هدم الأقصى سيحقق لإسرائيل أكثر مما حققته نكسة 67 العمل على هدم الأقصى يقترب من نهايته سقف مصر الرسمية في الاحتجاج الشجب والإدانة وسحب السفير لفترة محدودة رد الفعل المصري الغاضب لمكانة الرئيس عملي أكثر من الغضبة لاستباحة المقدسات العربية الرئيس مبارك أقر بمطالبة إسرائيل له بالإدلاء بتصريحات متكررة تؤكد التزام مصر بالسلام تحذير أخير: العمل على هدم الأقصى يقترب من نهايته ويعد المسجد الأقصي أكثر بقاع العالم حساسية وقابلية لتفجر الأوضاع، فإذا كانت القضية الفلسطينية هي بؤرة الصراع العربي الإسرائيلي، فإن ملف السيادة علي المسجد الأقصي وسلامته علي رأس ملفات تلك القضية بجانب مكانة المسجد لدي العالم الإسلامي كله. وعلي هذا فإن رد الفعل المصري علي عملية إسرائيلية مجنونة من شأنها هدم المسجد الأقصي سيكون محط الأنظار، فخطوة مثل تلك ستتجاوز آثارها نتائج هزيمة 67، حيث لم تفلح الهزيمة في بسط سيطرة الصهاينة علي الحرم القدسي. ومن المتوقع أن يكون رد الفعل الرسمي لمصر عنيفا.. علي الصعيد الكلامي فقط (!) والسيناريو المتوقع - في ظل انشغال القيادة بالترتيب لانتخابات مجلسي الشعب والشوري وانتخابات الرئاسة- لن يتجاوز توجيه الرئيس حسني مبارك كلمة للأمة يحذر فيها من أن ما يجري اليوم من انتهاك مشين لحرمة المسجد الأقصي يعد عدوانا بربريا مخططا ومنظما علي شعب أعزل ومقدساته، مما يمثل انتهاكا صارخا لجميع الأعراف والقوانين والشرائع. أي أن مصر ستكتفي بالإدانة والشجب مع احتمال سحب السفير المصري والمطالبة لأول مرة برحيل السفير الإسرائيلي نظرا لغليان الشارع، مما يهدد بكارثة تتجاوز كل الحدود هذه المرة. وما سبق يتسق مع سياسة مصر إزاء الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة ضد الشعب الفلسطيني والمدنيين في سوريا ولبنان، بل وفي مصر أيضا. فقد ثارت مصر الرسمية وانتفضت في مواقف عملية - قليلة- إزاء إسرائيل تمثل أغلبها في غضبة من تعامل إسرائيلي وقح مع الرئيس، ففي بداية وصول الرئيس مبارك للسلطة كان الترتيب لزيارة يقوم بها لإسرائيل علي قدم وساق.. حتي أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي علي أن يتم وضع برنامج الزيارة بالكامل في إسرائيل وهو ما أغضب الرئيس مبارك فقاطع إسرائيل حتي الآن باستثناء حضور جنازة رابين. وفي واقعة ثانية احتجت الخارجية المصرية بشدة علي قيام منولوجست يدعي إيلي يتسبان بتقليد الرئيس مبارك بشكل ساخر..وقاطعت افيجدور ليبرمان - رفضت حضوره لمصر- بعد وقاحته ضد الرئيس. يجب هنا الوضع في الاعتبار أنه فور أن تولي السيد الرئيس حسني مبارك سدة الحكم صارح الشعب بأن (مستر) شامير رئيس وزراء إسرائيل آنذاك يطالبه بأن يدلي يوميا بتصريحات مفادها تأييده لاستمرار السلام. وهو ما لا يزال يكرره الرئيس مبارك حتي الآن والخطاب الأخير بمناسبة عيد تحرير سيناء خير شاهد وإن كان قد تضمن - من باب التوازن - إشارة لضرورة استعادة الحقوق المغتصبة في القدس، من خلال إقامة دولة فلسطينية عاصمتها «القدس الشريف». (مع الأخذ في الاعتبار أن لإسرائيل تعريفها الخاص بالقدس، حيث تشير لبعض الأحياء الفلسطينية في دائرة القدس، بالإضافة إلي قرية أبو ديس علي أنها هي القدس الفلسطينية). كما التزمت مصر ضبط النفس تماما عند نسف عملية التسوية علي المسار الفلسطيني بالعودة إلي احتلال الضفة وغزة، ومحاصرة السلطة الفلسطينية المنتخبة، مع الضغط العسكري علي سوريا ولبنان بشن هجمات واسعة النطاق، ورفضت القاهرة استدراج مصر لتوريطها علي غرار ما حدث عام 67 بدوافع التزاماتها القومية. وعلي نفس المنوال تعاملت القاهرة بتريث وهدوء مع عمليات التجسس ضدها فلم تعلن عن وقوع عزام عزام إلا بعد أن تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية القضية بكثير من الإسهاب والشحن. المثير للغضب أن تل أبيب تحاصر حتي المساعي المصرية الدبلوماسية للتدخل لإنقاذ الموقف برفضها المبكر تدخل القاهرة في «شئونها الداخلية». وهو أحد الأسباب التي دفعت القاهرة لغلق معبر رفح الحدودي مع غزة عند حدوث حصار إسرائيل للفلسطينيين وإيجاد تخريجات قانونية لفتحه في الأوقات العادية. وفي إطار الضغوط نفسها تطالب تل أبيب القاهرة بألا تتجاوز دورها كوسيط محايد بين الطرفين. علي أرض الواقع بدأت إسرائيل في تفجير الأوضاع في الحرم القدسي بافتتاحها معبد الخراب الذي يرتبط بنبوءة هدم الأقصي، وبحديثها الرسمي عن السماح لليهود بالصلاة داخل الحرم القدسي الشريف الذي تصر القوي الصهيونية علي تسميته ب «جبل الهيكل». الوضع القانوني والتاريخي للقدس معروف ولا تستطيع الشرعية الدولية أن تتجاوزه ومكانتها الدينية في القلب دائما فهي «أولي القبلتين» التي تكرست قدسيتها في الآية القرآنية التي تصف إسراء النبي محمد (صلي الله عليه وسلم) من مكة إلي القدس، حيث عرج من الأخيرة إلي السماء إلي ما هو قاب قوسين من الحضرة الإلهية.(راجع الإسراء الآية 1 والنجم الآية 9). وقد برز تغير في السنوات الأخيرة ليس في مؤسسات حكومية أو دينية - حتي الآن- لكن وسط الجمهور العادي بتحريض حكومي وإعلامي غير مسبوق، الأمر الذي ظهرت نتائجه في استطلاعات رأي حديثة أكدت أن أكثر من 80 % من هذا الجمهور يؤيد صلاة اليهود فوق جبل الهيكل. (هكذا نشرت الصحف الإسرائيلية ولا نستبعد بالطبع أن تكون هذه الاستطلاعات نفسها جزءًا من حملة التحريض علي تدنيس الحرم الشريف). عبر عن التغيير أيضا برنامج حزب المفدال - عضو الائتلاف الحالي برئاسة شارون- حيث ذكر: «سنعمل علي ترتيب إمكانيات لصلاة اليهود في كل الأماكن المقدسة لهم» (البند ج 4). وبشكل عملي خطير توجد علي الأقل عشر جماعات مختلفة تعمل لتغيير الوضع الراهن «ستاوس كو» في الحرم، أغلبها تتحرك بشكل سري وترفع شعار «من الجنون التحدث». أكثرها نشاطا «معهد المعبد» برئاسة الحاخام «يسرائيل اريئيل» المهتم بالبحث وبإعادة تشييد نماذج لأدوات المعبد. حركة «إقامة المعبد» برئاسة الحاخام «يوسف الفويم (الفويم اعتاد الصعود لتخوم الحرم مصحوبا بأشخاص ليسوا جميعا من المتشددين كل ثلاثاء وكل سبت) يضاف لهؤلاء «أمناء أرض إسرائيل» برئاسة جرشون سولومون ،فهم من أوائل من صعدوا في شكل تظاهري للحرم، وسط جلبة وصخب إعلامي، وهم مستمرون في هذا حتي الآن في مواعيد ثابتة وفي الأعياد والاحتفالات. محاولة «سلومون» رفع حجر الأساس لجبل الهيكل في أكتوبر 1990 استنفرت مئات المسلمين للجبل الهيكل، وهناك اشتعلت النفوس بالغضب وتم إلقاء حجارة علي ساحة حائط المبكي وفي اعقاب هذا قتل 17 مسلما بنيران الشرطة وتزايدت الريبة الإسلامية. وهو المشهد الذي تكرر منذ نحو عام، حيث اكتفوا بوضع الحجر فوق شاحنة استقرت لفترة قصيرة داخل موقف سيارات قريب من الحرم. وهناك جماعات أخري تعمل في نفس الاتجاه منذ سنوات مثل: «يمين إسرائيل» برئاسة شاؤول جوتمان ويوئيل لرنر اللذين حاولا هما أيضا الصعود مرات للجبل ومؤخرا قل نشاطهم الظاهر، وحركة «إلي جبل همور» ( جبل موريا الذي بني عليه الهيكل) المهتمة بنشر أبحاث هلاخية متعلقة بجبل الهيكل. وقد أقام البروفيسور ايتمار فرهفتيج والدكتور «دانيال فيل» حملة أقناع من أجل جبل الهيكل والتي تعقد اتصالات ولقاءات مع أعداد من أعضاء كنيست. في الماضي ضمت حملة الإقناع 25 عضو كنيست، من الليكود ومن العمل أيضا. من بين ما لديها يحفظ أعضاء هذه الحملة خطابا من يوسي بيلين قيل فيه إنه لليهود أيضا حقوق علي جبل الهيكل يجب إجراء مفاوضات بشأنها مع العرب. وقد تقلصت مؤخرا أنشطة الحملة، وإن كان مجرد وجودها يهدف للتأثير في المفاوضات بشأن مستقبل الحرم في التسوية النهائية. ومن الجماعات المعروفة للغاية حركة «حي فقيام» (خالد) بزعامة يهودا عتسيون الذي لا يكل، عضو الجماعة اليهودية السرية المسلحة التي أرادت في وقتها نسف مساجد جبل الهيكل. عتسيون الذي تحول من النشاط التفجيري لإقامة جماعة ضغط تهدف لتغيير قيمي وثقافي بين صفوف الشعب اليهودي، وقد ناضل مع زملائه ضد حظر الصلاة اليهودية علي جبل الهيكل. يذكر أن من المقربين لهم تلاميذ معهد قبر يوسف الديني في نابلس. وإلي كل هؤلاء يجب إضافة عدد آخذ في التزايد من الأشخاص المحسوبين علي التيارات المركزية للصهيونية الدينية الذين يعتقدون بوجوب تنفيذ حق الصلاة فوق جبل الهيكل. أما موقف مصدري الفتاوي الشرعية اليهودية فقد تغير أيضا بالفعل. وإذا عدنا للصراع الأول علي الحرم القدسي (جبل الهيكل) بعد احتلاله في حرب 67 استؤنف في أعقاب احتجاجات عربية اندلعت بعد صلاة نظمها الحاخام «جوران» فوق الجبل في أغسطس 67 وخوفا من انفجار ما اعتبر علي أنه المكان الأكثر شحنا في الشرق الأوسط لم تجر الحكومة الإسرائيلية تغييرات علي وضع الجبل، وتجاهلت تقريبا حقيقة أن جبل البيت هو مركز الأشواق للشعب الإسرائيلي منذ ألفي سنة. كما أن الحاخام الأكبر الشهير كوك عارض إقامة معبد فوق الجبل، حيث رفض اقتراحا بإقامة معبد فوق الجبل، الحاخام كوك هاجم بشدة الذين يحاولون السماح بالصعود لجبل الهيكل بعد حرب الأيام الستة. في الإطار نفسه يمكن القول بأنه حدث تغير أيضا في موقف مصدري الفتاوي الشرعية اليهودية، حيث علت مؤخرا أصوات حاخامات معروفين ومهمين مثل الحاخام «دوف ليئور» الذين قالوا إنه يجب بناء معبد يهودي فوق جبل الهيكل. وقد تطرق الحديث أيضا عن ضرورة بناء معبد يكون أعلي من المسجد. وسعيا لهذا الهدف سيتم التخطيط لمسيرة «سلمية» حقيقية تنتهي باجبار المسلمين علي الموافقة علي صلاة اليهود داخل الحرم القدسي في هدوء. ويبقي في النهاية تساؤل: هل من آليات لردع الصهاينة من العدوان الصريح علي المسجد الأقصي، والإجابة عن السؤال تقتصر علي نقاط محددة منها: عدم انكسار إرادة الفلسطينيين في الدفاع عن حقوقهم ومقدساتهم. وإستعادة القدس. واقناع الولاياتالمتحدة وأوربا بعدم السماح بمواجهة شاملة تهدر مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة بما تثيره من رد فعل عربي. العمل علي تحرك بعض الأنظمة والشعوب العربية بشكل يخلو من التهاون. اقناع الإسرائيليين بأنهم لن يستمروا في جني ثمار التسوية علي الصعيد الاقتصادي وقضم الأرض والاستيلاء علي مواردها المائية وعوائدها بدون استخدام القوة إذا ما تم الاعتداء علي الأقصي.