بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    أسعار الدواجن اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    أسعار العملات اليوم الجمعة 17-5-2024 مقابل الجنيه المصري بالبنوك    أسعار الحديد اليوم الجمعة 17-5-2024 في أسواق محافظة المنيا    مراسل القاهرة الإخبارية: العدوان الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يتصاعد    "حزب الله" يشن هجوما جويا على خيم مبيت جنود الجيش الإسرائيلي في جعتون    فصائل فلسطينية: قصفنا تجمعا لآليات الاحتلال وقوة إسرائيلية شرق جباليا    الخضري: لا بد من مشاركة شحاتة أساسيا مع الزمالك.. وأخشى من تسجيل نهضة بركان لهدف    مستقبل تشافي مع برشلونة في خطر.. الأجواء تشتعل    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    سيولة وانتظام حركة السيارات في القاهرة والجيزة.. النشرة المرورية    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة المنيا    أيمن صفوت يفوز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي من مهرجان الفيمتو آرت بأكاديمية الفنون    مي عز الدين تحتفل بعيد ميلاد الزعيم عادل إمام على طريقتها الخاصة (فيديو)    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    تركيا تجري محادثات مع بي.واي.دي وشيري لبناء مصنع للسيارات الكهربائية    موعد مباراة النصر والهلال والقنوات الناقلة في الدوري السعودي    تشكيل النصر والهلال المتوقع في الدوري السعودي.. الموعد والقنوات الناقلة    أستراليا تفرض عقوبات على كيانات مرتبطة بتزويد روسيا بأسلحة كورية شمالية    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    فصائل فلسطينية: قصفنا تجمعا لآليات الاحتلال وقوة إسرائيلية فى جباليا    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    الفن المصرى «سلاح مقاومة» لدعم القضية الفلسطينية    فرصة استثمارية واعدة    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تقنية غريبة قد تساعدك على العيش للأبد..كيف نجح الصينيون في تجميد المخ؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    الاحتلال يُجرف مناطق في بيت حانون    سيولة مرورية وسط كثافات محدودة بشوارع القاهرة والجيزة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 17 مايو 2024    استئناف الرحلات والأنشطة البحرية والغطس في الغردقة بعد تحسن الأحوال الجوية    دعاء تسهيل الامتحان.. «اللهم أجعل الصعب سهلا وافتح علينا فتوح العارفين»    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    «قضايا اغتصاب واعتداء».. بسمة وهبة تفضح «أوبر» بالصوت والصورة (فيديو)    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    «رايحة فرح في نص الليل؟».. رد محامي سائق أوبر على واقعة فتاة التجمع    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليست كل قصاصة صحيفة وثيقة وليس كل «ضابط مباحث» يعرف معني التضمين والمعارضة في الشعر
نشر في القاهرة يوم 27 - 04 - 2010

نشر في جريدة القاهرة الثلاثاء الموافق 13 إبريل 2010، العدد 518، في صفحة:"موسيقي وغناء"، مقال تحت عنوان: "وثيقة نادرة عمرها 75 عاماً، كاتب يتهم أحمد رامي بالسرقة، ونحن نرد!!"، كاتبه: طارق هاشم. من حق أي إنسان أن يتهم آخر بالسرقة، فهذا حق يكفله له القانون، أما في دنيا الفن والأدب، لا يحق لأي أحد أن يتهم فنانا أو شاعراً بالسرقة، لأنها قضية أدبية تعالج بين الخاصة، والذين هم علي دراية بأسرار الفن وأدواته، إن كان شعراً أم قصة أم رواية أم مسرحية أم موسيقي، أما أن يكون المدعي علي الفنان "ضابط مباحث"، والناقل عنه من صغار الشعراء الذين لم نر لهم إنتاجاً يذكر، فلابد أن تكون هناك مؤامرة علي قامة عالية مثل رامي، لن يضر إهالة التراب فيها عليه، بقدر ما يضر كلاً من الكاتب والناقل.
مغالطات
كلفني توحيد رامي بالرد، المقال المليء بالمغالطات اللغوية والأدبية والفنية والتاريخية، ففي عنوان جانبي يقول: "لماذا لم يعلن عن..ولما اختار رامي كحقل تجارب"، أولاً "لِمَ" الاستفهامية كتبت بالألف، فأدت معني آخر، ثم استخدام مصطلح "حقل تجارب"، وكأن رامي فأراً، أجري عليه "ضابط المباحث"، تجاربه، أية تجارب تجري في مجال اتهام شاعر بسرقة أبيات أو معانٍ من شاعر آخر؟ فالموضوع قضية سرقات أدبية، وليست إجراء اختبار لمصل نقضي به علي وباء، وقد شهدت الساحة الأدبية مثل هذه الاتهامات والقضايا منذ ثلاثينات القرن الماضي، وكانت أشهرها ما وقع بين مصطفي صادق الرافعي والعقاد، في مقالات الرافعي: "علي السفود"، وبين العقاد وشوقي، وبين طه حسين ويوسف إدريس، وبين المازني ورامي علي رباعيات الخيام، وبين أحمد زكي أبي شادي والعقاد، وغيرهم كثير، مما يضيق المقام بذكرهم، فلم نر أن أياً من هؤلاء الأدباء، فتح معملاً ووضع الشعراء في أقفاص، وأجري عليهم تجارب، ثم يقول: "يبدأ الضابط الذي لم يذكر اسمه بالحديث عن رامي بصيغة من احترف السطو.."، لا تقال كلمة "بصيغة" إلا في مجال التخاطب بالمثني أو الجمع أو المفرد، أو في تعدد الضمائر، أما صيغة السرقة، هذه جديدة حقاً، أم يقصد سرقة الصيغة؟ ويقول: "كتبها ضابط المباحث الذي ألمح هو إلي نفسه"، فقد استخدم الفعل "ألمح" ماضيا، كما يفهم من العبارة، والفعل ثلاثي، وهو: "لمح"، وليس من الأفعال التي تتعدي بإضافة همزة أو شدة، لأنه متعدٍ بالفعل، وبالتالي، تكون الهمزة للمضارعة، ولابد أن يأتي وراءه مفعول به مثل: "ألمحُ سحاباً"، ويقول: "فالكاتب لجأ إلي السخرية التي تجرد أي قول من موضعيته"، بالله عليكم تأملوا: موضعيته، ألم يعلمه أحد أنها من الموضوعية، أي توخي الحيدة وعدم الميل، فتكون: موضوعيته؟ إلا إذا كان القول في حالة "وضع"، أي مخاض، ثم يقول: "فليس من حق أي أحد أن يرمي أحداً كرامي بالتجهيل"، فالتجهيل مصدر صناعي يقوم به شخص في شخص آخر، مثل التجريح والتذييل، فرامي يقوم بتجهيل من؟ ويقول: "ويؤكد الكاتب علي كون رامي سارقاً علي الرغم من أنه لم يذكر اسم المسروق أما كان له أن يتثني"، بصرف النظر عن الاضطراب الواضح في الجملة، والذي لا يخفي علي القارئ الواعي، نري كلمتين: الأولي: اسم المسروق، هل رامي سرق الرجل أم سرق شعره؟ فأولي به أن يقول: المسروق منه، والثانية: يتثني، وهنا قمة الفكاهة، حين نري ضابط المباحث يترك التحقيق، ويلف خصره بوشاح، ويقوم يتثني كالراقصات، فرحاً باكتشافه المذهل، فهل يقصد يتسني؟ أي يضيء كالبرق، من سنا البرق؟ أم يتسنه، من السني والسناء وهو الارتفاع؟ ومنه قول ناجي في الأطلال: "فتنة تمت سناءً وسني"، أي ضياءً ورفعة، وفي جميع الحالات الاستخدام خاطئ للكلمة، هو يقصد التروي والتأني، فكان يجب أن يقول: يتروي، ويقول: "إلا أنه أورد شيئاً واحداً للشاعر الفحل-كما أسماه-"هنا تحضرني كلمة عادل إمام في مسرحية "شاهد ماشافش حاجة" عندما يقول: "هي وحشة خرنج دي؟"، فلم تعجبه الفحل، واعتبرها تسمية من كاتب المقال، ولم يعلم أنه مصطلح أدبي متعارف عليه بين الشعراء، فيقال: فحول الشعراء، ويقصد بهم الشعراء الذين يجمعون بين سلامة الطبع والصنعة، ومنهم أبو تمام والبحتري والمتنبي، وكل شعراء المعلقات في الجاهلية، وفي كتاب "طبقات الشعراء" لابن سلام الجمحي، قسمهم إلي شعراء فحول وغير فحول، فحين نذكر منهم شاعرا، نضيف إليه لقبه، لا اسمه، ونقول: الشاعر الفحل، أي المنتمي لفحول الشعراء، كما نقول: الشاعر الأبوللي، والشاعر المهجري، إلي آخره، ويقول: "والشاعر الفحل أبي العتاهية"، والصح: أبو، ويقول: بل يجعل من رامي الأول في تجسيد هذه التهمة"، فلم تجسد التهمة في شخص، بل تنسب إليه، وإذا رجعنا للعبارة الأصلية التي نقل منها عن كاتبها، وقد وردت في المقال، لا نجدها تدل علي ذلك، تقول العبارة: "ولست أجد بين لصوص الشعر من هو مثل رامي في جرأته"، فهل هناك تشابه بين العبارتين؟ فكيف للقارئ بعد ذلك أن يطمئن لصحة نقله باقي الجمل عن الكاتب الأصلي؟
أخطاء في المصطلحات
أما أخطاء المصطلحات، فهي: أولاً كلمة "وثيقة"، الواردة في العنوان بل جعلها نادرة، هل تطلق كلمة وثيقة علي كل قصاصة ورق من مجلة، أو جرنال قديم، حتي ولو مر عليه قرنان أو ثلاثة؟ إذا كان الأمر كذلك، فجميع محلات الفول والطعمية والزلابية والأحذية، مليئة بالوثائق، أرجو من الكاتب أن يرجع لمعني الكلمة في أي معجم، ليطلع علي حقيقتها، حتي يستخدمها استخداماً صحيحاً، فهي كل ما يحكم به الأمر والصّك بالدين والمستند وما جري هذا المجري، يضاف لذلك مصيبة أخري، وهي أن كاتب المقال الأصلي في مجلة "الصباح"، المزعومة، لم يذكر اسمه الحقيقي، بل جاء تحت اسم مستعار وهو: "ضابط مباحث"، فمن أين تأتي مصداقية المقال المبني عليه؟ ثم أول سرقة ذكرها، كانت لشاعر مجهول الاسم أيضاً، حيث لم يحضره الاسم الآن، هل هذه أصول للبحث العلمي؟ وقوله إن مجلة الصباح أقدم المجلات قاطبة، فأين أول مجلة ثقافية في حياتنا أنشأها رفاعة رافع الطهطاوي سنة 1863، وهي "روضة المدارس؟ وأين "العروة الوثقي" التي أنشأها جمال الدين الأفغاني سنة 1883؟، وأين مجلة "الفجر" التي أنشأها رواد القصة القصيرة عام 1930؟ وغيرها مما لم يتسع المقام لذكرها، ثم نري الفهم الخاطئ لمعني "المعارضات الشعرية"، الذي دلت عليه عبارته: "وتناسي المعارضات التي كتبها كبار الشعراء في الرد علي ذويهم ممن سبقهم"، فهو يظن أن المعارضات، تبادل شعر الهجاء بين الشعراء، كالذي كان بين الفرزدق وجرير في العصر الأموي، ويلاحظ في الجملة لفظة ذويهم وتعني أقرباءهم، وبالطبع لم يرد الكاتب استخدامها بمعناها، والمعارضات الشعرية هي أن ينسج الشاعر قصيدة علي منوال قصيدة أعجب بها لشاعر آخر، ومن عصر سابق له، ويتخير قصيدة شهيرة استحسنها النقاد، والمقصود بالمنوال: الوزن والقافية والمعني، ولا ننسي في هذا، دور البارودي في حركة البعث والإحياء للشعر، التي قام بها في نهاية القرن التاسع عشر، ليحرر الشعر من الصنعة والتكلف، منطلقاً من موهبته الشعرية، متأثراً بأفكار وخيال ومعاني الشعر القديم في عصوره الزاهرة، وقد بني معظم شعره علي معارضات فحول الشعراء، وكبار القصائد لكل من امرئ القيس، والسموءل، وزهير بن أبي سلمي وأبي فراس الحمداني، والمتنبي وآخرين، وقد كان شوقي يمارس هذه المعارضات، ومن أشهرها معارضته لبردة البصيري ، وقد اتفقت القصيدتان في البحر، وهو البسيط: وفي القافية، وهي الميم، وكلاهما عارض أول بردة في التاريخ في مدح الرسول، وهي بردة كعب بن زهير "بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ" فكتباها من البحر نفسه، لكن القافية اختلفت عند كعب، أما ما يسميه بالسرقات فهو يسمي في الشعر "بالتضمين" وهو أن يضمن الشاعر جملة أو شطراً من بيت أو بيتاً كاملاً في قصيدته، لشاعر آخر، وليس مطلوبا منه أن يفصح عن صاحب البيت أو الجملة المضمنة، وكل من المعارضات والتضمين لا يدلان علي عجز أو ضعف من الشاعر، وإنما يقصد الشاعر إليهما قصداً، بهدف إثبات قدرته الشعرية، وهناك ما يسمي بتوارد الخواطر بين الشعراء، وبخاصة في التجارب الوجدانية المتشابهة، فهناك مثلاً قصيدة باسم: "صخرة الملتقي" لإبراهيم ناجي، وأخري بالاسم نفسه، لعلي محمود طه، وكلاهما تأثر في قصيدته، بقصيدة "البحيرة" للامارتين، الشاعر الفرنسي بعد أن ترجمها أحمد شوقي أثناء وجوده بفرنسا، أوائل القرن الماضي، بسبب إعجابه بما قدمته هذه القصيدة من لغة جديدة ووجدان مختلف، فأعجب بها شعراء الوجدان العرب، فهل هنا نقول إن أحدهما سرق من الثاني؟ بصرف النظر عمن بدأ بكتابتها، ولكل من خليل مطران، وإيليا أبي ماضي، قصيدة بعنوان واحد، هو "المساء"، وذلك بسبب تشابه التجربة الوجدانية في القصيدتين، ولكن لكل من الشاعرين معالجة مختلفة في التعبير عن تجربته، فمن المستحيل تشابه أسلوبين، حتي ولو كانا لشاعر واحد، فأنت لا تضع قدمك في النهر مرتين، كما بدا تأثر البارودي واضحاًُ في شعره، بقصائد الشعراء القدامي، ومع ذلك، هناك فروق في التناول، لا تخفي علي كل من حباه الله فطنة أدبية، وتذوقا سليما، كما أن رامي عارض شوقي في أشهر قصائده، التي أشار إليها كاتبنا في مقاله وهي: "الصب تفضحه عيونه"، وهذا ليس عنوان القصيدة أساساً، فعنوانها: "سري وسرك"، وهي معارضة لقصيدة شوقي الرقيقة: "يا ناعماً رقدت جفونه"، من البحر نفسه، وهو مجزوء الكامل: ""، والقافية نفسها، وهي النون المشبعة بالهاء، مع تشابه التجربة الشعرية في القصيدتين، وغالبا ما يتقارب المعجم الشعري عند كل العذريين والرومانسيين، سواء كانوا من العصر القديم أم الحديث، لأن التجارب الإنسانية واحدة في كل العصور، فليست مفردات العشق والهيام، حكرا علي شاعر دون غيره.
رامي متهما بفساد الذوق
أما اتهام رامي بفساد الذوق، حتي في ترتيبه لللآلئ المسروقة، كما يقول "ضابط المباحث" المزعوم ، فذلك أمر وافقه عليه كاتب المقال، بدليل قوله: "وقد لا أختلف مع المحرر في جمال بيت أبي العتاهية" وقد جاء ببيت أبي العتاهية، وهو: "قد غاب عني شخصها/أحرمني طيب الوسن"، ولم يأت ببيت رامي الشبيه، حتي يتمكن القارئ من المقارنة بنفسه، ثم يصل للنتيجة، وكأن القارئ يتفق معه فيما يقول: "إلا أنني لا أتفق مع تسمية ما حدث بالسرقة، فالأمر لا يتجاوز التأثر"، أين إذن بيت رامي؟ هل يقصد قصيدته: "غاب بدري عن عيوني"، فلا تشابه علي الإطلاق، أم: "يا غائبا عن عيوني"؟ إن كان يقصد ذلك فإليكم مطلع القصيدة: "يا غائبا عن عيوني/وحاضراً في خيالي/تعال هدئ شئوني/طالت علي الليالي/تعال آنس فؤادي/تعال سامر سهادي"، الاختلاف واضح بين القصيدتين، ففي الأولي غاب الحبيب برسمه عن الحبيب، فحرمه المنام، أما الثانية فهي مناجاة لطيف حاضر، وفي قصيدة "خاصمتني"، أين السرقة في قول رامي: "خاصمتني وأنا حيران من أمر الخصام/وجفتني فإذا النوم علي جفني حرام/لست أدري أدلالاً كان منها أم ملالاً/أم قلوب الغيد حال بعد حال"، وقول الشاعر المجهول الذي لم يتذكر اسمه: "يا لطيف اللّمي وحلوَ التثني/أدلالا هجرتني أم ملالا/أم صدودا أم قسوة أم تجني" فهو مجرد عاشق، وقع في حيرة من التساؤلات حول هجران حبيبه، ويمكن أن يستمر في تساؤلاته إلي مالا نهاية، فيقول: أم صدمته سيارة، أم قبض عليه الأمن في مظاهرة، أم قتلته أنفلونزا الخنازير، وهكذا يستمر. ومن أخطائه في المصطلحات أيضاً، إطلاقه كلمة "مونولوج" علي أول أغنية بالعامية كتبها رامي لأم كلثوم، بعد لقائه بها عام 1924، في مسرح الأزبكية، وهي: "خايف يكون حبك ليا شفقة عليا"، فهل يعرف كاتب المقال ما "المونولوج"؟ وما الفرق بينه وبين الموشح والموال والطقطوقة؟ أنصحه بالرجوع لكتاب زين نصار "الموسيقي العربية" ويقرأ هذا، المونولوج هو بناء درامي، يناجي فيه المغني حبيبا غائبا، يبدأ هادئاً، ويستمر في التصاعد الدرامي، حتي يصل البناء لمنتهاه، وهو فن أدخله رامي، بالاشتراك مع القصبجي، علي الفن المصري، وكان أول مونولوج قدمه لأم كلثوم هو: "إن كنت اسامح وانسي الأسية ما خلصش عمري من لوم عينيه"، وهو من تلحين القصبجي وقد فتن هذا المونولوج كل الموسيقيين، في كلماته وألحانه، وعلي رأسهم عبد الوهاب، والسنباطي، واعتبروه فتحاً جديداً في الغناء الشرقي، ثم طلبا من رامي أن يكتب لهما المونولوج لتلحينه، وقد كان، ومن أشهر المونولوجات التي كتبها رامي، ولحنها السنباطي لأم كلثوم: "النوم يداعب عيون حبيبي"، و"أيها الفلك علي وشك الرحيل"، ولا يخفي علي القارئ الواعي الفرق بين خايف يكون حبك ليا" و"إن كنت اسامح"، الأولي يخاطب فيها الحبيب، فانتفت عنه صفة المونولوج، وهو حديث النفس الداخلي، بينما يتضح ذلك في الثانية، هذا بالإضافة للخطأ في عرض الأغنيات التي كتبها رامي، سواء في اسمها أو في المعلومات عنها، فمثلاً: "خايف يكون حبك ليا"، لم يلحنها النجريدي، بل القصبجي، أما "الخلاعة والدلاعة" فلم يكتبها رامي، بل كتبها المانسترلي لأن أم كلثوم أرادت أن تجرب هذا اللون من الغناء الذي كانت تشتهر به منيرة المهدية، ويستهوي كثيراً من الجمهور، كما أنها لم تسجلها علي اسطوانة، لأن أم كلثوم أذكي من أن تثبت تجربة من هذا النوع عليها، قبل أن تتأكد من رد فعل الجمهور الذي تعود منها الاحترام والاحتشام، بل غنتها في حفل، وعندما لم تجد استحساناً من الجمهور، تراجعت عن هذا اللون تماماً، وعادت لغناء رامي، وقد عدل رامي لها في الأغنية، فأصبحت: "الخفافة واللطافة مذهبي"، والخطأ في ذكر أغنية رامي: "الورد فتح"، فقال: "أغنية الفل والياسمين والورد" وكأن رامي يسرح مع أم كلثوم يبيعان الفل والورد علي الكورنيش للعشاق، والأغنية تقول: "الورد فتح والياسمين/لما الحبيب هل هلاله/وفضلت أقول الشوق ده لمين/حتي بهر عيني جماله"، ثم يخرج الكاتب عن موضوع المقال ويقارن بين سرقات رامي المزعومة، أو هذا الاكتشاف المذهل، بحادث تبليغ أم كلثوم عن اغتصابها؟ فما علاقة هذا بذاك؟ هل هذا فن وأدب جاد؟ إنه إسفاف واستعراض لمعلومات تافهة، وينهي مقاله بالتساؤل: "هل كان الشاعر أحمد رامي لصاً بالفعل؟" ويريد الإجابة من القارئ، أليس مكلفا هو في مقاله، بوضع الإجابة عن هذا التساؤل؟ وإلا فما فائدة مقاله من الأساس؟ الحقيقة أنه لم يكن المقال إلا إهالة التراب علي قامات فنية كبري، كرامي وأم كلثوم، قامات أثرت الوجدان العربي علي مدي قرن من الزمان؟لابد للكاتب أن يتحقق من شيئين: الأول: صحة اسم المنقول عنه، والثاني: التأكد من القراءة الصحيحة لمقدم المقال، لمن نقل عنهم، فهو قد يخطئ في فهم ما بين السطور، وبخاصة في الموضوعات الأدبية التي تحتمل التأويل وتعدد الرؤي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.