لكي يصبح حلم التغيير أمراً واقعا، لابد وأن تكون له قاعدة اجتماعية تسنده. وقد استقرت الأمور للحزب الوطني الحاكم بفضل مساندة أجهزة الأمن له، وعناصر من رجال الأعمال الذين بنوا ثرواتهم عبر مساندة الدولة من خلال عمليات تخصيص الأراضي أو شراء شركات القطاع العام وغيرها. يزيد علي ذلك قطاعات من الطبقة الوسطي المصرية التي لها طابع تقليدي محافظ وبالتالي فهي تقف ضد التغيير باعتبار أنه مجهول لا تعلم كينونته ولا اتجاهاته. ويشعر كتاب الحزب الوطني بدرجة عالية من الثقة بالنفس نظرا لدعم الأمن،ولهذه القاعدة الاجتماعية، حيث يرون أنه لم يطرأ أي تغيير عليها في الفترة السابقة، ولكن لا يدرك هؤلاء أن القاعدة الاجتماعية لحزبهم تتآكل، ولا يقتصر هذا الأمر علي الفئات الاجتماعية المتعددة التي تعتصم حالياً علي رصيف مجلس الشعب أو وزارة الزراعة، ولا علي العمال الذين فقدوا وظائفهم وأعمالهم من جراء سياسات الحزب، وإنما أيضا لأن هؤلاء لا يدركون أن الطبقة الوسطي التي يقولون إنها نمت في الثلاثين عاما الماضية، ويطرحون مؤشرات متعددة علي هذا الأمر، أصبح لها مطالب سياسة كما هو عليه الحال في جميع تجارب التغيير التي لعبت فيها الطبقة الوسطي دوراً رئيساً، من «إيران» الشاه إلي «فلبين» ماركوس إلي «شيلي» بينوشيه. فهذه الطبقة بعد أن تشعر بالنمو لابد أن تكون لها مطالب تمثيلية، وعندما تفشل في تحقيق هذا الأمر تتمرد علي الحكومات القائمة وتتحالف مع قوي التغيير وتصبح هي القاطرة التي تقود المجتمع لتحقيق التغيير. وتخلي الطبقة الوسطي التدريجي عن الحزب الوطني جعله يعتمد فقط في الفترة الأخيرة علي قوي الأمن. وذلك يرجع إلي أن هذه الطبقة لم تعد آمنة علي مستقبلها، وكانت تخشي من البديل الذي كان يتمثل في الإخوان المسلمين الذين يمكن أن يكون لحكمهم تأثيرات سلبية علي علاقة مصر بالخارج، وتأثيرات أخري سلبية علي الاقتصاد المصري، ولكن مع بروز الدكتور محمد البرادعي، أصبح هناك بديل ثالث آمن وأكثر استقراراً، بما جعل فئات وشرائح من الطبقة الوسطي تنفض عن الحزب الوطني، الذي أصبح يتطور في اتجاه حزب فاشي كما تبرز مواقفه وسياساته في انتخابات مجلس الشوري وفي موقفهم من المطالبة بالتعديلات الدستورية. وإذا كانت الفئات الفقيرة والمهمشة من العمال والفلاحين الذين أضيروا وخرجوا من النظام الاجتماعي في عهد الرئيس مبارك وبسبب سياساته المنحازة للأغنياء فقط في مقدمة عناصر القاعدة الاجتماعية لعملية التغيير التي تتشكل حاليا في المجتمع المصري، فإن هناك عناصر أخري بدأت تنضم إلي هذه القاعدة في مقدمتها فئات الطبقة الوسطي التي خرجت عن تحفظاتها وخوفها من المستقبل، وأصبحت تري أن التغيير أصبح بمثابة ضرورة بقاء لها، وأن سياسات الحزب الحاكم ستؤدي إلي تأثيرات ضارة بمصالحها ومصالح مصر. ومن يتابع القوي المشاركة في الحراك السياسي الراهن سيري أن فئات كثيرة منها تنتمي إلي الطبقة الوسطي، وهو ما لابد أن ينعكس مستقبلا علي الثقة بالنفس التي يتحلي بها كتاب الحزب الوطني وبعض قياداته. وإذا كان الحزب الوطني قد تمتع علي مدار حكمه في السنوات السابقة بدعم كل من عناصر الأمن، ورجال الأعمال الذين بنوا ثرواتهم عبر مساعدة الدولة، فإن هناك تغييرات دراماتيكية طرأت علي هذا التحالف، فمن جهة فإن عناصر كثيرة في جهاز الشرطة لابد وأنها أصبحت تري أن استمرار الوضع الراهن مرهق لها، وهي تتمني أن يحدث تغيير ما حتي تعود إلي ممارسة دورها الطبيعي والقانوني في تنظيم الأمن بجميع عناصره وأبعاده وموضوعاته بعيداً عما تقوم به الآن من حماية لأسرة واحدة والقيام بالأمن السياسي المجرد من أي طبيعة قانونية. ومعظم عمليات التغيير التي انتهت بسقوط أنظمة استبدادية كان تحول عناصر الأمن من تأييد النظام إلي الحياد أمراً مهماً في نجاح الشعب فرض عملية التغيير علي السلطة. وإذا كنا لم نصل إلي هذه الحالة في مصر حاليا فإن هناك مؤشرات تؤكد أن ذلك يمكن أن يحدث في وقت قريب. ومن القوي الأخري التي سوف تستفيد من عملية التغيير، هي رجال الأعمال الحقيقيون، الذين بنوا ثرواتهم عبر العمل الحقيقي المنتج وليس عبر التحالف مع الدولة. فهذا القطاع من رجال الأعمال لابد وأن يستفيد من القضاء علي الفساد، ذلك أن السائد في أوساط هذا القطاع الشريف من رجال الأعمال هو أن تكلفة الاستثمار في مصر أعلي منها في أي بلد آخر بسبب الفساد والتداخل بين الدولة والاقتصاد، وبسبب إصرار النافذين في الدولة علي أن يكون لهم نصيب من أي مكسب يتحقق لأي رجل أعمال سواء مصري أم أجنبي لمجرد السماح له بالاستثمار في مصر. كذلك فإن عملية مقرطة النظام المصري وحدوث استقرار سياسي مبني علي أسس واقعية وليس علي اعتبارات أمنية، سيجعل مصر بلداً جاذباً للاستثمارات الخارجية التي تبحث عادة عن الاستقرار والشفافية، وهذا الأمر سوف يستفيد منه رجال الأعمال الشرفاء الحقيقيون وفئات متعددة من الطبقة الوسطي المصرية. لقد أدركت فئات متعددة من الشعب المصري أن استمرار الوضع الراهن ضار بمصالحها، وأن الإصلاح السياسي ليس منفصلاًعن تحسين الأوضاع السياسية والقضاء علي التهميش الاجتماعي، وهذه القوي هي التي تشكل في الوقت الراهن القاعدة الاجتماعية للتغيير. وتشكيل هذه القاعدة والتحامها، ليس عملية ميكانيكية، وإنما يتطلب أولاً وعياً بعملية التغيير وضرورتها، وهذا ما يتم في المجتمع المصري بصورة غير مرئية في الوقت الراهن. وإن كانت مؤشرات ذلك متعددة. لقد بدأت عجلة التغيير في مصر سواء رضي الحزب الوطني أم لم يرض، ولم تعد القوي الساعية إليه مجرد أفراد يسعون إلي الإصلاح السياسي، وإنما أصبحت هناك طبقات وشرائح اجتماعية تري أن تحقيق مصالحها الاجتماعية والاقتصادية يتطلب أن يحدث تغييرا ما يشمل الشأن السياسي الذي يأتي بسلطة ذات انحياز اجتماعي مختلف ويعبر عن تحالف طبقي واسع، وليس كما هو حاصل الآن، أن تكون السلطة معبرة عن مصالح شريحة اجتماعية ضيقة، وتظل تعمل لتحقيق مصالح هذه الشريحة وتهمش باقي قطاعات وطبقات الشعب. والقاعدة الاجتماعية التي تقف وراء عملية التغيير نظراً لتنوعها وحداثة تشكلها لن تقف مكتوفة الأيدي تتخذ موقفاً سلبياً مما هو حادث الآن، والذي يعني استمرار الوضع السياسي والاجتماعي الظالم إلي أبد الآبدين، وإنما سوف تستفيد من تجارب التغيير الناجحة التي حدثت في معظم دول العالم، والتي استطاعت الشعوب من خلالها أن تتولي مقاليد أمورها. وهذه التجارب لو درسناها جيداً سوف نشعر بالتفاؤل لأن الحكومات الاستبدادية التي أزيلت كانت أكثر استبدادا وبطشا من حكوماتنا، ولكن قوي الشعب الحية أجبرتها علي الرضوخ وتطبيق الديمقراطية الحقيقية وليس الصورية، وهذه الديمقراطية أنهت عروش الاستبداد في أكثر من مكان وحققت العدالة السياسية والاجتماعية في أكثر من دولة كانت معاناة شعوبها أكثر من شعبنا.