ما حدث في اليومين الماضيين شكّل مفاجأة من العيار الثقيل؛ على الأقل لديّ، تماما كما شكّل سقوط مبارك يوم 11 فبراير 2011 مفاجأة للعالم كله، وهو ما استدعى إلى الذاكرة فورا قول المهلهل بن ربيعة التغلبي: ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال..!
فالدكتور مرسي حاكم الأمس أصبح مطلوبا بأمر النائب العام الذي أقاله قبل عدة شهور، ومَن كان على رأس مكتب الإرشاد بالأمس؛ أضحى متهما يطلبه المرشدون ليحقَّق معه، ومن كانوا تحت قبة البرلمان منذ عام أمسوا مطلوبين للعدالة، على أيدي القضاة الذين كانوا يريدون مناقشة قانون سلطتهم.. وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُها بَينَ النَّاسِ.. صدق الله العظيم
وقد نسمع كثيرا، ونقرأ كثيرا عن أسباب هذا السقوط المدوّي للرئيس الإخواني.. أيام ثورة يناير لم يكن يستطيع واحد أن يدّعي العلم بسقوط الرئيس يوم 11 فبراير، ولكننا لن نسمع كثيرا أو نقرأ كثيرا في التاريخ عن تحديد يوم سقوط الإخوان قبلها بشهرين ! فكل ثورة لها خصائصها ومكونات وجودها وعوامل نجاحها، تماما كما لكل شعب خصائص ومكونات شخصيته وعوامل بقائه أو فنائه.
وفي الحالة المصرية كان القاسمان المشتركان في السقوطين المدوّيين لمبارك ومرسي هما الشرطة والجيش، أما الشرطة؛ فاختلف دورها في المرتين، في المرة الأولى كان انسحابها المفاجئ من الحياة المصرية يوم 28 يناير 2011 سببا رئيسيا في سقوط نظام مبارك، وليس غريبا أن يسقط هذا النظام الذي كان يعتمد اعتمادا كليا على قبضة أمن العادلي، وسيطرة أمن الدولة على مقاليد الأمور في كل كبيرة وصغيرة في الدولة المصرية، بدءا من إلحاق الأطفال بالحضانة أو المدرسة، والذي كان يتطلب وساطة من ضابط في أمن الدولة، حتى ضابط أمن الدولة في مكتب كل وزير أو مدير أو جامعة، صعودا حتى تأمين الرئيس نفسه، فلما سقط جهاز الشرطة في ذات اليوم الذي احترق فيه الحزب الوطني؛ كان ذلك تقويضا لدعامتين أساسيتين من دعائم الحكم الذي لم يصمد بعدها أكثر من أسبوعين.
أما في حالة الدكتور مرسي، فقد اختلف أمر الشرطة، قرر معظم ضباط وأفراد الشرطة عدم التعاون مع أي نظام بعد الثورة، سواء كان المجلس العسكري أو الإخوان المسلمين، وسواء كان ذلك تآمرا أو اتفاقا، أو حدث عفويا أو انتقاما؛ فلا أحد ينكر أن ذلك التقاعس قد حدث، وترتب عليه؛ وخاصة بعد أن تولي الدكتور مرسي الرئاسة؛ تبعات شكّلت عقيدة عند السواد الأعظم من شعب مصر؛ هي أن النظام لم يقدر على جهاز الشرطة؛ فكيف يقدر على ما سواه ؟ لم يعد الأمن أو النظام بالتالي إلى الشارع، وترتب على انعدام الأمن أيضا انحسار السياحة وتردي الحالة الاقتصادية، والأزمات المتعاقبة من السولار إلى الغاز والبنزين وانقطاع الكهرباء.. الخلاصة بقيت يد القانون عاجزة عن عقاب المجرمين، لأن اليد التي تلاحقهم – ببساطة – لا تلاحقهم.
إذن فقد لعبت الشرطة دورها في إسقاط الرئيسين المتعاقبين.. والآن.. ما أتوقعه هو أن تعود الشرطة إلى ممارسة دورها بأقوى وأحسن ما يكون، وهو ما نتمناه جميعا، ولو كان ذلك على حساب اختياراتنا السياسية؛ فإننا نقبله مرغمين، إذ ليس لدينا خيار غيره.
أما الجيش فكلنا يعلم دوره؛ انحاز – إن جرّدنا الأمور - إلى إرادة المتظاهرين في التحرير في المرتين، المرة الأولى كانت انحيازا إلى الشعبالغاضب من رئيسه ومن نظام حكمه ومن قبضة أمنه الرهيبة، والمرة الثانية كانت انحيازا إلى الشعب الغاضب من رئيسه ومن جماعته ومن تراخي وانعدام قبضة أمنه.. وفي المرتين حمد الشعب المصري – معظمه - تدخل الجيش وانحيازه لإرادته، أو هكذا بدا الحال في المرتين، والحمد الله أن الجيش المصري لم يتصرف؛ لا في المرة الأولى ولا في المرة الثانية؛ تصرف الجيش السوري مع الشعب الثائر، وإلا وقعت الكارثة.
فالجيش السوري؛ ومنذ أكثر من عامين؛ يدُكُّ المدن السورية دكا، ويُقَتِّل مئات الآلاف من الشعب تقتيلا، حتى أصبحت سوريا التي نعرفها أثرا بعد عين، وتشرد اللاجئون السوريون في بلاد الجوار والعالم تشرُّدَ الفلسطينيين، ولا يعلم أحد إلا الله متى ستنتهي مأساتهم.
فالحمد لله على نعمة الجيش المصري؛ خير أجناد الأرض.
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. واسلمي يا مصر..