يستند التأييد الموضوعى لمرشح الرئاسة إلى المواقف والإنجازات السابقة والكفاءة والثقة فى أن المرشح سيسعى بكل قوة لحماية السيادة الوطنية والخروج من مأزق التبعية. كما أنه لن يألو جهدًا على طريق تحقيق الحقوق الشعبية الاقتصادية وضمان الحريات. ومن الطبيعى أن يعرض برنامجا يوضح فيه الاتجاهات التى سيتبناها فى المدى القريب والمتوسط والبعيد حتى تتبين رؤيته بشكل كامل. ومن المهم مصارحة الشعب بالمشكلات وأحجامها الحقيقية حتى لا تكون هناك مغالاة فى التوقعات والإنجازات الممكن تحقيقها فى المدى القصير. لقد أثبت الشعب قدرته على تحمل الأعباء شرط مشاركة الجميع فى تحملها لا الفقراء وحدهم. قد يعتبر البعض أن الانتماء السابق إلى المؤسسة العسكرية يمثل عقبة، ولكن الواقع يشير إلى أن الشعب لا يهمه ذلك كثيرا ما دام المرشح أصبح مدنيا، ولم يعد ممثلا لهذه المؤسسة الوطنية العريقة، كما أنه يدرك تماما أن الجيش المصرى مؤسسة وطنية أنقذت الوطن من الإخوان مؤخرا ومن الملكية والاستعمار فى السابق. ما يهم الشعب بدرجة كبيرة قدرات وخبرات المرشح، خصوصا تلك التى تؤهله كقائد قوى له انتماء عميق إلى الوطن والشعب. تداعيات قرار إزالة سلطة الإخوان ما زالت مستمرة فى فترة وجيزة كشف الإخوان عن أنفسهم بعبقرية يحسدون عليها، وانكشفت علاقاتهم مع الإدارات الغربية وعلى رأسها الحكومة الأمريكية، كما اتضح سعيهم الحثيث لطمس الهوية المصرية وتخريب مؤسسات الدولة الوطنية بما فيها الجيش وقوات الأمن، أدى ذلك إلى الرفض الشعبى الواسع والعميق الذى أذهل كل من لا يفهم كُنه وجوهر الشعب المصرى بما فى ذلك الإدارات الغربية وحليفهم الكيان الصهيونى البغيض. كان دورا تاريخيا ينتظر الجيش المصرى الذى قام به استجابة لرغبة الشعب، ما أدى إلى صعود كبير فى شعبيته ممثلا فى قائده العام. ومن هنا انبثق التأييد الموضوعى له كمرشح لرئاسة الدولة، فهو لم يتردد فى إنقاذ الوطن من براثن الفكر المنحرف المتواطئ مع أعداء مصر والأمة العربية. كما أنه أثبت قدرته على اتخاذ القرار بحسم من أجل حماية مصر من مصائب كبرى. إن تداعيات هذا القرار ما زالت تتفاعل فى مصر وسوريا وتركيا، التى يراود حكامها أحلام الخلافة العثمانية، وغيرها من دول المحيط العربى خصوصا سوريا، بل تتعداها إلى دول يلعب فيها الإسلام السياسى دورا مخربا كروسيا والصين. كما أن السواد الأعظم من الشعب يستشعر حاجة ملحة إلى قائد قوى يستطيع مواجهة الإرهاب البغيض والمدمر والذى يجب أن لا نستهين بخطورته. عودة الفرعون.. أى فرعون؟ يتحدث البعض عن مخاطر عودة الفرعون، وهنا يجب أن نؤكد أن اليقظة الشعبية هى الضامن الوحيد الذى يقينا من استبداد الحاكم. وعلى الذين يصفون الحكم الاستبدادى بالفرعنة مراجعة التاريخ المصرى القديم الذى نعتز به، فلم تكن صفة الاستبداد هى الصفة البارزة لفراعنة مصر، على الأقل أغلبهم. فكم من فرعون مثل حتشبسوت وتحتمس وأحمس حمى الوطن وحرره من الأعداء، وقام بإنجازات هائلة لرخاء الشعب ووحدة الدولة، واعتبار أمنها القومى ممتدا من جبال طوروس فى شمال الشام حتى بلاد البونت (الحبشة). وامتد هذا الإدراك إلى فترة الزعيم عبد الناصر الذى حرص على العمق العربى والإفريقى للأمن القومى المصرى. فقد الشعبية لانتهازية المواقف لا بد أن نتذكر دائما أن البديهة الحاضرة لدى غالبية أفراد الشعب بصرف النظر عن قدر تعليمهم الرسمى، تمنحهم القدرة على التمييز بين من لديه شهوة السلطة، فى غياب، أو دون الحد الأدنى من الإمكانات اللازمة لقيادة مصر، وبين من يدفعه الشعور بالمسؤولية ويتمتع بمؤهلات قيادية. لدى الشعب أيضا نفور شديد وحساسية كبيرة من انتهازية المواقف. لهذا نفهم لماذا فقد البعض رصيدهم الشعبى لاعتبارهم الإخوان من مكونات الثورة ولموافقتهم على ترشيح أنفسهم فى قوائم الإخوان. وفى نفس الوقت نحذر من أسلوب النفاق الذى يستخدمه البعض، فالتأييد الموضوعى يختلف عن التأييد الوجدانى، وكلاهما يتناقض مع النفاق الذى أطل برأسه فى أشكال غثة. مبادرات وبرامج أما عن المبادرات حول مرشحى الرئاسة والمقدمة من مصادر مختلفة فتقييمنا لها وتأييدنا لأى منها سيعتمد على محورية الاستقلال الوطنى والحريات، ومدى استعداد المرشح، وعزمه على أن يسعى حثيثا فى اتجاه السيادة الوطنية الكاملة، وفى التصدى للمشروع الشرق أوسطى وكل المشاريع التى تستهدف تفتيت وتقسيم الأمة العربية وإضعاف جيوشها وضمان تخلفها، ويناضل من أجل استقلال القرار فى كل المجالات وعلى رأسها القضايا الاقتصادية ورفض التدخل الأجنبى فى أمورنا الداخلية الذى تزايد بشكل فاضح فى الفترة الأخيرة، حتى إنه فاق تدخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية فى الشأن الداخلى للولايات الأمريكية ذاتها!! «هيمنة العسكر» و«الانقلابات الديمقراطية» كما أننا نلاحظ كيف أن البعض يسوق بشكل مباشر أو غير مباشر مسألة «الانقلاب» و«هيمنة العسكر». لا بد أن يراجع هؤلاء وقائع تاريخية حتى يرتفع وعيهم ويصبحوا قادرين على التمييز بين فرض ديكتاتورية عسكرية مستبدة ترهب الشعب، وترتكب جرائم وحشية لتصفية الآلاف من معارضيهم، كما حدث فى الأرجنتين تحت حكم رافائيل فيديلا أو فى شيلى بقيادة السفاح بينوشيه الذى قتل الرئيس أيندى المنتخب ديمقراطيا، أو فى البرتغال بقيادة ساليزار كأمثلة من الديكتاتوريات التى أيدتها جميعا الحكومة الأمريكية «الديمقراطية» بل ساعدت وصولهم إلى الحكم ودعمتهم بكل الوسائل. لا بد من التمييز بين ذلك وتدخل المؤسسة العسكرية لإنقاذ الديمقراطية من تآمر الإمبريالية التى حاولت إزالة هوجو شافيز من الحكم بالقوة. لقد اعتبر بعض الباحثين نجاح الجيش الفنزويلى الوطنى فى إعادة شافيز إلى الحكم هو بمنزلة «انقلاب ديمقراطى». وكذلك تدخل فصائل من الجيش البرتغالى بقيادة كابتن سالجيرو مايا لإزالة نظام ساليزار الديكتاتورى. يندرج تحت نفس المسمى انقلاب عبد الناصر الذى سرعان ما تحول إلى ثورة اجتماعية ووطنية، والذى أزال ديمقراطية زائفة وفاسدة. ومن الغريب أن البعض يتناسى أنه لا توجد مطلقا ديمقراطية حقيقية تحت الاحتلال أو فى ظل التبعية. إذا فمقولة «حكم العسكر» لا يمكن أن تؤخذ على عواهنها، فهناك من يستغلها بشكل مغرض، كما أن تصنيف الرؤساء كعسكرى وكمدنى تخفى كثيرا من التباينات. فالمساواة بين عبد الناصر من جهة والسادات ومبارك من جهة أخرى هى العبث نفسه رغم أن ثلاثتهم «عسكر». عبد الناصر زعيم وطنى انحاز إلى الفقراء وتصدى للإمبريالية والصهيونية والرجعية فى أحلك الأوقات. أما السادات فصاحب مقولة «تسعين فى المائة من أوراق اللعبة فى يد أمريكا»، ومتبنى خدعة «تحييد أمريكا»، هو الذى قادنا إلى التبعية وكامب ديفيد المشؤومة. ومبارك بدوره توغل فى مسار التبعية والفساد والخصخصة والتخريب الاقتصادى والسياسى والاجتماعى. وفى أمريكا هناك الجنرال دوايت أيزنهاور قائد قوات الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية والذى أصبح رئيسا مدنيا بأغلبية كبيرة لفترتين وصاحب التحذير المعروف من «التحالف العسكرى الصناعى». وماذا عن الجنرال ديجول الذى أنقذ فرنسا من عته وعنصرية وإرهاب عسكريين فرنسيين فى الجزائر. كما أن هناك ديكتاتوريات عاتية قادها مدنيون مثل باشيكو أريكو فى أوروجواى وسيموزا فى نيكاراجوا وباتيستا فى كوبا. أما مقولة الانقلاب فعلينا أن نشير إلى ما ورد فى إعلان الاستقلال الأمريكى الذى يؤكد حق المواطنين فى إزالة النظام إذا انحرف عن تحقيق توقعات الشعب، بل إن ذلك هو واجبهم، وبقول آخر إن من واجب الشعب ومؤسساته الوطنية القيام بانقلاب شعبى يقيم حكومة جديدة. هكذا تقول الوثيقة التى ننصح القيادات الأمريكية والإعلام الأمريكى بقراءتها جيدا. رئيس قوى تدعمه مشاركة شعبية واعية فى النهاية من الضرورى توضيح أمرين مهمين: أولهما أن حاجة مصر إلى أمريكا أو إلى الخليج أقل من حاجتهم إلى مصر لقيمتها المحورية الاستراتيجية، مما يجعل مجال التصرف المستقل وحرية الحركة فى أمور متعلقة بأمن مصر القومى أكبر مما يظن البعض رغم ظروفنا الاقتصادية الصعبة الحالية. وثانيهما إن تقدم الأمم لا يسير على خط مستقيم بطىء، وإنما يحدث فى قفزات هائلة ما إن توفرت الشروط اللازمة مجتمعة، ولعلنا بصدد توفير هذه الشروط فى المرحلة القادمة باختيار رئيس وطنى ملتزم تدعمه مشاركة شعبية قوية وواعية. أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعتى الإسكندرية وولاية ميشجان «سابقا»