حين صرح رئيس مجلس الوزراء المصري بأنه لا نية مطلقا لدي الحكومة لإعادة شراء شركة عمر أفندي بعد أن طرحها للبيع الشخص الذي سبق واشتري90% منها من الدولة المصرية, فإنه كان يكمل طريقة التصرف الحكومية في هذه القضية برمتها, والتي اتسمت بالعناد في بيع شركة عملاقة لتجارة التجزئة لمشتر أجنبي من المملكة العربية السعودية, في حين أن الشركات الصناعية العامة والخاصة في مصر, تحتاج الي مثل هذه الشركة بفروعها المنتشرة في أفضل المواقع في المدن المصرية, كمنافذ ومعارض لعرض وبيع السلع التي تنتجها, واتسمت أيضا بالتفريط في تلك الشركة بأقل كثيرا من قيمتها الحقيقية, وهو ما تكشف عنه أية مقارنة بين الأسعار السوقية لأصول الشركة والسعر المتدني الذي بيعت به والبالغ589.5 مليون جنيه, وعند بيعها كانت الشركة تملك82 فرعا متعددة الأدوار تبلغ مساحتها الإجمالية نحو77 ألف متر مربع وتقع في قلب القاهرة والمدن الكبري في أفضل وأغني المواقع سعرا, ويبلغ عدد المخازن الرئيسية7 مخازن مساحتها نحو61.3 ألف متر مربع, وعدد المخازن الفرعية65 مخزنا مساحتها13.3 ألف متر مربع و35 شقة واستراحة, و12 فيلا ببلطيم, و10 وحدات سكنية بمرسي مطروح و146 سيارة نقل بضائع و55 سيارة ركوب و11 مقطورة ويبلغ عدد العاملين في الشركة8520 عاملا. وقد تميزت صفقة بيع عمر أفندي بأنها أول صفقة يخرج فيها أحد أعضاء لجنة التقييم التي شكلتها وزارة الاستثمار ليروي تفاصيل محاولة الوزير فرض تقويم محدد للشركة بالمخالفة للتقويم الحقيقي الذي أجرته هذه اللجنة, وحسب المهندس يحيي حسين عبدالهادي, فإن اللجنة انتهت الي أن سعر تقويم عمر أفندي هو1139 مليون جنيه, وأن هذا السعر تم التوصل إليه من خلال تقويم الأصول بالحد الأدني للسعر, وضرب مثالا علي ذلك بالأرض المملوكة للشركة في مدينة نصر في موقع يبلغ الحد الأدني لسعر المتر فيه5 آلاف جنيه, بينما قدرته اللجنة بنحو3 آلاف جنيه حتي لا تتهم بالمغالاة في السعر, وبرغم هذا التخفيض في سعر الأصول التابعة ل عمر أفندي, فإن وزير الاستثمار السابق طلب من اللجنة حسب المهندس يحيي حسين عبدالهادي الذي كان عضوا بتلك اللجنة, أن تخفض سعر التقويم الي438 مليون جنيه ليكون أقل من السعر المعروض في الصفقة وهو450 مليون جنيه, لجعل قبول الوزارة بالسعر المعروض وكأنه أفضل من سعر التقويم, مثلما حدث من قبل في الكثير من عمليات الخصخصة مثل عملية خصخصة فندق آمون, الذي تم تقويم حق الانتفاع به لمدة35 عاما بنحو7.7 مليون جنيه بمعرفة الشركة القابضة للاسكان والسياحة والسينما وبموافقة وزير الاستثمار, ثم بيع حق الانتفاع بعد ذلك الي مشتر محلي بمبلغ15 مليون جنيه يقل كثيرا عن القيمة الحقيقية لموقع الفندق وحده. ويذكر أنه بعد أن اتخذ العديد من الخبراء موقفا قويا ضد إهدار المال العام في صفقة عمر أفندي, فإن المشتري رفع عرض الشراء الي السعر الذي بيعت به فعليا, حيث تم بيع90% من شركة عمر افندي الي شركة أنوال المتحدة من المملكة العربية بمبلع589.5 مليون جنيه بسعر38.53 جنيه للسهم, مع احتفاظ الشركة القابضة للتجارة بنسبة10% من أسهم الشركة, وتم إلزام المشتري بإنفاق180 مليون جنيه لتطوير الشركة, وهو التزام تم التحايل عليه كما حدث في صفقات سابقة, كما تم إلزام المشتري بإنفاق نحو50 مليون جنيه قيمة تكاليف المعاش المبكر الاختياري لعدد1200 عامل بالشركة, وإلزامه بسداد551 مليون جنيه من الضرائب والديون المتراكمة علي الشركة, كما تم إلزام الشركة بالمحافظة علي الفروع المسجلة كآثار, وعرض أي أصول ثابتة تريد التصرف فيها علي الشركة القابضة للتجارة التي تكون لها الأولوية في الشراء, وقد تمت مخالفة الكثير من بنود العقد, حيث باع ذلك المشتري حصة5% للبنك الدولي دون الرجوع للحكومة المصرية, ويمكن للبنك الدولي بيعها لمن يشاء, كما أن الحكومة تركت ذلك المشتري يتعامل بصورة متعسفة ومتجاوزة علي حقوق العاملين بالشركة دون أي ردع, فضلا عن عدم وفائه بالالتزامات المالية المترتبة عليه مما اضطر الحكومة لمقاضاته, وفي النهاية فإنه باع ما تبقي من حصته في الشركة(58% من أسهمها) لمشتر قريب ايديولوجيا من تيار الاسلام السياسي. ومن الطبيعي في هذه الحالة وغيرها من حالات الخصخصة التي تمت بصورة مماثلة وفقا لتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليين, اللذين لم يهتما بنزاهة عمليات الخصخصة, بل اهتما فقط بحدوثها لنزع القطاع العام والهيئات الاقتصادية العامة من الدولة لتئول الي الرأسمالية العالمية والمحلية, لتسيطر تلك الرأسمالية علي ما بنته الأجيال والحكومات السابقة ودعمت به الاستقلال الوطني ومولت من خلاله تطوير قوتها السياسية والعسكرية والتماسك الاجتماعي للأمة... من الطبيعي في هذه الحالة أن تحصل الحكومة الحالية ووزراء المجموعة الاقتصادية بالذات, علي تقدير عال من صندوق النقد والبنك الدوليين, طالما أن توصياتهما يتم تطبيقها بغض النظر عن ملاءمتها لحالة الاقتصاد المحلي أو المصالح طويلة الأجل للدولة التي فقدت الكثير من الأصول المملوكة لها والأسس الاقتصادية لقوتها, بأبخس الأثمان. والغريب حقا أن الحكومة المصرية الحالية التي باعت شركة عمر افندي بفروعها المنتشرة في كل مدن مصر, في صفقة تمت بإصرار وعناد مع النخبة الثقافية والسياسية المعارضة والمستقلة وقطاع كبير من المنتمين للحزب الحاكم نفسه, قد سمحت أخيرا لوزارة التجارة والصناعة بشراء أراض في العديد من المدن وعلي الطرق الرئيسية حتي لو كانت أراضي زراعية, من أجل تبويرها وبناء مراكز تجارية عليها بدعوي تنشيط التجارة الداخلية, وهي خطة تبلغ تكلفتها أضعاف سعر بيع شركة عمر أفندي التي تم التفريط فيها, والتي استبعدت الحكومة إعادة شرائها بلا مبرر مقبول!!