انقض الرئيس مرسى على المجلس العسكرى مبكرا واختار ان يخوض معركة اقتناص السلطات بعد أن وقف العسكر فى طريق انفراده بالسلطة فوجه إليهم ضربة قاضية وأحال المشير طنطاوى والفريق سامى عنان وعدداً من قيادات المجلس العسكرى إلى التقاعد ونجح فى تقليم أظافر العسكر وإعادتهم إلى ثكناتهم مرة أخرى بعد 17 شهراً من التدخل فى العمل السياسي. سيناريو التخلص من المجلس العسكرى القديم لم يأت فجأة، ولكن الرئيس مرسى خطط له منذ اليوم الأول برعاية أمريكية واضحة لا تقبل الشك، خاصة أن العلاقة بين جماعة الإخوان التى ينتمى اليها الرئيس والمجلس العسكرى مرت بأسوأ مراحلها قبل الإعلان النهائى عن النتيجة، خاصة ان الجماعة وجهت اتهامات صريحة للمجلس بدعم الفريق أحمد شفيق ومحاولة التلاعب فى النتائج بالإضافة الى ان الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره «العسكرى» قبل إعلان النتيجة زاد من توتر العلاقات ودق المسمار الأخير فى نعشها وتظاهر شبابها فى الميادين وهتفوا بسقوط العسكر. ولكن بعد إعلان فوز الدكتور مرسى برئاسة الجمهورية حرص علي أن يبتلع المجلس العسكرى وخطط للتخلص من القيادات الحالية والبداية كانت فى الخطاب الذى ألقاه الرئيس فى ميدان التحرير ليحلف اليمين الدستورية أمام شباب الجماعة. ويومها وقف وقال بصوت عال وحماسى: «لن أتهاون فى انتزاع أى صلاحية من صلاحيات رئيس الجمهورية وليس من حقى ان افرط فى الصلاحيات والمهام التى اخترتمونى على أساسها هذا عقد بينى وبينكم». هذا التصريح كان بمثابة إعلان حرب على المجلس العسكرى ولكن أحداً لم ينتبه إليه خاصة انه ذهب فى اليوم التالى مباشرة إلى المحكمة الدستورية لحلف اليمين ثم إلى جامعة القاهرة لإلقاء خطاب التنصيب ثم جاءت المعركة الصغرى بينه وبين المجلس العسكرى بعد إصداره قراراً بعودة البرلمان متحديا حكم المحكمة الدستورية العليا ولكن العسكرى لم يتحرك ونقل المعركة إلى أرض القضاء التى انتصر فيها الى العسكرى. توضيح رئاسة الجمهورية للقرار الجمهورى بعودة البرلمان أثبت ان معركة الرئيس مرسى مع العسكر فقط، فالدكتور ياسر على المتحدث باسم رئاسة الجمهورية قال نصا: «ان القرار لا يتعارض مع حكم الدستورية وان كل ما حدث أن الرئيس مرسى استخدم سلطاته فى الغاء القرار رقم 350 لسنة 2012 الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى كان يمثل السلطة قبل انتخاب مرسى وفى الوقت نفسه يحرص القرار الجمهورى على ان ينفذ حكم الدستورية ولكن خلال أجل محدود يسمح به القضاء الدستوري والقضاء الإداري ولذلك أكثر من سابقة دستورية في حالات مماثلة». بيان الرئاسة التفسيرى أكد ان مرسى أراد ان يخضع جنرالات المجلس المتقاعدين الآن تحت سيطرته وتصرفه ولكنه فشل بعد أن تصدت له المحكمة الدستورية فكان البديل ان يفكر الرئيس فى تقاعدهم على الفور. أمريكا منحت الضوء الأخضر للرئيس مرسى للتحرك لإقالة جنرالات المجلس العسكرى ولا يمكن ان ننظر إلى التصريحات التى صدرت عن الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع بعيدا عن هذا الاتجاه. فعقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية عبرت كل من وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع «البنتاجون» عن القلق بشأن تحركات المجلس العسكري لتشديد قبضته على السلطة على الرغم من انتخابات رئاسية أجريت بهدف تأكيد المستقبل الديمقراطي. «فيكتوريا نولاند» المتحدثة باسم وزارة الخارجية قالت قبل حلف مرسى اليمين الدستورية «ان مصر تقف في مفترق حرج والولاياتالمتحدة قلقة لقرارات يبدو أنها تطيل أمد قبضة العسكريين على السلطة». وقالت نولاند في إشارة إلى المجلس العسكرى «إنهم قدموا تعهدًا للشعب المصري ونريدهم أن يفوا به هذا وضع يتطور ونراقبه» وقال جورج ليتل السكرتير الصحفي للبنتاجون: نرى أنه يتعين استمرار عملية الانتقال وأن تصبح مصر أكثر قوة واستقرارًا بعملية انتقال ناجحة إلى الديمقراطية. لا يمكن قراءة تلك التصريحات والتى زادت قبل زيارة وزيره الخارجية الأمريكية إلى مصر بعد تولى مرسى السلطة بعيدا عن ما يحدث الآن خاصة ان فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية قالت عقب قرار إقالة المشير والفريق عنان ان الولاياتالمتحدة كانت على علم بوجود محادثات حول تعيين فريق جديد للدفاع في مصر مشيرة إلى أنه عندما كانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في مصر وكذلك وزير الدفاع ليون بانيتا فهمنا وقتها أنه سيكون هناك تغيير وسيكون تشاوريا ومن هذا المنظور فإن هذا التغيير ليس مفاجئا لنا. المؤكد ان الرئيس مرسى كان يخطط لإقالة جنرالات العسكرى السابقين ولكن بعد وضع الدستور أو على الأقل بعد فترة ولكن هناك أسباباً عديدة جعلت مرسى يفكر فى الأسراع بقرارات الإقالة وإحكام قبضته على السلطة والقضاء على ازدواجية القرار فيها. أولها أحداث رفح والتى أحرجت الرئيس إلى حد كبير وفتحت بابا من الجدل وكاد ان يخلق أزمة بين الإخوان وحكومة حماس فى فلسطين خاصة بعد بيان المجلس العسكرى الذى أشار إلى ان هناك عناصر من فلسطين اطلقت النار على معبر كرم أبوسالم بالتزامن مع إطلاق النار على الجنود المصريين كما ان هناك اتهامات طالت الرئاسة بعد قرارات العفو عن بعض المتهمين وهو ما دفع المتحدث الرسمى الدكتور ياسر على إلي نفى أى علاقة بين خروج المتهمين وأحداث رفح. ما حدث فى جنازة الشهداء كان دافعا أيضا للإسراع فى اتخاذ قرارات تقاعد الجنرالات فمرسى شعر ان هناك مؤامرة تدار ضده خاصة بعد التحذيرات التى تلقاها من جهات أمنية بعدم المشاركة بالإضافة الى الاعتداءات التى حدثت على رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل وبعض رجال الدولة وهو ما دفعه إلى الانفراد بقرارات التصحيح التي بدأها بإقالة رئيس المخابرات وقائد الشرطة العسكرية. أيضا عملية تطهير سيناء من الإرهابيين والتى سميت باسم «نسر» التى كان يقوم بها الجيش فى سيناء كانت سببا للخلاف بين الرئيس والمشير فالأخير كان يرى ان هناك ضرورة لهدم الانفاق وإغلاق معبر رفح لفترة مؤقتة وهو ما يعارضه مرسى حتى ان ياسر على المتحدث الرسمى للرئاسة نفى صدور قرار جمهورى بهدم الأنفاق. الدعوة إلى مظاهرات 24 أغسطس ضد جماعة الإخوان المسلمين من بعض النشطاء والقوى السياسية كانت مصدر ارتباك لجماعة الإخوان فكان هناك شعور لديهم ان هناك شيئاً يجرى فى الكواليس قبل تلك المظاهرة وان احتمالات الانقلاب العسكرى تبدو قريبة خاصة ان جنرالات العسكرى دخلوا فى صدام مع مرسى. الخلافات الموجودة فى الجمعية التأسيسية الحالية أيضا كانت سببا فى الإسراع بتقاعد جنرالات الجيش فمحاولات التوافق فى الجمعية الحالية بدت صعبة خاصة مع استمرار انفراد الإسلاميين الذين حصلوا على اغلبية فى الجمعية بمعظم القرارات وهو ما سبب خوفا من صعوبة وضع الدستور قبل حكم المحكمة فى 24 سبتمبر القادم وهو ما يضع تشكيل الجمعية الجديدة فى قبضة العسكرى فأسرع مرسى بإزاحتهم من المشهد السياسي ليحصل لنفسه على حق تشكيل الجمعية الجديدة. الدليل الأكبر على ان مرسى لم يكن يفكر فى ابتلاع المشير والفريق فى الوقت الحالى وتقاعدهما هو انه عقب تشكيل حكومة الدكتور هشام قنديل اختار المجلس العسكرى الدكتور علي إبراهيم صبري وزير دولة للإنتاج الحربي بناء على ما جاء بالإعلان الدستورى الذى يشترط موافقة المجلس العسكرى على أى قرار يخص الجيش ولكن بعد تقاعد طنطاوى اختار مرسى الفريق رضا حافظ قائد القوات الجوية السابق وزيراً للإنتاج الحربى وأطاح برجل طنطاوى بعد 6 أيام فقط(؟!!) قبل قرار مرسى بتقاعد جنرالات العسكرى قام بخمسة اختبارات للمجلس العسكرى لقياس ردود أفعالهم والتى جاءت كلها سلبية وهو ما شجعه على الإسراع فى تنفيذ مخطط الإقالة خاصة انه كان يخشى من تدبير انقلاب عسكرى بعد الدعوة إلى مظاهرات 24 أغسطس التى كان من الممكن ان تكتب نهاية الإخوان فاستبق مرسى الأحداث وقام بإصدار قرار بتقاعد الجنرالات حتى يحصن سلطته. الاختبار الأول الذى قام به مرسى كان فى التشكيل الوزارى لحكومة الدكتور هشام قنديل فكان هناك مشاروات بين الرئيس والمجلس العسكرى على بعض الوزارات السيادية وهو ما حدث فى وزارات الدفاع والخارجية والداخلية وكانت هناك مشاروات أيضا فى وزارتى الإعلام والعدل ولكن «الإخوان» فى اللحظات الأخيرة اسندوا المنصب الوزارى إلى شخصيات تنتمى إليها سواء تنظيمياً أو فكرياً وهما المستشار أحمد مكى لوزارة العدل وصلاح عبدالمقصود لوزراة الإعلام ولم يبد «العسكرى» أى ردود ايجابية والتزم الصمت تماما. الاختبار الثانى كان فى قرار إقالة رئيس المخابرات العامة اللواء مراد موافى وتعيين اللواء محمد رأفت شحاتة قائما بأعمال رئيس الجهاز بالإضافة إلى محافظ شمال سيناء وهو القرار الذى أغضب المجلس العسكرى ولكنه لم يتحرك حتى ان الرئيس نفسه لم يعين رئيسا نهائيا للجهاز واختار قائماً بأعمال فقط انتظارا لموقف العسكرى الذى جاء سلبياً أيضا ولم يعلق حتى على القرارات الأخيرة. الاختبار الثالث كان فى قرار اقالة رئيس الحرس الجمهورى وتعيين اللواء محمد أحمد ذكى بدلا منه فالحرس الجمهورى كان تابعا للمجلس العسكرى وقام بعد الثورة بتخفيض عناصره من 7 آلاف عنصر بعد الثورة إلى 1200 عنصر فقط لعدم وجود رئيس ونفس العدد استمر مع الرئيس مرسى و«العسكرى» أبدى ردود فعل سلبية أيضا. الاختبار الرابع والأهم هو قرار إقالة اللواء حمدى بدين قائد الشرطة العسكرية وتكليف المجلس العسكرى باختيار شخص آخر بدلا منه وهو القرار الوحيد الذى اعترض عليه المجلس العسكرى ولم يعين أى قائد جديد بدلا منه لكن موقف العسكرى الغاضب لم يكن قويا فشعر مرسى بمدى سلبيته تجاه قراراته. الاختبار الخامس والأخير تخصيص شرطة خاصة برئاسة الجمهورية بدون الرجوع الى المجلس العسكرى والذى كان بمثابة إشارة البدء للرئيس لتنفيذ قرارات التقاعد. ونقف قليلاً عند قرار إحالة بدين إلى التقاعد وتخصيص شرطة خاصة بالحرس الجمهورى فقد كان ذلك جزءاً من مخطط التنفيذ فالشرطة العسكرية التى كان يقودها بدين هي القوة التى كانت قادرة على تنفيذ الانقلاب العسكرى بسرعة لأنها القوى الوحيدة القادرة على الانتشار فى الشوارع الآن وبدون أسلحة ثقيلة مثل الدبابات أو المجنزرات واختار مرسى ان يشل حركة الشرطة العسكرية حتى يؤمن قرار تقاعد طنطاوى وعنان كما ان الشرطة الخاصة برئاسة الجمهورية عالجت القصور فى عدد عناصر الحرس الجمهورى وكانت مصدر تأمين أيضا للقصر الجمهورى من أى اعتداء عليه أو أى محاولة للسيطرة عليه لو حدث انقلاب عسكرى. الرئيس مرسى استفاد من أحداث رفح فى القضاء على الحكم العسكرى فصحيح انه اتخذ القرار قبل تلك الأحداث ولكن وقوع الحادث الإجرامى أسرع بتنفيذ القرار إضافة إلى المخاوف من الانقلاب العسكرى عليه فى مظاهرات 24 اغسطس. السعيد كامل رئيس حزب الجبهة الديمقراطية – قال ان قرار تقاعد جنرالات المجلس العسكرى جاء منفردا من رئيس الجمهورية وبعد الحصول على تطمينات من قادة الدول الكبري بأنه ليس هناك مانع فى توحيد السلطة والقضاء على ازدواجية القرار وعدم تفرق المسئولية من أى جهة ولكن القوى السياسية لديها تخوفات من استحواذ الإخوان على كل مؤسسات الدولة ضمن مخطط اخونة الدولة المصرية وتصعيد المقربين منها على حساب الكفاءات وأصحاب المهارات. وأضاف: ان مرسى قد يكون استفاد مما حدث فى رفح وأمام المنصة أثناء تشييع جنازة الشهداء فى الإسراع بإقالة جنرالات الجيش وقد يكون مرسى أراد ان يقطع الطريق بعد ان شعر ان هناك جهات تريد ان تفشل مشروعه الإصلاحى وانه يمكن ان يحدث معه مثل ما حدث مع البرلمان. وقال ان مشاكل الدستور العديدة قد تكون دافعاً لاتخاذ هذا القرار كما انه أراد ان يقضى على مراكز القوى التى يسعى إليها الكثير من المعارضين كما انه اتخذ تلك الخطوات الاستباقية بعد خوف جماعة الإخوان من مظاهرات 24 أغسطس القادمة التى شعرت الجماعة بأنها مقدمة لانقلاب عسكري. وأشار هانى سري الدين – عضو المجلس الرئاسى السابق لحزب المصريين الأحرار – إلي ان قرارات تقاعد جنرالات العسكرى حق يمارسه الرئيس ولكن المشكلة ان صناعة القرار كانت مفاجئة وبها قدر كبير من الغموض والأمور تترك للتكهنات. وقال ان تقاعد الجنرالات ربما يكون رغبة حقيقية فى التغيير داخل القوات المسلحة أو لفك الاشتباك فى السلطة والتضارب فى الصلاحيات وتقليص دور طنطاوى وعنان فى السياسة خاصة ان الجيش فى حاجة إلى ضخ دماء جديدة وكان هناك خط تماس بين الدور السياسي للمجلس العسكرى وتضارب الاختصاصات لرئاسة الجمهورية. وأشار عمرو الشوبكى، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية إلي ان استمرار المشير طنطاوى فى السلطة بعد 30 يونيو كان مخالفا لأى منطق وفى النهاية كان من الطبيعى ان يتخذ الرئيس قرارات بتقاعد جنرالات المجلس السابق وكان لأحداث رفح وما حدث أمام المنصة فى جنازة الشهداء عوامل أسرعت باتخاذ القرار. وقال الشوبكى ان المجلس العسكرى الذى كان يدير البلاد ضعيف وليس لديه آليات الإدارة وإذا أراد أحد ان يعترض علي سياسية الإخوان الآن فليكن بالطريقة الديمقراطية وليس بالدعوة إلى العنف. ويري الخبير الاستراتيجى عصام شلتوت ان الرئيس كان يرغب في إحالة الجنرالات للتقاعد وجاءت أحداث رفح وما تبعها لتسرع فى اتخاذ القرارات خاصة ان الرئيس لم يكن مرتاحا لوجود المجلس العسكرى. اللواء حسام سويلم الخبير الاستراتيجى قال ان أمريكا وراء إقالة قيادات المجلس العسكرى وهى التى وعدت الرئيس مرسى بحمايته وشجعته على اتخاذ مثل هذا القرار وما يؤكد هذا الاتجاه ان امريكا طالبت المشير بتسليم السلطة كاملة إلى الرئيس مرسى وهددت بقطع المعونات العسكرية إلى الجيش لو لم يسلم السلطة كاملة.