قرأت صباح الأحد الماضي علي صفحات «الدستور اليومي» لزميلنا «محمد حسين» حواراً مع «لبني عسل» مذيعة برنامج «الحياة اليوم» الذي تقدمه مع «شريف عامر»، سألها عن القيود أجابت: ما عندناش خطوط حمراء.. الحاجات دي مش موجودة عندنا لا يوجد شخص يقول لنا اعملوا كذا أو ما تعملوش كذا.. كلام جميل.. علي صفحات جريدة «الأخبار» كان هناك كلام أجمل.. سأل الصحفي «محمد ذكري» نفس السؤال للمذيعة «أميرة عبد العظيم» التي تقدم برنامجاً شبيهاً اسمه «البلد بلدنا» علي قناة «مودرن» قالت: لا توجد خطوط حمراء في تناول القضايا أو استضافة الضيوف. عندما بدأ التليفزيون المصري برنامجه «مصر النهاردة» في الحلقة الأولي التمهيدية قال وزير الإعلام «أنس الفقي» والذي تم استضافته تليفونياً نفس الكلمات: لا توجد رقابة ولا شخصيات محظورة ولا خطوط حمراء.. وعندما أصر «محمود سعد» و«خيري رمضان» و«تامر أمين» و«مني الشرقاوي» علي التأكيد علي الجزء الأخير أعاده الوزير مرة أخري إلا أن «تامر أمين» في حوار نشرته قبل أيام «الدستور» سألوه أجابهم لا حمراء إلا المحظورة.. يقصد جماعة «الإخوان المسلمين» هذه الشخصيات ممنوع استضافتهما.. أي أنه يكذب تصريح الوزير الذي أعلنه علي الهواء!! هل المحظورة فقط هي المحظور استضافتها علي الهواء في التليفزيون المصري.. الحقيقة هي أن الدولة لها حسبة معقدة جداً في قضية الهواء وتليفزيون القطاع الخاص له حسبة أكثر تعقيداً.. الدولة تحسبها سياسياً لأن لديها قناعة قديمة تعود إلي زمن الثلاثينيات عندما افتتحت مصر الإذاعة الرسمية في 31 مايو 1934 وهو أن الضيف الذي يظهر عندها يصبح له أيضاً نوع من المشروعية.. التراث القديم للدولة يجعل كل ما يصدر منها أو عنها له طابع رسمي، وهكذا انتقلت هذه الصفة من العهد الملكي للجمهوري وكأن ما تقدمه الإذاعة والتليفزيون علي قنواتها ممهوراً بختم النسر، ولهذا هي تتحسب كثيراً حتي تسمح لأي شخصية بالظهور علي شاشتها في الماضي كان هذا ممكناً وله أيضاً نوع من التبرير، أما الآن بعد أن صار لدينا 700 قناة ناطقة بالعربية لم يعد من الممكن تقبله إلا أن القواعد الصارمة تغيرت، كان الإعلام حتي وقت قريب لديه هذه القواعد المغلظة تخفف الآن منها قليلاً ولكن لا يزال الأمر كما هو لم يبتعد كثيراً عن البدايات مع اختلاف الدرجة.. مثلاً الدولة لا تزال تفرق بين ثلاثة أنواع من القنوات هي الأرضية والمتخصصة والفضائية هناك مساحات مثلاً للقناة المتخصصة من الحرية في استضافة بعض الشخصيات غير متوفرة للأرضية..أما الفضائية فإن لها حساب ثالث فهي عندما تتناول الشأن المحلي تبتعد عن التعرض للعشوائيات والفقر بحجة أنه لا يصح أن ننشر غسيلنا القذر.. رغم أن الدور الأساسي الذي يجب أن يلعبه الإعلام هو الدعوة لتنظيف كل السلبيات، بل وفضحها علي الهواء بعدها لا نخشي من النشر.. الغريب أن الفضائيات الخاصة المصرية تقدم كل العشوائيات والتجاوزات وبكثرة أكثر حتي مما ينبغي وفي العديد من برامجها وكثيراً من هذه البرامج تنتهي بهجوم حاد علي رئيس الوزراء مثل أين أنت يا «نظيف» منك لله يا «نظيف».. وهو كما يبدو اتفاق بين الجميع بتفريغ شحنة الغضب ناحية «نظيف» وهو يتحمل ويستريح بعدها الناس وكأن المشكلة هي «نظيف»، هذا هو ما اتفقت عليه الدولة مع أصحاب تلك القنوات الخاصة.. الدولة في التليفزيون الرسمي لديها حسبة خاصة مع برنامج «مصر النهاردة» منذ أن كان اسمه البيت بيتك مساحة الحرية التي يتمتع بها أكثر قليلاً من باقي البرامج ومن عجائب الأمور أن شخصية مثل الأديب «علاء الأسواني» مثلاً غير مصرح له بالهواء ولا يتم استضافته علي القنوات التليفزيونية الأرضية الرسمية إلا فقط من خلال إجراء حوار تليفوني هذا أقصي ما هو متاح أمامه ولكن لا حضور شخصي له في الأستوديو لا يوجه له دعوة علي الهواء.. هذا القرار بدأ يطبق في الأشهر الأخيرة.. تسأل لماذا التليفون مسموح به فإن الإجابة بالطبع هي أنه إذا قال كلمات لا تتحملها الدولة فإن لدي التليفزيون حجة مضمونة وهي أن الخط فجأة قد قطع ولكن «مصر النهاردة» ممكن أن يفعلها ويستضيف «الأسواني» علي الهواء وبالطبع بعد اتخاذ كل المحاذير!! أما الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه أبداً هو مثلاً ما قاله «تامر أمين» فيما يعرف «بالمحظورة» وهم جماعة الإخوان المسلمين وهو قرار يتنافي مع منطق الإعلام.. نحن الآن مقبلون علي انتخابات تشريعية وهناك وجود لا ينكر للتيار الإسلامي كيف تستقيم الدولة في التغطية الإعلامية وهي تؤكد أنها تستطيع أن تجري حواراً مع الجن الأزرق مع استبعاد الإخوان المسلمين.. جناح القطاع الخاص لا يتمتع باستقلال كمايعتقد البعض، لكن فقط لديه مساحة أكبر ويراعي دائماً فكرة التوازي ومن هنا مثلاً تصعد شخصية مثل «نبيل لوقا بباوي» تجده تقريباً في كل الفضائيات باعتباره معادلاً موضوعياً للدولة فهو رمانة الميزان القادر علي ا لدفاع عن الدولة وعن الكنيسة في الوقت نفسه وهو يمثل قوة ثنائية كونه قبطياً يمنحه ذلك ميزة علي اعتبار أنه يعبر عن ارتباط الكنيسة بالنظام وهذا أحد أسلحة الدولة وفي نفس الوقت ارتباطه بالدولة يجعله مدافعاً شرساً عنها فهو مقرب من البابا «شنودة» ومن الرئيس «حسني مبارك» وله في ذلك الكثير من الحكايات المأثورة الموثقة منها مثلاً أنه عندما رشح نفسه في الانتخابات قبل 5 سنوات كتب «يافطة» يقول فيها «الابن الشرعي للبابا» ولم يتنبه أن البابا طبقاً للعقيدة الأرثوذكسية لا يمكن أن يكون له أبناء شرعيون من صلبه ولكن فقط أبناء روحيون.. واضطر أمام احتجاج الكنيسة والبابا إلي تغيير «اليافطة» بواحدة أخري سياسية أراد من خلالها أن يؤكد ولاءه للرئيس فهو صاحب شعار «الوليد في بطن أمه قبل أن يقول واء واء يقول مبارك مبارك»، «الجنين في بطن أمه يؤيد مبارك»، «75 مليون يؤيدون الرئيس» وغيرها من الشعارات التي ملأت مصر أثناء الانتخابات الرئاسية عام 2005 ولم يتنبه أحد إلي خطورة ذلك، الدولة دائماً تقول هل من مزيد.. وأمام أكثر القضايا إلحاحاً وهي المظاهرات دائماً صوت «نبيل» حاضر ويشجب.. الدولة كانت تريد أن تمنع المظاهرات حتي نواب «الرصاص» الذين كانوا يطالبون بإطلاق الرصاص فهم يعبرون عن غضب الدولة تجاه المتظاهرين ولكنهم تجاوزوا الجرعة القياسية التي ترضي الدولة وعندما أعلنوا الضرب في المليان كانت الدولة قد استشعرت عند ذلك الخطورة التي تختبئ تحت الكلمات، وهكذا سارعت بالشجب، بل إن رموز النظام أمثال «عادل إمام» ارتفع صوته لأول مرة معلناً الغضب.. الاستراتيجية التي تتبناها الدولة هي إلغاء المظاهرات بحجة حماية أرزاق الناس وهو أن وسط المدينة معرض للتوقف فلا بيع ولا شراء ويتجاهل هؤلاء مثلاً أن حي جاردن سيتي الملاصق لوسط البلد الحياة توقفت فيه تماماً منذ 10 سنوات ليس بسبب التظاهر ولكن لوجود السفارة الأمريكية فتحول إلي ثكنة عسكرية 24 ساعة في اليوم وكل المحال أضيرت لم نسمع أن أحداً احتج.. الخطوط الحمراء في القنوات الخاصة هي الرئيس والأسرة.. هذا هو المعلن إلا أن الحقيقة هي أن الدولة لديها حساباتها المعقدة والقنوات التليفزيونية بكل أطيافها لديها حساباتها. القنوات التليفزيونية التابعة للدولة تضع أمامها محاذير النظام، والقنوات الخاصة لديها قائمة ممنوعات، سواء في القضايا أو الأشخاص غير المرحب بهم ورغم ذلك يردد الجميع بصوت واحد ما عندناش حاجة «أحمرا»!!