لوهلة ما.. وبعد أن مصصت عددًا من فصوص الليمون، حتى أقنع نفسي بالجلوس إلى التلفزيون، للاستماع إلى خطبة الرئيس المفوه ذي اللسان العربي المبين.. لوهلة ما، شعرت بأنه سيختتم خطبته العصماء قائلًا: سأحكمكم بالنعال يا شعب النعاج. هذه العبارة -حسب ذاكرتي المثقوبة بفعل أعباء مهنة البحث عن المتاعب- تعود إلى الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي يتفق مع الرئيس في أن كلاهما حافظ للقرآن الكريم، وكلاهما يمارس الحكم وفق قاعدة تكفير الخروج عن سلطانه، ربما بطرق مختلفة، وكلاهما رجل بلاغة، يحب اللغة العربية، لكن البون واسع بين بلاغة "الحق أبلج والباطل لجلج"، وبلاغة الحجاج الذي يروى عنه أنه قال ذات يوم لمعارضيه: "إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع، فإنه تعالى يقول: "ولقد أخذنَاهم بالعذابِ فما استكانُوا لربِهم وما يتضرعُون". لكن التشابهات بين الرجلين، ليست تعني أنهما متماثلان في كل شيء، فالحجاج كان رجل عمل وإنجاز، ينسب إليه فضل تنقيط حروف المصحف الشريف، بعد أن اتسعت رقعة الدولة، ودخل إلى دين الله أفواج من الأعاجم، ممن لا يحسنون اللسان العربي، وله علاوة على ذلك، مواقف مشهودة في حرب الخوارج، وقد بعث الجيوش، لفتح آسيا، حتى امتدت الدولة في عهده إلى تخوم الصين، فيما لم نر من الرئيس إنجازًا، أللهم إلا طائر نهضة، قيل لنا في مديحه، إنه جميل كالطاووس، مغرد كالعنادل، فألفيناه بومة سوداء، تنعق في الخرائب، وتقتات الجيف المتعفنة. والحق أن ما ساورني من شعور بأن مرسي سيتقمص الحجاج، يعود في المقام الأول، إلى ما ازدحم به خطابه من مفردات تهديد ووعيد، على شاكلة تهديده المستتر بسفك دماء رموز النظام البائد، إذ قال حرفيًا: "حياة هؤلاء لا تساوي شيئًا أمام مصلحة مصر"، وأيضًا لمّا مضى يحذر من أن "نكسة المقطم" قد تفتح الباب أمام الجميع لاستخدام السلاح، في إشارة إلى أبناء جماعته، ما يعيدنا مرةً ثانية، إلى مقولة الحجاج: إني أرى رؤوسًا قد أينعت، وحان وقت قطافها! ولم يفت الرئيس كعادته الأصيلة، أن يكرر العبارة الممجوجة، التي لا أحسب أن أحدًا لا ينتمي إلى قطعان السمع والطاعة يصدقها، ألا وهي: "أنا رئيس لكل المصريين"، وهنا لم يسعني إلا أن أتذكر المرحوم عبدالمنعم مدبولي، إذ أدى دور طبيب نفسي، في فيلم قديم، فعالج مريضًا يعاني عقدة نفسية، مبعثها قصر قامته، بأن طلب إليه أن يردد بصوت مسموع: "أنا لست قصيرًا قُزّعة، لكني طويل وأهبل"، ما أدى إلى تهاوي صورة الحجاج بما فيها من قسوة، ومن ثم غرقي في نوبة ضحك، ساهم في ارتفاعها، حديثه عن الأصابع الآثمة، الذي لا يعادله في الهزلية إلا حديثه عن "الحارة المزنوقة"! على أن خطاب الرئيس على ما فيه من عبارات تهديد، سيتخذها دراويش عشيرته، لا محالة، تعاويذ بالله من معارضيه، وتسابيح بحمده في "حلقات الزار" التي دأبوا على الدوران حول أنفسهم فيها، وللدلالة على أنه رجل حاسم جسور، وأسد مهيب هصور، وعلى ما فيه كذلك، من عبارات مثيرة للضحك، لم يخل من بارقة أمل، فالرجل قال: من يحاول أن يعود بالمشهد الي الوراء فلن أسمح له، وسأحبسه، أو أن أعود إلى الشعب.. وهذه العبارة فيما فهمت، ولا أرجو أن يكون فهمي من باب الأماني، أو بسبب أضغاث أحلام، تعني أن الرئيس مستعد للعودة إلى صفوف الشعب، متنحيًا عن الرئاسة. إذن.. تنحَ يا أخ مرسي وارجع إلى صفوف الشعب أو إلى جماعتك.. فكر بالأمر مرةً واحدة، فعسى أن تبصر الحقيقة.. لعلك حقًا تفكر. [email protected]