رن الهاتف وجاءني صوته عبر عشرسنين من النسيان، وأعادتني لهجته إلي مغامرات أدهشني غيابها عن الذاكرة، ترددت لثوان ثم دعوته مرحباً ووصفت له العنوان، وفي البيت طلبت غداءً فاخراً وصلني ساخناً قبل الضيف بلحظات، وكما كان متوقعاً أخذنا نذكر ونتذكر نفسينا، وهالني قدر التغييرات التي أضفاها خيالي علي الأحداث العادية، لكني انشغلت أكثر بحالة ضيفي المزرية، وبينما كان يحكي آخر أخبار الذين نسيت أسماءهم كنت أفكر في كيفية المساعدة التي أستطيع أن أقدمها له، وطالت الجلسة واكتشفت أن لديه موعداً مسائياً عند طبيب مشهور عندنا في العاصمة، فبدأت أجيب عن اتصالاتي التليفونية.. وأقلّب قنوات التليفزيون وأعددت شاياً عدة مرات واعتذرت عن مواعيد، وسألني عن الحياة في الحي الراقي فوجدت نفسي أبالغ في أسعار الإيجارات والسلع، ونظرت له من طرف خفي وقلت لنفسي إن الفقر لا يبرر القذارة، وعندما حان موعده كنت قد حسمت أمري، وضعت مبلغاً معقولاً في جيب معطف قديم وأهديته له، وذكرته مرتين بلهجة ذات مغزي أن ينتبه وهو يمسك المعطف لئلا يسقط منه شيء، وأقسم عليّ ألا أنزل معه وأنه سيشير إلي أي تاكسي، فاكتفيت بالنزول إلي مدخل العمارة وصعدت سريعاً فربما أراد أن يركب أوتوبيساً ليستفيد بفارق النقود.