هيئة بحرية بريطانية: غرق سفينة بعد استهدافها بزورق مفخخ يوم 12 يونيو    قائمة بيراميدز في مواجهة بلدية المحلة    انتشال جثة شاب غرق بمياه نهر النيل بالعياط    الجيش الإسرائيلى: تمت المصادقة على خطط الهجوم على لبنان    أكثر من 28 ألف زائر للأهرامات و3700 للقلعة فى عيد الأضحى حتى اليوم    بطريرك السريان يزور الكردينال جان مارك رئيس أساقفة أبرشية مرسيليا    المبعوث الأمريكي إلى لبنان: وقف الحرب بغزة ينهي التصعيد بين لبنان وإسرائيل    نتنياهو: بلينكن أكد سعي أمريكا لإلغاء قيود تقديم السلاح لإسرائيل    مقتل وإصابة 23 شخصا وفقدان 20 جراء انهيارات أرضية في الإكوادور    سرب نحل يغزو ملعب ألمانيا ضد المجر قبل مباراة غد فى يورو 2024.. صور    دليلك الكامل ل بطاقة الخدمات المتكاملة 2024.. الاستعلام وشروط التسجيل والأوراق والمزايا    كولر: أرفض "التلقيح" حول علاقتي بموديست.. وترتيب المهاجمين مُتغير    أبرز تصريحات وزير المالية بشأن تخفيف الأعباء الضريبية| إنفوجراف    إنقاذ 61 حالة من الغرق وتسليم 87 طفلا تائها إلى ذويهم برأس البر    مساعد وزير الداخلية الأسبق: الجرائم تكتمل بمجني عليه «جاهل طماع» ومتهم «ذكي محتال»    البحيرة: وصول 103 آلاف شجرة بالمرحلة الثانية ل "المبادرة الرئاسية"    «المنشاوي» يشيد بالعمل المتواصل بجامعة أسيوط من أجل بيئة أفضل    أحلام تطمئن الجمهور على حالتها الصحية قبل حفلها في الكويت (فيديو)    تفاصيل أكبر حفل جماهيري لتامر حسني في عيد الأضحى 2024 (صور)    تناولها من النهارده، أطعمة تخلصك من وزنك بعد الفتة والرقاق    بيت الزكاة والصدقات يستعد لتوزيع 300 طن لحوم على المستحقين غدا    عاجل.. إيقاف قيد الزمالك رسميا    «ري كفر الشيخ»: متابعة مناسيب المياه بالترع والمصارف على مدار الساعة    دليلك الكامل للالتحاق ب مدارس التمريض 2024.. شروط التسجيل والأوراق المطلوبة والمزايا    دار الإفتاء عن حكم التعجل في رمي الجمرات خلال يومين: جائز شرعا    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    لسهرة مميزة في العيد، حلويات سريعة التحضير قدميها لأسرتك    مطران مطاي يهنئ رئيس مدينة سمالوط بعيد الأضحى    13 ذو الحجة.. جدول المصحف المرتل بإذاعة القرآن الكريم غدا    «دعم اجتماعي ومبادرات خيرية» كيف غيّرت قصة بائع غزل البنات من حياته؟    أخبار الأهلي : تصنيف "فيفا" الجديد ل منتخب مصر يفاجئ حسام حسن    عودة الاقتصاد المصرى إلى مسار أكثر استقرارا فى عدد اليوم السابع غدا    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إنتاج وتكنولوجيا القطن بزراعة سابا باشا جامعة الإسكندرية    إسماعيل فرغلي يكشف عن تفاصيل إصابته بالسرطان    "تخاذل من التحكيم".. نبيل الحلفاوي يعلق على أزمة ركلة جزاء الزمالك أمام المصري    «البيئة» توضح تفاصيل العثور على حوت نافق بالساحل الشمالي    جدول مباريات ريال مدريد بالكامل فى الدورى الإسبانى 2024-2025    الجارديان: حل مجلس الحرب سيدفع نتنياهو لمواجهة الفشل وحده    «الصحة» تقدم نصائح لتجنب زيادة الوزن في عطلة عيد الأضحى    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    تفاصيل جديدة في واقعة وفاة الطيار المصري حسن عدس خلال رحلة للسعودية    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    الصحة: فحص 14 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    البحيرة تنظم رحلات نيلية وكرنفالات وعروض فنية احتفالا بعيد الأضحى    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    بعثة الحج: إعادة 142 حاجًا تائهًا وحالة مفقودة    الاتحاد الأوروبي والصين يعقدان الحوار ال39 بشأن حقوق الإنسان والعلاقات المشتركة    الحرس القديم سلاح البرتغال في يورو 2024    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    مدرب بلجيكا: لم نقصر ضد سلوفاكيا ولو سجلنا لاختلف الحديث تماما    العثور على جثة شخص بجوار حوض صرف صحى فى قنا    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالفيديو..«الدستور»تكشف عن مقابر جماعية لأسرى مصريين قتلهم الجيش الإسرائيلي في67
نشر في الدستور الأصلي يوم 07 - 05 - 2010

تكشف «الدستور» عن جرائم حرب إسرائيلية بسيناء ارتكبت ضد الجنود المصريين خلال الأيام الأولي لاحتلال سيناء في 67، وراح ضحيتها مئات الجنود الذين ضمتهم مقابر جماعية بمنطقة الوسط التي كان يطلق عليها سابقا «خط دفاع أول»، أو«المنطقة السوداء» بحسب تسميتها الحالية.. ويكشف التحقيق عن مقابر جماعية تضم رفات جنود قتلهم الجيش الإسرائيلي خلال يومي 5 و6 يونيو، بشكل مكثف ومنهجي، فيما يوصف في القانون الدولي بجرائم الحرب بحق الجنود والمدنيين، بالمخالفة لبنود معاهدات جينيف الأربع، التي تتولي مسئولية تنظيم قواعد حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب، وطريقة الاعتناء بالجرحي والمرضي وأسري الحرب الموجودين بساحات المعارك.
«كنت علي قمة جبل بعيد، مداري عنهم، وشفت المجندة «رفيهة آدان» بتضرب العساكر المصريين بالرشاش وهما مستسلمين بعد ما ألقوا أسلحتهم علي الأرض ورفعوا إيديهم».. هكذا سجل سويلم سليمان مسلم، أحد أبناء منطقة وسط سيناء شهادته عن واحدة من أبشع الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت بحق الجنود المصريين خلال الأيام الأولي للاحتلال الإسرائيلي بسيناء في يونيو 67.
سويلم الذي بدا مترددا بدرجة كبيرة وهو يروي ل «الدستور» تفاصيل الجريمة التي شهدها قبل 43 عاماً، يتذكر تفاصيل الحادث كما لو أنه وقع بالأمس - علي حد قوله - فهو لم ينس أعداد الجنود المصريين ال45 الذين فوجئوا بأنفسهم محاصرين بالصحراء، بعد أن ضربت طائرات العدو الإسرائيلي المطارات المصرية؛ لتفرض سيطرتها علي سماء شبه جزيرة سيناء، قبل أن تسيطر علي أرضها.. ولم ينس كذلك رصاصات المجندة الإسرائيلية التي حصدتهم دون رحمة أو شفقة وهم عزل من السلاح، ليسقطوا شهداء بالمنطقة التي يطلق عليها «ضيقة وادي العريش» التي تضم رفاتهم وبقايا ملابسهم العسكرية حتي اليوم في مقبرة جماعية كانت كفيلة بمحاكمة قادة الجيش الإسرائيلي وجنرالاته وإدانتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب بحق الأسري العزل، لو أن أحدا اهتم بالقضية وطارد جيش الاحتلال الصهيوني أمام المحاكم الدولية.
لم يكن الوصول لمقابر الجنود المصريين الذين استشهدوا في حرب67 بالصعوبة التي يبدو عليها الأمر، فمناطق عديدة مازالت كما هي بكرا لم تمس منذ انقشع عنها دخان المعارك التي خلفت عشرات الجنود المتخبطين بلا قيادة ولا دعم، أو حتي خطط انسحاب تؤمن عودتهم بأقل خسائر؛ ليستقبلهم رصاص جنود الاحتلال الذين كانوا يحتفلون -علي ما يبدو- بنصرهم الكبير بمزيد من القتل والدماء لجنود «عزل» ومهزومين ومصابين، رصدت «الدستور» آثار الجرائم التي ارتكبت بحقهم في المنطقة البعيدة التي تقع خارج حسابات الجميع.
رواية سويلم حول مقبرة «الضيقة» التي تعني باللهجة السيناوية الوادي الفاصل بين جبلين، قابلتها روايات أخري بنفس المعني والتفاصيل تقريبا، فالمنطقة التي تبعد عن مركز الحسنة.
- أحد مراكز محافظة شمال سيناء الستة - بأكثر من 80 كيلو مترا شهدت عدة مذابح بشعة راح ضحيتها مئات الجنود المصريين خلال الأيام الأولي للاحتلال، ويومي 5 و6 يونيو تحديدا؛ عندما بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي في تأمين قواته بسيناء بإبادة جميع الجنود المتمركزين في الشريط الحدودي القريب من الحدود المصرية الإسرائيلية، في المنطقة التي كان يطلق عليها عسكريا «خط دفاع أول»، التي تبدأ بجنوب مدينة رفح، وحتي منطقة «القصيمة» القريبة من محافظتي جنوب سيناء والإسماعيلية، والتي لا تبعد عن إسرائيل إلا بكيلومترات قليلة.. ويخيل إليك للحظات الأولي وأنت تسير بين بقايا ملابس الجنود وأغراضهم أن تحت كل حجر مقبرة، وخلف كل تبة آثار إحدي المجازر الإسرائيلية للجنود والأسري العزل.
الطريق إلي الوسط طويل وشديد الوعورة التي عكستها اهتزازات السيارة العنيفة وقفزاتها الأكثر عنفا مع كل «مطب»، رغم أنها مجهزة لمثل تلك الطرق كمثيلاتها من جيل السيارات ذات الدفع الرباعي.. ساعتين علي «المدق» شبه الممهد بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية، ليتبدل «المدق» بتباب وتلال صغيرة تتقافز السيارة فوقها كاشفة عن طبيعة منطقة الوسط الوعرة، قبل أن تظهر في الأفق رؤوس جبالها الشهيرة.
بالقرب من جبل «الحلال» الشهير بمنطقة وسط سيناء وصلنا للمقبرة الأولي، وهي تلك التي أشار إليها سويلم في شهادته التي كشف فيها عن واحدة من أفظع الجرائم الإسرائيلية وأكثرها دموية، حيث فتحت المجندة المذكورة - بحسب رواية سويلم - نيران مدفع رشاش علي أكثر من 45 جندياً مصرياً - بينهم مصابون - بعد أن استسلموا وألقوا أسلحتهم أرضا، لتستقر جثامينهم بأرضها، في منطقة «وادي العريش» التي تفصل بين جبلي «الحلال» و«ظفلع»، وهي المنطقة التي مازالت أبدان أهالي الوسط البسطاء تقشعر حتي اليوم كلما مروا عليها، ليبادروا بقراءة «الفاتحة» علي أرواح شهدائها المغدورين.. العجيب أن كثيراً من أهالي المنطقة يتذكر اسم المجندة الإسرائيلية المسئولة عن المذبحة، بحكم بقاء جنود جيش الاحتلال معهم لسنوات طويلة.
علي بُعد كيلو مترات قليلة وتحديدا بمنطقة «أم كتاف» وصلنا للمقبرة الأهم والأكثر فظاعة، حيث هذه المنطقة التي تشبه هضبة متوسطة الحجم تضم المئات من جثامين الجنود المصريين، الذين كانوا قوام إحدي وحدات الجيش المتمركزة بالمنطقة الحدودية، بحسب تأكيد الأهالي، وكما تشير آثار «النقاط الحصينة» و«الخنادق» التي ما زالت باقية رغم السنوات الطويلة التي مرت عليها..
وفي «أم كتاف» تحديدا ظهرت كل بشاعات جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الجنود المصريين وضد أهالي المنطقة من البدو الذين حاولوا مساعدة الجنود المصابين، حيث لم تكتف قوات الاحتلال بقتل كل جندي وقعت أعين جنودها عليه دون تفكير، بل إنها بدأت في تمشيط المنطقة بفرق «تطهير» مكونة من المدرعات الثقيلة والدبابات خلال الأيام الأولي لحرب يونيو 67، من الجنوب إلي الشمال، واقتصرت مهمة هذه الفرقة علي القضاء علي كل ما هو ينتمي للجيش المصري من جنود وضباط، بعد أن تولي الطيران الإسرائيلي تمهيد طريق «فرق التطهير» بقصف كثيف علي جميع النقاط العسكرية، وعلي رأسها «أم كتاف» التي مازالت آثار وحفر قنابل الطائرات الإسرائيلية الغائرة باقية في جنباتها حتي اليوم.
روايات شهود العيان رسمت سيناريو تقريبي لما حدث في الأيام الأولي بالمنطقة التي تضم رفات المئات إن لم يكن الآلاف من الجنود المصريين.. الطائرات الإسرائيلية دكت المطارات المصرية في اليوم الأول للحرب.
الفرق الإسرائيلية جاءت من الجنوب إلي الشمال في مدرعات ومجنزرات ثقيلة، في مهمة تطهير لكل ما هو منتم للجيش المصري، بحسب روايات الشهود المريرة التي تشير إلي الطرق البشعة التي قتل بها جنود الاحتلال جنود الجيش المصري، والتي تبدأ بإطلاق النيران المباشرة بالأسلحة الرشاشة والثقيلة المحمولة علي ظهر المدرعات، وتنتهي بالسير بجنازير الدبابات علي أجسادهم، لتسويها بالأرض؛ فضلا عن المهمة التي تكفلت بها الطائرات الإسرائيلية باصطياد الجنود الهائمين بالصحراء.
نتحرك بين جنبات المعسكر الذي يكاد أن يصرخ كل جزء فيه «هنا وقعت مذبحة»، وتقابلنا عظام الجنود المصريين مختلطة ببقايا ملابسهم العسكرية، ونعرف أعداد المدفونين تحتها - تقديريا - من أعداد الأحذية العسكرية أو «البيادات» كما يطلق عليها.. «البيادات» منتشرة في كل مكان.. كل زوج منها يدل علي شهيد يرقد تحتها، بينما يشير مرافقي إلي كل حفرة قائلا: «هنا يرقد عشرون جندياً حصدتهم مدرعة إسرائيلية بعد أن نفدت ذخيرتهم، وهنا يرقد آخرون».. وهكذا.
الخندق الذي يحيط بالمعسكر الذي يتخذ شكلا مضلعا بحيث تفصل بين رؤوس أضلاعه نقاط حصينة بدت واضحة عن بقية التبة، أما عدد الحفر التي تضم رفات شهداء الجيش فكثير جدا، تحت كل حجر تقريبا.
وعلي بعد عدة كيلو مترات قليلة جنوبي «أم كتاف» تقع منطقة «المنبطح» التي تضم رفات ما يقرب من مائتي جندي، قتلوا في ظروف غامضة، لم تجتمع عليها شهادات واضحة، لكن الرفات باقية وواضحة فوق الأرض وتحتها، وإن كان شكل العظام «المسحوقة» و«البيادات» الممزقة غريبة يعكس مدي بشاعة ووحشية الطريقة التي قتل بها أصحابها الراقدون تحت ترابها.
«في جيب إسرائيلية، يشوفوا العساكر ماشيين يروحوا ضاربين بالرشاش، ويجمعوا سلاحهم، ويروحوا ماشيين تاركين جثثهم في الصحرا».. هكذا يروي الحاج سلمان سليمان عودة أحد سكان منطقة الوسط وشاهد العيان علي عدة جرائم إسرائيلية ضد الجنود المصريين بها، مؤكدا أن الجنود الإسرائيليين كانوا يلجأون للقتل، والقتل فقط، وكأن هناك تعليمات صادرة لهم بذلك.
سلمان اكتفي برواية قصة شهيرة كان بطلها أيضا، حينما عثر علي أحد الجنود المصريين المصابين بمنطقة «وادي العمرو» أحد وديان جبل الحلال، بعد أن أبيد اللواء الذي كان يتبعه عن بكرة أبيه، ورغم التحذيرات الإسرائيلية الصارمة لأهالي المنطقة من عدم التعاون مع أي من الجنود المصريين فإن سلمان لما ساعد الجندي المصاب بثلاث رصاصات، ليقوم جده الذي تمت تسميته باسم «سلمان» بعلاج الجندي المصري حسين علي متولي، أحد أفراد سرية استطلاع اللواء 116 مشاة.
6 أشهر قضاها الجندي المصاب بين عائلة سلمان، اقتربوا خلالها من الموت عدة مرات، بعد أن كاد جنود الاحتلال الإسرائيلي يكتشفون وجود حسين بينهم، وكانت طريقة التعامل الإسرائيلي معروفة في هذه الحالة «قتل كامل العائلة التي تخفي أو تساعد أي من الجنود المصريين»، وهي جريمة حرب أخري، ولكن ضد المدنيين هذه المرة.
بين «أم كتاف» و«وادي العمرو» و«وادي العريش» و«المنبطح» عشرات المقابر الفرعية التي تضم أعداداً محدودة لجنود قتلوا في ظروف مختلفة.
حسين الذي زارته «الدستور» في منزله البسيط بمركز شبين القناطر، بمحافظة القليوبية، روي تفاصيل اليوم الأسود - كما يصفه - وهو بادي التأثر..
«إحنا يوم 6 يونيو دا حصل علينا الهجوم ب3 دبابات.. نزلنا من الأماكن بتاعتنا زي النحل الهايج، اللي كان بيموت كان بيقع قدامنا.. واللي مماتش كان بيجري مش عارف يروح فين».
ويضيف واصفا طريقة قتل زملائه في سرية استطلاع اللواء 116 مدرع: «أنا شفت بعينيه الدبابات وهي بتدهس زملائي، يعني بيدوسوا عليهم بالدبابة، وكنت بسمع عظمهم وهو بيطقطق تحت الدبابة.. شعري كان بيشيب لكن هعمل إيه؟.. مكانش ف إيدي حاجة أعملها.. كل حاجة كانت متدمرة».
ويروي بعد ذلك تفاصيل إصابته بثلاث رصاصات برأسه وفخذه وقدمه أطلقها عليه جنود إحدي المدرعات بعد أن تمسك بسلاحه، ليسقط غارقا في بركة من الدماء، ويظن جنود الاحتلال أنه فارق الحياة وقتها، بينما هو يرصد بقية المذبحة ودماؤه تختلط بالرمال.. «جريوا ورا زملائي بالدبابات بعد كده، نزلوا من قمة الجبال بقوا يجروا وراهم بالدبابات ويدهسوهم، مبقوش يضربوهم بالنار، بقوا بيدهسوهم بالدبابات».
حسين شفي بعد ذلك فيما يشبه المعجزة، وخلال فترة اختبائه لدي عائلة الحاج سلمان علم باستشهاد آخر زميلين له بالسرية، فطلب الذهاب إلي موقع استشهادهما، ودفنهما بنفسه في قبر صغير، هو واحد من عشرات القبور التي تضم رفات الجنود الذين انطلقوا هائمين علي وجوههم في الصحراء، وهي قبور تشكل دائرة واسعة حول منطقة وسط سيناء، وعدد شهدائها يقدر بالمئات.
الحاج عيد الترابيسي الذي يعلم بشكل دقيق بمواقع معظم المقابر الجماعية للجنود المصريين أشار إلي تأثير التقلبات الجوية وعوامل التعرية علي بعض المقابر، وضياع بعضها الآخر بسبب السيول، وهو أحد أبناء المنطقة الذين تولوا دفن مئات الجنود في مقابر صغيرة ومتناثرة بالقرب من مواقع المذابح. أسأله عن سبب قيامهم بدفن بقايا الرفات التي تظهر بين حين وآخر، بدلا من الإبلاغ عنها وعن مواقع المقابر التي تضم الكثير منها؛ فيرد قائلا: «ياولد هادول شهداء وعظامهم طاهرة، ما يجوز نتركها لديابة الصحراء» ويجلس علي ركبتيه مادا يده إلي عود حطب علي الأرض قائلا: «لو هادا هو جثة العسكري ما بنحركها، بنرفع عليها التراب لحد ما نغطيها، لحد ما ييجي حد يدور ويحقق علشان ياخد حقهم، أو تقوم عليهم القيامة».. قال العبارة السابقة ويده تهيل التراب من الجانبين علي عود الحطب حتي غطاه التراب، دون إدراك ما يقصد تحديدا.
نتحرك بعد ذلك تجاه مدينة الشيخ زويد الحدودية، التي توازي مراكز وسط سيناء، لكنها تقع في أقصي الشمال، علي بعد كيلومترات قليلة من مدينة رفح، وكان الغرض الأساسي للزيارة التأكد من معلومة أكدها أكثر من مصدر، ومفادها أن الجيش الإسرائيلي عمد إلي دفن آثار بعض جرائمه بالشريط الحدودي بزراعة حقول ألغام فوقها، بحيث يتعذر اكتشافها، وحتي تمحو انفجارات الألغام بقايا عظام الجنود الراقدة أسفلها، وهو ما تأكد بالشيخ زويد، بتأكيدات العديد من شهود العيان، الذين أشاروا إلي منطقة ألغام شهيرة علي أطراف المدينة اكتشف عند تطهيرها من الألغام فيها عظام مئات الجنود، وأكد الشهود أنها تخص جنوداً مصريين قتلوا في 67.
تفاصيل حيلة الجيش الإسرائيلي لدفن آثار جريمته ظهرت بشكل أوضح في مقبرة أخري، بمنطقة «صنع دعيس»، التي تقع علي بعد 10 كيلو مترات جنوبي مدينة الشيخ زويد، حيث يحتل حقل ألغام موقع إحدي المقابر الجماعية التي تضم رفات كتيبة مصرية كاملة، قامت قوات الاحتلال بتصفيتها ودفنها في موقعها الذي ما زالت آثار أسلاكه الشائكة وبقايا ملابس جنوده باقية، علي قول سعيد عتيق، الناشط السيناوي وعضو لجنة التجمع بمحافظة سيناء.
عتيق أشار إلي حيلة دفن جرائم الحرب بحقول الألغام مدللا علي ذلك بعدة مناطق ألغام اكتشف فيها بقايا ملابس وعظام جنود، وقال «إحنا كأبناء منطقة متأكدون من تعامل العدو الإسرائيلي مع جنودنا وأسرانا بوحشية، وهناك مئات الشهادات التي مازال أصحابها علي قيد الحياة لمجازر إسرائيلية بالمنطقة».. وأشار إلي ظهور العظام والملابس العسكرية في انفجارات الألغام ببعض المناطق التي كانت تابعة للجيش المصري قبل الاحتلال، أو التي كانت بالقرب من مناطق عسكرية وقال: «لانستبعد أن يكون الجيش الإسرائيلي قد لجأ إلي هذه الحيلة للتغطية علي جرائمهم، بعدما تأكدوا أنه لا مناص من انسحابهم من كامل سيناء».
وأشار الناشط السيناوي إلي أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من الشيخ زويد ومنطقة وسط سيناء استغرق سنوات طويلة بعد توقيع اتفاقية «كامب ديفيد»، وحتي انسحبت القوات الإسرائيلية بالكامل في 1982 من الشيخ زويد ورفح، أي بعد تسع سنوات من حرب التحرير في 1973، وهي فترة يراها عتيق كافية جدا لإخفاء معالم الجرائم الإسرائيلية بالمنطقة، علي حد قوله.
في الجنوب، وأثناء بحثنا عن آثار إحدي المقابر الكبري بمنطقة «المنبطح» القريبة من جبل الحلال تقابلنا مقبرة صغيرة تضم بعض الجنود، كما أخبرني مرافقي الحاج عيد الترباني وهو يشير إلي الأسنان الظاهرة علي سطح التربة بجانب جمجمة بشرية كاملة وكمية من العظام يبدو أنها تخص أكثر من شخص، وبالقرب منها بعض الأغراض العسكرية، وبقايا «بيادات» الجنود المدفونين بها.. قبل أن ينحني علي بقايا العظام ويشرع في دفنها، لأجد نفسي أشاركه - دون تفكير- ويساعدنا سائق السيارة التي أقلتنا، وبنفس الطريقة التي تحدث عنها الحاج عيد من قبل، أهلنا التراب علي العظام بعد أن جمعنا قطعها الصغيرة ووضعنا بجانبها قطع زيها العسكري المهترئة، وأتممنا دفنها ثم انصرفنا دون كلمة واحدة.
اضغط لمشاهدة الفيديو:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.