30 يونيو 2013 معجزة مصرية بكل المقاييس السياسية والاجتماعية والجماهيرية والثورية، ففي هذا اليوم نزل أكبر عدد من المواطنين على مستوى العالم فى تظاهرة سياسية، كتبت نهاية حكم رئيس منتخب بعد عام واحد من حكمه، وأنهت رصيدا تاريخيا لجماعة الإخوان التى ظلت تستعد للقفز على الحكم منذ تأسيسها عام 1928 فإذا بها تسقط سقوطا مروعا بعد عام واحد من تحقيق الحلم التاريخى. الطريق إلى هذه المعجزة المصرية الخالصة، لم يكن مفروشا بالورود، وإنما عبر العديد من الفاعليات والتحركات السياسية والشعبية، والكوارث التى ألمت بالشعب المصري فى عام، مما جعل العام الأول من حكم مرسي هو الأسوأ فى تاريخ الجمهورية المصرية منذ إعلانها عام 1953.
وإذا أردنا أن نعرف ماذا حدث خلال عام من حكم محمد مرسي، ولماذا انقلب عليه الشعب هذا الانقلاب الكبير فلا بد أن نعود إلى رمضان الماضى حينما قتل 16 ضابطا وجنديا مصريا فى هجوم إرهابي نفذته جماعات الإسلام السياسي العنيفة، سواء كانت فلسطينية أو مصرية، فإن المحصلة النهائية أن المصريين الذين منحوا محمد مرسي 51% من أصواتهم، الكثير منها على مضض، شعروا بإهانة بالغة.
وبينما أعلنت القوات المسلحة التى كان يديرها المشير محمد حسين طنطاوى عن عملية عسكرية فى سيناء للقصاص لشهدائها، فقد بدا ان الرئيس الجديد غير مهتم بهذا القصاص، بل وصل الأمر إلى حد أنه غل يد القوات المسلحة والشرطة فى ملاحقة مرتكبي هذا العمل الإرهابي.
وبدلا من تطهير سيناء من البؤر الإرهابية منح مرسي نفسه سلطة إصدار تعديل دستورى، أقال بموجبه الخمسة الكبار فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وحصل لنفسه على سلطة التشريع التى كان يتمتع بها المجلس العسكرى لحين إجراء انتخابات مجلس نيابي جديد.
وفى حين روجت جماعة الإخوان والمتحالفون معها، إن هذه الإقالة كانت لإجهاض انقلاب عسكري يزمع طنطاوى القيام به، تقبلت فئات أخرى من الشعب هذه الإقالة بعد أن ضاقت بحكم المجلس العسكرى الذى لم تكن إدارته للبلاد ناجحة، بل على العكس تماما ارتكب المجلس العديد من الخطايا، ولعل أكبر خطاياه أنه تحالف مع جماعة الإخوان خلال الاستحقاقات السياسية التى شهدتها البلاد خلال الفترة الانتقالية، وتعامل العسكر مع الإخوان باعتبارهم القوة السياسية الأكثر عددا وتسليحا على الأرض، وارتضوا بمنطق الخروج الأمن دون إراقة المزيد من الدماء.
قليلون فى مصر فى هذه الأثناء كانوا يدركون أن إدارة الإخوان لمصر ستجر عليها كارثة محدقة، وأن الجماعة التى وصل رئيسها بانتخابات عليها ملاحظات لا تؤمن بالديمقراطية، إلا لمرة واحدة فقط، ثم سرعان ما تقلب عليها.
بدأ أول تحرك جماهيري شعبي ضد مرسي فى أغسطس 2012 بعد شهرين من توليه رئاسة البلاد، وقاد هذا التحرك العلنى النائب السابق محمد ابو حامد داعيا للتظاهر ضد الرئيس محمد مرسي، والتشكيك فى شرعيته.. ورغم أن القوات المسلحة أغلقت جميع الطرق المؤدية إلى القصر الجمهوري فى مصر الجديدة من كافة الاتجاهات فقد نجح عدة ألاف من المواطنين فى الوصول إلى أقرب نقطة ممكنة.. رافعين شعار يسقط حكم المرشد للمرة الأولى بعد شهرين من وصول مرسي إلى سدة الحكم.
كان تحركا خجولا مقارنة بما حدث بعد ذلك فى مصر، وبالمياه الكثيرة التى جرت فى النهر.. لكن هذا التحرك أوصل رسالة مهمة للإخوان ومندوبهم فى القصر الرئاسي أن هناك شعبا يراقب ويتابع وينتفض.. وحتى لو كانت انتفاضته محدودة.. وليست على نطاق واسع، ودون مشاركة سياسية باستثناء أبو حامد وعدد محدود من الحركات الشعبية، فإن قداسة الرئيس المنتخب سقطت فعليا فى هذا اليوم وجعلت المصريين ينتبهون جيدا ويراقبون باهتمام ويستعدون للقادم.