كل ما تريد معرفته عن وظائف وزارة العمل 2025    استعدادًا للعام الجديد.. 7 توجيهات عاجلة لقيادات التربية والتعليم بالدقهلية    وزير العدل يزف بشرى سارة لأبناء محافظة البحيرة    إجازة المولد النبوي الأقرب.. العطلات الرسمية المتبقية في 2025    محافظ المنوفية يتفقد نسب إنجاز إنشاءات المدارس الجديدة بالأحياء    التعليم العالى: "بحوث الفلزات" يعلن افتتاح أول وحدة صناعية للمغناطيس    أسعار حلاوة المولد 2025.. وشعبة السكر تتوقع استقرار السعر لهذا السبب (تفاصيل)    محافظ المنوفية يتفقد تطوير كورنيش وممشى شبين الكوم للارتقاء بالمظهر العام    660 مليون جنيه تكلفة تأثيث 332 مجمع خدمات حكومية بالمحافظات    "إكسترا نيوز": بطء الإجراءات الأمنية يعيق تسريع دخول شاحنات المساعدات إلى غزة    «الغول على أبوابنا».. ماكرون يوجه انتقادات لبوتين (تفاصيل)    العاهل الأردني يشدد على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة    موعد حفل توزيع جوائز الأفضل في إنجلترا.. محمد صلاح يتصدر السباق    رابطة الأندية تفاجئ زيزو بجائزة جديدة بعد الجولة الثانية من الدوري    إيزاك يرفض عرضًا جديدًا من نيوكاسل لتمديد عقده    إصابة 9 أشخاص في انقلاب سيارة ميكروباص بالطريق الحر في القليوبية    الأرصاد: اضطراب الملاحة على البحر الأحمر وخليج السويس والموج يرتفع ل3.5 متر    استقرار الحالة الصحية لزوج لاعبة الجودو دينا علاء داخل العناية المركزة    جهود «أمن المنافذ» في مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    مواصلة جهود أجهزة وزارة الداخلية لمكافحة جرائم استغلال الأحداث    علي الحجار يحيي حفل الخميس ب مهرجان القلعة 2025 (تفاصيل)    فى أجواء فنية ساحرة.. "صوت مصر" يعيد أم كلثوم إلى واجهة المشهد الثقافى    فيلم "فلسطين 36" ل آن مارى جاسر يمثل فلسطين بجوائز الأوسكار عام 2026    مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير يبدأ استقبال الأفلام للمشاركة فى الدورة 12    مدير أوقاف الإسكندرية يترأس لجان اختبارات القبول بمركز إعداد المحفظين    داعية إسلامية عن التعدد: «انتبهوا للخطوة دي قبل ما تقدموا عليها»    إحالة المدير المناوب وأفراد من النوبتجية المسائية بمستشفى نبروه المركزى للتحقيق    مدير «الرعاية الصحية» ببورسعيد: «صحتك أولًا» لتوعية المواطنين بأهمية الأدوية البديلة    تمكين المرأة الريفية، ندوة تثقيفية لإعلام الداخلة بالوادي الجديد    فنان شهير يفجر مفاجأة عن السبب الرئيسي وراء وفاة تيمور تيمور    رحيل الدكتور يحيى عزمي أستاذ معهد السينما.. وأشرف زكي ينعاه    طبيب الأهلي يكشف حالة إمام عاشور ومروان عطية قبل مواجهة المحلة    رئيس الرعاية الصحية: بدء تشغيل عيادة العلاج الطبيعي للأطفال بمركز طب أسرة العوامية بالأقصر    جولة تفتيشية للوقوف على انتظام حركة التشغيل في مطاري الغردقة ومرسى علم    وزارة النقل تناشد المواطنين التوعية للحفاظ على مترو الانفاق والقطار الكهربائي    قرار جديد من وزارة الداخلية بشأن إنشاء مركز إصلاح (نص كامل)    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    واعظة بالأزهر: الحسد يأكل الحسنات مثل النار    " ارحموا من في الأرض" هل هذا القول يشمل كل المخلوقات.. أستاذ بالأزهر يوضح    بلتون للتمويل العقاري تصدر أول توريق بقيمة 1.32 مليار جنيه    وزيرة التخطيط والتعاون تتحدث عن تطورات الاقتصاد المصري في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية    "قصص متفوتكش".. 3 معلومات عن اتفاق رونالدو وجورجينا.. وإمام عاشور يظهر مع نجله    ميدلزبره يقترب من ضم موهبة مانشستر سيتي    53 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 34 يومًا؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    تقليل الاغتراب.. موقع التنسيق يواصل إتاحة التسجيل رغم انتهاء الموعد المقرر    رئيس الوزراء يلتقى وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني    الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية: تكثيف الهجوم على غزة سيؤدى لأثر إنسانى مروع    هيئة التأمين الصحى: إشراك القطاع الخاص ركيزة أساسية للتوسع المستقبلى    بعد إلغاء تأشيرات دبلوماسييها.. أستراليا: حكومة نتنياهو تعزل إسرائيل    نجلة طلعت زكريا تكشف سر عن أحمد فهمي تجاه والدها الراحل    مخاطر الخلط بين أبحاث علوم الفضاء وفقه أحكام الفضاء    «عارف حسام حسن بيفكر في إيه».. عصام الحضري يكشف اسم حارس منتخب مصر بأمم أفريقيا    وقت مناسب لترتيب الأولويات.. حظ برج الدلو اليوم 19 أغسطس    "الجبهة الوطنية بالفيوم" ينظم حوارًا مجتمعيًا حول تعديلات قانون ذوي الإعاقة    أبرزها 10 أطنان مخلل.. ضبط أغذية منتهية الصلاحية ومجهولة المصدر ببني سويف    عماد النحاس يكشف موقف لاعبي الأهلي المصابين من المشاركة في المباريات المقبلة    حقيقة إصابة أشرف داري في مران الأهلي وموقف ياسين مرعي من مباراة غزل المحلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليست كل قصاصة صحيفة وثيقة وليس كل «ضابط مباحث» يعرف معني التضمين والمعارضة في الشعر
نشر في القاهرة يوم 27 - 04 - 2010

نشر في جريدة القاهرة الثلاثاء الموافق 13 إبريل 2010، العدد 518، في صفحة:"موسيقي وغناء"، مقال تحت عنوان: "وثيقة نادرة عمرها 75 عاماً، كاتب يتهم أحمد رامي بالسرقة، ونحن نرد!!"، كاتبه: طارق هاشم. من حق أي إنسان أن يتهم آخر بالسرقة، فهذا حق يكفله له القانون، أما في دنيا الفن والأدب، لا يحق لأي أحد أن يتهم فنانا أو شاعراً بالسرقة، لأنها قضية أدبية تعالج بين الخاصة، والذين هم علي دراية بأسرار الفن وأدواته، إن كان شعراً أم قصة أم رواية أم مسرحية أم موسيقي، أما أن يكون المدعي علي الفنان "ضابط مباحث"، والناقل عنه من صغار الشعراء الذين لم نر لهم إنتاجاً يذكر، فلابد أن تكون هناك مؤامرة علي قامة عالية مثل رامي، لن يضر إهالة التراب فيها عليه، بقدر ما يضر كلاً من الكاتب والناقل.
مغالطات
كلفني توحيد رامي بالرد، المقال المليء بالمغالطات اللغوية والأدبية والفنية والتاريخية، ففي عنوان جانبي يقول: "لماذا لم يعلن عن..ولما اختار رامي كحقل تجارب"، أولاً "لِمَ" الاستفهامية كتبت بالألف، فأدت معني آخر، ثم استخدام مصطلح "حقل تجارب"، وكأن رامي فأراً، أجري عليه "ضابط المباحث"، تجاربه، أية تجارب تجري في مجال اتهام شاعر بسرقة أبيات أو معانٍ من شاعر آخر؟ فالموضوع قضية سرقات أدبية، وليست إجراء اختبار لمصل نقضي به علي وباء، وقد شهدت الساحة الأدبية مثل هذه الاتهامات والقضايا منذ ثلاثينات القرن الماضي، وكانت أشهرها ما وقع بين مصطفي صادق الرافعي والعقاد، في مقالات الرافعي: "علي السفود"، وبين العقاد وشوقي، وبين طه حسين ويوسف إدريس، وبين المازني ورامي علي رباعيات الخيام، وبين أحمد زكي أبي شادي والعقاد، وغيرهم كثير، مما يضيق المقام بذكرهم، فلم نر أن أياً من هؤلاء الأدباء، فتح معملاً ووضع الشعراء في أقفاص، وأجري عليهم تجارب، ثم يقول: "يبدأ الضابط الذي لم يذكر اسمه بالحديث عن رامي بصيغة من احترف السطو.."، لا تقال كلمة "بصيغة" إلا في مجال التخاطب بالمثني أو الجمع أو المفرد، أو في تعدد الضمائر، أما صيغة السرقة، هذه جديدة حقاً، أم يقصد سرقة الصيغة؟ ويقول: "كتبها ضابط المباحث الذي ألمح هو إلي نفسه"، فقد استخدم الفعل "ألمح" ماضيا، كما يفهم من العبارة، والفعل ثلاثي، وهو: "لمح"، وليس من الأفعال التي تتعدي بإضافة همزة أو شدة، لأنه متعدٍ بالفعل، وبالتالي، تكون الهمزة للمضارعة، ولابد أن يأتي وراءه مفعول به مثل: "ألمحُ سحاباً"، ويقول: "فالكاتب لجأ إلي السخرية التي تجرد أي قول من موضعيته"، بالله عليكم تأملوا: موضعيته، ألم يعلمه أحد أنها من الموضوعية، أي توخي الحيدة وعدم الميل، فتكون: موضوعيته؟ إلا إذا كان القول في حالة "وضع"، أي مخاض، ثم يقول: "فليس من حق أي أحد أن يرمي أحداً كرامي بالتجهيل"، فالتجهيل مصدر صناعي يقوم به شخص في شخص آخر، مثل التجريح والتذييل، فرامي يقوم بتجهيل من؟ ويقول: "ويؤكد الكاتب علي كون رامي سارقاً علي الرغم من أنه لم يذكر اسم المسروق أما كان له أن يتثني"، بصرف النظر عن الاضطراب الواضح في الجملة، والذي لا يخفي علي القارئ الواعي، نري كلمتين: الأولي: اسم المسروق، هل رامي سرق الرجل أم سرق شعره؟ فأولي به أن يقول: المسروق منه، والثانية: يتثني، وهنا قمة الفكاهة، حين نري ضابط المباحث يترك التحقيق، ويلف خصره بوشاح، ويقوم يتثني كالراقصات، فرحاً باكتشافه المذهل، فهل يقصد يتسني؟ أي يضيء كالبرق، من سنا البرق؟ أم يتسنه، من السني والسناء وهو الارتفاع؟ ومنه قول ناجي في الأطلال: "فتنة تمت سناءً وسني"، أي ضياءً ورفعة، وفي جميع الحالات الاستخدام خاطئ للكلمة، هو يقصد التروي والتأني، فكان يجب أن يقول: يتروي، ويقول: "إلا أنه أورد شيئاً واحداً للشاعر الفحل-كما أسماه-"هنا تحضرني كلمة عادل إمام في مسرحية "شاهد ماشافش حاجة" عندما يقول: "هي وحشة خرنج دي؟"، فلم تعجبه الفحل، واعتبرها تسمية من كاتب المقال، ولم يعلم أنه مصطلح أدبي متعارف عليه بين الشعراء، فيقال: فحول الشعراء، ويقصد بهم الشعراء الذين يجمعون بين سلامة الطبع والصنعة، ومنهم أبو تمام والبحتري والمتنبي، وكل شعراء المعلقات في الجاهلية، وفي كتاب "طبقات الشعراء" لابن سلام الجمحي، قسمهم إلي شعراء فحول وغير فحول، فحين نذكر منهم شاعرا، نضيف إليه لقبه، لا اسمه، ونقول: الشاعر الفحل، أي المنتمي لفحول الشعراء، كما نقول: الشاعر الأبوللي، والشاعر المهجري، إلي آخره، ويقول: "والشاعر الفحل أبي العتاهية"، والصح: أبو، ويقول: بل يجعل من رامي الأول في تجسيد هذه التهمة"، فلم تجسد التهمة في شخص، بل تنسب إليه، وإذا رجعنا للعبارة الأصلية التي نقل منها عن كاتبها، وقد وردت في المقال، لا نجدها تدل علي ذلك، تقول العبارة: "ولست أجد بين لصوص الشعر من هو مثل رامي في جرأته"، فهل هناك تشابه بين العبارتين؟ فكيف للقارئ بعد ذلك أن يطمئن لصحة نقله باقي الجمل عن الكاتب الأصلي؟
أخطاء في المصطلحات
أما أخطاء المصطلحات، فهي: أولاً كلمة "وثيقة"، الواردة في العنوان بل جعلها نادرة، هل تطلق كلمة وثيقة علي كل قصاصة ورق من مجلة، أو جرنال قديم، حتي ولو مر عليه قرنان أو ثلاثة؟ إذا كان الأمر كذلك، فجميع محلات الفول والطعمية والزلابية والأحذية، مليئة بالوثائق، أرجو من الكاتب أن يرجع لمعني الكلمة في أي معجم، ليطلع علي حقيقتها، حتي يستخدمها استخداماً صحيحاً، فهي كل ما يحكم به الأمر والصّك بالدين والمستند وما جري هذا المجري، يضاف لذلك مصيبة أخري، وهي أن كاتب المقال الأصلي في مجلة "الصباح"، المزعومة، لم يذكر اسمه الحقيقي، بل جاء تحت اسم مستعار وهو: "ضابط مباحث"، فمن أين تأتي مصداقية المقال المبني عليه؟ ثم أول سرقة ذكرها، كانت لشاعر مجهول الاسم أيضاً، حيث لم يحضره الاسم الآن، هل هذه أصول للبحث العلمي؟ وقوله إن مجلة الصباح أقدم المجلات قاطبة، فأين أول مجلة ثقافية في حياتنا أنشأها رفاعة رافع الطهطاوي سنة 1863، وهي "روضة المدارس؟ وأين "العروة الوثقي" التي أنشأها جمال الدين الأفغاني سنة 1883؟، وأين مجلة "الفجر" التي أنشأها رواد القصة القصيرة عام 1930؟ وغيرها مما لم يتسع المقام لذكرها، ثم نري الفهم الخاطئ لمعني "المعارضات الشعرية"، الذي دلت عليه عبارته: "وتناسي المعارضات التي كتبها كبار الشعراء في الرد علي ذويهم ممن سبقهم"، فهو يظن أن المعارضات، تبادل شعر الهجاء بين الشعراء، كالذي كان بين الفرزدق وجرير في العصر الأموي، ويلاحظ في الجملة لفظة ذويهم وتعني أقرباءهم، وبالطبع لم يرد الكاتب استخدامها بمعناها، والمعارضات الشعرية هي أن ينسج الشاعر قصيدة علي منوال قصيدة أعجب بها لشاعر آخر، ومن عصر سابق له، ويتخير قصيدة شهيرة استحسنها النقاد، والمقصود بالمنوال: الوزن والقافية والمعني، ولا ننسي في هذا، دور البارودي في حركة البعث والإحياء للشعر، التي قام بها في نهاية القرن التاسع عشر، ليحرر الشعر من الصنعة والتكلف، منطلقاً من موهبته الشعرية، متأثراً بأفكار وخيال ومعاني الشعر القديم في عصوره الزاهرة، وقد بني معظم شعره علي معارضات فحول الشعراء، وكبار القصائد لكل من امرئ القيس، والسموءل، وزهير بن أبي سلمي وأبي فراس الحمداني، والمتنبي وآخرين، وقد كان شوقي يمارس هذه المعارضات، ومن أشهرها معارضته لبردة البصيري ، وقد اتفقت القصيدتان في البحر، وهو البسيط: وفي القافية، وهي الميم، وكلاهما عارض أول بردة في التاريخ في مدح الرسول، وهي بردة كعب بن زهير "بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ" فكتباها من البحر نفسه، لكن القافية اختلفت عند كعب، أما ما يسميه بالسرقات فهو يسمي في الشعر "بالتضمين" وهو أن يضمن الشاعر جملة أو شطراً من بيت أو بيتاً كاملاً في قصيدته، لشاعر آخر، وليس مطلوبا منه أن يفصح عن صاحب البيت أو الجملة المضمنة، وكل من المعارضات والتضمين لا يدلان علي عجز أو ضعف من الشاعر، وإنما يقصد الشاعر إليهما قصداً، بهدف إثبات قدرته الشعرية، وهناك ما يسمي بتوارد الخواطر بين الشعراء، وبخاصة في التجارب الوجدانية المتشابهة، فهناك مثلاً قصيدة باسم: "صخرة الملتقي" لإبراهيم ناجي، وأخري بالاسم نفسه، لعلي محمود طه، وكلاهما تأثر في قصيدته، بقصيدة "البحيرة" للامارتين، الشاعر الفرنسي بعد أن ترجمها أحمد شوقي أثناء وجوده بفرنسا، أوائل القرن الماضي، بسبب إعجابه بما قدمته هذه القصيدة من لغة جديدة ووجدان مختلف، فأعجب بها شعراء الوجدان العرب، فهل هنا نقول إن أحدهما سرق من الثاني؟ بصرف النظر عمن بدأ بكتابتها، ولكل من خليل مطران، وإيليا أبي ماضي، قصيدة بعنوان واحد، هو "المساء"، وذلك بسبب تشابه التجربة الوجدانية في القصيدتين، ولكن لكل من الشاعرين معالجة مختلفة في التعبير عن تجربته، فمن المستحيل تشابه أسلوبين، حتي ولو كانا لشاعر واحد، فأنت لا تضع قدمك في النهر مرتين، كما بدا تأثر البارودي واضحاًُ في شعره، بقصائد الشعراء القدامي، ومع ذلك، هناك فروق في التناول، لا تخفي علي كل من حباه الله فطنة أدبية، وتذوقا سليما، كما أن رامي عارض شوقي في أشهر قصائده، التي أشار إليها كاتبنا في مقاله وهي: "الصب تفضحه عيونه"، وهذا ليس عنوان القصيدة أساساً، فعنوانها: "سري وسرك"، وهي معارضة لقصيدة شوقي الرقيقة: "يا ناعماً رقدت جفونه"، من البحر نفسه، وهو مجزوء الكامل: ""، والقافية نفسها، وهي النون المشبعة بالهاء، مع تشابه التجربة الشعرية في القصيدتين، وغالبا ما يتقارب المعجم الشعري عند كل العذريين والرومانسيين، سواء كانوا من العصر القديم أم الحديث، لأن التجارب الإنسانية واحدة في كل العصور، فليست مفردات العشق والهيام، حكرا علي شاعر دون غيره.
رامي متهما بفساد الذوق
أما اتهام رامي بفساد الذوق، حتي في ترتيبه لللآلئ المسروقة، كما يقول "ضابط المباحث" المزعوم ، فذلك أمر وافقه عليه كاتب المقال، بدليل قوله: "وقد لا أختلف مع المحرر في جمال بيت أبي العتاهية" وقد جاء ببيت أبي العتاهية، وهو: "قد غاب عني شخصها/أحرمني طيب الوسن"، ولم يأت ببيت رامي الشبيه، حتي يتمكن القارئ من المقارنة بنفسه، ثم يصل للنتيجة، وكأن القارئ يتفق معه فيما يقول: "إلا أنني لا أتفق مع تسمية ما حدث بالسرقة، فالأمر لا يتجاوز التأثر"، أين إذن بيت رامي؟ هل يقصد قصيدته: "غاب بدري عن عيوني"، فلا تشابه علي الإطلاق، أم: "يا غائبا عن عيوني"؟ إن كان يقصد ذلك فإليكم مطلع القصيدة: "يا غائبا عن عيوني/وحاضراً في خيالي/تعال هدئ شئوني/طالت علي الليالي/تعال آنس فؤادي/تعال سامر سهادي"، الاختلاف واضح بين القصيدتين، ففي الأولي غاب الحبيب برسمه عن الحبيب، فحرمه المنام، أما الثانية فهي مناجاة لطيف حاضر، وفي قصيدة "خاصمتني"، أين السرقة في قول رامي: "خاصمتني وأنا حيران من أمر الخصام/وجفتني فإذا النوم علي جفني حرام/لست أدري أدلالاً كان منها أم ملالاً/أم قلوب الغيد حال بعد حال"، وقول الشاعر المجهول الذي لم يتذكر اسمه: "يا لطيف اللّمي وحلوَ التثني/أدلالا هجرتني أم ملالا/أم صدودا أم قسوة أم تجني" فهو مجرد عاشق، وقع في حيرة من التساؤلات حول هجران حبيبه، ويمكن أن يستمر في تساؤلاته إلي مالا نهاية، فيقول: أم صدمته سيارة، أم قبض عليه الأمن في مظاهرة، أم قتلته أنفلونزا الخنازير، وهكذا يستمر. ومن أخطائه في المصطلحات أيضاً، إطلاقه كلمة "مونولوج" علي أول أغنية بالعامية كتبها رامي لأم كلثوم، بعد لقائه بها عام 1924، في مسرح الأزبكية، وهي: "خايف يكون حبك ليا شفقة عليا"، فهل يعرف كاتب المقال ما "المونولوج"؟ وما الفرق بينه وبين الموشح والموال والطقطوقة؟ أنصحه بالرجوع لكتاب زين نصار "الموسيقي العربية" ويقرأ هذا، المونولوج هو بناء درامي، يناجي فيه المغني حبيبا غائبا، يبدأ هادئاً، ويستمر في التصاعد الدرامي، حتي يصل البناء لمنتهاه، وهو فن أدخله رامي، بالاشتراك مع القصبجي، علي الفن المصري، وكان أول مونولوج قدمه لأم كلثوم هو: "إن كنت اسامح وانسي الأسية ما خلصش عمري من لوم عينيه"، وهو من تلحين القصبجي وقد فتن هذا المونولوج كل الموسيقيين، في كلماته وألحانه، وعلي رأسهم عبد الوهاب، والسنباطي، واعتبروه فتحاً جديداً في الغناء الشرقي، ثم طلبا من رامي أن يكتب لهما المونولوج لتلحينه، وقد كان، ومن أشهر المونولوجات التي كتبها رامي، ولحنها السنباطي لأم كلثوم: "النوم يداعب عيون حبيبي"، و"أيها الفلك علي وشك الرحيل"، ولا يخفي علي القارئ الواعي الفرق بين خايف يكون حبك ليا" و"إن كنت اسامح"، الأولي يخاطب فيها الحبيب، فانتفت عنه صفة المونولوج، وهو حديث النفس الداخلي، بينما يتضح ذلك في الثانية، هذا بالإضافة للخطأ في عرض الأغنيات التي كتبها رامي، سواء في اسمها أو في المعلومات عنها، فمثلاً: "خايف يكون حبك ليا"، لم يلحنها النجريدي، بل القصبجي، أما "الخلاعة والدلاعة" فلم يكتبها رامي، بل كتبها المانسترلي لأن أم كلثوم أرادت أن تجرب هذا اللون من الغناء الذي كانت تشتهر به منيرة المهدية، ويستهوي كثيراً من الجمهور، كما أنها لم تسجلها علي اسطوانة، لأن أم كلثوم أذكي من أن تثبت تجربة من هذا النوع عليها، قبل أن تتأكد من رد فعل الجمهور الذي تعود منها الاحترام والاحتشام، بل غنتها في حفل، وعندما لم تجد استحساناً من الجمهور، تراجعت عن هذا اللون تماماً، وعادت لغناء رامي، وقد عدل رامي لها في الأغنية، فأصبحت: "الخفافة واللطافة مذهبي"، والخطأ في ذكر أغنية رامي: "الورد فتح"، فقال: "أغنية الفل والياسمين والورد" وكأن رامي يسرح مع أم كلثوم يبيعان الفل والورد علي الكورنيش للعشاق، والأغنية تقول: "الورد فتح والياسمين/لما الحبيب هل هلاله/وفضلت أقول الشوق ده لمين/حتي بهر عيني جماله"، ثم يخرج الكاتب عن موضوع المقال ويقارن بين سرقات رامي المزعومة، أو هذا الاكتشاف المذهل، بحادث تبليغ أم كلثوم عن اغتصابها؟ فما علاقة هذا بذاك؟ هل هذا فن وأدب جاد؟ إنه إسفاف واستعراض لمعلومات تافهة، وينهي مقاله بالتساؤل: "هل كان الشاعر أحمد رامي لصاً بالفعل؟" ويريد الإجابة من القارئ، أليس مكلفا هو في مقاله، بوضع الإجابة عن هذا التساؤل؟ وإلا فما فائدة مقاله من الأساس؟ الحقيقة أنه لم يكن المقال إلا إهالة التراب علي قامات فنية كبري، كرامي وأم كلثوم، قامات أثرت الوجدان العربي علي مدي قرن من الزمان؟لابد للكاتب أن يتحقق من شيئين: الأول: صحة اسم المنقول عنه، والثاني: التأكد من القراءة الصحيحة لمقدم المقال، لمن نقل عنهم، فهو قد يخطئ في فهم ما بين السطور، وبخاصة في الموضوعات الأدبية التي تحتمل التأويل وتعدد الرؤي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.