلما قلت سابقا - اجتمع لمدة يوم واحد فى ديسمبر .73 من هنا كانت صياغة البيان الذى ألقاه رئيس الوفد فى هذا الاجتماع الافتتاحى لعملية السلام بعد استئنافها بيانا قويا يأخذ فى عناصره الأساسية كل ما تحدث به الرئيس «السادات» أمام الكنيست فى القدس.
وكان الدكتور «عصمت عبد المجيد»، ولكى يعد نفسه لأعمال المفاوضات قد طلب من الدكتور «أسامة الباز» - مدير مكتب وزير الخارجية المستقيل ومدير مكتب نائب الرئيس فى نفس الوقت - أن يوافيه بأى مستندات ووثائق يمكن أن تساعده على إعداد الرؤية المصرية أمام الاجتماع. كما عُقدت مجموعة اجتماعات تحت رئاسته لمجموعة العمل السياسى، وحيث اتفق خلالها على الأسلوب الأمثل للتعامل مع الجانب الإسرائيلى والسيناريوهات التى يمكن أن نتحرك فى إطارها فى ضوء الاحتمالات التى يمكن للإسرائيليين الإتيان بها أو إثارتها معنا.
ووصل الوفد الإسرائيلى إلى مطار القاهرة، حيث نقلته طائرة هليكوبتر مصرية مباشرة إلى أرض فضاء بالقرب من فندق مينا هاوس.. وكان الوفد يتشكل فى قائمته الرسمية من السفير «إلياهو بن إليسار» والقانونى الإسرائيلى «مائير روزين» والجنرال «إفراهام تامير» رئيس فرع التخطيط برئاسة الأركان الإسرائيلى. لقد تعرفت على الجنرال «تامير» فى السنوات التالية عندما عملت سكرتيرا خاصا لنائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية «كمال حسن على» فى الفترة من 82: ,84 وحيث كان كلاهما يعجب إعجابا كبيرا بالآخر.. فقد رآه «كمال حسن على» أحد الشخصيات الإسرائيلية التى لها رغبة كبيرة فى تحقيق السلام مع مصر وبناء علاقة مصرية إسرائيلية مستقرة. وكان لى خلال هذه الفترة «أحاديث كثيرة مع الجنرال «تامير».. كما زار مصر لمقابلة «كمال حسن على».. وكنت كثيرا ما أناقشه فى معارك ,73 خاصة وقد شغل منصب رئيس أركان مجموعة القتال التى قادها الجنرال «شارون» إلى الغرب من القناة بعد عبور الجيش الإسرائيلى لها.
وأعود إلى فعاليات مؤتمر مينا هاوس التحضيرى الذى دُعيت إليه كل من الأمم المتحدة/ الولايات المتحدة / إسرائيل/ الأردن / منظمة التحرير الفلسطينية / سوريا / لبنان والاتحاد السوفيتى.. ورُفعت أعلام هذه الأطراف.. إلا أن الأطراف الثلاثة الأولى هى التى حضرت فقط «الأمم المتحدة / الولايات المتحدة /إسرائيل». وغابت كل الأطراف العربية والسوفيت. وكان إحساسنا جميعا بأن منظمة التحرير الفلسطينية قد خسرت فرصة هائلة لإحراج إسرائيل والجلوس أمامها.. إلا أن المنظمة للأسف الشديد فقدت هذه الفرصة. وتُرك مقعدها خاليا بقاعة الاجتماع.
وكان من الأمور التى تندر بها البعض أن العلم الذى رفع على السارى الخاص بفلسطين أمام قاعة المؤتمر ومبناه كان هو علم دولة اليمن.. وكان خطأ سخيفا تم تصحيحه بعد ذلك.
وطلب «إلياهو بن إليسار» - رئيس الوفد الإسرائيلى - وفور وصوله الالتقاء برئيس الوفد المصرى.. ووافق الدكتور «عصمت عبد المجيد»... وتم اللقاء فى جناح رئيس الوفد المصرى وجلس الإسرائيلى مشدودا وكان يتقن الفرنسية والإنجليزية.. وبعد تبادل الكلمات الرقيقة والمجاملات التقليدية.. قام بفتح حقيبة يده التى كانت معه وأخرج ملفا كبيرا منها، وقال إنه يسعده أن يقدم هذا المشروع لاتفاقية سلام مقترحة من قبل إسرائيل إلى مصر.. ونظر إليه الدكتور «عصمت عبد المجيد» ببرود شديد، وقال له إن عليه إعادة الملف إلى حقيبته وإغلاقها وإنه غير مخول باستلام أى وثائق من الجانب الإسرائيلى، خاصة أن هدف هذا المؤتمر التحضيرى فى مينا هاوس هو الإعداد للشق التنظيمى والإجرائى للعودة إلى اجتماع سلام امتدادا لمؤتمر جنيف، وليس مناقشة مضمون أو محتوى السلام المصرى الإسرائيلى أو أى معاهدة إسرائيلية مصرية للسلام.
كان الدكتور «عصمت عبد المجيد» قد استفاد كثيرا من الوثائق والمستندات التى أمضى أياما فى الاطلاع عليها والتدقيق فيها وقراءتها بإمعان ومن بينها مشروع هذه الاتفاقية الإسرائيلية التى كان الأمريكيون قد قدموها للوزير «إسماعيل فهمى» فى سبتمبر 77 باعتبارها طرحا إسرائيليا ينبغى أن تنظر فيه مصر وتقوم بالرد عليه بمقترح مقابل، وهو ما تم فعلا فى حينه.
لقد سببت هذه الاتفاقية المقترحة من إسرائيل الكثير من الضيق لبعض أعضاء مجموعة العمل المصرية، وحيث لم يكونوا على اطلاع عليها طوال فترة الشهور السابقة على كشفها من قبل «بن إليسار».. وتحدث بعضهم بهذا الضيق مع الدكتور «أسامة الباز» الذى برر عدم اطلاعهم عليها فى ضوء رغبة الوزير «إسماعيل فهمى» فى عدم الكشف عنها أو المقترح المصرى المقابل الذى تم تقديمه عندئذ.
لقد كان المقترح الإسرائيلى للسلام والذى رفض الدكتور «عصمت عبدالمجيد» استلامه اعتماداً على وجوده لدينا سابقاً.. يحمل الكثير من الأفكار السلبية التى اعتاد الإسرائيليون البدء دائماً فى طرحها فى المفاوضات مع العرب.. تضمن المقترح الإسرائيلى فى أهم عناصره الرئيسية.. أن الهدف هو عقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل تؤدى إلى تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية وعدم التهديد بالدخول فى الحرب مستقبلاً وأن تعترف كل دولة بحق الأخرى ودول المنطقة فى السيادة والاستقلال داخل حدود آمنة ومعترف بها.. وطلبت المادة الأولى من المعاهدة بالتالى إعلان الجانبين إنهاء حالة الحرب.. كما نصت المادة الرابعة منها أن الحدود بين مصر وإسرائيل سيتم الاتفاق عليها بين الطرفين وفق بروتوكول وخريطة تلحقان بالمعاهدة.. وأن الطرفين سيحترمان دون أى تحفظ وحدة أراضى الطرف الآخر داخل حدوده الجديدة.. وكشفت هذه الفقرة أن إسرائيل كانت وحتى بعد مبادرة الرئيس «السادات» وضربة أكتوبر الموجعة تتصور أنه يمكنها تغيير خط الحدود المصرية أو الحصول على أراضى من مصر تحت ضغط الغزو.. وبطبيعة الحال فلقد كانت عودة إسرائيل إلى طرح مشروع اتفاقية معوجة معيبة سبق أن قدمت إلى مصر فى سبتمبر 77. - برغم مبادرة الرئيس المصرى - مؤشراً سلبياً لما هو قادم فى أنبوب المفاوضات القادمة.
وعقدت الجلسة الأولى والأخيرة للمؤتمر فى يوم الخميس 15 ديسمبر، حيث تحدث الدكتور «عصمت عبدالمجيد» من البيان الذى أعددناه له «صلاح الهنداوى» و«أحمد أبوالغيط».. بناءً على توجيهاته والذى تضمن مطالبة مصر بالانسحاب الكامل من الأراضى المحتلة طبقاً للقرار 242 وتأمين حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير وحق جميع الدول بالمنطقة فى العيش فى أمن وسلام.. ورد الجانب الإسرائيلى بطرح كل عناصر معاهدة السلام المقترحة من جانبه.. وانتهى الاجتماع دون نتائج وتوقفت أعمال المؤتمر وبقينا فى فندق مينا هاوس كوفد مصرى نتدبر الموقف ونبحث فى السيناريوهات المتاحة ونتابع التطورات. ولقد لاحظت بالكثير من الاستغراب قيام رئيس الوفد الإسرائيلى بالكتابة إلى الدكتور «عصمت عبدالمجيد» يوم 16 ديسمبر لكى ينقل إليه رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلى «مناحم بيجين» تقطر عسلاً.. ولم يكن بالطبع يقدر الصعوبات التى ستواجهه فى مبارزة قانونية بين رئيس الوزراء الإسرائيلى من ناحية ومندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة من ناحية أخرى بعد تسعة أيام فقط فى اجتماع الإسماعيلية بين الرئيس «السادات» ورئيس الوزراء «مناحم بيجين» يوم 25 ديسمبر.
كتب «مناحم بيجين» إلى «عصمت عبدالمجيد» يقول «إنه اليوم وهو فى طريقه إلى الولايات المتحدة فى مسعى لتحقيق السلام فإنه يرسل بالنيابة عن شعب إسرائيل كل تمنياته إلى مؤتمر القاهرة وأن الجميع فى كل مكان يصلون ويأملون بصدق أن يكون المؤتمر قاعدة للسلام بين إسرائيل وجيرانها العرب العظماء».. ولم يكن هناك ذكر بالرسالة للشعب الفلسطينى أو حقوقه.
وعاد «مناحم بيجين» من زيارته للولايات المتحدة وحيث دعاه الرئيس «السادات» للحضور إلى مصر للمزيد من المناقشات حول تحقيق السلام بين البلدين.
وكنت أجلس فى حجرتى بالفندق بعد ظهر يوم 24 ديسمبر 77 أعد بعض الأوراق للعرض على رئيس وفد المفاوضات الذى كان يستعد للسفر فجر اليوم التالى إلى الإسماعيلية للمشاركة فى مؤتمر الإسماعيلية بين مصر وإسرائيل وإذ براديو الBBC باللغة العربية يقول إن هناك أخباراً من القاهرة أنه تم تكليف السفير «محمد إبراهيم كامل» سفير مصر فى ألمانيا بشغل منصب وزير الخارجية المصرية الجديد.. وهرولت حاملاً الراديو إلى الدكتور «عصمت عبدالمجيد» بغرفته وطرقت الباب متوتراً.. وأطل الدكتور برأسه عبر الباب لكى أقول له بقدر من التهيج أنه تم تعيين «محمد إبراهيم كامل» وزيراً للخارجية.. واستشعرت لحظتها قوة كبرياء هذا الرجل الكبير.. فلقد كنا جميعاً.. أو على الأقل «أحمد أبوالغيط» و«صلاح الهنداوى» ننتظر أن يحظى بتكليف الرئيس «السادات» لقيادة العمل الدبلوماسى فى هذه اللحظة الفارقة من العمل الدبلوماسى والسياسى المصرى.
وقال «عصمت عبدالمجيد» بهدوئه المعروف.. «محمد.. صديقى وأستطيع أن أعمل معه بكفاءة وفاعلية لخدمة البلد وأهدافها».. رأيته رابط الجأش.. على استعداد دائم لخدمة بلاده فى الموقع الذى تختاره له.. ومضت سنوات سبع لكى يحظى بتكليف الرئيس «مبارك» بقيادة العمل الدبلوماسى المصرى فى يوليو 84 بعد تخلى «كمال حسن على» عن منصبه توطئة لتحمله مسئوليات رئيس مجلس الوزراء.. ووجدتنى وقتها بين رجلين من الكبار والعظام.. «كمال حسن على» الذى كلفنى بالذهاب معه من الخارجية حيث كنت أعمل معه مستشاراً دبلوماسياً وسكرتيراً خاصاً.. إلى مجلس الوزراء.. و«عصمت عبدالمجيد» الذى طلبنى للعمل معه فى نفس المهمة.. واعتذرت بحرج شديد.. ومع ذلك استمر «عصمت عبدالمجيد».. فى السنوات التالية يدفع بى إلى المناصب الرئيسية بالوزارة وأعادنى للعمل معه فى وظيفتى القديمة مع سابقه «كمال حسن على» فى الفترة من 89 وحتى 1991
وأعود إلى هذه الأيام الحاسمة.. فبتعيين «محمد إبراهيم كامل» كنت أعلم أنه سوف يسعى وفوراً للاستفادة من قدرات وإمكانيات ومعرفة وثقافة «أحمد ماهر السيد».. صديقى ونصيرى.. فقمت بالاتصال تليفونياً به فى منزله بالزمالك حيث أكد الأخبار وقال إنه تلقى اتصالاً تليفونياً من الوزير الجديد للذهاب إليه فوراً فى منزله، حيث كلفه بمسئولية مكتب الوزير وإدارة أعمال الوزارة.. وأضاف «أحمد ماهر»: «إن عليك الاستعداد لكى نعمل سوياً معاً مرة أخرى وذلك فى إشارة إلى سابق عملنا سوياً مع مستشار الأمن القومى المصرى «محمد حافظ إسماعيل» فى الفترة من 72 حتى 1974. مضيفاً: «إننى مضطر - مرة أخرى - للمعاناة من الاستماع إلى سيل أفكارك ومبادراتك!» وبالنسبة لباقى أعضاء مجموعة العمل فلقد كانت مرحلة جديدة من التدبر والتأقلم مع رئيس جديد للدبلوماسية المصرية، وبالنسبة لى شخصياً فلم أجد صعوبة فى الانطلاق فى العمل مع «أحمد ماهر» من ناحية والوزير «محمد إبراهيم كامل» من ناحية أخرى.. فقد كنت أعرفه جيداً منذ خدمت تحت رئاسته فى إدارة الصحافة بوزارة الخارجية فى عام 66 قبل نقله إلى كينشاسا عاصمة زائير - الكونجو الديمقراطية اليوم - سفيراً لمصر بها. لقد كان «محمد إبراهيم كامل» وطنياً مصريا مخلصاً.. تجاور مع الرئيس «السادات» فى إحدى زنزانات السجن فى قضية سياسية قبل الثورة.. كان دمث الأخلاق.. يدخن بشراهة.. يقيم علاقات طيبة مع كل البشر وإن كان له رأى سديد فى الكثير منهم.. جاء إلى وزارة الخارجية.. وزيراً لها رغم أنفه.. واعتقادى بعد العمل الممتد معه أنه لم يكن يعد نفسه إطلاقاً لهذه المهمة الثقيلة.. وفى هذه الظروف بالغة الصعوبة والمليئة بالتحديات.
وأجد أن من المناسب فى هذه المرحلة أن أعود إلى سرد وقائع اجتماع الإسماعيلية.. إذ إنه ورغم عدم مشاركتى فيه بأى شكل من الأشكال إلا أن الدكتور «عصمت عبدالمجيد» وبمشاركته فيه مع الدكتور «أسامة الباز».. فقد عادا إلى القاهرة فى مساء هذا اليوم 25 ديسمبر فور انتهاء القمة لكى يطلعا أعضاء مجموعة العمل على الترتيبات وما تم الاتفاق عليه ومهام المرحلة القادمة وما وقع من أحداث خلال مناقشات اجتماع الإسماعيلية يوم 25 ديسمبر.
وأخطرت «عصمت عبدالمجيد» بأن «محمد إبراهيم كامل» قد اختار «أحمد ماهر السيد» لكى يرأس هيئة مكتبه ورد «عصمت عبدالمجيد».. أن هذا اختيار ممتاز وأنه كان ينوى أن يفعل نفس الشىء لو أن الاختيار قد وقع عليه وزيراً للخارجية، وقلت وقتها.. مثلما أقول اليوم أنها شهادة رائعة فى حق «أحمد ماهر» الدبلوماسى الفيلسوف المتمرس الذى فقدناه منذ عدة أسابيع بعد أن غيبه الموت.
اجتمعت مجموعة العمل الدبلوماسية المصرية بكل من الدكتور «عصمت عبدالمجيد» والسفير «أسامة الباز».. وأوضحت شروحهما الأولية مدى الإحباط الذى يستشعرانه من جراء هذه المواجهة الأولى على مستوى القمة للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلى. فلقد قام الجانب الإسرائيلى وفور افتتاح الاجتماع الأول للقمة بعد ظهر يوم 25 ديسمبر 77. بتقديم مشروع جديد لمعاهدة سلام بين مصر وإسرائيل مؤرخة فى 24 ديسمبر.. أى اليوم السابق لقمة الإسماعيلية وكانت إلى حد كبير تماثل مشروع المعاهدة الذى قدمه الأمريكيون إلى الوزير «إسماعيل فهمى» فى 19 سبتمبر من نفس العام وحاول «إلياهو بن إليسار» تسليمه إلى الدكتور «عصمت عبدالمجيد» مساء يوم 14 ديسمبر 77
ومع ذلك أدخل الإسرائيليون تعديلاً رئيسياً على مشروعهم لكى يسيل لعاب الجانب المصرى.. وبذا يوافق على المقترح المعيب الجديد.. إذ تضمن المشروع «أن إسرائيل ستسحب قواتها إلى الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب.. وهى أول إشارة لاعتراف إسرائيل بهذه الحدود الدولية منذ عام 67. وسوف يتم هذا الانسحاب على مرحلتين..أولهما الانسحاب إلى خط العريش / رأس محمد «شرق العريش وإلى الغرب من رأس محمد»، والثانية هى الانسحاب إلى خط الحدود الدولية المشار إليها مع إتمام هذا الانسحاب الأخير فى خلال 3:5 سنوات من يوم توقيع المعاهدة».
ويمضى مشروع المعاهدة ليكشف الهدف الإسرائيلى الحقيقى والذى تناور به إسرائيل دائماً فى مفاوضاتها المختلفة مع العرب.. ألا وهو البقاء فى الأرض والمراوغة حول عدم ضرورة الانسحاب منها.. إذ نص المقترح «على بقاء القواعد الجوية الإسرائيلية الموجودة على أرض مصر فى سيناء بين خط العريش / رأس محمد والحدود الدولية المصرية مع فلسطين تحت الانتداب «إسرائيل»، وهى القواعد الجوية التى ضربت ضربات مبرحة من قبل مصر فى عام 73 - القاعدة الجوية «اتزيون» وكذلك الأخريين وهما «إيتام» و«أوفيرا» وكذلك الإبقاء على محطات الرصد الإلكترونى فى جبل هلال وجبل حريم مع تأمين تواجد قوات متحركة بحرية وبرية داخل الأراضى والمياه المصرية الإقليمية. ويصل بعد ذلك المشروع الإسرائيلى لمعاهدة السلام مع مصر إلى قمة التبجح والاستهزاء بالموقف المصرى، حيث ذكر المشروع أنه وبعد تمام «الانسحاب» وتنفيذه حتى الخطوط الدولية.. هكذا.. فإن التواجد الاستيطانى الإسرائيلى فى هذه المنطقة - وهو مدنى الطابع - سوف يبقى على أرض مصر فى ظل تواجد الأمم المتحدة التى ستقيم تواجدها فى منطقة منزوعة السلاح بين الخطين المشار إليهما بعاليه «أى بين رأس محمد / العريش وإلى الحدود الدولية». كما ستحتفظ هذه المستوطنات المدنية بقوة دفاعية على أرض مصر لحماية نفسها وسوف يخضع هذا التواجد للقانون الإسرائيلى والمحاكم الإسرائيلية.
ويستمر المقترح الإسرائيلى فى هذا الاستخفاف السخيف بالموقف المصرى، وحيث يشير إلى حق المدنيين الإسرائيليين والعرب «المقيمين» فى سيناء بحرية الحركة فى المنطقة الخاضعة للأمم المتحدة وقواتها التى لا يمكن إخراجها من سيناء إلا بموافقة الجانبين المصرى والإسرائيلى ومع صدور قرار جماعى من مجلس الأمن باتخاذ هذه الخطوة.
ولاشك أن هذا المقترح كشف.. مرة أخرى الأسلوب التفاوضى الفج الذى تنطلق منه إسرائيل فى مفاوضاتها مع العرب إذ تسعى لتطويق وربط الأوضاع المقبلة بالكثيرمن الصياغات القانونية التى يمكن أن تضع أى طرف عربى فى ضائقة وصعوبات جمة إذا ما قبل بها.. وحقيقة الأمر فلقد كان من المستحيل أن يقبل المصريون بهذا الطرح الذى جاء به «مناحم بيجين».. لقد فاته أن مثل هذا المشروع يمكن أن يطرح من قبل طرف منتصر إلى آخر مهزوم.. وهو مالا يعكس حقيقة علاقات القوى عندئذ وحتى اليوم.. لقد كان لمصر.. مثلما سبق أن أوضحت فى خلاصات مقالات «شاهد على الحرب».. قوات مسلحة قادرة على العمل النشط الفاعل ضد إسرائيل.. كما كان لها وضعيتها العربية والأفريقية والدولية وتحالفاتها الممتدة فى كل الاتجاهات.. كما أن مبادرة السلام قد أطلقت عندئذٍ فعاليات وتطورات غير مسبوقة فى الفكر الأمريكى والغربى بشكل عام واليهودى الدولى والإسرائيلى على وجه الخصوص.. وفى هذا السياق يجب أن أعترف أننى عندئذٍ فقط بدأت أقترب من الاقتناع الكامل بالمبادرة وتوجهاتها وأهدافها وما يمكن أن نحققه لأنفسنا من خلالها إذا ما أديرت بشكل حرفى متزن ومتعمق.
وأخذ السفيران المصريان «عصمت عبدالمجيد» و«أسامة الباز» يشرحان تفاعلات القمة.. وقال «عصمت عبدالمجيد» أنه اشتبك مع رئيس الوزراء الإسرائيلى عندما تطرق أثناء الاجتماع إلى حق إسرائيل فى الإبقاء على الأراضى المصرية والفلسطينية تحت سيادتها إذ إن مصر والعرب قاموا- من وجهة نظر «بيجين»- بحرب عدوانية هجومية ضد إسرائيل فى عام .67 وبذا يحق للطرف المعتدى عليه - هكذا - الاستمرار فى السيطرة على الأراضى التى أصبحت أراضى متنازعًا عليها.. وتصدى «عصمت عبدالمجيد» بقوة وقام بتسفيه رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلى سواء بالنسبة لمفهوم الحروب العدوانية أو فيما يتعلق بالقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن فى نوفمبر 67 عندما ادعى الإسرائيلى أنه يتيح لإسرائيل استبقاء الأراضى المصرية والعربية تحت سيطرتها، وكان جدالاً حادًا أدى فى الأيام والسنوات التالية إلى تأكيد إسرائيل.. «بعدوانية الخارجية المصرية».. التى تعيق التسوية.
لقد كشفت الأفكار والأطروحات والتسميات التى تحدث بها رئيس الوزراء الإسرائيلى مدى الخلط والتضارب الذى كان يدفع به.. كما أن استعادة هذه الأطروحات اليوم.. والجانب الفلسطينى يخوض معركة تفاوضية مماثلة تفرض علينا جميعًا مراجعة ما دار عندئذ وما يحدث اليوم.. وأحيل القارئ الكريم هنا إلى كتابى الدكتور «عصمت عبدالمجيد» «زمن الانتصار والانكسار» والوزير «محمد إبراهيم كامل» «السلام الضائع» لقد تحدث «مناحم بيجين» عندما تناول علاقة اليهود بالفلسطينيين داخل دولة إسرائيل بقوله إن لدينا الفلسطينيين العرب من سكان إسرائيل.. كما أن لدينا الفلسطينيين اليهود من مواطنى إسرائيل.. واليوم تطرح إسرائيل فى مفاوضاتها مع الفلسطينيين وبعد ما يقرب من ثلاثين عامًا من بدء المفاوضات بين العرب وإسرائيل.. فكرة الدولة اليهودية والاعتراف بها.. من هنا أحيلهم إلى حديث رئيس وزراء إسرائيل وقتذاك.. بل أمضى إلى جذب النظر.. فى هذا السياق إلى سابق تحدث السيدة «جولدا مائير».. عند تناولها للموقف بين الفلسطينيين وإسرائيل بقولها: «من هؤلاء الفلسطينيون الذين تتحدثون عنهم؟!.. نحن الفلسطينيون؟!.. ونعود إلى قمة الإسماعيلية وحيث طرح الإسرائيليون فلسفة الحكم الذاتى للفلسطينيين بشكل واضح ومباشر لأول مرة.. وحيث تم تسمية الفلسطينيين بالأراضى الفلسطينية فى غزة والضفة الغربية بأنهم «الفلسطينيون العرب من سكان جوديا وسامريا وقطاع غزة».
لقد تضمن المقترح الفكرة التى استمرت إسرائيل تتمسك بها منذ 25 ديسمبر 77 حتى سنوات قليلة مضت عندما اضطرت تحت الضغط العربى والدولى والتطورات الإقليمية والديموجرافية إلى تطوير مواقفها من فكرة الحكم الذاتى ولكى تقبل بمفهوم «الدولة الفلسطينية» مع الاستمرار فى السعى إلى تقزيمها وعدم تفعيلها مع وضعها فى أضيق الأطر والأحزمة القابضة على عنقها، والمؤكد اليوم أنها ستكون معركة طاحنة وممتدة.. إلا أننى أثق أن الفلسطينيين وبدعم من مصر والأمة العربية قادرون على تحقيق هدف إقامة الدولة الفاعلة على كامل الترابط الوطنى الفلسطينى داخل خطوط عام ,67 لقد كان لمصر دائمًا قواتها المسلحة القادرة على فرض رؤيتها والدفاع عن مصالحها.. واليوم قد لا يكون لدى الفلسطينيين هذه القدرة التى تأخذها إسرائيل فى حسبانها عند التفاوض معهم.. إلا أن قدرة الفلسطينيين على رفض محاولة إسرائيل فرض الأمر الواقع عليهم وارتكانهم على دعم الأمة والدول العربية من ناحية والقوى الإسلامية من ناحية أخرى سوف يفرض على إسرائيل فى نهاية المطاف.. مثلما تحقق لمصر.. تحقيق تسوية ترضيهم.. وإلا فإن البديل.. هو استمرار النزاع لعقود إن لم يكن لقرون ممتدة.
لقد تضمن المشروع الإسرائيلى عندئذ فى ديسمبر 77 أفكارًا محددة من بينها:
- إلغاء الإدارة التابعة للحكم العسكرى الإسرائيلى فى جوديا وسامريا وغزة (الضفة الغربية وغزة).
- إقامة إدارة للسكان للحكم الذاتى فى هذه المناطق من خلال انتخاب مجلس للحكم.
- حق جميع المقيمين- السكان- فى انتخاب هذا المجلس لهؤلاء الذين تزيد سنهم على ثمانية عشر عامًا.. وسوف تنشئ هذه الإدارة ومجلسها.. هيئات مختلفة لكل مجالات الإدارة الذاتية من تعليم/ صحة/ صناعة وخلافه.
- سوف تبقى إسرائيل على سيطرتها الأمنية والدفاعية على الإقليم.
لقد كشف هذا المشروع الإسرائيلى.. فى أجلى صوره الهدف الحقيقى لإسرائيل فى استمرار البقاء فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية وغزة مع إعطاء حقوق كاملة للمدنيين الإسرائيليين فى هذه الأراضى، كما كشف الإسرائيليون أيضًا عن مخططهم فى استمرار الإبقاء على سيطرتهم على هذه المناطق بطرح نفس المواقف التى نسمعها اليوم عندما تحدثوا عن التهديدات العربية الصادرة عن الأردن أو ما وراء الحدود الأردنية فى العراق.. واليوم يتحدثون عن التهديدات فيما وراء الحدود الأردنية- فى مقاومتهم لإقامة الدولة الفلسطينية القادرة- عن طريق الإشارة- إلى التهديدات الإيرانية والإسلام المتشدد الذى يمكن أن يسيطر على مصر أو الأردن.. وكلها أطروحات لا شك أنها تستهدف فقط الإبقاء على السيطرة وثقل الغزو.
لقد كان هناك حديث مستفيض من الدكتور «عصمت عبدالمجيد» و«موشى ديان» وزير الخارجية الإسرائيلى فى قمة الإسماعيلية أثناء فترة راحة بين اجتماعى القمة.. إذ سأل الدكتور «عصمت عبدالمجيد» الوزير الإسرائيلى عما إذا كان اهتمامهم أو مطلبهم فى الضفة الغربية يقوم على البعد التاريخى أم البعد الأمنى.. ورد «موشى ديان»: الاثنان معاً.. نحن فلسطينيون يهود.. لنا الحق فى الأرض كما أننا يجب أن نحمى أنفسنا من غلواء العرب وهجماتهم وتهديداتهم لنا.. وعلق الدكتور «عصمت عبدالمجيد».. بأن العرب لن يقبلوا بذلك الطرح وسوف تستمر المواجهة.. والحقيقة فلقد استمرت المواجهة.. وزادت حدة وجذبت عناصر إسلامية لم تكن فى الميزان من قبل.. وطالما لم يتعدل الموقف الإسرائيلى من التسوية السلمية مع الفلسطينيين.. فسوف تستمر هذه المواجهة وهذه الأوضاع الضاغطة على الجميع.
وأتذكر أننى حضرت نقاشًا ممتدًا آخر بين الوزيرين المصريين اللذين شاركا فى أعمال اجتماعات القدس لمفاوضات اللجنة السياسية التى سوف آتى لذكرها.. وهما «محمد إبراهيم كامل» و«بطرس بطرس غالى».. ووزير الخارجية الإسرائيلية.. فى مطار اللد فى انتظار عودة الطائرة المصرية لحمل الوفد المصرى فى طريقه إلى القاهرة مساء يوم 18 يناير 78 إذ تناول الوزيران المصريان نفس النقاط التى استعرضها الدكتور «عصمت عبدالمجيد» مع «موشى ديان» بالإسماعيلية وعاد الإسرائيلى لكى يؤكد اقتناعه بحق اليهود الفلسطينيين فى الإقامة فى كل أراضى الضفة الغربية وأهمية تواجد الجيش الإسرائيلى لحمايتهم ضد عدوانية الأطراف العربية الخارجية وما وراء الحدود.. وهو نفس المنطق الذى يساق اليوم لتأكيد تواجد القوات المسلحة الإسرائيلية فى غور الأردن حتى فى إطار اتفاق سلام يتيح إقامة الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح.. وأثق اليوم مثلما وثقت حينها أن الفلسطينيين لا يمكن لهم القبول بالأطروحات المساقة إليهم إسرائيليًا.. كما أقدر أن الفلسطينيين سينجحون- مثلما فعلت مصر قبلهم- فى تحقيق أهدافهم.. فى إخلاء كل الأراضى الفلسطينية من التواجد الإسرائيلى العسكرى و/ أو السكانى الاستيطانى.
وأصل الآن إلى نشاط مجموعة العمل المصرية تحت إدارة وإشراف الدكتور «عصمت عبدالمجيد» وبالمساهمة النشطة للدكتور «أسامة الباز».. إذ أعددنا مقترحًا مصريًا للسلام من وجهة النظر المصرية لكى يطرحه الجانب المصرى على الإسرائيليين فى قمة الإسماعيلية ولا يترك الأمر فقط للمبادرات الإسرائيلية.. وكان المقترح يدور حول فكرة إصدار بيان عن التسوية كإعلان للمبادئ الحاكمة لها.. وتضمن فى أهم نقاطه:
- انسحاب إسرائيل من سيناء/ الجولان/ الضفة الغربية وغزة تنفيذًا لقرار مجلس الأمن 242 ومبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة.
- ضمان سيادة كل دولة على كامل أراضيها من خلال إجراءات يتم التوافق عليها بين الأطراف.
- التوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية فى كل جوانبها من خلال الحق فى تقرير المصير وبمشاركة كل من مصر/ الأردن/ وممثل الشعب الفلسطينى فى المفاوضات مع إسرائيل.
- الدعوة إلى استئناف الاجتماعات الوزارية بين الجانبين وتشكيل لجنتين إحداهما عسكرية والأخرى سياسية للتفاوض حول تنفيذ هذه الالتزامات.
وكانت هذه الفقرة الأخيرة إضافة جاءت بعد اتفاق كل من الرئيس «السادات» ورئيس الوزراء الإسرائيلى على إنشاء هاتين اللجنتين فور جلوسهما سويًا فى بداية الاجتماع المنفرد الذى عقد بينهما قبل خروجهما إلى الاجتماع الأوسع فى الإسماعيلية بمشاركة أعضاء الوفدين.
أنهى الدكتور «عصمت عبدالمجيد» تلقينه لنا فى مساء يوم 25 ديسمبر بقوله: إن لدينا اليوم وزيرًا جديدًا للخارجية سيحتاج إلى كل الدعم.. كما أنه لا يعرف شخصيًا ما إذا كان سيبقى معنا بالقاهرة أم سوف يعود إلى استئناف عمله فى نيويورك.. إلا أن الأمر المهم هو أن تستمر مجموعة العمل فى مداولاتها ونشاطها وإعدادها للمواقف المصرية توطئة لمفاوضات القدس التى اتفق أن تكون مقرًا لاجتماعات اللجنة السياسية على مستوى وزراء الخارجية.. والقاهرة التى ستشهد مفاوضات وزيرى الدفاع فى مصر وإسرائيل على المسائل العسكرية
تحقيقا لهدف الانسحاب الكامل من أراضى مصر والالتزامات الأمنية المصرية فى هذا المجال.
وجاء توجيه الرئيس السادات للوزير «محمد إبراهيم كامل» بالإبقاء على الدكتور «عصمت عبدالمجيد» لفترة من الوقت بالقاهرة وحضوره أيضا لمفاوضات القدس عند انعقادها حتى يستفيد الوزير «محمد إبراهيم كامل» بخبرات ومعرفة الدكتور «عصمت عبدالمجيد» فى المسائل المحيطة بالقضية الفلسطينية والمفاوضات القادمة بشأنها.. وبدأت أتبين عندئذ أن المنهج المصرى هو السعى فعلا لاتفاقية شاملة بين العرب وإسرائيل تنهى النزاع العربى - الإسرائيلى وتقيم سلاما شاملا واستقرارا للجميع.. من هنا أخذ اقتناعى يزداد بإيجابيات المبادرة وقدرتها على تحقيق الكثير من المكاسب والمزايا التى غابت عن العمل العربى المشترك حتى ذلك الحين.. وكان الملاحظ أن الإعلام المصرى خرج فى الأيام التالية لانتهاء لقاء الإسماعيلية ينتقد بحدة بالغة الأسلوب الإسرائيلى فى التفاوض وصدرت مقالات حادة من كتاب قريبين من السلطة المصرية مثل «موسى صبرى» و«على حمدى الجمال».. كما صدرت صحيفة الأهرام بمقال بالغ العنف ضد إسرائيل كتبه الصحفى المقتدر «صلاح منتصر».. كما صدرت مقالات عن «شيلوك» وأسلوبه فى التفاوض.. واستثيرت إسرائيل وبدأ الأمريكيون يتدخلون لوقف الانتقادات المصرية للأسلوب التفاوضى الإسرائيلى.
البقية فى الحلقة القادمة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.