كعادته البحثية الموثقة والدقيقة يرصد أحمد السيد النجار في رده علي وزارة الاستثمار مفارقة مثيرة في كون أن الدولة التي باعت عمر أفندي بفروعه ال 82 في صفقة تفوح منها الشبهات، هي التي تقوم الآن بإنفاق ملايين الجنيهات لشراء أراض في الطرق السريعة من أجل بناء مراكز تجارية، ليكون السؤال.. لماذا لم تحتفظ الحكومة بعمر أفندي وتستغله في بناء المراكز التجارية هذه أم أن في الأمر غرض آخر؟ فإلي نص أحد التجار: عندما أرسلت لي المنظمة العربية لمكافحة الفساد، الرسالة التي أرسلتها لها وزارة الاستثمار ردا علي ما كتبته بشأن الفساد في برنامج الخصخصة في مصر ونشر ضمن كتاب أصدرته المنظمة، فوجئت بأن الوزير وهو زميل دراسة أصغر، قد أوكل كتابة الرد إلي اثنين من الموظفين لديه يفتقدان للعلم والموضوعية ويمتلكان فقط ولاء الموظف البيروقراطي لرئيسه وللتوجه الأيديولوجي اليميني المتطرف الذي يتبناه، فكتبا كلاما مرسلا عن أنني تحدثت عن الفساد في عملية الخصخصة في مصر دون تقديم أدلة وبراهين علي ما هو منسوب من اتهامات إلي الحكومة المصرية، وعن أنني -لا فض فوهما -غير مستوعب وغير ملم بالمعايير العلمية والفنية الخاصة بتقييم الأصول. والغريب أن رسالة الوزارة لم تتعرض لأي صفقة من الصفقات التي عرضتها كنماذج لإهدار المال العام أو الفساد في عملية الخصخصة، ولم ترد علي ما طرحته من قرائن وأدلة علي الفساد واكتفت بالكلام المرسل كما أشرت. وللعلم فإن الوزير يقر بأن هناك إهدارا للمال العام أو فسادا في بعض الصفقات التي تمت قبل مجيئه للوزارة دون أن يعترف بالطبع بوجود مثل هذا الإهدار أو الفساد في فترة وجوده بالوزارة. أما ما أشارت إليه الرسالة المذكورة حول ما يسمي بالمعايير العلمية والفنية لتقييم الأصول، فإنه تجسيد للفساد المنهجي في برنامج الخصخصة، فضمن هذه المعايير التي وضعتها لجنة وزارية في 2003/11/23، وتم عرضها علي مجلس الوزراء وإقرارها في 2004/1/6، يقيم سعر المتر في الأراضي اللازمة للنشاط بسعر المتر في الأراضي الصناعية بأقرب مدينة عمرانية جديدة. وهذا المنطق عبثي وفاسد كلية لأن أي مستثمر يرغب في إقامة مشروع جديد سيضيف أصلاً إنتاجياً وفرص عمل جديدة للاقتصاد المصري سيضطر لشراء الأرض التي سيقيم عليها مشروعه في القاهرة أو طنطا أو أسيوط أوالإسكندرية أو أي مدينة أو قرية مصرية، بالسعر السوقي للأرض في المدينة أو القرية التي سيقيم فيها مشروعه، بينما يحصل المشتري لشركة القطاع العام الموجودة في تلك المدن، علي متر الأرض في الشركة التي سيشتريها بسعر متر الأرض في أراضي التنمية الصناعية بأقرب مدينة صناعية جديدة، وهي عادة تدور حول سعر 150 جنيها للمتر أي ما يتراوح بين 1% و5% من سعر الأرض في المدن المصرية. وهذا يعني أن الحكومة النبيهة تكافئ من يتداولون أصولا قائمة بالفعل في إطار برنامج الخصخصة ببيعهم الأراضي بأسعار بالغة التدني، وتجعلهم في وضع تنافسي أفضل ممن يقيمون أصولا جديدة ويرفعون طاقة الجهاز الإنتاجي ويزيدون فرص العمل المتاحة فيه ويشترون الأراضي بسعر السوق لإقامة هذه الأصول الجديدة!! وللعلم فإن هناك تجربة لبيع شركة عامة متوطنة في قلب مدينة الجيزة في منطقة بين السرايات هي شركة الأهرام للمشروبات، حيث تم بيع آلات ومعدات الشركة واسمها التجاري وشهرتها وتعاقداتها، مع إعطائها مهلة خمس سنوات للانتقال إلي أقرب منطقة صناعية جديدة في المدن الجديدة لتبقي أرضها القديمة في حوزة الدولة. وكان ذلك بفضل إصرار رئيس الشركة القابضة للإسكان والسياحة والسينما آنذاك (حامد فهمي) علي هذه الطريقة علي غير رغبة وزير قطاع الأعمال العام حينها الدكتور عاطف عبيد الذي عاقب الأول بتقسيم الشركة القابضة التي يرأسها وتقليص صلاحياته المالية والإدارية مما جعله يستقيل في النهاية. وتضيف «المعايير»، إنه إذا احتفظ المشتري بكامل العمالة يتمتع بنفس شروط السداد للأراضي الصناعية بأقرب مدينة عمرانية جديدة، ويتم تقييم المباني بالقيمة الدفترية أو بمبلغ 150 جنيهاً للمتر المربع إذا كانت القيمة الدفترية تقل عن هذا المبلغ. وللعلم فإن سعر متر البناء الذي تبيع به الشركات التي أوكلت إليها الحكومة مهمة إنشاء وبيع إسكان الشباب الاقتصادي والمدعوم بأرض رخيصة (75 جنيهاً للمتر المرفق)، ونحو 15 ألف جنيه دعم لكل وحدة يتم بنائها، يبلغ 1600 جنيه للمتر المبني، فكيف يتم تقييم المباني بسعر 150 جنيها للمتر؟! ومن مساخر الحكومة المصرية التي باعت شركة عمر أفندي بفروعها المنتشرة في كل مدن مصر، أنها سمحت لوزارة التجارة والصناعة مؤخرا بشراء أراض في العديد من المدن وعلي الطرق الرئيسية حتي لو كانت أراضي زراعية، من أجل تبويرها وبناء مراكز تجارية عليها بدعوي تنشيط التجارة الداخلية، وهي خطة تبلغ تكلفتها أضعاف سعر بيع شركة عمر أفندي، وتم في إطارها شراء وتبوير 58 فداناً في محافظة واحدة هي الدقهلية علي طريق المنصورة-جمصة السريع في حوض حجازي التابع لجمعية قرية سرسق للإصلاح الزراعي بمركز طلخا (أهرام 2010/3/28). كما تم في إطارها أيضا تحديد 1200 فدان في محافظة الغربية من قبل المحافظ تمهيدا لتبويرها لصالح وزارة التجارة لإقامة مراكز تجارية عليها (الأهرام المسائي 2010/3/21 والسؤال هنا: ألم يكن من الأجدي للحكومة «النبيهة» أن تحتفظ لنفسها بشركة عمر أفندي وفروعها المنتشرة في كل مدن مصر تقريبا، وتقوم بتطويرها وتحويلها إلي المعارض التجارية التي تريدها وزارة التجارة، أم أن تعدد عمليات البيع والشراء يعد مناسبة للحصول علي العمولات والمكافآت الرسمية، أو الرشاوي غير المشروعة فيما يثبت من عمليات للرشوة في بعض تلك العمليات؟! أما ما أوردته الرسالة حول تخفيض مديونيات القطاع العام، فإنه طرفة سوداء، لأن هذا التخفيض تم أساسا من خلال بيع بعض الشركات بمديونياتها، أو استخدام عائد بيع بعض الشركات التي تحقق أرباحا كبيرة في سداد ديون شركات خاسرة، وهي كارثة كانت دائما مثار جدل حول التوظيف السئ لعائدات الخصخصة. أما ما أوردته الرسالة حول أن الوزارة التي تبيع القطاع العام والمسماة وزارة الاستثمار، قد حافظت علي حقوق العاملين في شركات قطاع الأعمال العام، فإنه قول مجاف للحقيقة بصورة فظة، حيث لا يري كتبة الرسالة ووزيرهم ما يجري أمام مجلس الوزراء ومجلس الشعب من اعتصامات عمال شركة طنطا للكتان والزيوت، وشركة غزل شبين الكوم، وشركة معدات التليفونات وغيرهم من عمال الشركات العامة التي بيعت للقطاع الخاص والذين سحقت حقوقهم، حيث لا يتلقي البعض منهم أجورهم بعد أن قام المشتري بتعطيل العمل في الشركة بغية بيعها كأرض فضاء بسعر بالغ الارتفاع كما هو الحال في شركة طنطا للكتان والزيوت، أو أجبر عدداً كبيراً منهم بمباركة حكومية، علي الخروج إلي صفوف العاطلين تحت مسمي المعاش المبكر وهم في أوج عطائهم المهني، أو يتم استنزافهم دون دفع حقوقهم في الأجر وما في حكمه كما هو الحال في شركة غزل شبين الكوم وغيرها من الشركات، فضلا عن تدني الأجور وجمودها في وقت ترتفع فيه الأسعار بشكل سريع وتلتهم الأجور الحقيقية لكل من يعملون بأجر، أو تتجاهل الحكومة بكل وزرائها الحكم القضائي العظيم الذي صدر الشهر الماضي بإلزامها برفع الحد الأدني للأجر من مستواه الشديد التدني حاليا إلي مستوي متناسب مع ارتفاعات الأسعار بما يؤدي إلي تحقيق حياة كريمة للعامل وأسرته، وتقليل الفوارق الأسطورية بين الأجور لتقريب الفوارق بين الطبقات اتساقا مع ما ينص عليه الدستور في هذا الصدد(الحد الأقصي للأجر الشامل أي الأجر وما في حكمه في القطاع العام والهيئات الاقتصادية والجهاز الحكومي يصل في بعض الحالات إلي أكثر من ثلاثة آلاف ضعف الحد الأدني للأجر الشامل) فأي حقوق للعمال تتحدث عنها الوزارة التي ألقت عمال القطاع العام للمجهول بعد أن باعت القسم الأكبر منه، وهي التي لا تعبأ بالحكم القضائي بإلزام الحكومة برفع الحد الأدني للأجر ووضع سقف للأجر وما في حكمه تحقيقا للعدالة؟!