لأن اللحظة فارقة ومحورية، في تاريخ مصر، ولأن الوطن يتوجس خوفًا، من حماقات ما قبل السقوط، وهي حماقات تكون على الأرجح دموية قاسية، تمامًا على غرار نهايات أفلام الزمن الجميل، حين كان المليجي، يقترف أبشع جرائمه، قبل أن يقع في قبضة وحش الشاشة، فريد شوقي، فيوسعه ضربًا، وينهال عليه لكمًا، حتى «يفرفرُ» بين يديه، قبل أن يصير جثة هامدة. و«يفرفر» في المعجم معناها، تشقق، وفرفر الذئب الشاة، أي مزقها.. وواضح أن محمد مرسي وثلة قليلة من الأهل والعشيرة ممن لم يتمكنوا من السفر لأداء العمرة في قطر، على غرار عمرة مرشح الرئاسة الخاسر، أحمد شفيق بالإمارات، «يفرفرون» الآن، ولعلهم يكلمون أنفسهم، تتخطفهم الأفكار، وتنهش أنفسهم المخاوف: «يا حسرةً على مكتب الإشاد، أطاحت به الثورة، التي كان أعضاؤه بها يستهزءون»!
الواقع أن السقوط الوشيك لمحمد مرسي، يعني حتمية سقوط جماعة الإخوان، وخروجها من التاريخ، كغيرها من الجماعات الإقصائية، التي قفزت على الحكم في مراحل سيولة، كالقرامطة والحشاشين.
سقوط مرسي، الذي لا يعدو إلا أن يكون «دمية» بمسرح العرائس، يمسك خيوطها المرشد العام، فإذا حركها يمينًا نطقت: أبلج، وإن وجهها يسارًا، قالت: لجلج، سيؤدي ليس إلى سقوط الجماعة بمصر، وإنما إلى انهيار تنظيم الإخوان الدولي، ذلك أن شرارة الثورة المصرية، ستمتد إلى تونس، فنرد للأشقاء هدية تلقيناها في ثورة يناير، وربما تطيح ذات الشرارة، بحكومة أوردغان في تركيا، ومع السلامة يا «أبوعِمة مائلة».
الجماعة في ورطة كبرى، والمعبد يتهاوى، وملايين الشعب الثائر من ورائها، وخلفها، وفوقها، وتحتها، ومع الشعب يقف الجيش.. الشعب أصدر الأمر لقوات مصر المسلحة، بإسقاط جماعة الإرهاب الدولية، فرد الفريق السيسي: تمام يا فندم.. وهذا يشرفه.
المؤكد أن دهاقنة «دار الندوة»، المتعارف عليها إعلاميًا، باسم مكتب الإرشاد، يضربون أخماسًا في أسداس، ويقلبون الأمر على جوانبه، في اجتماعات سرية، كما كانوا طوال تاريخهم، وفي مقر مجهول، بعد حرق مقر المقطم.
الهم الأكبر الآن، يتمثل في إيجاد وسيلة لحماية التنظيم، حتى لو أدى الأمر إلى التضحية بمحمد مرسي.. فالجماعة فوق الفرد، ومرسي مجرد عسكري شطرنج، ولا بأس من التخلص منه، للخروج من موقف صعب في اللعبة.
واقع الأمر، إن الجماعة، ليست تملك إلا أن تتخير طريق سفك الدماء والجحيم، والإرهاب الوسخ، الذي تتقنه بحكم ميلادها، بين أحضان التطرف، وخبرتها التراكمية، في إرسال الرسائل المفخخة، واغتيال معارضيها، طعنًا في الظهر، أو أن الرئيس سيتحفنا بخطاب، يحاول فيه رأب الصدع، بينه وبين الذين خرجوا، من كل فج عميق لإسقاطه.
اللهم اهدهم إلى اختيار الخطاب، فالخيار الأول مفزع، وارحمنا من اراقة دم المصريين، أيًا كانت تياراتهم الفكرية، وعلى اختلاف توجهاتهم السياسية.
لكن.. ترى ماذا لدى مرسي من جديد يقال؟
لاشيء تحقيقًا، فالرجل الذي خطب كثيرًا، لمدة عام، لم يحدثنا عن شيء، اللهم إلا الأصابع العابثة، والقرد والقرداتي، وانخفاض أسعار المانجو، وأخيرًا «عاشور بتاع الشرقية بيأجر بلطجية»، ومن ثم فإن ما يقوله يجدر بالقنوات المتخصصة، في الكوميديا، والحق أنه أضحكنا كثيرًا، لكنه ضحك كالبكاء، على حال مصر، بعد ثورة عظيمة.
نريد في خطاب الوداع تجديدًا، ونطمح إلى خطاب تاريخي، لا تنساه ذاكرة الشعب المصري، إلى الأبد.. فالقذافي فعلها قبل مرسي، بخطاب «التوكتوك والشمسية»، ولما وقف منتصبًا يحدق في الفراغ يهتف: «من أنتم؟»، ولعل مرسي ليس أقل شأنا من الأخ الزعيم، الذي جلده المصريون سخريةً، الأمر الذي «قعد لهم في مرسي»!
التبنؤات بما سيقول مرسي، سؤال من خارج المقرر، فالمخلوع الثاني «إلا قليلًا» يقرأ من «كتالوج» خاص به، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيقول، بعد كل ما قيل، وهل من قول يقال، لم يقل من قبل؟! مرسي خارج التوقعات، وما يفعله يفوق خيال أعظم مؤلفي الكوميديا، فدعونا ننتظر، واغتنموا اللحظة الفارقة!