الرئيس الأمريكى: ندرك أن الغالبية طالبوا بتغيير حكم مرسى الأزمة أو الفوضى فى مصر أصبحت الشغل الشاغل لأهل واشنطن فى الأيام الثلاثة الأخيرة. كما أن عجز واشنطن أو تخبطها فى التعامل مع الوضع المعقد والمتقلب والمتدهور فى مصر لم يعد بالشىء الجديد. الرئيس الأمريكى باراك أوباما قطع إجازته أول من أمس (الخميس)، ليتحدث عن مصر ويعلن إلغاء «النجم الساطع» المناورة المشتركة بين الجيشين الأمريكى والمصرى.
وقد اتصل تشاك هيجل، وزير الدفاع المصرى، بنظيره المصرى السيسى، للحديث عن هذا القرار والعلاقات الدفاعية بين البلدين. عدم إعلان الإدارة لقطع المساعدات العسكرية يثير الانتقادات ويطرح الآراء حول دورها فى تحقيق أمن مصر والمنطقة ومصلحة أمريكا.
الرئيس أوباما فى كلمته (امتدت إلى نحو 8 دقائق) أدان بشدة الخطوات التى تم اتخاذها من جانب الحكومة المؤقتة بفض الاعتصام، كما أنه أدان الهجمات التى شنها المتظاهرون على المنشآت ومنها الكنائس، وقال بأن «تعاوننا التقليدى لا يمكن أن يستمر كالمعتاد»، وطالب أوباما بإنهاء حالة الطوارئ، وشدد على ضرورة المصالحة الوطنية، وأن أمريكا لا تستطيع تحديد مستقبل مصر، وأن هذه هى مهمة الشعب المصرى». وقال «نحن نريد أن تنجح مصر»، كما تناول أوباما فى كلمته الرئيس المعزول وحكمه قائلا «حينما تم انتخاب محمد مرسى رئيسا فى انتخابات ديمقراطية فإن حكومته لم تكن تشمل الكل، ولم تحترم آراء كل المصريين، ونحن نعرف أن الكثير من المصريين، ملايين من المصريين وربما غالبية المصريين طالبوا بتغيير المسار». العنف الآتى من مؤيدى مرسى واستهداف الكنائس والمنشآت الحكومية، أدانتها أيضا الخارجية فى بداية مؤتمرها الصحفى اليومى. وقد حذرت الخارجية المواطنين الأمريكيين من السفر إلى مصر، كما دعت المقيمين منهم هناك إلى مغادرة البلاد. وفى سياق آخر، اهتمت الدوائر الأمريكية بما أعلنته «جنرال موتورز» الشركة الأمريكية العملاقة لصناعة السيارات أول من أمس (الخميس) من تعليق الإنتاج بموقعها المصرى.. بينما تقوم بمراجعة الوضع الأمنى فى مصر.
وفى بيان صادر أول من أمس (الخميس) عن تشاك هيجل، وزير الدفاع الأمريكى، عن علاقات الدفاع بين الولاياتالمتحدة ومصر قال هيجل «تحدثت اليوم هاتفيا مع وزير الدفاع المصرى السيسى، من أجل مناقشة العلاقة الدفاعية بين الولاياتالمتحدة ومصر، منذ أن بدأت الأزمة الأخيرة فإن الولاياتالمتحدة أوضحت أن الحكومة المصرية يجب أن تمتنع عن العنف، وأن تحترم حرية التجمع، وأن تتحرك نحو انتقال سياسى لا إقصاء فيه. إن التطورات الأخيرة ومنها العنف الذى أدى إلى مئات من القتلى على امتداد البلاد قد قوضت تلك المبادئ، ومثلما أعلن الرئيس أوباما فإن الجيش الأمريكى لن يقوم بإجراء (النجم الساطع) المناورة التدريبية المقرر إجراؤها فى وقت لاحق هذا العام».
وأضاف البيان «خلال مناقشتى مع الوزير السيسى كررت أن الولاياتالمتحدة تظل مستعدة للعمل مع كل الأطراف للمساعدة فى تحقيق مسار سلمى ويضم الكل، إن وزارة الدفاع سوف تستمر فى الحفاظ على علاقة عسكرية مع مصر، إلا أننى أوضحت أن العنف وخطوات غير ملائمة فى التوجه نحو المصالحة تضع عناصر مهمة من تعاوننا الدفاعى فى موضع خطر».
ولا شك أن أمر المساعدات بكل تداعياته سيكون موضع نقاش حاد وجدل ساخن فى الأيام والأسابيع المقبلة، خصوصا أن الكونجرس فى إجازة حاليا، إلا أن تصريحات القيادات به وتعليقاتهم عن المساعدات وعن الشأن المصرى بوجه عام، وبالطبع عن «تخبط» الإدارة فى تعاملها مع كل القضايا المتفجرة أو القابلة للاشتعال فى المنطقة تزداد حدة وتنوعا وتعمقا. ملفات مصر برمتها مطروحة على الساحة وآراء متباينة تتصارع لفهم المشهد المصرى والخروج من المأزق، وفى كل هذا يظل الدور الأمريكى هو السؤال والتحدى والانتقاد والعجز والتخبط والرغبة فى المشاركة حفاظا على مصالح أمريكا وضمانا (ربما) لأمن المنطقة وسلامتها وأمن إسرائيل أيضا.
الحديث عن المعونات يكشف النقاب أيضا عن محدودية النفوذ أو التأثير الأمريكى، كما أن قطعها قد تأخذنا إلى ما لا نريده، مثلما أشار أكثر من سياسى أمريكى فى النقاش الدائر. «واشنطن بوست» وهى تتناول ملف المساعدات نقلت عن مسؤول عربى كبير قوله: «إذا تم قطع المساعدة فكن واثقا بأن بوتين سيصل إلى القاهرة خلال شهرين أو ثلاثة.. وسيقدم مساعدة دون ربطها بشروط».
وأمام المشهد المتفجر والمشتعل فى مصر فإن صفحات الرأى فى الصحف الأمريكية الكبرى صاخبة بالآراء والمواقف تجاه الأوضاع فى مصر وإمكانيات الخروج من الأزمة وانتقادات موجهة إلى الإدارة الأمريكية، لأنها ترددت فى قطع المعونة. ووسط هذا المشهد الأمريكى الصاخب نرى عمرو دراج، القيادى الإخوانى فى مقال له نشرته «نيويورك تايمز»، الأمس، تحت عنوان «دم مصر وتواطؤ أمريكا». ومن ضمن ما قاله «هناك طريق واحد فقط للتحرك قدما. الحكومة الشرعية يجب أن تتم إعادتها. وفقط حينئذ نستطيع أن نعقد محادثات من أجل المصالحة الوطنية مع وضع كل الخيارات على المائدة. إن إعادة مرسى إلى الحكم ليست أمرا أيديولوجيا أو متمحورا حول الذات، كما أنها ليست موقفا سياسيا وليست تكتيكا تفاوضيا، إنها ضرورة براجماتية، دون هذه الخطوة الحاسمة ودون محاسبة لهؤلاء المسؤولين عن إراقة الدماء وعن الفوضى التى تواجهها مصر اليوم، فلا شىء من وعود إلا الإقصاء والديمقراطية والحرية أو الحياة يمكن أن نضمنه».
ويقول أيضا «وعلى الأمريكيين أن يعرفوا بأن كل يوم يمر يترسخ الاعتقاد لدى المصريين بأن الخطاب الأمريكى عن الديمقراطية أجوف، وأن السياسيين الأمريكيين لن يترددوا فى إهانة قوانينهم وتحطيم قيمهم المعلنة من أجل مكاسب سياسية قصيرة المدى، وإذا خص الأمر الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية فلا يجب أن يتقدم المسلمون للمشاركة».
فى كل الأحوال ما زالت مصر هى المشهد السائد والمسيطر على شاشات التليفزيونات ووسائل الإعلام، وأيضا الموضوع المطروح للنقاش والجدل لدى الساسة وأصحاب القرار.. مصر وأحوالها وأهلها وأهوالها ومصيرها ومستقبلها.. والكل يراقب بقلق وتخوف وغضب وحزن.. وربنا يستر!!