الثنائية في الحياة الفنية دائماً ما تجعلنا نعقد دون أن نقصد مقارنة، طرفاها قطبان يسيطران علي الساحة.. مثلاً «طه حسين» و«عباس العقاد» في الأدب، و«شوقي» و«حافظ» في الشعر، و«أم كلثوم» و«عبد الوهاب» في الغناء.. في دنيا التمثيل لا شك أنك عندما تقول «فاتن» تجد لا شعورياً «سعاد حسني» تطل عليك من بين حروف الكلمة، وعندما تقول «سعاد» يطرق بابك اسم «فاتن حمامة».. نحتفل غداً بعيد ميلاد «فاتن حمامة» شعرت بأنني أريد أن أكتب عن «فاتن» من مرآة سعاد.. البعض قد يظلم «فاتن حمامة» ويعتبرها فنانة الشخصية الواحدة بينما «سعاد حسني» هي عنوان التعدد، وهذا الرأي يظلم الحقيقة أكثر مما يظلم «فاتن حمامة»؛ لأن الحقيقة هي أن «فاتن» كثيراً ما تمردت علي تلك المثالية التي فرضتها عليها السينما وفرضها أيضاً الجمهور الذي كان من فرط حبه لفاتن لا يرضي لها أن تقدم أي شخصيات بها لمحات من السلبية، فهو أصبح لا يطيق أن يري بطلته إلا في زي ملاك.. تمردت «فاتن» بقدر ما في أفلام مثل «طريق الأمل»، «لا أنام»، «نهر الحب».. لو أنك طبقت القاعدة الأخلاقية بصرامة علي الدراما ستكتشف أن «فاتن» قدمت شخصيات تصطدم بتلك الثوابت الصارمة ولكن حتي تمردها كان بقدر محسوب.. «فاتن» هي ابنة مرحلة سنوات سابقة زمنياً عن «سعاد» بدأت نهاية الأربعينيات وكانت هي نجمة الخمسينيات.. «سعاد» ابنة نهاية الخمسينيات وتألقها في الستينيات حيث شهد المجتمع تحولات مع تطبيق القوانين الاشتراكية، وخلق ذلك انفتاحاً اجتماعياً في الشارع المصري كان يسمح بقدر من تحرر عبرت عنه «سعاد» باقتدار.. الأمر تغير كثيراً عن زمن «فاتن حمامة» وفي النهاية نحن مع «فاتن» و«سعاد» لدينا رصيد ضخم لكل منهما. في استفتاء أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية الذي أشرف عليه «سعد الدين وهبة» «فاتن» لها عشرة أفلام والوحيدة التي كانت تلاحقها هي «سعاد» تسعة أفلام.. صارت «فاتن حمامة» عنواناً و«سعاد حسني» عنواناً موازياً.. كل منهما لها مكانة وبصمة لا تمحي ومثل عشاق «أم كلثوم» و«عبد الوهاب» أو «فريد» و«عبد الحليم» لا يعني حماسك لصوت بالضرورة رفضك للآخر، صار للبعض تلك الرحابة لأن يحب النجمتين.. الفارق الشخصي بين «فاتن حمامة» و«سعاد حسني» لعب دوراً.. «فاتن» حتي اللحظة الأخيرة تحتفظ بملامح «الليدي».. الجانب الشخصي من حياتها غير متداول وهي التي تحدد بدقة المساحة التي تريدها أن تصل للناس.. «سعاد» كانت هدفاً لبعض الهمسات والشائعات هنا أو هناك، ربما لأنها لا تجيد فن التعامل مع الإعلام.. لو سألتني عن مكانة كل منهما الخاصة بالنسبة لي أقول لك قلبي يقول «سعاد» وعقلي يقول «فاتن»!!