ينص القانون علي أن الشعب هو مالك الصحف القومية، وأن مجلس الشوري هو ممثله في إدارة الملكية، وبالتالي فإننا من حقنا باعتبارنا ملاك هذه الصحف أن نعرف هل تدار هذه المؤسسات بصورة رشيدة أم أن هناك خللاً وسوءاً في الإدارة يتطلب تدخلاً من الشعب عبر ممثله لكي تعود الأمور إلي نصابها الطبيعي ؟ أكتب هذا الكلام بعد المعلومات المنتشرة في إحدي المؤسسات القومية الكبري حول تراجع توزيع معظم الإصدارات إلي الدرجة التي أصبح فيها متوسط توزيع إحدي المجلات الأسبوعية من 280 إلي 300 نسخة فقط، ويحارب رئيس تحريرها الذي بلغ الستين من أجل التمديد له حتي يصبح التوزيع أقل من الصفر. أما النجم الصاعد الذي تحول من المعارضة إلي التأييد فبعد أن أسهم في تراجع توزيع إحدي أنجح الصحف الحزبية استعان به السيد صفوت الشريف من أجل القضاء المبرم علي مجلة اقتصادية كانت في الثمانينيات تعتبر هي الاكونوميست العربية حيث تراجع التوزيع إلي ما بين 600 و1000 نسخة فقط. الأمر نفسه ينطبق علي مجلة رياضية أسبوعية تصدر عن نفس المؤسسة الكبري. فهل يعلن المجلس الأعلي للصحافة عن الأرقام الفعلية لتوزيع الإصدارات التي يديرها، أم أنه يريد أن يخفي عن الشعب أنه يختار رؤساء التحرير لأسباب حزبية وليست مهنية بما أدي إلي تراجع توزيع معظم هذه الإصدارات؟ ولنا أن نتساءل: هل هناك علاقة طردية بين طول لسان رئيس التحرير في مواجهة المعارضة وبين تراجع توزيع الإصدار الذي يشرف عليه؟ وهل يقرر الزميل أن يطلق لسانه علي المعارضين من أجل أن يخفي فشله في أداء المهمة التي كلف بها ومن أجل أن يؤكد للذين عينوه ضرورة وجوده؟ وهو ما يعني أن تأييده الحكومة والحزب الوطني ليس خالصا وإنما هو مناورة منه لإخفاء فشله. وهذا التراجع في التوزيع أليس استفتاءً علي أداء الحزب الوطني وحكومته، حيث إن معظم الصحف التي تؤيد الحزب والحكومة هي التي تراجع توزيعها، وبالتالي فإن القراء قرروا أن يردوا علي حملات التأييد بحملات مقاطعة غير معلنة، وأليس ذلك يعني أن الصحف القومية لو عادت إلي طبيعتها كصحف قومية معبرة عن كل الأطياف السياسية سوف يؤدي ذلك إلي عودة القراء إليها؟ وهل يدرك السادة أعضاء اللجنة العامة في مجلس الشوري ذلك؟ وهل يعلنون للشعب عن أرقام التوزيع الحقيقية. جمال كمال فقدت الصحافة المصرية محررا عسكريا من طراز فريد، إنه جمال كمال، أحد الصحفيين الذين أعطوا لتخصصهم معني وعمقا، وهو الذي تخرج في كلية الإعلام، استطاع عبر تثقيف نفسه أن يصبح محرراً عسكرياً متميزاً، وأن يتعامل مع مفهوم الأمن القومي المصري باعتباره مكوناً من عناصر وعوامل متعددة تشمل البشري والاجتماعي والاقتصادي، والعسكري دون إغفال العامل المتعلق بالذاكرة التاريخية كما وضح في مقالاته الرائعة العميقة التي نشرها مؤخراً في جريدة «الأسبوع»، والتي رد فيها علي تأويل رجال الأعمال لتاريخ مصر ومعهم بعض الليبراليين الجدد. ونظرا لان جمال كان صحفيا موهوبا وناجحا ومحبوبا لم يسلم من معدومي الموهبة الذين حاربوه. وكان الضغط عليه رهيبا في العمل، حيث لوحق ومنع من الكتابة فاضطر إلي الكتابة في الصحف الخاصة، و كما كان الضغط عليه في الحياة حيث كان يري التطورات المحيطة به تؤثر في الأمن القومي بمفهومه الواسع دون أن يستطيع أن يحرك ساكنا، وآخرها إعطاء القطاع الخاص الحق في بناء مشروعات البنية الأساسية، الأمر الذي كان يعارضه بشدة. فمات كمدا - رحمه الله - وأعطانا الله الصبر علي من أماتوا الصحف، ثم التفتوا كي يقتلوا الصحفيين، عبر اضطهادهم وحصارهم.